Dr Fadhil Sharif

الكاتب : فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قوله جل وعلا “لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” ﴿التوبة 117﴾ الْعُسْرَةِ: الْ اداة تعريف، عُسْرَةِ اسم، لقد وفَّق الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإنابة إليه وطاعته، وتاب الله على المهاجرين الذين هجروا ديارهم وعشيرتهم إلى دار الإسلام، وتاب على أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة ﴿تبوك﴾ في حرٍّ شديد، وضيق من الزاد والظَّهْر، لقد تاب الله عليهم من بعد ما كاد يَميل قلوب بعضهم عن الحق، فيميلون إلى الدَّعة والسكون، لكن الله ثبتهم وقوَّاهم وتاب عليهم، إنه بهم رؤوف رحيم. ومن رحمته بهم أنْ مَنَّ عليهم بالتوبة، وقَبِلَها منهم، وثبَّتهم عليها. أمر الله تعالى الدائنين أن يصبروا على المدينين الذين لا يجدون ما يؤدون منه ديونهم.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل وعلا “لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” ﴿التوبة 117﴾ ما زال الحديث عن غزوة تبوك وما يتصل بها من أحداث، ولهذه الغزوة خصائص تميزها عن سائر الغزوات، منها أو أهمها ان جيشها كان في جهد من الحر والجوع والعطش والعري والركب، ومن أجل هذا سمي جيش العسرة. قال الرواة: كان العشرة من جيش المسلمين يعتقبون بعيرا واحدا، يركب الرجل ساعة ثم ينزل، فيركب صاحبه، وكان زادهم الشعير المسوس، والتمر المدود، وكان الواحد منهم يلوك التمرة، حتى إذا وجد طعمها أعطاها صاحبه، أما الماء فقد كانوا ينحرون البعير على قلة الراحلة، ويعتصرون الفرث الذي في كرشه، ويبلَّون به ألسنتهم. وقد تخلف عن هذه الغزوة المنافقون، وتقدم الحديث عنهم، أما المؤمنون الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك فأشار سبحانه إليهم بقوله: “لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ والْمُهاجِرِينَ والأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ”. إذا قيل: تاب فلان فهم الناس من هذا القول إن المذكور كان قد ارتكب ذنبا ثم ندم وعزم جادا على تركه وعدم العودة إليه، وإذا قيل: تاب اللَّه عليه فهموا ان اللَّه قبل توبته، وقد يراد من توبة اللَّه على الإنسان رحمته تعالى ورضوانه مع القرينة الدالة على ذلك، والمعنى الأول أي قبول اللَّه سبحانه التوبة هو المراد بتوبته على الثلاثة الذين خلفوا، والمعنى الثاني أي الرحمة والرضوان هو المراد بتوبته تعالى على النبي والصحابة الذين اتبعوه وائتمروا بأمره حتى في ساعة العسرة، أما القرينة على إرادة الرضوان من توبته تعالى على النبي وصحابته فهي طبيعة الحال، ونعني بها عصمة النبي صلى الله عليه وآله عن الذنوب، وطاعة من تابعه في ساعة العسرة. “مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ” تخلَّف عن النبي من تخلف، وتبعه المؤمنون من المهاجرين والأنصار، ولكن جماعة من هؤلاء عندما قاسوا الشدة والقسوة في سفرهم انهارت أعصابهم، وهمّوا أن يفارقوا الرسول صلى الله عليه وآله، ولكن اللَّه سبحانه ثبتهم وعصمهم، فصبروا واحتسبوا ” ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ ” مما كانوا قد همّوا به من مفارقة النبي صلى الله عليه وآله. والمراد بالتوبة هنا ان اللَّه سبحانه يعاملهم معاملة من لم يهم بالذنب، لأن من همّ بالسيئة ولم يفعلها فلا تكتب عليه ” إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ” لأنه علم منهم الصدق في ايمانهم، والإخلاص في نياتهم، وان ما همّوا به كان مجرد عارض لم يترك أي أثر.

وعن عن التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قال الله تعالى “لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” ﴿التوبة 117﴾ في ساعة العسرة. أى في وقت الشدة والضيق، وهو وقت غزوة تبوك، فالمراد بالساعة هنا مطلق الوقت. وقد كانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة، كما كان الجيش الذي اشترك فيها يسمى بجيش العسرة، وذلك لأن المؤمنين خرجوا إليها في سنة مجدبة، وحر شديد، وفقر في الزاد والماء والراحلة. هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين وقفوا إلى جانب النبي صلّى الله عليه وسلّم في ساعة العسرة، لم يكتفوا بتحمل البلاء معه فقط، بل تجاوزوا حدود الصبر إلى حدود الشكر على هذه الشدائد التي ميزت الخبيث من الطيب، فالشكر هنا صبر وزيادة، وقليل من الناس هو الذي يكون على هذه الشاكلة، ولذا قال تعالى “وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ” (سبأ 13). وللعلماء أقوال في المراد بالتوبة التي تابها الله على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المهاجرين والأنصار: فمنهم من يرى أن المراد بها قبول توبتهم، وغفران ذنوبهم، والتجاوز عن زلاتهم التي حدثت منهم في تلك الغزوة أو في غيرها، وإلى هذا المعنى أشار القرطبي بقوله: قال ابن عباس: كانت التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم لأجل أنه أذن للمنافقين في القعود، بدليل قوله سبحانه قبل ذلك: “عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ” (التوبة 43). وكانت توبته على المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه أى: إلى التخلف عن الخروج معه إلى غزوة تبوك.  أمر الله تعالى الدائنين أن يصبروا على المدينين الذين لا يجدون ما يؤدون منه ديونهم فقال تعالى: “وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَة ” (البقرة 280). والعسرة: اسم من الإعسار وهو تعذر الموجود من المال يقال: أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة وهي الحالة التي يتعسر فيها وجود المال. والنظرة: اسم من الإنظار بمعنى الإمهال. يقال: نظره وانتظره وتنظره، تأنى عليه وأمهله في الطلب. والميسرة: مفعلة من اليسر الذي هو ضد الإعسار. يقال: أيسر الرجل فهو موسر إذا اغتنى وكثر ماله وحسنت حاله. والمعنى: وإن وجد مدين معسر فأمهلوه في أداء دينه إلى الوقت الذي يتمكن فيه من سداد ما عليه من ديون، ولا تكونوا كأهل الجاهلية الذين كان الواحد منهم إذا كان له دين على شخص وحل موعد الدين طالبه بشدة وقال له: إما أن تقضى وإما أن تربى أى تدفع زيادة على أصل الدين. وكانَ هنا الظاهر أنها تامة بمعنى وجد أو حدث، فتكتفى بفاعلها كسائر الأفعال. وقيل يجوز أن تكون ناقصة واسمها ضمير مستكن فيها يعود إلى المدين وإن لم يذكر وذلك على قراءة ذا عسرة بالنصب وقوله: فَنَظِرَةٌ الفاء جواب الشرط. ونظرة خبر لمبتدأ محذوف أى فالأمر أو فالواجب أو مبتدأ محذوف الخبر أى فعليكم نظرة.

المهاجر تقابله الصعاب والعسرة في هجرته “لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة ” (التوبة 117). اعطى الله تعالى للهجرة اهمية قبل الجهاد، والمهاجرون احق بالايمان من غيرهم “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا” (الانفال 74) و لهم درجة اعلى “الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون”. والانبياء جابهتهم المصاعب في هجرتهم وساعة عسرة “لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة ” (التوبة 117). والانبياء والاولياء هاجروا ثم جاهدوا اي ان الهجرة مقدمة قبل الجهاد “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ” (الانفال 74) و”الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ” (التوبة 20).

جاء في موقع الامم المتحدة عن اليوم الدولي للمهاجرين 18 كانون الأول/ديسمبر: الأمم المتحدة والمهاجرون: في 4 كانون الأول/ديسمبر 2000، أعلنت الجمعية العامة يوم 18 كانون الأول/ديسمبر يوما دوليا للمهاجرين بعد الأخذ بعين الاعتبار الأعداد الكبيرة والمتزايدة للمهاجرين في العالم (القرار رقم 93/55 ). وفي مثل هذا اليوم كانت الجمعية العامة قد اعتمدت الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (القرار رقم 158/45 ). والدول الأعضاء، وكذلك المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية، جميعها مدعوة إلى الاحتفال بـ “اليوم الدولي للمهاجرين”، بعدة طرق من بينها نشر معلومات عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع المهاجرين وأيضا من خلال تبادل الخبرات ووضع الإجراءات التي تكفل حماية تلك الحقوق. وقد قامت الدول الأعضاء الـ 132 التي شاركت في الحوار الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية، الذي أجرته الجمعية العامة في 14 و 15 أيلول/سبتمبر 2006، بإعادة تأكيد عدد من الرسائل الرئيسية. فأولا، شددت الدول على أن الهجرة الدولية ظاهرة متنامية، وعلى أنها يمكن أن تشكل إسهاما إيجابيا في التنمية في بلدان المنشأ وبلدان المقصد، شريطة أن تكون مدعومة بالسياسات السليمة. وثانيا، أكدت على أن احترام الحقوق والحريات الأساسية لجميع المهاجرين أمر أساسي لجني فوائد الهجرة الدولية. وثالثا، أقرت بأهمية تعزيز التعاون الدولي في مجال الهجرة الدولية على الصعيد الثنائي والإقليمي والعالمي. ومع تشديد الحوار الرفيع المستوى على أن الهجرة الدولية قد تشكّل إسهاما في التنمية، فإنه سلّم بأن الهجرة الدولية ليست بديلا للتنمية. ففي كثير من الأحيان، يضطر المهاجرون إلى البحث عن فرص العمل في الخارج بسبب الفقر أو النـزاعات أو انتهاكات حقوق الإنسان. فتوافر السلام والأمن والحوكمة الرشيدة وسيادة القانون وتوفير العمل اللائق في بلدان المنشأ كلّها أمور تضمن اتخاذ المهاجرين قرار الهجرة طوعا لا كرها. ويجب أن تكون الهجرة الدولية جزءا لا يتجزأ من الخطة الإنمائية وجزءا من الاستراتيجيات الإنمائية الوطنية. وعقب الحوار الرفيع المستوى، بدأت حكومة بلجيكا عملية لإنشاء المنتدى العالمي المعني بالهجرة والتنمية باعتبارها عملية استشارية طوعية وغير ملزمة وغير رسمية تتولاها جميع الدول الأعضاء والتي لها مركز مراقب في الأمم المتحدة وتكون مفتوحة أمامها. ومن خلال توفير محفل تتناول فيه الحكومات المسائل المتصلة بالهجرة الدولية والتنمية بطريقة منهجية وشاملة، يجمع المنتدى العالمي الخبرات الحكومية من جميع المناطق، ويشجع الحوار والتعاون وإقامة الشراكات، ويساعد على إنجاز النواتج التطبيقية وذات المنحى العملي على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي. لقد تحققت زيادة ملحوظة في التعاون بين الحكومات في مجال الهجرة منذ إجراء حوار عام 2006 الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية. ويتزايد تركيز مختلف الجماعات والعمليات الاستشارية الحكومية الدولية على الأبعاد الإنمائية للهجرة الدولية، غير أنها تتبع في ذلك أساليب مختلفة، وتتناوله من منظورات شتى. ونظرا للحاجة إلى تحسين فهم المسائل التي تثيرها الهجرة الدولية فيما يتصل بالتنمية، وإلى تبادل الخبرات الدراسية، وإلى اتخاذ مواقف موحدة، اضطر مزيد من البلدان إلى الانضمام إلى الجماعات الإقليمية كما حُمِلَتْ بعض الجماعات الإقليمية على إقامة التعاون فيما بينها. فيبدو أن الحوار الرفيع المستوى كان بمثابة العامل الحفّاز الذي ولّد نشاطا كبيرا في هذا المضمار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *