ديسمبر 26, 2024
download (1)

الكاتب : ضياء الشكرجي

محاضرة ألقيت ضمن سلسلة المحاضرات الثقافية للتجمع العلماني العراقي في ٠٥/٠٧/٢٠٢١.

تنص المادة الأولى من دستور ٢٠٠٥ على أن:

«جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.»

مع هذا لم يحصل منذ سقوط الديكتاتورية تحول ديمقراطي، بل لم يباشر أصلا بنفس عملية التحول إلى الديمقراطية، بل أُخِذَ من الديمقراطية شكلها لا جوهرها، أو كما كان الإسلاميون يعبرون عنه بالقبول بآليات الديمقراطية، لا بفلسفة الديمقراطية، كونها تعني حاكمية الشعب، والذي يتعارض مع حاكمية الله عندهم. وطبعا القبول حتى بالآليات هو غير الدعوة لها والعمل من أجل تحقيقها، وهذا ما طرحه عليّ محمد حسين فضل عام ١٩٩٣ في حوار دام ما مجموعه أربع ساعات، لكن في أكثر من لقاء، عندما قال نحن (يعني الإسلاميين) نقبل بالديمقراطية، ولا ندعو إليها، واعترضت عليه في ذلك متسائلا: إذا وصلنا إلى قناعة بفائدة الديمقراطية، وكونها الحل الممكن الأفضل لواقع الاختلاف، فلماذا لا ندعو إليها؟

لننظر ما هي يا ترى أهم عناصر الديمقراطية أو آلياتها:

الأحزاب والتعددية.
الانتخابات.
حكم الأكثرية:
التداول السلمي للسلطة.
التنافس الديمقراطي.
حرية الرأي والمعارضة.

ولننظر مدى تطبيق كل من عناصر الديمقراطية المذكورة آنفا في عراق ما بعد ٢٠٠٣:

الأحزاب: الأحزاب التي أمسكت بالسلطة ومفاصل الدولة، تكاد تكون كلها أحزابا غير مؤهلة لإدارة شؤون الدولة بطريقة ديمقراطية وحديثة، لأنها تعتمد الإسلام السياسي النقيض للدولة الديمقراطية الحديثة، وتعتمد الطائفية السياسية والمحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية النقيضة لمبدأ المواطنة، أحد أهم أعمدة الديمقراطية الأساسية، ولأنها زاولت الفساد المالي وسرقة أو هدر المال العام.
الانتخابات: صحيح إن الانتخابات أفرزت القوى المشار إليها آنفا، ولكن كان صعودها في البداية بسبب انخفاض الوعي الديمقراطي عند جمهور الناخبين، بما يكاد يصل إلى درجة الغياب التام لهذا الوعي، ومن ثم وبعدما بدأ رفض الجماهير بالنمو، مورس التزوير واستخدام المال العام للانتخابات، وشراء الأصوات، والضغط على المحكمة الاتحادية.
حكم الأكثرية: حكم الأكثرية الذي هو من أسس الديمقراطية استبدل بحكم المكون الأكبر عددا من نفوس العراق أو ما يمكن تسميته بالأكثرية المكوناتية، بدلا من الأكثرية السياسية، أي بالنتيجة مبدأ حاكمية الشيعة، ولو كمبدأ غير معلن قولا بل عبر الممارسة السياسية.
التداول: التداول نفسه لم يجر بطريقة ديمقراطية، بل عبر المساومات والتدخلات، تارة من إيران، وتارة من المرجعية الدينية، إضافة إلى ما ذكر عن الانتخابات.
التنافس: التنافس لم يكن متكافئا، بسبب امتلاك الأحزاب المتنفذة للمال الذي سرقته من قوت الشعب العراقي، وبالتالي كل الإمكانات من إعلام مسخر لها، وفضائيات، ووسائل دعاية، وشراء للأصوات وللذمم، بينما بقيت القوى السياسية المنافسة ضعيفة في إمكاناتها، علاوة على أنها لم ترتفع إلى مستوى البديل المتطلع إليه، ولم تستطع كسب ثقة الشارع العراقي بما يكفي.
حرية الرأي والمعارضة: رأينا كيف تعرض أصحاب الرأي للاغتيالات وعمليات الخطف والتغييب، وكيف قتل المئات من شباب تشرين، وبالتالي فإن هذه الحرية منتهكة انتهاكا حادا.

من هنا نجد إن الديمقراطية التي يدّعى أنها طبقت في العراق بعد ٢٠٠٣، هي ديمقراطية مشوهة، فاقدة لشروطها، مطبقة من قبل قوى مناوئة للديمقراطية، أو على الأقل جاهلة بها. فالقوى الإسلامية قبلت بالديمقراطية كآليات فقط، رغم إن القبول بها يمثل عندهم مفسدة شرعية، لكنها أصغر من مفسدة الديكتاتورية القامعة لقوى الإسلام السياسي، ليس حصرا بل ضمنا، أما الديكتاتورية (الشرعية) كديكتاتورية ولاية الفقيه في إيران، فمقبولة ومرجحة عندهم، ولذا عملوا بالقاعدة الفقهية المعروفة بوجوب درء أكبر المفسدتين بأصغرهما.

وقد كتبت في مشروع كتابي «العهد العراقي التاسع» الذي يحاول عرض خارطة بناء لعراق مرحلة ما بعد التغيير؛ كتبت: إن ما يجب إنجازه، أو السعي لإنجازه عبر المراحل الأربع التي ذكرتها في الكتاب، بل مواصلة ذلك حتى بعد هذه المراحل بخطة مستدامة على مدى الحاضر والمستقبلين القريب والبعيد، يمكن سرده وفق ٣٢ نقطة، حاولت شرح كيفية إنجازها ضمن أربعة مراحل، أكتفي هنا بتناول اثنتي عشرة نقطة منها، وأكثر هذه النقاط ورادة في كل من مشروع «التجمع العلماني العراقي» ومشروع «دستور دولة المواطنة»:

1. علمنة الدولة: وهو هدف أساسي، فمن غير العلمانية لا تتحقق الديمقراطية في العراق، ولا في أي من البلاد ذات الأكثرية المسلمة، لذلك أصر تجمعنا على جعل العلمانية في مقدمة مبادئه وأهدافه، بعيدا عن التردد، والتخفي وراء شعارات ضبابية كالمدنية والوطنية وغيرهما، مع احترامنا لمن يستخدمهما.

2. إجراء التعديل الدستوري الجذري والشامل: وهذا ما قدمت من أجله مشروعا باسم «دستور دولة المواطنة»، الذي سعى لمعالجة كل ما شخصه من ثغرات، وإزالة كل ما اكتشفه من ألغام في دستور 2٠٠5، ووضع أقصى الممكن من الضمانات لديمقراطية وعلمانية الدولة وسيادتها وشروط تقدمها.

3. إصلاح تركيبة مجلس النواب: وهذا مرهون ببقية النقاط المذكورة ما قبل وما بعد هذه النقطة، من العلمنة والتعديل الدستوري وما سيلي ذكره، فمن مجلس النواب تنبثق الحكومة، وبه تمارس الرقابة والمعارضة والتقويم، وهو المشرع للقوانين.

4. تعديل قانوني الأحزاب والانتخابات: ذلك بوضع الضمانات الكافية ووفق مبادئ الديمقراطية لعدم عودة الأحزاب المناوئة للديمقراطية، وذلك بحظر الأحزاب التي مارست العنف أو الفساد المالي والإداري وسرقة المال العام، أو نفذت أجندات لدولة من دول الجوار على حساب المصالح الوطنية والسيادة الوطنية والأمن والاقتصاد الوطني والثروة الوطنية.

5. تفعيل قانون الأحزاب: بالرغم من أننا بحاجة إلى تعديل قانون الأحزاب، كما أشير إليه آنفا، فحتى ذلك الحين يجب المطالبة بتفعيل القانون الحالي، فلو جرى تفعيل وتطبيق كل من المادة الخامسة أولا، والمادة الثامنة ثانيا، ذلك بوجوب أن يؤسس الحزب السياسي على أساس المواطنة، مما يعني حظر كل الأحزاب الشيعية والسنية، وأن يشترط لتأسيس أي حزب بألا يكون متخذا شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية، كما وألا يجوز ارتباطه بأية قوة مسلحة، لوجب حل جميع الأحزاب ذات الميليشيات التابعة لها، ولو باسم الحشد الشعبي.

6. المحاربة الجدية للفساد المالي حتى استئصاله كليا.

7. وضع حد لكل حالات انتهاك حقوق الإنسان.

8. إصلاح القضاء: والذي بدونه لا تتحقق معظم الأهداف التي وضعناها، حيث يجب أن يكون هناك قضاء عراقي نزيه وكفوء وغير خاضع للضغوطات السياسية.

9. تأكيد مدنية القوانين ولبرلتها وعلمنتها.

10. تشريع قانون الحظر المهني.

11. تشجيع عملية الإصلاح والتنوير الديني.

12. حصر السلاح بيد الدولة وحل جميع الميليشيات.

غير متصل. جارٍ الاتصال خلال 28 ثانية/ثوان…
حاول الآن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *