ديسمبر 6, 2024
Dr Fadhil Sharif

الكاتب : فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قوله جلت قدرته “مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ” ﴿الحجر 5﴾ أمة اسم، لا تتجاوز أمة أجلها فتزيد عليه، ولا تتقدم عليه، فتنقص منه. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله جلت قدرته “مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ” (الحجر 5) “ما تسبق من” زائدة  “أمة أجلها وما يستأخرون” يتأخرون عنه.

وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جلت قدرته “مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ” ﴿الحجر 5﴾ أي: لم تكن أمة فيما مضى تسبق أجلها فتهلك قبل ذلك ولا تتأخر عن أجلها الذي قدر لها بل إذا استوفت أجلها أهلكها الله. وجاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جلت قدرته “مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ” ﴿الحجر 5﴾ فقد سرت سنّة الباري جل شأنه بأن يعطي المدّة الكافية لرجوع المضللين إِلى بارئهم، من خلال ابتلائهم بالشدائد الصعبة تارةً، وبفيوضات رحمة الرخاء تارةً أُخرى، فمن لا تنفعه البشارة يأتيه الإِنذار وهكذا، كل ذلك إِتماماً للحجة عليهم. صحيح أنّ المصلحة الموجبة للتربية الربانية تقتضي (بعلم ربّ الأرباب) أن يمهل ولكنّه سبحانه لا يهمل، وعاجلا أم آجلاً سينال كلٌّ نصيبه بما كسبت يداه. من الآيتين الآخيرتين، تتّضح لنا فلسفة تكرار آيات القرآن لذكر تأريخ الأُمم السابقة. أفلا تكفينا قصص السابقين عبرة لإصلاح أنفسنا والرجوع إِلى اللّه تعالى؟ بل كيف نسترخي بالقعود حتى يقدّر علينا ما كتب على الذين ضلوا وظلموا من قبلنا؟ إذن وعلينا الإِعتبار، وإِلاّ فسنكون عبرة لمن سيأتي بعدنا.

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جلت قدرته “مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ” ﴿الحجر 5﴾ على ما يعطيه السياق والمعنى دعهم فإنهم لا يسلمون في هذه الحياة الدنيا وإنما يودون الإسلام بعد حلول أجلهم ونزول الهلاك بهم، والناس ليسوا بذوي خيرة في ذلك بل لكل أمة كتاب معلوم عند الله مكتوب فيه أجلهم لا يقدرون أن يستقدموه ولا يستأخروه ساعة. وفي الآيتين دلالة على أن الأمة من الإنسان لها كتاب كما أن للفرد منه كتابا، قال تعالى:”وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا” (الإسراء 13). وجاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جلت قدرته “مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ” ﴿الحجر 5﴾ كأن سائلا يسأل: لما ذا لم يعجل اللَّه العقوبة لمن تمرد عليه وعلى رسله؟. فأجاب سبحانه بأن لكل عقوبة أجل، وانه جلت حكمته ما أهلك أمة من قبل الا عند حلول أجلها، والجاهل من يغتر بالامهال “ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وما يَسْتَأْخِرُونَ”. انظر تفسير الآية 145 من سورة آل عمران، فقرة: (الأجل محتوم) ج 2 ص 171.

عن مركز تفسير للدراسات القرآنية للكاتب رضا زيدان: هل تطورت كلمة (أُمَّة) في القرآن الكريم؟ نقد أطروحة المستشرق مونتجمري وات حول التطور الدلالي لكلمة (أُمَّة) في القرآن الكريم: العلاقة بين الملمح الجماعي والزمن: من الغريب لأوّل وهلة أن نجد كلمة أمّة من معانيها (المدة الزمنية) في العربية، والأغرب من ذلك أن نجد كلمة (الهامة) البعيدة دلاليًّا في الظاهر عن كلمة الأمة إِذْ تعني الرأس، وتعبِّر عن حدثٍ فردي خالص وهو الموت تعني (جماعة الناس)، ونجد أيضًا أن (هامة القوم: سيّدهم ورئيسهم)، فما الرابط بين الجذرين (هـ م) و(ع م)؟ ذكرنا أن من تعابير العهد القديم عن الموت أن يُضَمّ الشخص إلى أمّته/ عمومته/ قومه، ونجد أيضًا في العربية تعبير أن الشخص عندما يموت (يصير هامة) أي: روحًا، و بالاستفادة من (الاشتقاق الأخويّ) نلحظ بسهولة أن الميت ينتقل إلى (هامة قومه)، إلى الأصل، الهامة الأُم (العمامة الحمراء)، فالأهل أو الأمة عند الشعوب القديمة لم تكن مجرد (تجمع أفراد)، وإنما كان للأمة مثال (روحي) يشعر به الفرد ظاهراتيًّا، ففي البدء هو يرث من أمّه اسم/ روح أجداده، هامة الأسلاف، فليست الولادة ولا التسمية مجرد حدثٍ (فردي) عند الشعوب القديمة، وإنما (اسم الشخص يشمل أسرته وعشيرته..، وبالتالي فإن ولادة الطفل هي حدثٌ مزدوج، أولًا، يشير إلى المستقبل فيما يتعلّق ببقاء الأسرة والعشيرة والقبيلة. وثانيًا، يشير إلى الماضي فيما يتعلق بالتاريخ. وعلى نحو أكثر دقة، إنه يشير إلى التاريخ المحدَّد للحياة العامة أو السلوك لأحد أفراد الأسرة المتوفين. هذا التاريخ المحدّد، شخصية فرد معيّن من العائلة، تعود إلى الحياة مرة أخرى عندما يتلقى الطفل اسمه)، أي: إنّ هامة الفرد الواحد لها تجليان، تجلٍّ شخصي وتجلٍّ اجتماعي زمني يمثل (هامة القوم: سيدها)، أو (امتداد العائلة) كما قيل لحمورابي. يقول الشاعر: وتفرّعنا من ابني وائلٍ.. هامةَ العزّ وخُرطومَ الكرم. وعندما يموت الشخص يعود إلى هامة قومه، إلى أمواته ويُنسى فرديًّا، لكن سننه تبقى اجتماعيًّا في تمثُّل فردي آخر. ما علاقة هذا بالزمن؟ إنّ العربي القديم يسمي الزمن بالوحدات التي فيه، فالشكل الهندسي (الدائرة) هو حلقة، أي الوحدة التي تجسّده، فكل حقبة هي أمة (لأن فيها تكون الأمة)، ويتصوّر الزمن كفضاء فسيح يعيش فيه الهوام الجماعية، أو الأمم المنسيّة، لأنّ الجذر (هـ م م) (يعبِّر عن فكرة التيه)، وهذا هو جوهر قراءة ابن عباس وغيره من السلف: “وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ” (يوسف 45)، أي بعد نسيان. وفي ضوء كلّ ما سبق يمكن أن نفهم قول صاحب معجم (العين): (أمم: اعلَمْ أنّ كلّ شيء يضمُّ إليه سائر ما يليه فإنّ العرب تسمِّي ذلك الشيء أُمًّا، فمن ذلك: أُمّ الرأس وهو: الدماغ. ورجل مأموم. والشجّة الآمّة: التي تبلغ أُمّ الدماغ. والأميم: المأموم. والأميمة: الحجارة التي يشدخ بها الرأس)، فالأميم هو المأموم وهو المصاب الذي يشبه الميت، (إِذْ إنّ الأَمِيم: الذي يدنو دماغه فلا يسمع ولا يستطيع الكلام)، لا يختلف عن مَن رجع إلى أمته (صار هامة) من حيث النسيان والصمت. إنّ مَن تأمَّم أو صار هامة يرجع للحالة الأصلية (أُمّ) قبل الخلق. ما نخلص إليه: هو أنّ معنى الإمامة أساسي في كلمة أُمّة، وأن الإمامة مقدّسة بطبعها، وأن الجذر (أ م م) جذر عربيّ وساميّ بالغ الترابط فيما يتعلّق بما يحمله من معانٍ مختلفة، ومرتبط بجذور أخرى مشابهة له صوتيًّا، وأنّ لمفهوم الأمة ملمحًا اجتماعيًّا وملمحًا فرديًّا، ويُستخدم أحيانًا بالتركيز على الملمح الاجتماعي وأحيانًا بالتركيز على الملمح الفردي. وبذلك لا تصح الفرضية التطورية لمونتجمري وات (وفريدريك ديني)، وكذلك التخمينات التي بناها وات على فكرة أنّ كلمة أُمّة تعني المجتمع فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *