الكاتب : سلمان رشيد الهلالي
هل ان الشيوعية العراقية هى الشيعية القديمة ؟ القسم الرابع (العقدة الشيعية من ايران)
(لايجوز الخلط بين الحقيقة ورأي الاغلبية) جان بول سارتر
بعد ان استعرضنا العقدة الشعورية واللاشعورية عند السنة من ايران , يستمر موضوعنا الخاص في تفكيك وتحليل واستعراض العقدة الشيعية من ايران , وهى كما قلنا صدى للعقدة السنية ليس الا , اذ ليس لها مبررات عقلانية او بواعث موضوعية حتى تستحق هذا الوصف . وهذا الموضوع هو جزء من مشروعنا الاساسي في تفكيك المركزية السنية والركائز التي تستند عليها . وقبل البدء بعرض المطارحات الاجتماعية والسياسية والنفسية لتلك العقدة يجب ان نذكر نقطتين اساسيتين وهما :
الاولى : لاتوجد عقدة شيعية من ايران سوى عند شيعة العراق (والى حد ما البحرين) وليس لهذه العقدة النفسية وجود عند الشيعة الاخرين المتواجدين في دول العالم المختلفة مثل لبنان والامارات والكويت ومصر وسوريا وعمان واليمن وتركيا وباكستان والهند ونيجيريا والجزائر وافغانستان وغيرها من الاقليات الشيعية في دول العالم . والامر يرجع الى اسباب مختلفة اهمها , انعدام وجود الهوية الشيعية عند العراق بسبب طغيان عقلية الاغلبية فيها , والذي لايستطيع افراز (الاخر) المختلف عنها بالهوية والثقافة , لان (الاخر شرط الهوية) – كما قال سارتر – والهوية هى الوعي بالذات والشعور بالجماعة وكينونتها وخصائصها الثقافية والاجتماعية بشكل يجعل الولاء والانتماء والاعتزاز هو المعيار الاول في تحديد التوجهات والمنطلقات ,وهو الامر الغير متوفر عن شيعة العراق . وانعدام وجود الهوية الشيعية السبب الاساس في افراز العقدة من ايران على اعتبار ان من ليس عنده هوية فانه سيكون هوية الاخرين , ومن ليس عنده مشروع فانه سيكون مشروع الاخرين ,ومن ليس عنده هدف فانه سيكون هدف الاخرين , وبما ان شيعة العراق ليس عندهم هدف او مشروع او هوية فانهم بالتالي اصبحوا وعاء الاخرين ,يضعون به مايريدون من افكار وتوجهات وسياسات وحتى نفايات , وبما ان الاخرين عند الشيعة هم السلطة القومية والطائفية التي حكمت البلاد قبل السقوط عام 2003 , فقد وضعت بالتالي في عقولهم ماتريد من تلك الافكار والكراهيات والنفايات . وقد فصلنا ذلك في القسم الثاني من هذه الدراسة , ولاحاجة لاعادة سردها من جديد .
الثانية : ان العقدة الشيعية من ايران ليست اصيلة او جوهر معرفي قديم , وانما هى معطى ايديولوجي حديث لايتجاوز عمره خمسون عاما صنعته الانظمة القومية والطائفية بعد انقلاب شباط 1963 ضمن سياقات سلطوية هدفها ترسيخ حكم الاقلية السنية في البلاد من خلال بلورة الخصاء والتدجين عند المتعلمين والمثقفين الجعفرية والاستهداف المباشر للاغلبية الشيعية في البلاد بعد ان كان سابقا – وخلال العهد الملكي (1921 – 1958) – استهدافا غير مباشر . وهو ياتي ضمن سياق مواجهة التحديات والتحولات التي شهدها المجتمع العراقي بعد الحرب العالمية الثانية للمركزية السنية واقليتها الحاكمة , والتي انهت ثلاث من اهم المبررات التي ادعتها السلطة لتهميش الشيعة من الادارة والحكم وهى (المدنية والعلمانية والتعليمية) :
1 . تغيير المدن الكبرى لهويتها السنية او المختلطة مثل بغداد والبصرة الى طابع مختلف يغلب عليه النمط الشيعي . فبعد تشيع القبائل النازحة لجنوب العراق في القرون الثلاث الاخيرة , واجهت المركزية السنية تحديا مذهبيا اخر تمثل بتحول المدن الكبرى لهويتها وطابعها الاجتماعي المختلط الى النسق الشيعي العام , وهذا الامر قد اعتبرته المركزية السنية يشكل خطرا على سلطتها وهيمنتها على المدى البعيد .
2 . التبني الكبير للمجتمع الشيعي – وخاصة فئة المتعلمين والمثقفين – للايديولوجية الشيوعية العلمانية بعد الحرب العالمية الثانية . وخطورة هذا التحول بنظر المركزية السنية ليس من الشيوعية وتوجهها الثوري المفترض فحسب , لانها تعلم جيدا ان اغلبية الشيوعيين هم من الشيعة وهم بالتالي مدجنون ومخصيون , بل في انتفاء مبررات التهميش التي كانت تدعيها او تعلنها السلطات السنية الحاكمة , وهو هيمنة التوجه الديني والطقوسي والتقليدي عند الاغلبية الشيعية , وبالتالي فان الارتماء باحضان العلمانية الشيوعية والقومية يعني ان تلك المبررات ليست بذات قيمة .
3 . التزايد الكبير في اعداد المتعلمين والاكاديميين الشيعة في البلاد . وهو من اهم الاخطار التي واجهتها المركزية السنية الحاكمة , لانها ايضا تصب في صالح انتفاء مبررات التهميش السابقة , والتي ذكرها سياسيون عراقيون امثال كامل الجادرجي وغيره من ان سبب تهميش الشيعة هو عدم وجود متعلمين ومثقفين واكاديميين .
لذا عملت الحكومات القومية والطائفية المتعاقبة على مدى اربعين عاما (1963-2003) على مواجهة هذا الخطر المركزي من خلال الاعتماد على مقدرات الدولة السياسية والتربوية والامنية , واستغلال مواردها الاقتصادية الاعلامية الهائلة , والسعي ليس لمواجهة هذا الخطر رمزيا وسياسيا وامنيا فحسب , بل والانتقال من الدفاع الى الهجوم من خلال العمل على اعادة تشكيل الهوية (الشيعية والشيوعية) من جديد , وفق تصورات قومية معلنة ومطارحات طائفية مضمرة , تضفي الى صناعة مجتمع شيعي مدجن وبلورة شخصية شيعية مخصية تخضع لهذا الخطاب السلطوي وتبقى اسيرة له على الدوام , لاتستطع التحرر منه او الانفكاك عنه , بالاعتماد الكبير على اليات القسر والارغام والتكرار (والتكرار سلطة ) – كما يقول رولان بارت – . ويمكن الاستعانة بافكار فيلسوف القرن العشرين ميشيل فوكو بهذا الصدد لتفسير تلك الاليات والسلوكيات , فهو افضل من كتب عن دور السلطة في صناعة الحقيقة والمعرفة وحتمية الترابط بينهما . فقد اكد فوكو بانه حيثما توجد السلطة توجد المعرفة او نوع معين من المعرفة , وان مجرد ممارسة السلطة يؤدي الى خلق المعرفة وتجميع المعلومات واستخدامها لصالحها . وان النظام والضبط في المجتمعات المعاصرة لايمارس من خلال الاستعراض الفظ للقوة وسلطة الدولة (مثل الاعدامات والعرض العسكري وغيرها) ولكنه يمارس من خلال مايسميه فوكو (نظم انتاج المعرفة) . واعتقد ان الاستعاضة عن المعرفة بالايديولوجيا هو السياق الصحيح لافكار فوكو في الدول العربية والاسلامية , لانها لاتسير وفق سياق المعرفة ابدا , وانما وفق توجهات الايديولوجيا , فالمعرفة هى تطابق الفكر مع الواقع , فيما ان الايديولوجيا هى افكار دون الواقع , او هى الحكم المسبق على الاحداث والافكار دون الاخذ بالواقع , وهو النسق السائد في الدول والمجتمعت العربية المازومة , او الطابع العام الرائج عند الانتلجنسيا العربية الموتورة . واذا اعتمدنا هذا المنهج نجد ان الحكومات او السلطات العراقية بين عامي 1963 و 2003 قد اعتمدت الية خلق الايديولوجية القومية العربية – وماصاحبها من الخطاب العنصري والطائفي – لتدجين الجماعة الشيعية وترويضها واخصائها وعزلها عن منابع ثقافتها المذهبية ومقدرات قوتها الاجتماعية ومسارات دعمها السياسية , حتى تبقى تحت المطرقة السلطوية على الدوام واسيرة الخطاب الحكومي باستمرار . ولاحاجة الى القول انهم نجحوا في ذلك نجاحا كبيرا وباهرا حتى انهم (خلقوا عالما شيعيا عراقيا خاصا على صورتهم) وصنعوا شخصية شيعية مثالية من الخصاء والتدجين والترويض , تردد الخطاب السلطوي والحكومي ليس ضمن اليات اللاوعي او الببغائي فحسب , بل والقناعة الراسخة ان هذا هو اصلا خطابها وافكارها ,هى وصلت اليه بذاتها وبارادتها , او ضمن مسارتها المعرفة الشخصية وتوجهاتها الوطنية الخالصة ,وليس وافدا اليها من تلك السلطات واعلامها ومقدراتها السلطوية . وكان من اهم تلك الخطابات والسرديات التي ارادت تلك السلطات تحقيقها هى العقدة من ايران , والنيل منها دينيا ومذهبيا واخلاقيا , وتشويه سمعتها تاريخيا وحضاريا من اجل عزل الجماعة الشيعية في العراق عنها وتجفيف اهم مرتكزات القوة والفاعلية عندها , حتى تبقى اسيرة الاذلال القومي والخضوع البعثي والتدجين الطائفي والخصاء السلطوي وهذا العمل اتخذ مسارين :
الاول : النيل من ايران تاريخيا وحضاريا واخلاقيا والطعن فيهم دينيا وثقافيا , قد يكون هدفها الاساس تنفيس طاقة الحقد والغل الطائفي ضدها , ولكن غرضها الوظيفي ظاهر للعيان وتكراره على الدوام يهدف الى نتيجة محددة وهى تشويه سمعتها وتاريخها حتى تصل الى مرحلة الخجل عند الشيعي العراقي من الانتساب اليهم مذهبيا او سياسيا او مدحهم والتضامن معهم او طلب المساعدة منهم .
الثاني : الربط المذهبي والثقافي والسياسي والاجتماعي – وحتى العرقي – بين التشيع والفرس من اجل تحقيق هدفين :
1 . الخشية والرهاب من الثقافة الشيعية وعقائدها الدينية والاسلامية عند العراقيين المخصيين بدعوى ان منبعها ايراني وفارسي حتى وصل الامر الى مرحلة (الفوبيا) الاجتماعية والنفسية .
2 . خلق مبررات التهميش عن الادارة والحكم بدعوى ان الشيعي هو اصلا ليس عربي او عراقي , فهو بالتالي ايراني فارسي او اجنبي وغريب عن المجتمع , ولاحظ له في الادارة والحكم , او تسنم المناصب العليا في الدولة .
ويرجع السبب الاساسي والجوهري لهذا الحقد على ايران من قبل المركزية السنية النافذة والسلطات القومية العربية والطائفية هو معرفتهم الراسخة بتاثير ايران الكبير على التشيع , فالتشيع السياسي والعقائدي هو عراقي الولادة والتاسيس , ولكنه ايراني الانتشار والفاعلية والاعتزاز , وهو الامر المقارب للمسيحية التي هى شامية (او فلسطينية) الولادة ولكنها رومانية الانتشار واوربية الفاعلية . وكما القت الدولة الرومانية بصماتها وثقافتها الخاصة على المسيحية , فكذا الامر مع ايران التي القت هويتها وحضارتها على التشيع , ليس بالمعنى السلبي فحسب – كما يصور البعض من الكتاب الطائفيون السنة والمخصيون الشيعة – وانما بالمعاني الاخرى المتعددة , لان كل مجتمع وهوية وجماعة تحوي عناصر ايجابية وحضارية ومدنية من جانب , والعديد من المفاهيم والطروحات السلبية والبدائية من جانب اخر , وهذا الجدل الهيغلي والتناقض الداخلي الذي لابد في يوم من الايام ان ينتهي الى تركيب جديد . واذا اردنا الدقة فان موارد التشيع تنقسم الى رافدين رئيسيين هما :
اولا : الرافد العراقي (الاصول والعقائد) : يمكن القول ان التشيع الاسلامي التقليدي ولد في مدينة يثرب او المدينة المنورة – حسب الادبيات الاسلامية – (عاصمة الرسول الاولى) – وهو اسبق من التسنن الذي ولد في دمشق (عاصمة الامويين) من قبل الخليفة معاوية بن ابي سفيان – وكانت البواكير الاولى لظهوره قد تجلى كنمط عاطفي من الحب والمولاة عند بعض الصحابة للامام علي امثال سلمان الفارسي وابي ذر الغفاري والمقداد بن عمرو وعمار بن ياسر وغيرهم ,الذين كانوا يعتقدون ان الامام علي هو الافضل بعد الرسول بالسابقة والعلم والشجاعة , والاولى بالخلافة والقيادة , وان وجودهم كان في عهد الرسول الذي نسب اليه مدحهم قائلا (والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة) . وخلافا لماذكره المستشرقون في قرائاتهم الاسقاطية والكتاب الطائفيون في كتاباتهم الاقصائية , فان التشيع خضع للمؤثرات السريانية المسيحية والعراقية القديمة في العقائد والاصول من قبيل المهدية والرجعة والعصمة والتقديس والكهنوت ونظرية الحق الالهي بالحكم والخلافة , وليس الى التاثيرات الفارسية التي تجلت بقوة في الطقوس والشعائر والسياسية وغيرها . واذا اردنا تتبع مراحل وتحولات ومنابع الموروث الرافديني العراقي القديم وحتى التشيع الاخير في العصر الاسلامي , فانها تنقسم الى ثلاث مراحل :
المرحلة الاولى : الموروث الرافديني العراقي القديم (البنية الاصلية): ونقصد بها المعتقدات والممارسات الدينية التي كان يؤمن بها السومريين والأكديين والبابليين والاراميين والكلدان الذين كانوا يعيشون في بلاد مابين النهرين . وتشمل البعث والتقديس والخوف والتاثيم والتحريم والتضحية والتراجيديا والبكاء الجماعي وغيرها , وهى تشكل البنية الاصلية التي اسست الركائز والمفاهيم والعقائد والطقوس السائدة في التشيع , او مايمكن ان نطلق عليه تسمية (التدين العراقي) من قبيل المهدية والرجعة والعصمة وتقديس الائمة وغيرها .
المرحلة الثانية : الموروث السرياني المسيحي (الانماط العليا): وهى الموروثات المسيحية النسطورية التي استلهمت الموروث الرافديني العراقي القديم كانماط عليا – بحسب نظرية يونغ – ثم انسابت الى التشيع في العصر الاسلامي من قبيل المخلص ورجعة المسيح وتقديس الرهبان واللطم على المسيح وتقديس الام العظيمة وعدد الحواريين الاثنى عشر وغيرها .وكما قال ميرسيا الياد في كتابه (اسطورة العود الابدي) (ان اي موضوع من الموضوعات او فعلا من الافعال لايصير واقعيا الا بمقدار مايحاكي او يكرر نموذجا اوليا) . (مثل اسقاط عشتار على مريم العذراء في مسار التقديس ).
المرحلة الثالثة : التشيع العراقي (التجلي الاخير): وهو التجلي الاخير الذي جمع الموروث الرافديني القديم والمسيحي السرياني الارامي . وقد ذكرنا ان ذلك الانسياب قد حصل وفق تفسير نظرية يونغ حول الانماط الاصلية الاولية Archetypes وهي أنماط سلوك بدائية تكون في الجنس البشري للتصرف في المواقف التي تكون مشابهة لمواقف الإنسان الأولى , وهى اللاشعور الجمعي الذي يحتوي بشكل مكثف على جميع الاثار المتعاقبة التي حددت – منذ عصور ماقبل التاريخ – التركيب النفسي للانسان كما هو قائم الان , وتظهر هذه الاثار على شكل موضوعات اسطورية وصور ورموز يطلق عليها (الانماط الاولية) . وكما قال الدكتور شاكر شاهين في كتابه القيم (العقل في المجتمع العراقي) ان العقل الشعبي الشيعي يتكون من الوعي واللاوعي , وتستحوذ الاسطورة السومرية منه على الجانب اللاوعي بينما يحتل التاريخ الجانب الواعي , وان عملية اسقاط الاسطورة بشكل لاشعوري على التاريخ تسمى (الانسياب) مثل اسقاط عشتار على مريم العذراء واسقاط مريم العذراء على فاطمة الزهراء , اي ان الوعي التاريخي هو وعاء اللاوعي الاسطوري ولايتجلى اللاوعي الاسطوري الا من خلال التاريخ , وكما قال يونغ (ان اللاوعي الاسطوري يرافق العقول) . واكد شاهين : ان سومر اسست اللاوعي الاسطوري والكوفة (وحتما يقصد مركز التشيع) اسست الوعي التاريخي , واللاوعي الاسطوري يغلب على الوعي التاريخي فتحضر الاسطورة ويغيب التاريخ , ولم يذكر سبب ذلك , ويبدو ان الوعي التاريخي يحتاج الى التنوير والعقل والوعي , فيما ان الاسطورة هى حاضرة على الدوام ضمن اللاشعور الجمعي ونتاج البدائية والاسترخاء والتخلف .
ولايمكن تفسير اختراع التشيع والتصوف من قبل العراقيين الاراميين ضد الاحتلال العربي الاسلامي , بانه فقط نوعا من المقاومة ضد الاسلام السلطوي الحكومي او نوعا من الرفض ضد التسلط العربي البدوي , كما فعل العراقيون ذلك مع المسيحية عندما اخترعوا النسطورية ضد القراءة الرومانية السائدة , وانما هو ايضا استنهاض الانماط العليا الراسبة ضمن اللاشعور الجمعي التي يمكن اظهارها عند وجود الوعي التاريخي المتحقق اولا , والرغبة بتاويل .hermeneutics حضاري جديد للاسلام البدوي الوافد ثانيا . ولايمكن حصر المعتقدات والافكار والسلوكيات التي انسابت الى التشيع من المسيحية النسطورية والكاثوليكية التي بدورها انسابت لها من العقائد والانماط الدينية الرافدينية العراقية القديمة , لان ذلك قد يحتاج الى بحثا مستقلا ولكن يمكن ذكر اهمها وهى :
1 . ان اول مظاهر التشابه الجوهرية بين المسيحية والتشيع هو ان كلاهما اتباع انسان وليس اتباع كتاب مثل اليهودية واهل السنة . فالشيعة والمسيحيين يشتركان بصفة تقديس الانسان من قبيل السيد المسيح وبولص وبطرس وباقي الرسل (الحواريين) والقديسين , فيما يقدس الشيعة اهل البيت وعلى راسهم الامام علي والحسن والحسين وباقي الائمة المعصومين ,ولايهتمون ذلك الاهتمام الكافي بالقران وحفظه والاستشهاد به والاقتباس من اياته , بل ان الكثير من علماء الشيعة المتقدمين يعتبرون القران محرف من قبل الامويين سواء اكان في مرحلة التدوين او الجمع او التنقيط .
2 . الاحساس بالذنب وجلد الذات هو احد اهم وجه التشابه بين المسيحيين والشيعة بسبب شعورهم بخذلان المسيح والحسين , وعدم نصرتهم وتركهم للمصير المحتوم والنهاية التراجيدية , واظهار ذلك الاحساس من خلال طقوس الحزن والبكاء واللطم والضرب بالسلاسل , وتصوير المشاهد الحزينة المعروف بالتشابيه اثناء المواكب والتجمعات الشعبية بالقاعات والساحات العامة والطرقات , وكما هو موجود عند المسيحيين في اسبوع الالام الذي يسبق يوم صلب المسيح (الجمعة العظيمة) والتي تعرف بعدة أسماء أخرى منها جمعة الآلام أو جُمُعَةُ الصَّلَبُوتِ وهى احتفال ديني بارز في المسيحية وعطلة رسمية في معظم دول العالم ، يتم من خلاله استذكار صلب يسوع وموته في الجلجثة ودفنه، ويقرائون سفر الرؤيا وبعض المزامير , او عند الشيعة في الايام العشرة الاولى (عاشوراء) من محرم وقراءة مقتل (ابي مخنف) وبعض القصائد واللطميات . وقد ذكر الكاتب الامريكي ولي نصر في كتابه (صحوة الشيعة) (ان تركيز عاشوراء الشديد على عنصر الحزن وعلى تسيير المواكب له مايوازيه في طقوس الصوم الكبير لدى الكاثوليك مثل اسبوع الالام وطريق الصليب في يوم الجمعة العظيمة وتمثيليات معاناة المسيح التي تستهل فعاليات عيد الفصح في العديد من الاماكن) .والبنية الاصلية لهذا السلوك في العراق القديم هو النواح والبكاء الجماعي والطقوس الشعبية على موت الاله دموزي (السومري) وتموز (البابلي) – اله الخصب والذكورة – التي كانت تستمر عشرة ايام شبيه بالعشرة الاولى في شهر محرم المخصصة للبكاء على الامام الحسين , وقد اعتبر بعض الكتاب ان تقديس الامام الحسين هو مشابهة لتقديس الاله سين اله القمر سيد الشهور الذي هوجم من سبعة ارواح شريرة .كما ان مواكب الندب واللطم على الاله تموز في بابل القدمة تشبه مواكب اللطم على الامام الحسين في كربلاء .
3 . وجود الاكليروس والمؤسسة الدينية والكهنوت عند المسيحيين والشيعة .والاكليروس هى كلمة يونانية المقصود بها أصحاب الرتب الكهنوتية وهو النظام الكهنوتي الخاص بالكنائس المسيحية ,ولم يظهر هذا النظام إلا في القرن الثالث الميلادي . وتتفق الكنيسة الرومانية الكاثوليكية مع الكنائس الأرثوذكسية في درجات النظام الكهنوتي ,إلا أن البابا في الكنيسة الكاثوليكية يتمتع بسلطات أعلي من نظيره في الكنيسة الأرثوذكسية. والشيعة من جانبهم ايضا عندهم المؤسسة الدينية المستقلة الخاصة بهم التي ورثوها من جذورهم المسيحية في العصر السرياني الارامي او من التاثيرات الرومانية قبل الغزو الاسلامي . وكما يقف على راس المسيحية الكاثوليكية البابا ثم الكاردينال ثم البطريرك ثم الخوري ثم المطران ثم الاسقف وهكذا , او الشماس ثم القس ثم الاسقف عند الكنيسة الارثذوكسية , يقف المرجع الاعلى عند الشيعة (اية الله العظمى) ثم المجتهد (اية الله) ثم حجة الاسلام والمسلمين ثم طلبة العلم من الشيوخ ثم الخطباء وهكذا . ولاتوجد هذه التراتبية الدينية – العلمية عند اليهود واهل السنة لان المؤسسة الدينية عندهم ليست مستقلة وانما تابعة للسلطة السياسية او الزمنية , وكما وصف البابا بانه خليفة القديس بطرس ومقره في الفاتيكان في روما عاصمة ايطاليا , فكذا الامر عند الشيعة فالمرجع هو نائب الامام الغائب المهدي المنتظر ومقره في النجف في العراق .والبنية الاصلية في العراق القديم لهذه التراتبية هو وجود المؤسسة الدينية التي يقف على راسها كاهن (سنكا)SANGA وبالآكدية Sanga ثم يليهم العديد من الكهنة الذين يتولون مهام السلطات الدينية كالعرافين والسحرة ولهم امتيازات خاصة هي الامتيازات ذاتها التي تخص الالهة تقريباً ، طالما ان الكهنة هم من يمثل الالهه في المدينة .
4 . المهدية والمنقذ والمخلص : ورث الشيعة العراقيون فكرة المهدي المنتظر الذي سيظهر لاقامة دولة العدل الالهي من فكرة المخلص عيسى المسيح الذي سيعود في آخر الزمان (ليقيم حكمًا ألفيًا يبلغ فيه الملكوت ذروته وينتهي بقيامة الموتى وانفتاح العالم المؤقت على الأبدية والخلود) .وكما قال ولي نصر (لئن اجل الشيعة باكرا على غرار المسيحين واليهود مجىء الامام الثاني عشر المهدي الى نهاية الزمان , الا انهم مازالوا ينتظرون رجوعه مثلما الحال في المسيحية واليهودية يتخذ هذا الانتظار شكلا اكثر الحاحا في وقت الازمات) . والبنية الاصلية العراقية لهذه العقيدة ان السومريون كانوا يرون ان الاله تموز هو المنتظر الذي يعود من عالم الموتى ليخصب عشتار ويجلب معه الربيع ويجدد الحياة , ثم انتقلت الفكرة الى البابليين الذين استحدثوا عودة كبير الالهة مردوخ .
5 . الرجعة : وهى قيامة الاموات قبل يوم الدينونة والحساب . وهى من العقائد والاصول التي ورثها الشيعة العراقيون من المسيحية . فالمسيحيون يعتقدون ان -المسيح الذي صلب يوم الجمعة من قبل الرومان قام من الاموات يوم احد القيامة بعد ثلاث ايام , وانتقل بعدها للسماء ليعود لاحقا ضمن صيغة جديدة تسمى (المخلص) وكذا الامر عند الشيعة فهم يعتقدون بالرجعة , وتعني رجوع بعض الأنبياء والأئمة وثلة من المؤمنين وغيرهم إلى الدنيا بعد قيام دولة المهدي . وتُعد إحدى معتقدات الشيعة الإمامية ومن مسلماتها الثابتة بحسب المشهور، ولكنها ليست من ضرورات المذهب الشيعي، بمعنى أن منكرها لا يخرج من التشيع، .وانفراد الشيعة الإمامية من دون المذاهب الإسلامية الأخرى بالرجعة دليل على انها منبعها مسيحي وخارجي وغير اسلامي (رغم ان البعض يذكر ان عمر بن الخطاب اول من قال بالرجعة عندما نفى وفاة النبي وانه سيعود بعد اربعين يوما) . واذا كان الباحث المصري احمد امين وغيره من الكتاب الطائفيون يذكرون ان الرجعة اصلها يهودي (وكأن الاسرائيليات فقط عند الشيعة) فان الامر سيرجع الى التراث العراقي القديم مرة اخرى , لان اليهودية اخذت اغلب عقائدها وتراثها الديني من التراث العراقي القديم واساطيره ودونتها في (التلمود البابلي) ابان وجودهم في بابل بعد سبي الملك نبوخذ نصر لهم , وهذا الراي من الثوابت عند الباحثين الغربيين والمستشرقين . لان البنية الاصلية العراقية لهذه العقيدة هو ماذكره كريمر في كتابه (طقوس الجنس المقدس عند السومريين) بالقول (من بلاد الرافدين انتقل موضوع موت دموزي – تموز – وقيامته الى فلسطين , وليس عجيبا ان نجد نسوة اورشليم يعولن على تموز في احدى بوابات معبد اورشليم – كما اشار الى ذلك سفر حزقيال – ولايستبعد ان تترك اسطورة موت دموزي وقيامته بصماتها على قصة المسيح) .
6 . تقديس الام العظيمة : مثلما قدس المسيحيون مريم العذراء ام المسيح عيسى واعتبروها ام الله وعظموها واعطوها منزلة خاصة من الشفاعة , اعطى الشيعة لفاطمة الزهراء بنت الرسول محمد مكانة خاصة من التقديس والشفاعة وقضاء الحاجات , واعتبروها ام الائمة , ونسبوا للرسول القول انها (ام ابيها) . وكما شاهدت مريم العذراء عملية صلب ابنها المسيح وموته والالام التي تحملها , فكذا الامر عند الشيعة , فقد ادرجوا معرفة فاطمة الزهراء لاستشهاد ابنها الحسين في كربلاء , او مشاهدة زينب الكبرى لاستشهاد اخيها الامام الحسين , واعطوها منزلة خاصة من التقديس والمكانة والشفاعة . وقد اكد ذلك ولي نصر في كتابه السابق (ان نساء كزينب وامها فاطمة الزهراء قد لعبن ادوارا كبرى في تاريخ الشيعة بما لايختلف كثيرا عما لعبته مريم العذراء في ضروب التدين الشعبي لدى المسيحيين الكاثوليك منهم والارثذوكس على حد سواء) . والبنية الاصلية لهذه العقيدة هى ما قدسه العراقيون القدامى للالهة عشتار – التي كان يسميها السومريون اينانا – وتعني سيدة السماء , وكان رمزها كوكب الزهرة (نجمة الصباح) , والزهرة (بفتح الزاي) هى التسمية الشعبية والريفية لفاطمة الزهراء عند العامة . كما اطلق على فاطمة لقب البتول وهى كلمة سامية سبق لها ان اطلقت على مريم العذراء , والمفارقة ان عشتار العراقية كانت تسمى (بتولتو) اي العذراء الطاهرة .
7 . ظاهرة الايقونات والرسوم والصور والرموز والتماثيل والمجسمات للسيد المسيح والعذراء والرسل والشهداء والقديسين التي تصور ولاداتهم وحياتهم وقصصهم واستشهادهم , انتقلت للتراث الشيعي بالمطلق في صور ورسوم وتماثيل ومجسمات الائمة المعصومين وفاطمة الزهراء وغيرها من تجسيد الاحداث المفصلية واهمها واقعة كربلاء , وماارتبط بها من قصص ومواقف بطولية وتراجيدية .
8 . الازامير والاناشيد والالحان والموسيقى الرائجة في الكنائس والطقوس الدينية المسيحية انتقلت الى التشيع في الاناشيد والاهازيج والردات والموسيقى في المناسبات الحزينة ووفيات الائمة وعاشوراء وغيرها , او في المناسبات السعيدة مثل ولادات الائمة وعيد الغدير .والبنية الاصلية في العراق القديم لهذه الممارسات هو ان المعابد كان يجري فيها العزف والغناء على الالات الموسيقية ,وكانت تنقسم الى قسمين : قسم مختص بالاغاني الحزينة والتلاوات والتي لاترافقها موسيقى ويسمى المنشد (كاهن الكالوم) . وقسم مختص بالاغاني المفرحة التي تنشد مع الموسيقى ويسمى الكاهن الذي يؤديها (كاهن الناروم) .
9 . وجود روزنامة حافلة لولادة المسيح واعماله وصلبه يطلق عليها السنة الطقسية مع تواريخ اخرى لولادات الرسل والقديسين والشهداء المسيحيين واعمالهم ووفياتهم , يقابله وجود روزنامة شيعية خاصة بولادة الائمة المعصومين ووفياتهم والاحداث المفصلية في حياتهم .
10 . عدد الرسل (الحواريين) الاثنى عشر يقابله عدد الائمة المعصومين الاثنى عشر عند الشيعة الامامية . والبنية الاصلية في العراق القديم هو عدد الابراج البابلية الاثنى عشر وعدد تلاميذ النبي العراقي البابلي ماني (12) .
11 . زيارات المدن والاماكن والمواقع الدينية المقدسة عند المسيحيين مثل كنيسة القيامة في القدس او اورشليم وكنيسة المهد في بيت لحم وكنيسة البشارة في الناصرة والجليل وكنيسة بطرس في الفاتيكان في روما وانطاكيا في تركيا من اجل الحج وطلب الشفاعة والدعاء وتقديم النذور وطلب الحاجات والمغفرة , يقابلها زيارات الشيعة للنجف والكوفة وكربلاء والكاظمية وسامراء ومشهد في ايران ومقبرة البقيع . كما ان زيارة مراقد ومقامات الرسل والقديسين والشهداء عند المسيحيين يقابله ايضا زيارة مراقد السادة والعلويين الاقل مرتبة من اهل البيت مثل زيارة العباس في كربلاء ومسلم بن عقيل في الكوفة ومعصومة في قم وزينب في دمشق وعقيل بن ابي طالب في الاردن وسيد محمد (سبع الدجيل) في بلد غيرها .والبنية الاصلية في العراق القديم لهذه الممارسات تقديس العديد من المدن والحج والزيارة اليها مثل اوروك ونفر واور وبابل وغيرها .
12 . مفهوم الخلاص عند المسيحية هو الايمان بالمسيح اكثر مما هو الالتزام بالشريعة والاعمال (بالنعمة انتم مخلصون بالايمان)(افسس) وهو النمط الذي انتقل للتشيع الذي عندهم ان الخلاص والنجاة في الاخرة هو محبة هل البيت ومولاتهم والاعتراف باحقيتهم ومظلوميتهم وامتيازهم والبراءة من اعدائهم اكثر من الالتزام بالشريعة والفقه والاعمال الصالحة , وكما قال ولي نصر (اذا كان مدار المذهب السني هو الشرع فان مناط المذهب الشيعي هو الشعائر والعاطفة والدراما) .
13 . التصوف المسيحي والرهبانية والزهد والانقطاع الخالص لله المنتشر في الاديرة في العراق قبل الغزو العربي الاسلامي ,انتقل للتصوف الاسلامي الذي تغلب عليه النزعة الشيعية وتقديس الامام علي واهل البيت ومولاتهم . والرافد المسيحي السرياني هو الاهم والاساس للتصوف الاسلامي الشيعي بحكم التقارب الجغرافي والتشابه السلوكي , رغم ان الكثير من الباحثين تجاوزوا ذلك الى روافد ايرانية او هندية بعيدة نسبيا . وقد فصل ذلك الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابيه (الصلة بين التصوف والتشيع و الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ) .
14 . الادعية المطولة والزيارات النظرية التي يقوم بقراءاتها الشيعة لاهل البيت والائمة المعصومين ورثوها من التراث المسيحي لها. والبنية الاصلية لهذه الادعية هو التراث العراقي الضخم في و صف الالهة ومدحها والتضرع اليها والبكاء عندها والتي ادرجها العديد من الكتاب في مؤلفاتهم .
15 . الثلاثية المسيحية (الله والابن يسوع وروح القدس) او (الاب والابن وروح القدس) تقارب الثلاثية الشيعية العراقية (الله محمد علي) .والبنية الاصلية لها هى التثليث العراقي القديم (انليل – تموز – عشتار) .
16 . نظرية الحق الالهي للملوك في الحكم عند المسيحية : وهو مفهوم ديني وسياسي يستمد من خلاله الملوك الذين يحكمون بسلطة مطلقة شرعيتهم من الله ويعتبرون أي نوع من العصيان والخروج عليهم ذنباً بحق الله . وقد ورث الشيعة هذا المفهوم من المسيحية واعتبروا الامامة من الله لادخل للبشر فيها وان الراد عليهم كالراد على الله . والبنية الاصلية لهذا المفهوم اعتبار العراقيين القدماء ان الملوكية نزلت من السماء .
17 . كان المسيحيون العراقيون يقومون بدفن امواتهم في الاديرة والكنائس التي تقع في منطقة الحيرة الحالية (احدى اقضية النجف) , ولاعجب ان استعاد الشيعة هذا السلوك لاحقا بدفن امواتهم في مقبرة وادي السلام في النجف .
18. تقديس الشهادة والفداء عند المسيحيين والاحتفاء بهم وتصوير الامهم وبطولاتهم ومعاناتهم ,نمطا انتقل للتشيع الذي يقدر التضحية والاستشهاد . فيما يختفي هذا النسق عند اهل السنة الذين يقدرون الاستئثار والظلم والابادة في مواجهة الاخر (وعلى الاغلب الاخر الضعيف المستضعف لان ابن خلدون يقول العرب لايتغلبون الا على البسائط من الناس) . وكما قال ولي نصر (ان معاناة الائمة تقع في صلب عقيدة الشهادة الشيعية , فمثلما قبل اوئل القديسين المسيحيين تاج الشهادة تمسكا بايمانهم ويحدوهم اعتقاد راسخ بان دمائهم ستكون بذرة الكنيسة ,كذلك يقدس الشيعة الشهادة . فقد مات الائمة شهداء في سبيل الايمان ,وكذلك فعل العديد من اتباعهم , لذا عرف الحسين شعبيا باسم سيد الشهداء) .
19 . الحجاب واللباس المحتشم عند العراقييات ورثوه من لباس الراهبات المسيحيات ,وليس من الفرس كما اشاعه القوميون والبعثيون بقولهم (الحجاب عادة فارسية) . واما القول بان الحجاب فرض اسلامي فهو كلام خاطىء ليس لانه لم يذكر بالقران فحسب ,وانما كان مجتمع الجزيرة العربية مجتمع فقير جدا وكان القماش نادرا حتى ان الكاتبة السورية وفاء سلطاني تهكمت على ذلك بالقول (ان من غير المعقول ان يفرض النبي محمد الحجاب ,فيما اغلب المسلمات لم يرتدن ملابس داخلية فاولى ان يطلب منهن ارتداء تلك الملابس بدل الحجاب)!! .
20 . التاكيد على ان بعض الشكليات والطقوس الشيعية انما اصلها مسيحي مثل المسير الى كربلاء يشابه مسير المسيحيين في درب الالام وعيد الغدير يشابه عيد العمادة / الغطاس .ويمكن الاطلاع بهذا الصدد على (الجذور المسيحية للعقيدة الاسلامية الاولى) (الاسلام الشيعي) سيد شتيوي وسام مايكلز .
وقد اراد بعض الكتاب الطائفيون ارجاع بعض العقائد الشيعية الى الديانة اليهودية بحكم التشابه في بعض السلوكيات والمنطلقات والعقائد التي يستطيع اي انسان وضعها مع اي عقيدة او ديانة اخرى – حتى مع الاسلام نفسه – مستغلين حالة المتخيل الاسلامي والحقد العربي على اليهود , وعملية التشويه الطويلة التي وضعوها ضدهم , ومن ثم ربط التشيع بهم تعمدا وغلا للنيل منهم امام الاخرين . الا ننا نقول بانه اذا ثبت علميا ومعرفيا ان التشيع استقصى بعض عقائده من اليهودية , فاننا سنذكره دون خجل او تردد , لان عقائد اليهود بالاصل قد ورثوها واستقصوها من التراث العراقي القديم نفسه ابان وجودهم في العراق بعد السبي البابلي , وهو مشابه لتاثير التراث العراقي الرافديني القديم على المسيحية , وسنذكره ايضا دون حرج او خجل , لان اليهود هم افضل واشرف بمليار نقطة من الجماعات التكفيرية والارهابية الاسلامية والقومية العنصرية الاقصائية التي تسعى لقتل الانسان الشيعي وتهجيره واغتصاب عرضه ضمن مبررات دينية ومذهبية . واليهود هم في الاخير افضل من الكتاب الطائفيون والمسلمون الحاقدون الذين عملوا جهد امكاناتهم للنيل من الشيعة وتخوينهم وتكفيرهم – وكأنهم ليسوا بشرا – من قبيل خير الله طلفاح وعبد الرزاق الحصان وعلي الكاش واحسان الهي ظهير وعبد العزيز بن صالح المحمود وناصر عبد الله القفاري وابن تيمية والشيخ العريفي ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم , الذين يحرضون على ذبح الشيعة وابادتهم وسبي نسائهم , رغم الاشتراك معهم بالاسلام والعروبة والوطن والجوار , فيما يخجل اليهود القيام بتلك الاعمال المشينة والاجرامية . ولكننا نقول الواقع الحقيقي دون تدليس ان الشيعة ورثوا تلك العقائد والاصول والممارسات من المسيحيين السريان وليس من اليهود لاسباب عدة اهمها :
1 . ان اليهود وعند الاحتلال العربي الاسلامي للعراق لم يكونوا يشكلون سوى اقلية اثنية منعزلة في البلاد , لان اغلبهم قد عاد الى موطنهم الاصلي في ارض كنعان او فلسطين او اسرائيل الحالية بعد سقوط بابل على يد كورش الفارسي . وذكر جواشتاين في كتابه (المجتمع والمؤسسات اليهودية في ظل الاسلام) ان عدد اليهود في العراق قبل الغزو العربي الاسلامي لايتجاوز المائة الف فقط , ويشكلون 1% فقط من عدد السكان المسيحيين الذين يقارب عددهم التسعة مليون فرد .
2 . ان الديانة اليهودية لاتقوم على التبشير حتى تنشر افكارها وعقائدها بين المسلمين الشيعة .
3 . ان اخر ديانة منتشرة زمنيا في العراق قبل الغزو العربي الاسلامي هى الديانة المسيحية . (واعتقد حتى مفردة الشروكية التي يوصف بها اهل الجنوب قد انسابت من مفردة النسطورية المسيحية المقاربة لها) .
4 . ان الاعداد الكبيرة جدا للوجود المسيحي في العراق يبعث على الشك عن ماهية وجودهم او مصيرهم وسبب انقراضهم وتلاشيهم بعد قدوم العرب والمسلمين . والجواب العلمي هو انهم تعربوا واسلموا وتحولوا للتشيع . فقد ذكرت المصادر ان عدد سكان العراق قبل الغزو العربي هو (9100000) كان عدد اليهود منهم هو (91000) (اي 1%) فقط , فيما يبلغ عدد المسيحيين هو (9009000) مايقارب التسعة مليون شخص (اي 99%) من اجمالي عدد السكان العراقيين . كما ذكر ذلك جوسيا كوكس رسل في كتابه (السكان في اواخر العصر القديم والعصر الوسيط) .
5 . ان المسيحية ديانة تبشيرية , وفيها من المؤثرات البصرية والطقوس الدينية والنزعة التراجيديا والعاطفية ماتتلائم والشخصية العراقية بعامة والشيعية بخاصة , وبالتالي يسهل التاثر بها .
ثانيا : الرافد الايراني : (الطقوس الحسينية والاعتزاز بالهوية والانتشار السياسي) : كما ذكرنا في الرافد العراقي القديم , فان المعتقدات والافكار والسلوكيات الشيعية هى النتاج المباشر والمرحلي للمعتقدات العراقية القديمة كبنية اصلية اولا والموروثات السريانية المسيحية كانماط عليا اولية ثانيا , وليس من الرافد الايراني الذي يمكن القول ان تاثيره على التشيع كان ظاهرا بقوة في الاعتزاز بالهوية والانبعاث السياسي والطقوس الحسينية , حتى ان الباحث الفرنسي هنري كوربان وصف التشيع بانه (الاسلام الايراني) (لان تطور المذهب الشيعي منذ القرن السادس عشر كان وراءه مكون ايراني ضخم وهم الصفويون) . فيما اكد ولي نصر في كتابه السابق (بانه مامن شعب يعتنق المذهب الشيعي تماما وكمالا مثل الايرانيين) . وحتى في مجال الطقوسيات العاشورية فاننا نقصد بالتاثير الايراني هو التاثير الزمني الاخير , وليس كبنية اصلية التي ترجع الى المؤثرات العراقية القديمة ايضا , والتي تاثر بها الايرانيون ونقلوها لحيزهم الجغرافي التقليدي واضافوا لها العديد من سلوكياتهم وانماطهم من قبيل مواكب اللطم والحزن والجزع في عاشوراء وغيرها, والتي تذكرنا بمواكب النواح والبكاء على تموز التي كان يقوم بها العراقيون القدامى . وقد اشار الى هذه الظاهرة الكاتب الامريكي وليم بولك في كتابه (لكي نفهم العراق) (في سنة 539 قبل الميلاد استطاع الامبراطور الفارسي الجديد كورش ان يهزم الجيش البابلي ويدخل الى بابل . واراد ان يجمع بين الحضارتين الفارسية والعراقية , واحدى نتائج هذه المساعي ان الفرس اعادوا انتاج التقليد العراقي القديم في الاجتماع للقراءة او الاستماع للقراء , والسابقون من هؤلاء الرجال كانوا فيما مضى يقراؤن مانعرفه بوصفه الملحمة البابلية عن الخليقة . وفي وقت لاحق من ايران القديمة القراء كرروا قراءة الملحمة الفارسية الوطنية (الشاهنامة) وانشدوا مرثية الماجي (يقصد المجوس وتعني السحرة وهم كهنة الديانة الزرادشتية) . وبعد مجىء الاسلام استبدلوا النص القديم بنص يناسب الدين الجديد ,ولكن الشكل النمطي بقى ثابتا ,واستمر القراء يقراؤن عن استشهاد الامام الحسين ) . وهذا النص وغيره من القرائن والادلة التي سنشير اليها تعطي لنا التاكيد بانه حتى الطقوس العاشورية التي يمارسها الشيعة اليوم التي نذكر مجازا انها جاءت من ايران , انما الصحيح ان بنيتها الاصلية عراقية قديمة , استلهمها الايرانيون وتاثروا بها – كما تاثر بها السريان المسيحيون – ثم انسابت للمجتمع العراقي لاحقا بعد الاحتلال العربي الاسلامي . وهذا لايمنع من القول ان تلك الطقوس بعضها جاء عن طريق المسيحيين السريان وبعضها عن طريق الايرانيين , وفي كلا الحالتين ان منبعها الرئيسي وبنيتها الاصلية هى (المناحة العظيمة) التي كان يمارسها العراقيون القدامى في السهل الرسوبي .
الا اننا يجب ان نشير الى نقطة مهمة وجريئة بموضوعة التاثير الفارسي على التشيع ,وهى ان الباحثين اثبتوا ان الديانة الاسلامية نفسها قد تاثرت بكثير من المظاهر والعقائد والقصص والمفاهيم والشعائر الزرادشتية (ويسمونها خطا المجوسية) من قبيل التوحيد والمهدية والاسراء والمعراج والاعتقاد بالجنة والنار والملائكة والقيامة والجن والبعث والحشر والصراط وكتاب الانسان وعدد الصلوات والصيام ووجود القبلة واعتبار النبي زرادشت خاتم الانبياء واسماء الله الحسنى وغيرها , حتى يمكن القول ان نسبة التشابه قد تصل الى 80% وبما ان الزرادشتية هى اقدم من الاسلام , وان للفرس وجود كبير في الجزيرة العربية – وخاصة في اليمن والبحرين والاحساء – فان الاسلام والنبي محمد هو من تاثر بها اولا , وادرجها ضمن دينه الجديد , وهذا التشابه قد يشكل اختلالا عند المسلمين الذين قد يفسرون الامر بان النبي محمد قد نقل التراث الزرداشتي الفارسي للاسلام , وليس من الوحي الالهي , فيما يمكن الخروج من هذا الاشكال والمازق الحقيقي بان العقائد الدينية التوحيدية منبعها الرباني واحد , ومن الطبيعي ان يحصل هناك تشابه بالعقائد والسلوكيات والشعائر وغيرها , وقد فصل ذلك التشابه الكاتب العراقي سامي المنصوري في دراسته القيمة في موقع الحوار المتمدن (تاثيرات زرادشتية فارسية في الاديان) وهى بثلاث اقسام ومقال (تاثير الزرادشتية والمانوية والمجوسية على الاسلام) . وبهذا الصدد يمكن تفسير التشابه بين العقائد الشيعية والزرادشتية بانه قد تبلور من الرافد الاسلامي الاصلي الذي تاثر بالموروث الزرادشتي الذي ذكرناه سابقا . فمثلا عقيدة المهدية عند الشيعة يمكن تفسيرها بان عقيدة اسلامية ذات تاثير زرادشتي استلهمها الشيعة , ليس من الموروث الزرادشتي بصورة مباشرة , وانما بصورة غير مباشرة عن طريق الاسلام نفسه الذي اخذها من الزرادشتية . اي ان الزرادشتية تشكل الغنوص Gnosticism الاسلامي الرسمي (الشيعي والسني) على حد سواء وليس الشيعي فقط , كما اراد البعض من الكتاب الايحاء به من قبيل احمد امين محمد عابد الجابري وغيرهم . واما الهرمسية التي الصقها بالتشيع المستشرقون (واهمهم ماسينيون) وتلقفها الكتاب الطائفيون – واهمهم الجابري – كمنقصة في تاريخ التشيع , فهى افكار نظرية وغامضة لم تكن موجودة سوى عند غلاة الشيعة وبعض الفرق الباطنية المنقرضة , ولايعرف صحة حقيقتها او وجودها , لان المصادر التي ذكرتها هى مصادر معادية لها وماجورة للسلطات العباسية والسلجوقية . علما ان اطروحة وجود الهرمسية عند الغلاة فقط راي ادرجه المفكر السوري جورج طرابيشي نافيا تعميمه على جميع الشيعة قائلا (ان خطا الجابري وخطيئته فهو اصراره على ان يرى الفكر الشيعي شجرة واحدة هى على وجه التعيين شجرة الهرمسية). وهذا الراي يحتاج الى مزيد من الدراسات التاريخية والدينية المقارنة حتى يمكن التاكد منه , لان الكثير من الباحثين الغربيين اكدوا تاثير الزرادشتية ليس على الاسلام وحده فقط وانما حتى على اليهودية والمسيحية .
ويمكن ادراج ثلاث محطات مفصلية في تاريخ الشيعة , كان لها تاثير كبير ومباشر على الاعتزاز بالهوية والانبعاث السياسي والطقوس المذهبية , رافدها ومنبعها الاساسي هو ايراني :
المحطة الاولى (الانبعاث الشيعي الاول) : البويهيون : سلالة من الديلم (جنوب بحر قزوين) حكمت غرب ايران والعراق , يرجع نسبهم الى الملوك الساسانيين ,سيطر احد قادتهم وهو معز الدولة على الاهواز وبغداد سنة (334 هجرية) واعلن نفسه امير الامراء . ويعد العصر البويهي في العراق من افضل العصور العباسية وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية , وامتازوا بالعدل والاخلاص والشجاعة والثقافة . وقد بلغت الدولة البويهية عصرها الذهبي في أيّام عضد الدولة ابن ركن الدولة الذي يعدُّ أقوى ملوك البويهيين ، وهو أوّل مَن خوطب في الإسلام بـ(شاهنشاه) أي : (ملك الملوك) ، وكانت مدة حكمه من أفضل الفترات التي مرّت على المسلمين عموماً ، والشيعة خصوصاً. وقد أنشد في مدحه الشاعر أبو الطيب المتنبي :
وقد رأيت الملوك قاطبة وسرت حتّى رأيت مولاها
أبا شجاع بفارس عضد الدولة فناخسرو شاهنشاها
أسامياً لم تزده معرفة وإنّما لذَّة ذكرناها
واما في المجال السياسي فإن البويهيين لم يقيموا دولة شيعية مستقلة ، إذ لم يفرضوا مذهبهم (الشيعي) على المجتمع كمذهب رسمي ، ولم يدفعوا الناس إلى الالتزام به . وكان المكسب الأساسي للشيعة الامامية الإثني عشرية من وجود البويهيين في السلطة هو حريتهم في التحرك والعمل بصورة علنية ، ووثوقهم بوجود سلطة تحميهم وتدافع عنهم بعد مرحلة الانزواء والانعزال التي اعقبت عصر الغيبة الذي بدا عام (260هجرية) والملاحقات العباسية الاخيرة , وخاصة اعمال القمع والابادة والمكافحة التي مارسها المنصور والرشيد والمتوكل , وتصاعد مكانة اهل الحديث والمعتزلة وغيرها من الفرق الاسلامية . وقد اختلف الباحثون حول ماهية المذهب الشيعي للبويهيون وهل هم زيدية ام امامية اثنى عشرية ؟ فمنهم من اكد على زيدية البويهيين , مستندا على ابقائهم الخليفة العباسي السني وعدم عزله توافقا مع قاعدة الزيدية الشهيرة (يجوز امامة الفاضل مع وجود الافضل) . فيما اكد الكثيرون تبعية البويهيين للمذهب الامامي الاثنى عشري مستندين على ادلة منها : رجوع معزّ الدولة إلى ابن الجنيد الاسكافي في الفقه ، وكنعتهم من قِبَل بعض مؤرِّخي السُّنة بالغلو تارةً وبالرفض أُخرى ، وكتأييدهم لعبارات اللعن التي كانت تُكتب على أبواب المساجد في عهد معزّ الدولة وبموافقته ، وهي عبارات مفصّلة تشير إلى بعض الخلفاء بالاسم أو الصفة ، وهذا يُرجّح إماميّتهم ؛ لأنّ الزيدية يتحاشون اللعن المفصّل عادةً . وقد تراجع معزّ الدولة فيما بعد عن ذلك خوفاً من وقوع فتنة طائفية . فضلا عن العلاقة الحميمة التي كانت تربط البويهيين برموز المؤسّسة الشيعية، ودعمهم لها واستيزارهم لبعض الشخصيات المقطوع بإماميّتها مثل: الصاحب بن عبّاد وغيره . فيما يؤكد البعض انهم زيدية تحولوا للمذهب الامامي الاثنى عشري , وان سبب التحول رغبتهم بالقيادة السياسية للامامية التي كانت غائبة , اذ ظهر البويهيين بعد خمس سنوات من بداية الغيبة الصغرى , فيما كانت القيادة الزيدية حاضرة .وبهذا الصدد يذكر البيروني في كتابه (الجماهر في معرفة الجواهر) (ان معز الدولة طلب من رجل علوي عالي السيرة ان يذهب للامام المهدي الغائب ويبلغه بانه قرر ان يرجع الحق لاهله (يقصد اهل البيت) بدلا من تقبيل اكمام المخانيث (يقصد الخلفاء العباسيين) الا ان العلوي اخبره ان الناس تعودوا على ال العباس ولم يعهدوا من العلويين الناقمين غير الاسر والقتل) .
قال السيّد الطباطبائي : (ظهرت عوامل في القرن الرابع الهجري ساعدت على انتشار مذهب التشيّع وتقويته، منها : ضعف الخلافة العبّاسية ، وظهور وزراء آل بويه ـ وهم شيعة ـ الذين كان لهم التأثير البالغ في مركز الخلافة ببغداد ، وهذه القدرة مكّنت الشيعة من الوقوف أمام المخالفين الذين طالما حاربوهم ، وتمكَّن الشيعة من نشر عقائدهم بكلِّ حرّية) . وقال الشيخ محمد جواد مغنية : (أمّا مناصرتهم لمذهب التشيّع، فقد ذهبوا فيه إلى أقصى حدٍّ ، وكان الغالب في بغداد عاصمة الدولة مذهب التسنُّن قبل البويهيين، وبعدهم نما فيها مذهب التشيّع وانتشر) . ويمكن تقسم التاثير المباشر للبويهيين على التشيع الى ثلاث اقسام :
1 . التاثير السياسي : افرزت سيطرة البويهيون على بغداد عاصمة العالم الاسلامي ومركز الخلافة على بعث الهوية الشيعية بقوة – وخاصة في مجالها السياسي – واعادة الثقة بالشخصية الشيعية المنعزلة وحثها على اظهار عقائدها وطقوسها للعلن , ومواجهة الاخر المختلف بالثقافة والمعتقد , ومقاومة التهميش والاقصاء والتكفير , والغاء فكرة الانزواء عن السياسية والحكم التي تبلورة بعد غيبة الامام المهدي الثاني عشر عند الشيعة , وامكانية التصدي للسلطة والقاعدة الاجتماعية التي تستند عليها , وتكوين الدول الخاصة بالتشيع كما حصل في امارة عمران بن شاهين الخفاجي في البطائح (قرب الشطرة الحالية) التي تاسست عام (369 هجرية) وامارة بني مزيد الاسدية في الحلة التي تاسست عام ( 387هجرية) وامارة بني عقيل في الموصل التي تاسست سنة (380 هجرية) , فضلا عن الامارات الشيعية الاخرى مثل امارة بني مقن في تكريت وامارة عكبراء في الدجيل وامارة بني وهيبة في هيت وامارة العيونيين من عبد القيس الذين انهوا حكم القرامطة والامارة العصفورية في الاحساء وامارة الجواريين وغيرها . كما عاصرت الدولة الحمدانية الشيعية التي تاسست سنة (317 هجرية) في حلب والموصل الحكم البويهي . ورغم ان كثير من تلك الامارات كان لها صراعات واشكالات سياسية مع البويهيين , الا ان هذا لايمنع تاثيرها المباشر عليهم سواء اكان في تاسيسها وقوتها ام في اعتزازها بهويتها ومذهبها .
كما اسس البويهيين اماكنية تجاوز الشيعة على السلطات الطائفية الحاكمة والظالمة والنيل منها ومقاومتها واذلالها . فقد تجاوز البويهيين على الخلفاء العباسيون وعزلوهم وحجروا عليهم وشاركوهم بسلطتهم . اي يمكن القول ان البويهيين هم اول من قتل الاب السني الحاكم بحسب المنظور النفسي (الاب الذي كان يخصي ابنائه) وكما قال فرويد (لاينال الانسان حريته الا عندما يقتل اباه) . واول شعور بالحرية عاشه الشيعة العراقيون هو في عصر البويهيين . كما ان الفتن المذهبية التي ظهرت بقوة وباستمرار في العصر البويهي , ورغم سلبياتها وتاثيرها الماساوي على الشيعة بسبب فداحة الخسائر التي يتعرضون لها في مكان تواجدهم الرئيسي في الكرخ من الرعاع والعيارين والشطار من اهل السنة الحنابلة والمتعصبين , الا انها تجسد من جانب اخر القدرة على المواجهة والتجاوز على الاخر المختلف بالهوية والمذهب بعد ان كانوا خانعين ومستعبدين وخاضعين للمكافحة الثقافية والامنية التي تقوم بها السلطات السياسية واتباعهم من وعاظ السلاطين وشيوخ السوء . رغم ان ذلك لم يستمر طويلا اذ سرعان ماسقطت دولة البويهيين سنة (447 هجرية) على يد السلاجقة الاتراك المتعصبين مذهبيا والمتخلفين حضاريا , الذين قمعوا الجماعة الشيعية وحاربوا المذهب رمزيا وعقائديا وايديولوجيا في ايران والعراق وبلاد الشام , وساهموا باسقاط الحكومات الشيعية – او تحجيمها على الاقل – واعادوا الانبعاث السني في المنطقة بعد التمدد الشيعي الكبير في العالم الاسلامي شرقا وغربا .
2 . التاثير المعرفي : كان للبويهيين الدور الابرز في تطور الفكر الشيعي وظهور العلماء البارزين والفقهاء المعروفين وتدوين المؤلفات الدينية الرئيسية والمصنفات العقائدية . ويكفي ان نعرف مصداق ذلك هو تاليف الكتب الثلاث الاساسية للشيعة في هذه المرحلة من اصل كتب الحديث الاربعة . فرغم ان محمد بن يعقوب الكليني صاحب كتاب (الكافي) قد توفى عام (329 هجرية) – اي قبل قدوم البويهيين لبغداد – الا ان باقي العلماء عاصروا سلطة البويهيين سواء اكان في ايران ام في العراق الذين صنفوا الاف الكتب المذهبية والدينية ابرزها امهات الكتب الشيعية الرائدة في هذا المجال . ونذكر ابرزهم محمد بن علي بن بابويه الصدوق القمي المتوفي (381 هجرية) صاحب كتاب (من لايحضره الفقيه) الذي كان مقربا من السلطان ركن الدولة في بغداد والري . ويليه الشيخ محمد بن النعمان المفيد البغدادي صاحب كتابي (الارشاد واوائل المقالات) المتوفي (431 هجرية) والذي تتلمذ على يديه ابرز علماء وشيوخ الامامية اهمهم الشريف الرضي الشاعر المعروف الذي جمع خطب الامام علي ونشرها باسم (نهج البلاغة) واخيه الشريف المرتضى صاحب كتابي (الشافي والامالي) . واخرهم بالشهرة الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفي (460 هجرية) الملقب بشيخ الطائفة الذي كتب اثنين من امهات الكتب الشيعية في الحديث وهما (التهذيب والاستبصار) وقد عاصر سقوط البويهيين وقدوم السلاجقة الطائفيين واضطراره للهجرة الى النجف وتاسيسه للحوزة العلمية هناك .
3 . التاثير الطقوسي : ابراز الطقوس الحسينية للعلن وممارستها جماعيا بعد ان كانت سابقا تتسم بالسرية والحزن الشخصي والمراثي الشعرية فقط من اهم السلوكيات الشيعية التي اخترعها ونشرها البويهيون . فقد اكد المؤرخون اعلان معزّ الدولة البويهيي سنة (352هـ) المأتم الحسيني كممارسة رسمية . وقد اعتبر البعض هذه الممارسة إعلاناً عن المذهب الشيعي كمذهب رسمي للدولة، فقد نُقل أنّ إقامة شعائر المأتم وإحياء ذكرى كربلاء وإنشاد المراثي وإعلان العزاء على الامام الحسين قد راجت في إيران والعراق – لأوّل مرّة – على أيدي البويهيين . وفي خطوة أُخرى لا تقلّ في دلالتها عن الخطوة السابقة – إن لم تكن أعمق – أصدر معزّ الدولة في نفس السنة أوامره بالاحتفال بعيد الغدير, وهو العيد الذي يحتفل به الشيعة بذكرى تنصيب النبي محمد للامام علي كخليفة من بعده . قال ابن الأثير في أحداث سنة (352هـ) : (وفيها في الثامن عشر ذي الحجّة، أمر معزّ الدولة بإظهار الزينة في البلد، وأُشعلت النيران بمجلس الشرطة، وأُظهر الفرح، وفُتحت الأسواق بالليل، كما يُفعل ليالي الأعياد، فعل ذلك فرحاً بعيد الغدير، يعني : غدير خم، وضُربت الدبادب والبوقات، وكان يوماً مشهوداً) . واما الخطوة الثالثة التي برزت في عهد البويهيين فهى إثبات (حيَّ على خير العمل) في الأذان ؛ وبالتالي فإنّ إعادة هذا الجزء إلى الأذان في أيّام البويهيين والجهر به في مشهد الكاظمين وفي مساجد الكرخ – معقل الشيعة آنذاك ببغداد – كان بمثابة الإعلان عن رسمية المذهب الشيعي، وقد مُنع الشيعة من رفع هذا الشعار في مساجدهم بعد سقوط الدولة البويهية . واما الدفن بالنجف قرب مرقد الامام علي فهى ايضا من اهم السلوكيات التي مارسها اولا البويهيين ثم تابعهم البعض من الزعماء مثل عمران بن شاهين الخفاجي المتوفي (369 هجرية) صاحب اول مسجد في النجف وغيرهم . ولم تصل ممارسة عملية الدفن بالنجف الى مستوى سلوكيات العوام في ذلك الوقت , وبقيت ضمن اطار النخبة من الملوك والزعماء والفقهاء الكبار فقط . وقد ذكر المؤرخون (توفي عضد الدولة البويهي في سنة 372هـ / 982م ونقل إلى النجف ودفن في الصحن الشريف) . كما دفن فيها ركن الدولة وشرف الدولة وبهاء الدولة البويهيين . وقبل ممارسة الدفن بالنجف , بادر البويهيين بعمارة مراقد الائمة وخاصة الامام علي في النجف والامام الحسين في كربلاء , حيث ذكر المؤرخون (ولما جاء عضد الدولة البويهي سنة 367هـ / 977م اهتمّ هذا السلطان بأمر النجف اهتماماً بالغاً، وبلغت أوج عظمتها في تلك الحقبة، إذ بالغ عضد الدولة في إجراء التعميرات والاصلاحات سنة 368هـ / 978م. وبعد أن استقرت الأحوال في بغداد، أسرع بتعمير المشهد العلوي وأقام عمارة عظيمة على قبر الإمام علي، وأنفق عليه أموالا كثيرة ) .
المحطة الثانية (الانبعاث الشيعي الثاني) : الصفويون : وهى المحطة الابرز والاهم في تاريخ الشيعة الاسلامي الحديث . وتكن اهميتها الرئيسية انها حولت واحدة من اكبر دول العالم الاسلامي اجمع وهى ايران – او بلاد فارس – من قلعة المذهب السني ومركزه الاساس الى دولة ليست شيعية طبيعية او تقليدية فحسب , وانما الى دولة شيعية مقتدرة وفاعلة وذات انجازات مذهبية كبيرة . والصفويون ادعوا النسب العلوي واسسموا دولتهم في أردبيل في بلاد فارس ، وحكموا بين عامي 1501 وحتى استيلاء الدولة الهوتاكية الأفغانية على ايران وسقوط سلطتهم عام 1722، ثم إستردوها ثانية بين عامي (1729 و1736). حكمت الدولة الصفوية في أوسع إمتداد لها (إيران الحديثة وأذربيجان وأرمينيا والعراق وجورجيا وشمال القوقاز وافغانستان بالإضافة إلى أجزاء من تركيا وباكستان وتركمانستان وأوزباكستان وسورية) . اتخذوا من مدينة (تبريز) في شمال ايران مقرا لهم حتى 1548 ، ثم قزوين بين (1548-1598)، ثم أصفهان منذ 1598 . أسس الشيخ صفي الدين الأردبيلي العلوي (1252-1334) طريقته الصوفية في أردبيل (أذربيجان) سنة 1300 . أصبحت المدينة عاصمة دينية ثم سياسية لأتباعه . نجح الصفويون في الوصول إلى الحكم (على بعض المناطق) أثناء زعامة جنيد (1447-1450)(الذي يعد اول من اعتنق المذهب الشيعي الامامي الاثنى عشري) ثم حيدر (1460-1488) الذين استطاعا إنشاء تنظيم سياسي وعسكري وتكوين وحدات خاصة من الجيش عرفت باسم القزلباش (القزل باش أو الرؤوس الحمراء نسبة إلى التاج أو العمامة الحمراء التي يرتديها أتباع الطريقة الصفوية ، وتربط العمامة بإثني عشرة لفة تلميحا للأئمة الإثنى عشر). تولى إسماعيل الصفوي (1487-1524) منذ سنة 1494 م زعامة التنظيم , واستولى على مناطق گيلان اولا ، ثم واصل في توسعه بين سنوات (1499-1501) حتى شمل كامل بلاد فارس ، وقام بعدها بطرد القراقويونلو (دولة الخروف الابيض) سنة 1507 واستولى على العراق سنة 1508 . أقر المذهب الشيعي الإثني عشري مذهبا رسميا للدولة . وباتخاذ الصفويين هذا المذهب , استطاعوا أن يخلقوا من إيران دولة قوية وموحدة بعد أن كانت جزءً من الخلافة الإسلامية , وأصبح المذهب الشيعي عاملا قويا ودينيا لدفع الإيرانيين ليقاوموا بشدة تسلط الدولة العثمانية التي ادعت كذبا وزورا وراثة الخلافة العباسية الإسلامية. واستخدمت الدولة الصفوية عدة وسائل لنشر المذهب الشيعي منها الدعاية والطقوس والإقناع النفسي , الا ان الوسيلة الابرز التي استخدمها اسماعيل الصفوي لتحويل ايران السنية للتشيع هى القوة والسيف , وقتل الافراد الذين يرفضون التحول . وقد رد السلطان العثماني سليم الاول من جانبه على ذلك بقتل اكثر من اربعين الف من الرجال والنساء والاطفال الشيعة العلويين في بلاد الاناضول وبلاد الشام – وخاصة في حلب – لمجرد انهم شيعة , ولم يطلب منهم التحول للتسنن كاختيار لحفظ حياتهم ونجاتهم من التعذيب الشديد , وهو احد مظاهر الجبن والخسة والنذالة المعروفة تاريخيا عند الخلفاء المسلمين السنة . فيما كان اسماعيل الصفوي يطلب من اهل السنة التحول عبر اختبار سب الخلفاء الثلاث , ومن يرفض يقتل . ويبدو ان الخوف من القتل جعل التحول سريعا . فٌقد روى بان احد علماء السنة الكبار بشيراز قد امتحن بترك التسنن من خلال الطلب منه سب الخلفاء الثلاث الاوائل , فقام هذا العالم بلعنهم لعنا شنيعا , ولما عوتب من اصحابه قال (هل تريدون ان اقتل من اجل هؤلاء الاعراب الثلاثة؟؟!!) .
والصفويين هم اول جماعة شيعية تجاسرت على قتل اهل السنة بعد ان كان السنة – وطوال مايقارب الالف عام – يقتلون الشيعة لمجرد انهم شيعة , بدات مع الامويين بزعامة معاوية وباقي الخلفاء والامراء وانتهت بالعباسيين والسلاجقة والعثمانيين وغيرهم . لذا وصف احد الباحثين الطائفيين الدولة الصفوية بالقول (ليس من قبيل المبالغة القول بأن قيام الدولة الصفوية شكل “كارثة” لإيران والعالم الإسلامي ، فلقد ظلت ايران ما يقارب من تسعة قرون من الزمان تتبع مذهب أهل السنة والجماعة، فكانت الصبغة السنية ظاهرة فيها، واضحة في جميع ألوان النشاط البشري لأهلها، ما مكن إيران من المساهمة في بناء صرح الحضارة الإسلامية الراقية بواسطة علمائها في مختلف العلوم والفنون ، من أمثال البخاري ومسلم وسيبويه والخليل بن أحمد والطبري والبيروني وابن سينا والغزالي والفارابي والفخر الرازي، وغيرهم ممن يعدون من مفاخر المسلمين جميعاً) . إلا أن البعض ذهب الى القول بأن إيران كانت دولة شيعية قبل ظهور الصفويين بسبعمائة عام – اي منذ عهد آلبويهيين – وأن الصفويون قاموا بتحويل مذهب إيران بشكل رسمي فقط من المذهب السني الشافعي إلى المذهب الشيعي . فيما ان الواقع غير ذلك تماما وكما ذكر الشهيد مطهري بقوله (ان لاسابقة للفرس في التشيع سوى سلمان الفارسي , وان اكثر الذين اسلموا من الفرس مااختاروا المذهب الشيعي من اول الامر , بل نرى ان اكثر علماء المسلمين الايرانيين في التفسير والحديث والكلام والادب من السنة لا الشيعة , وان هذا الامر استمر بهم الى ماقبل الصفوية) . وقد تعددت الاسباب التي ادت بالصفويين الى تحول المجتمع الايراني للتشيع , ولكن يبقى اهمها هو البحث عن هوية ذاتية جامعة وموحدة للايرانيين تستند على المذهب الشيعي للتمايز على الدولة العثمانية الناهضة انذاك التي ترتكز على المذهب السني , والخشية من ضم ايران اليها والتمدد عليها بدعوى الخلافة او السلطنة الاسلامية الجامعة , وبهذا التحول فشلت اول مشاريع الانصهار والتوحد بين الايرانيين والعثمانيين الترك خاصة بعد المعارك المتعددة التي حصلت فيما بينهم .
إن الصفويين إبان نشأة دولتهم قد أحيوا بعض المعتقدات الشيعية التي اندثرت مع انهيار الدولة البويهية في بغداد والدولة الفاطمية في مصر، ولا عجب أن تشير بعض المصادر التاريخية إلى وجود آثار لبعض أتباع الفاطميين ومواليهم في تلك الدولة الناشئة ، مع التذكير إن دور الصفويين لم يقتصر على الإحياء فقط , بل امتد الى مجالات التطوير والتجديد والابتكار بحيث انتهت إليهم زعامة الفكر الشيعي الذي لا زالت أغلب مظاهره موجودة ومؤثرة إلى وقتنا هذا , علما ان بعض تلك التاثيرات كانت مباشرة من الدولة الصفوية ومجالها الزمني والتاريخي وبعضها من تاثيرها غير المباشر وضمن تداعياتها وتطوراتها اللاحقة , الا انه في الاخير تشكل المركز الذي انتج هذا الزلزال الكبير في المنطقة الذي استمر تاثيره على ايران والعراق حتى مطلع العشرينات في القرن العشرين عندما تاسست في كلا المجتمعين دولا قومية وعلمانية ابعدت الدين والطقوس عن نظامها السياسي والثقافي , فالدولة العراقية تاسست عام 1921 بزعامة الملك فيصل الاول والدولة الايرانية المعاصرة اتسست عام 1925 بزعامة الشاه رضا بهلوي . ويمكن ادراج اهم تاثيرات الصفويين على التشيع بصورة عامة والشيعة العراقيين بصورة خاصة في المسارات الثلاث الاتية (الطقوسية والمعرفية والسياسية ) :
اولا : المسار الطقوسي : لايمكن حصر التاثير الطقوسي الصفوي على التشيع لتعددها وتعقيدها . ويرجع سبب تماهيهم الكبير وترويجهم الهائل للطقوس الحسينية هو رغبتهم بنشر التشيع بين الايرانيين وتسريع عملية التحول المذهبي من التسنن من خلال استغلال تراجيديا اهل البيت واستشهاد الامام الحسين والمصيبة التي حلت في كربلاء وغيرها . واستحدثوا بهذا الصدد وزارة الشعائر الحسينية واقتبسوا بعضَ مظاهرِ الاحتفالاتِ الطقوسية التي يمارسها المسيحيون الأرثوذكس في أوروبا الشرقية، منها تلك التي تُعيد تمثيلَ حادثة صلبِ المسيح، ونُقلَت تلك الطقوسُ إلى إيران وأذربيجان والعراق بعد أن أخذت صبغةً شيعية، حسبما ذكر المفكرُ الإيراني علي شريعتي في كتابه (التشيُّع العلوي والتشيُّع الصفوي). ولكن يمكن استعراض اهمها :
1 . السجود على التربية الحسينية اثناء الصلاة .
2 . ادخال عبارة (اشهد ان علي ولي الله) في الاذان . علما انها لم تصل للعراق الا بعد زيارة الشاه ناصر الدين للبلاد في عهد مدحت باشا , فسمع في كربلاء الاذان بدون هذه العبارة , فامر باعادة الاذان وادخالها فيه . ومن يومها استمر الاذان بهذه الصورة . علما ان مراجع الدين الشيعة لايوجبون هذه العبارة بالاذان والاقامة .
3 . استحداث ظاهرة المشي للمراقد المقدسة . واول من اعتمدها هو الشاه عباس الصفوي الذي سار مشيا من اصفهان الى مرقد الامام الرضا في مشهد سنة (1601 ميلادية) .
4 . استحداث مظاهر الحزن الجماعي ولبس السواد وتنظيم مواكب اللطم بالزنجيل والالات الجارحة الاخرى في عاشوراء على الامام الحسين . وقد اعتمدوها تقليدا لمواكب اللطم المسيحية الارثذوكسية في القوقاز .
5 . استحداث مظاهر التشابيه في مراسم عاشوراء التي كانت في حينها ضمن مواكب اللطم – وليست مستقلة مثل الان – مثل احضار الاطفال والنساء او اختيار مشاهد محزنة من الواقعة .
6 . بناء مراقد الائمة واعمارها في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وهى العمارة الباقية حتى اليوم .
7 . بناء المدارس الدينية في كربلاء والنجف لطلبة العلوم الدينية , وهى تسمى مدارس مجازا ,لانها عبارة عن مبيت الطلاب الاجانب والغرباء الذين يدرسون في الحوزة العلمية .
8 . استحداث الحسينيات كدور للعبادة وممارسة الطقوس العاشورية . واول تلك الحسينيات بنيت في كربلاء في مطلع القرن التاسع عشر ثم النجف ثم الكاظمية .
9 . استحداث ظاهرة التجاوز على الصحابة والخلفاء الاوئل الثلاث وسبهم ولعنهم . وهذا العمل كان في بدايته هو اختبار اهل السنة الايرانيين ومدى صحة تركهم لمذهبهم الاصلي وتحولهم للمذهب الشيعي , ولم يكن القصد من اللعن هو اللعن بحد ذاته . وقد ادرج الكثير من تلك التجاوزات العلامة المجلسي في كتابه (بحار الانوار) واصبحت نمطا طائفيا مازال يعتقد به البعض من العامة والمتعصبين – وخاصة الاخباريين والشيرازيين – رغم تحريمه ونقده من قبل المجتهدين والمراجع والمصلحين .
ثانيا : المسار المعرفي : ان اهم الافرازات المعرفية المباشرة وغير المباشرة للعهد الصفوي هو بلورة مفهوم المرجعية الدينية السائدة اليوم بشقيها الولاية المقيدة والعامة المعروفة بولاية الفقية . فالمرجعية الدينية التي تعتمد التقليد والاجتهاد – كما هو معروف الان – نسق كهنوتي وديني ومذهبي تطور عبر التاريخ , اكتملت ملامحه في القرن التاسع عشر في مرجعية الشيخ مرتضى بن محمد امين الانصاري (1799-1864) الذي يعتبر اول فقيه يعترف به كمرجع اعلى وحيد للعالم الشيعي , واول من ادخل مبحث التقليد والاجتهاد في الفقه , وهو من التاثيرات غير المباشر للانبعاث الشيعي الثاني الذي تبلور نتيجة سلوكيات وتبشيرات الدولة الصفوية ونتائجها المباشرة على التشيع . فيما ترجع الصيغة المعاصرة للولاية العامة او ولاية الفقية الى الملا احمد النراقي (1771-1828) الذي وضعها بشكلها المعروف رغم التطبيقات العملية لها قد تكون قد عرفت عند الشيخ نور الدين علي بن الحسين الكركي العاملي (1466-1534) وتعامله الخاص مع الدولة الصفوية ودعمه الديني والسياسي لها والذي يعد الفاعل الاول لنقل الدولة الصفوية من الطابع الصوفي الى النمط الفقهي . كما ظهر نتيجة الانبعاث الشيعي الثاني علماء كبار في العراق وايران ولبنان مازال تاثيرهم العقائدي والفقهي والاصولي على المذهب الشيعي قائما حتى الان من قبيل الكركي (المحقق الثاني) ومحمد باقر المجلسي صاحب كتاب (بحار الانوار) (وهو اكبر كتاب شيعي حتى الان تجاوزت عدد مجلداته الخمسين) وبهاء الدين العاملي صاحب كتاب (الكشكول) والفيض الكاشاني صاحب كتاب (الوافي) والشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي صاحب كتاب (وسائل الشيعة) والشيخ احمد بن محمد المقدس الاردبيلي وصدر الدين الشيرازي او ملا صدرا الفيلسوف المعروف صاحب كتاب (الاسفار الاربعة) (اهم فيلسوف شيعي) ومحمد مهدي بحر العلوم صاحب كتاب (الفوائد الرجالية) والمجدد محمد حسن الشيرازي صاحب فتوى التنباك ومحمد حسن بن باقر النجفي صاحب كتاب (جواهر الكلام) والشيخ جعفر بن خضر الجناحي صاحب كتاب (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء) والمصلح جمال الدين الافغاني ومحمد حسين النائيني صاحب اول كتاب ليبرالي شيعي وهو (تنبيه الامه وتنزيه الملة) فضلا عن ظهور المدرسة الاخبارية واهم مؤسسيها وعلمائها محمد امين الاسترابادي والشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ونعمة الله الجزائري ويوسف البحراني , وظهور الطريقة الشيخية نسبة للشيخ احمد الاحسائي والكشفية نسبة للسيد كاظم الرشتي والحركة البابية والبهائية والشيخية الركنية وغيرها . والمفارقة ان الدولة الصفوية استعانت بالعلماء العرب من لبنان والعراق لاكمال عملية التحول من التسنن الى التشيع وترسيخه في المجتمع الايراني . وبعد اكثر من قرنين من الحكم الصفوي اصبح في ايران الكثير من العلماء والمجتهدين بعد افتتاح العديد من المدارس الدينية هناك , ولكن بعد سقوط الدولة الصفوية ومجىء حكومة افغانية سنية متطرفة والخشية من هجومات الاوزبك المتعصبين اضطر الكثير من هؤلاء العلماء الهجرة الى العراق خشية من الاضطهاد الديني والتعصب المذهبي , ومن يومها برزت ظاهرة جديدة وهى هيمنة رجال الدين والمجتهدين الايرانيين على الساحة الدينية الشيعية في النجف بعد ان كانت الهيمنة للعراقيين واللبنانيين . وقد اشار الى هذه الظاهرة الدكتور الوردي بقوله : (بعد أن تحولت إيران إلى التشيع ، أخذت تؤثر في المجتمع العراقي تأثيرًا غير قليل. فقد بدأ التقارب بين الإيرانيين وشيعة العراق ينمو بمرور الأيام . وصارت قوافل الإيرانيين تتوارد تباعًا إلى العراق من أجل زيارة العتبات المقدسة أو طلب العلم أو دفن الموتى وغير ذلك. وقد نشأ في العراق جراء ذلك وضع اجتماعي فريد في بابه هو أن الشيعة الذي يمثلون أكثرية السكان في العراق هم من العرب بينما أكثر علماءهم من الإيرانيين) .
كما ساهمت الدولة الصفوية والحكومات التي اعقبتها والشخصيات الرسمية والعلمية الايرانية ببناء العديد من المدارس الدينية في النجف واهمها (المدرسة الغروية والصدر والمعتمد والقوام والايرواني والمجدد الشيرازي والبخاري والاخوند الكبرى والقزويني والاخواند الوسطى واليزدي الاولى والهندي والاخوند الصغرى والشيرازي والبروجردي الكبرى والطاهرية والبروجردي الصغرى وجامعة النجف الدينية واليزدي الثانية والطهرانية ودار العلم) .
ثالثا : المسار السياسي : يعد تاسيس الدولة الصفوية عام 1501 هو بداية تاسيس الدولة الايرانية الحديثة ,وشكلت الاساس الحالي للعمل السياسي الشيعي بعد انزواء تلك الدول الشيعية التي تشكلت في العصر العباسي وتلاشيها من الحيز الجغرافي الشرق اوسطي , وانتصار مفهوم ارجاء العمل السياسي الى ظهور الامام المهدي الغائب الذي تبلور بقوة بعد عصر الغيبة عند اغلبية مراجع الدين الشيعة . وتميزت هذه الدولة بالقدرة والشراسة في مواجهة المركزية السنية المتسلطة , حتى يمكن القول انها اول دولة شيعية تصرفت كدولة سنية من حيث التسلط والقتل والطائفية واستغلال الدين للسياسية , وبهذا الصدد ذكر الكاتب صلاح جواد شبر في كتابه (ثيولوجيا التشيع السياسي)(استفاد الصفويون من اخطاء كل الدول الشيعية التي توالت على الحكم فيما قبل وقررت ان تمارس الاسلوب السني العثماني في شكليات الحكم) , لذا نجد ان الكتاب الطائفيون والشيعة المخصيون يصفون كل انسان شيعي يمارس العمل السياسي ويقف ضد المركزية السنية او يطالب بالتحرر من السلطات القومية والطائفية بانه (صفوي) (واخرهم الكاتب فالح مهدي يصف الاحزاب الشيعية بالصفوية والاولاد المتعة كتبعية لاشعورية لخطاب المركزية السنية) . فيما يصفون كل شيعي مدجن او مخصي او مستعبد ويهاجم التشيع والحكومات والاحزاب التابعه له مذهبيا بانه (وطني) , لذا تجد اغلبية الانتلجنسيا الشيعية (التي سنذكر اسمائها لاحقا) تتسابق في النيل من التشيع وايران وحزب الله من اجل حيازة هذه المفردة السحرية التي تشكل ضمن اللاشعور الجمعي الشيعي نوعا من السحر والحبور بعد الاستهداف الطويل والطعن بالوطنية الذي قامت به المركزية السنية والحكومات القومية والبعثية والطائفية ضدهم على مدى العقود الاخيرة بين عامي (1963 – 2003) . كما تميزت الدولة الصفوية انها اول دولة شيعية امامية اثنى عشرية صريحة بعد ان كانت الدول السابقة اما اسماعيلية مثل الدولة الفاطمية في مصر او غامضة بين الزيدية والاثنى عشرية مثل البويهيين او فرعية مثل الحمدانيين وغيرها .
واما اهم افرازات الانبعاث الشيعي الثاني الذي تبلور تحت تاثيرات الدولة الصفوية فهو تحول القبائل العربية البدوية للتشيع خلال القرون الثلاث الاخيرة والتي كانت احدى اهم نتائجها تحول العراق الى بلد شيعي . فقد اكد العديد من المؤرخين والباحثين امثال ابراهيم الحيدري وعثمان بن سند البصري ومحمود شكري الالوسي وعلي الوردي وفالح عبد الجبار وحنا بطاطو واسحق النقاش وفرهاد ابراهيم وغيرهم ان القبائل العربية السنية الوافدة للسهل الرسوبي في وسط وجنوب العراق قد تشيعت في القرون الثلاث الاخيرة لاسباب عدة ذكرها اولئك الكتاب , الا انه يبقى السبب الاهم في تسريع عملية التحول الشيعي وترويجه وانتشاره هو الدعاة والخطباء والشيوخ (الموامنة والملالي) الذين كانوا يتجولون بين العشائر الجنوبية والقائهم الخطب والقصص الدينية والاسطورية عن اهل البيت وحياتهم وماساتهم ومناقبهم وغيرها . وقد ذكر احد الكتاب ان هؤلاء الشيوخ كانوا يتجولون بتحريض ودفع من الايرانيين والمراجع الشيعة , الا انه لم يثبت ان اولئك الشيوخ كانوا يتجولون بايعاز من جهة سياسية او حكومية خارجية مثل ايران , ولكن ربما يكون الدفع والتحريض من المراجع الشيعة في النجف – وطبعا جلهم من الايرانيين – دور كبير في ذلك . وقد استمر الدعاة والخطباء الشيوخ يتجولون بين العشائر والمدن الشيعية في الوسط والجنوب حتى عقد الخمسينات . فقد اكد اجدادنا واقاربنا في احدى قرى الشطرة ان الدعاة والشيوخ كانوا ياتون اليهم اسبوعيا لاقامة مجلس عزاء الامام الحسبن ويحصلون مقابل ذلك على دينار او نصف دينار . واما المناسبة الرئيسية في عاشوراء فقد كان يرسل الشيخ محمد ابراهيم الكرباسي – وكيل المراجع ابو الحسن الاصفهاني ومحسن الحكيم وابو القاسم الخوئي في مدينة الشطرة – احد الخطباء والشيوخ للقراءة مدة عشر ايام مقابل خمسة عشر دينار وقاط (صاية وستره) من احد الخياطين واكياس من الحنطة والشعير . وهذا يدل ان الدافع المادي ربما كان احد اهم الاسباب لتجول هؤلاء الخطباء بين العشائر , الا انه – وكما يبدو – قد ساهمت بصورة مباشرة في عملية التحول الشيعي وترسيخها بين العراقيين .
انتقد الكاتب الايراني الاصلاحي علي شريعتي الدولة الصفوية بسبب الممارسات الطقوسية والطائفية التي قامت بها اولا والاضافات والمعتقدات التي ادرجتها في التشيع ثانيا , وذلك في كتابه المثير للجدل (التشيع العلوي والتشيع الصفوي) . ورغم دعوته الاصلاحية والاجتماعية , فقد استغل الكتاب الطائفيون العرب وبعض الشيعة المخصيون هذا الانتقاد للنيل من الدولة الصفوية والطعن بها . وفي الواقع ان الدكتور علي الوردي هو اول من انتقد الدولة الصفوية وسلوكياتها التي ذكرناها ولكن دوافعه كانت اصلاحية ومعرفية والهدف منه تنبيه او تركيز الهدف الشيعي على روحية التشيع في مواجهة الظالمين والحكام الطائفيين , وليس التماهي مع الطقوس الحسينية والمظاهر العبادية فقط , فقد اكد بالقول (ان الشاه اسماعيل اساء الى التشيع من حيث اراد نفعه ,او لعله اساء الى التشيع ونفعه في ان واحد , فهو من ناحية قد زاد من تعداد الشيعة ,اذ ادخل فيهم الكثير من الايرانيين ولكنه من ناحية اخرى ادخل في التشيع امورا اضرت به وشوهت سمعته) . والدكتور شريعتي يطالب الشيعة بالثورية والنضال وعدم الارتكان للكسل والطقوس ,واعتبرت هذه الاراء من ضمن المقدمات التي مهدت للثورة الاسلامية الايرانية بقيادة الامام الخميني عام 1979 . ولكن اود ان ابين ان دراستي هذه ليست في معرض المدح والذم للدول والمجتمعات الدينية والطائفية , وانما هى مختصة بالنقد والتحليل والتفكيك المعرفي . ويمكن التعليق على تلك الاراء حول الدولة الصفوية من خلال النقاط الاتية :
1 . ان الدولة الصفوية ليست الدولة الوحيدة في العالم التي افسدت المفاهيم والمبادىء والقيم المثالية عند التطبيق بالصورة التي جعلها البعض كنموذج احادي لهذا الواقع , وانما قبلها الدولة الرومانية افسدت المسيحية والاسرائيلية افسدت اليهودية والاموية والعباسية والعثمانية افسدت السنية . وكذا الامر مع التوجهات العلمانية فالدول الاوربية وامريكا شوه سمعت الليبرالية والاتحاد السوفيتي افسد الاشتراكية والماركسية وجمال عبد الناصر افسد القومية وهكذا , لان كل فكرة او مبدا يفسد عند التطبيق او امام السلطة . وعليه يطرح السؤال الاتي : هل يجب ان على التشيع ان يبقى ضمن اطار الثورة والافكار المجردة حتى يستمر على نظافته وقيمه الاصلية ومبادئه الحقيقية ؟ في الواقع ان الكثير قد يؤيد هذا النمط وتلك الاستمرارية وبقاء التشيع ضمن اطار المعارضة والمقاومة والرفض فقط وعدم تحوله الى دولة , الا ان هذا يخالف سنن التاريخ ومكره – حسب وصف هيغل – فالتاريخ يتقدم ليس من خلال الافكار المثالية وانما من خلال الصراعات والثورات والتناقضات .
2 . يذكر البعض ان الدولة الصفوية حولت التشيع العلوي الثوري والاصيل الى خرافات وطقوس وطائفية . وردنا على ذلك يتخذ مسارين :
أ . اين هو التشيع العلوي في التاريخ ؟ في الواقع لانجد هذا التشيع في التاريخ قبل الدولة الصفوية , الا اللهم يقصدون فترة حكم الامام علي التي قاربت الاربع سنوات فقط , واما بعدها فالتشيع هو عبارة عن افكار مجردة من الرفض والمقاومة للسلطات الاموية والعباسية الحاكمة تطور الى عصر الغيبة الى سلوك من الانعزال والغيبوبة والعبودية ولم نجد له اي تطبيق عملي .
ب . عند استعراض الطقوس والاساطير والمعجزات وغيرها في التشيع التي ادرج بعضها الصفويون والبعض الاخر من الاخرين نقول : اليس هذا هو الدين ؟ اساطير وتهويلات ومبالغات وطقوس واقصاء وتاثيم والغاء ؟؟ وهل يوجد دين في التاريخ لايحوي هذه الممارسات والسلوكيات ؟ وهل يوجد دين يقوم على العقل والتنوير والحداثة ؟
ج . الكثير من ممارسات الدولة الصفوية التي اتهمت بها انها حولت التشيع الصفوي قد حدثت في عهد الدولة البويهية وتحت اشرافها , من قبيل التماهي مع الطقوس الحسينية ولعن الخلفاء والصراع الطائفي وغيرها , فلماذا تنسب للدولة الصفوية ؟ وحتى الدولة الفاطمية قامت بجزء كبير من تلك الممارسات والتصرفات فلماذا لايتم ذكرها ونقدها ؟ اعتقد ان السبب الرئيس للنيل من الدولة الصفوية عند بعض الكتاب الطائفيين , ليس تلك الممارسات الطقوسية والاقصائية , فهم بالاخير ليس حريصين على الشيعة وليسوا راغبين باصلاحهم – ان لم يكن العكس – فهم يريدونهم طقوسيين ومتخلفين حتى يكونوا معادلين لهم , وانما لان الدولة الصفوية حولت ايران السنية الى التشيع , وفقدوا اهم دولة حضارية ومقتدرة ومدنية في المنطقة واضافت للتشيع عنصر قوي من المنعة والفاعلية والانتشار بسبب هذا التحول .
3 . ان اهم الناقدين للدولة الصفوية – وابرزهم الدكتور الوردي وعلي شريعتي – ياخذون عليها انتقالها بالتشيع من الثورة والمعارضة الى السلطة والدولة , اي انهم يريدون التشيع ان يبقى اسير المعارضة الدائمة والثورة المستمرة ولايتسلم السلطة والحكم , وفاتهم ان من يبقى خارج ارادة القرار والتغيير فعليه ان يتحمل النتائج السلبية والتبعات الخطيرة للبقاء خارج القرار والدولة ونفوذها وسطوتها , ليس المكتسبات الايجابية التي تحصل عليها الجماعات المتنفذة والمشاركة بالحكم فحسب , وانما تحييدها واكتفاء شرها وقمعها , والسلطة – كما قال السيد هاني فحص – رمز الحياة والوجود والكرامة , والشواهد عندنا في التاريخ كثيرة في ان الجماعة الشيعية , وعندما اعتزلت عن السلطة – او السعي لها – واجهت حالات لاحصر لها ليس من التهميش والاقصاء والالغاء فحسب بل من التكفير والابادة والتصفية والتهجير . واما التبعات السلبية للسلطة من قبيل الطبقية والاستئثار والفساد والتسلط والتجاوزات وغيرها فهى لاتقارن بسلبيات الانعزال وتبعات العبودية والانتهاك .
4 . يذكر بعض الكتاب التابعون للسعودية – وابرزهم الكاتب العراقي نبيل الحيدري – ان التشيع الصفوي يختلف عن التشيع العربي . واعتقد ان هذا الراي شبيه بالراي السابق حول الفرق بين التشيع العلوي والتشع الصفوي , فلانعرف في الواقع اي وجود للتشيع العربي وافكاره وتوجهاته ومبادئه , الا اللهم يقصد عصر الائمة وهو لايسمى عصر التشيع , وانما عصر النص والائمة والتاسيس . واراء هذا الكاتب هو نفس اراء الحاج خير الله طلفاح وعبد الرزاق الحصان وعبد الله سلوم السامرائي واحمد امين وعلي الكاش وغيرهم من الكتاب الطائفيين حول تاثير الشخصية الوهمية المعروفة عبد الله بن سبا في اختراع التشيع ودور الفرس في اختراع الامامة والعصمة والغلو وغيرها , وسبق ان ذكرنا خطا وكذب هذه الاتهامات في هذا القسم . وسبب تركيز الدوائر الطائفية في السعودية وغيرهم على هذه الاطروحة هو رغبتهم بعزل العراقيين والعرب عن الايرانيين عزلا قوميا وعرقيا , ومن ثم سهولة الاستفراد بهم والنيل منهم واستعبادهم من جديد .