Dr Fadhil Sharif

الكاتب : فاضل حسن شريف

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” ﴿النور 19﴾ ان كانت الآية نازلة في جملة آيات الإفك ومتصلة بما تقدمها وموردها الرمي بالزنا بغير بينه كان مضمونها تهديد الرامين المفيضين في الإفك لكونه فاحشة وإشاعته في المؤمنين حبا منهم لشيوع الفاحشة. فالمراد بالفاحشة مطلق الفحشاء كالزنا والقذف وغير ذلك، وحب شيوعها ومنها القذف في المؤمنين مستوجب عذابا أليما لمحبيه في الدنيا والآخرة. وعلى هذا فلا موجب لحمل العذاب في الدنيا على الحد إذ حب شيوع الفحشاء ليس مما يوجب الحد، نعم لو كان اللام في ” الفاحشة ” للعهد والمراد بها القذف وكان حب الشيوع كناية عن قصة الشيوع بالإفاضة والتلقي بالألسن والنقل أمكن حمل العذاب على الحد لكن السياق لا يساعد عليه. على أن الرمي بمجرد تحققه مرة موجب للحد ولا موجب لتقييده بقصد الشيوع ولا نكتة تستدعي ذلك.

عن  تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: قوله جل جلاله “الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ” (النور 19) أي يشيعونها عن قصد إلى الإشاعة ومحبة لها، وفيها دلالة على أن العزم على الفسق فسق. 

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” ﴿النور 19﴾ وممّا يلفت النظر أنّ القرآن الكريم لم يقل (الذين يشيعون الفاحشة، بل قال: “الذين يحبون أن تشيع الفاحشة” وهذا يحكي عن الأهمية القصوى التي يدليها القرآن لذلك. وبعبارة أخرى: أنّه لا ينبغي توهم أن ذلك كان من أجل زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو شخص آخر بمنزلتها، بل من أجل كلّ مؤمن ومؤمنة، فلا خصوصية في ذلك، إنّما هي عامّة للجميع على الرغم من أن كل حالة لها خصائصها، وقد تزيد الواحدة على الأُخرى في الخصائص أو تنقص. كما يجب الأنتباه إلى أن إشاعة الفحشاء لا تنحصر في ترويج تُهمة كاذبة ضد مسلم مؤمن، يتهم بعمل مخل بالشرف، بل هذه مصداق من مصاديقها ولهذا التعبير مفهوم واسع يضم كل عمل يساعد في نشر الفحشاء والمنكر. وقد وردت في القرآن المجيدِ كلمةُ (الفحشاء) غالباً للدلالة على العمل المخل بالعفّة والشرف. ولكن من الناحية اللغوية، فقد ذكر الراغب الإصفهاني مفهوماً واسعاً لها فقال: الفحش والفحشاء والفاحشة، ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال. ويستعمل القرآن أحياناً هذا المفهوم الواسع، حيث يقول “وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ” (الشورى 37). وبهذا يتّضح المفهوم الواسع للآية: أمّا قول القرآن الكريم: “لهم عذاب أليم في الدنيا” فقد يكون إشارة إلى الحدود والتعزيرات الشرعية. وردود الفعل الإجتماعية، وما يبتلى به الناس في هذه الدنيا من مظاهر مشؤومة بسبب أعمالهم القبيحة، إضافة إلى عدم تقبل أية شهادة منهم، وإدانتهم بالفسق والفجور وافتضاح أمرهم. كل ذلك من النتائج الدنيوية التي تترتب على أقوالهم وأعمالهم القبيحة. وأمّا عذابهم الأليم في الآخرة، فيكون في ابتعادهم عن رحمةِ الله، واستحقاقهم غضب الله وعذاب النار. وتختم الآية بالقول “والله يعلم وأنتم لا تعلمون” أجل، وإن الله يعلم بالعاقبة المشؤومة التي تنتظر الذي يشيعون الفحشاء في الدنيا والآخرة، ولكنّكم لا تعلمون أبعاد هذه القضية. إنّه يعلم الذين يبيتون في قلوبهم حب هذا الذنب، ويعلم الذين يمارسونه تحت واجهات خداعة، أمّا أنتم فلا تعلمون ذلك ولا تدركونَهُ. أجل، يعلم الله كيف ينزل أحكامه ليحول دون ارتكاب هذه الأعمال القبيحة.

في كتاب تنزيه زوجات الانبياء عن الفاحشة لسماحة الشيخ حسين الخشن عن الموقف من زوجات الأنبياء عليهم السلام وأزواج نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وأننا حين نحترمهم ونجلهم فهو امتثال لأمر الله، ولا يعني أنهن معصومات عن الخطأ، فكون النبي معصوماً فهذا لا ينطبق على زوجته، فقد تكون غير مؤمنة وضالة عن دين الله ولكن لا يُعقل أن ترتكب زوجة نبي فاحشةً لأنّ هذا يسيء للنبوة والرسالة. ويروي ما فعله الإمام علي عليه السلام من إكرام للسيدة عائشة بعد حادثة الجمل على الرغم من كل ما حدث، وكيف نهى عن التعرض لها وأقام الحد على من تطاول على عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

جاء في موقع الاتحاد عن النفاق من اعظم الذنوب و ابتعاد عن سبيل الله للكاتب احمد شعبان: والمنافقون يحبون أن تشيع الفاحشة بينهم، قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (النور 19). ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على الصدق ويرغب فيه ويحذر من الكذب، ولعلاج النفاق يجب التفكير في عاقبة هذا السلوك والمفاسد التي تنتج عنه، أن يراقب الإنسان حركاته وسكناته، ويعمد إلى العمل بما يخالف رغبات النفس وتمنياتها، ويجاهد في جعل أعماله وأقوآله في الظاهر والباطن واحدة، ويبتعد عن التظاهر والتدليس في حياته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *