download (1)

الكاتب : حسن عطوان

 بعد سيطرة قوى الإرهاب الوهابي على السلطة في سوريا انتاب كثير من الشيعة القلق والتساؤل ؛ خشية انتقال ما حصل في سوريا الى العراق !

 والسؤال : ما هو منشأ هذا القلق المشروع ؟!

هل يخشى الشيعة في العراق أنْ تهاجم تلك الزمر الإرهابية مدن الشيعة مباشرة مثلاً ؟!

 الجواب : كلا ، فإنَّ ذلك لن يحصل ، فهم لن يتجرأوا على أمّة يعرفون أنّها تربية مدرسة كربلاء ، ولو تجرأوا وفعلوها ففتوى الدفاع جاهزة ورجالها جاهزون إنْ شاء الله .

 إنّما منشأ القلق هو خيانة وغدر شركاء الوطن .

 لذلك أعود لسؤال سبق وأنْ طرحته ، وهو :

هل أنَّ العراق ببقائه بهذه التركيبة – التي يُصّطلَح عليها زوراً أنّه موَحدّ – هو أقوى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ؟!

أو أنَّ انفصال الكرد والسُنّة سيجعلنا أقوى بدون ابتزاز وبدون خوفٍ من الغدر ؟؟

 من الواضح تمام الوضوح عندي أنّنا في أية معركة يفرضها علينا العدو الإسرائيلي أو الوهابي سيكون الكرد والسُنّة خنجر الخاصرة في ظهرنا .

 ولو فُرِض أنَّ معركة من هذا القبيل لن تحصل ، فهل أنَّ وضع العراق الحالي هو وضع دولة تتطلع للتطور وتعويض ما فاتها في سنوات الطغيان والإرهاب ؟؟

وهل يمكن أنْ تُبنى دولة بهذا الوضع من الإبتزاز والتربص من قبل الشركاء ؟!!

 فرغم أنَّ الكرد يأخذون أكثر من استحقاقهم بحسب نسبة السكان ، منذ سقوط الطاغية الى اليوم .

ورغم ( الكرم ) اللامحدود لحكومات المركز معهم ، لا سيّما الحكومة الأخيرة !

 رغم ذلك لم يزل زعماء الكرد يرفضون تسليم دولار واحد من أموال النفط المُباع الى اسرائيل عن طريق تركيا .

وقد شهدت بذلك محكمة أميركية حكمت بعدم قانونية التصدير المباشر للنفط من قبل الإقليم !

 ولم يزل زعماء الكرد يرفضون تسليم واردات المنافذ الحدودية ، والجمارك ، وأجور الماء والكهرباء ، بل وكل الضرائب والرسوم في دوائر البلديات وكتّاب العدل ووو .

 بل يتآمرون لغلق المنافذ الحدودية في الجنوب ليكون الإستيراد عن طريق منافذهم الحدودية فقط ، ليكون الجنوب تحت رحمة تجّارهم حتى في لقمة عيشه .

 كردستان – وبعلم الجميع – صارت ( محْميّة ) لكل مخابرات الكون المعادية .

بل صارت موقعاً لمحطات متقدمة جداً للموساد متمركزة هناك ، وبحماية استثنائية من قبل حكومة الإقليم .

 نواب الكرد في بغداد يعرقلون تشكيل الحكومة بعد كل انتخابات إلّا إذا نُفّذتْ كل مطامع زعمائهم غير المشروعة .

 هم يشاركوننا في الحكم في بغداد ولا نشاركهم بشيء في مدنهم .

 ويختارون رئيس الجمهورية دون أيّ رأي لنا في إختياره ، في حين أنَّ لهم ( الفيتو ) ضد إختيارنا لرئيس مجلس الوزراء !

 بل أنَّ أغلب رؤساء الحكومة دفعوا لزعماء الكرد أموالاً بالمليارات ك ” أتاوات ” مقابل تشكيل الحكومة أو الإستمرار لولاية ثانية في الكرسي الهزّاز !

تحت عناوين قروض ورواتب الموظفين والمتقاعدين والبيشمرگة ، وووو ، في الوقت الذي لم تسمح حكومة الإقليم بالتدقيق من قبل لجان الرقابة المالية على قاعدة بياناتهم ، فيما تشير معلومات شبه دقيقة أنَّ عشرات الآلآف من الأسماء هي أسماء فضائية !

 حكومة كردستان ترسل ممثلين دبلوماسيين عنها ، وتستقبل رؤساء دول ومسؤولين أجانب ، وتُستَقبَل كذلك ، وتُدْعى وتدعو الى مؤتمرات ومنظمات دولية ، كأية حكومة لدولة مستقلة .

 حكومة الإقليم تأخذ كل شيء من كل ما تطلب ، وفوق الإستحقاقات ، دون أنْ تعطي أيّ شيء .

– وإلّا فهل بإمكان الحكومة المركزية وبالتعاون مع القضاء العراقي تشكيل لجان أمنية حرفية ، نزيهة و مخلصة للتحقيق في هذا الملف ، وتجريم المسؤولين عنه تحت طائلة القانون العراقي الذي يُجَرّم التطبيع مع العدو الصهيوني ؟؟!!

– وهل بإمكان الحكومة المركزية فتح ملف ( البيشمركة ) الذين تدفع رواتبهم هي من خيرات الجنوب دون أنْ تستطيع التحكم بتحركهم ، بل ومن دون أنْ تستطيع حتى نقل فرد منهم من سرية الى أخرى ؟؟!!

– هل تستطيع الحكومة المركزية فتح ملف الإسلحة الثقيلة التي تشتريها حكومة الإقليم من أموال النفط المسروق ، أو تستلمها مجاناً كمساعدات من بعض الدول الغربية ، مع أنَّ هذه الأسلحة ليست اسلحة دفاعية عن أمنهم ، أو لقتال داعش مثلاً ، إنّما هي أسلحة لقتال جيوش منظّمة ودول ، في حين أنَّ الدستور العراقي يشير بوضوح أنّه لا يحق للإقليم تأسيس جيش خاص ، وأنَّ مهمة الدفاع عن الحدود الدولية مختصة بالجيش العراقي فقط ، والذي تمنعه حكومة الإقليم من الوصول لتلك الحدود ، فلأي معركة يخَزّنون هذه الأسلحة ؟!

– في حين أنَّ حكومة الإقليم تعرقل كل صفقة سلاح تنوي الحكومة الإتحادية شراءها ، بعناوين خادعة كإثارة شبهات فساد في بعض الصفقات ، أو بالتدخل المباشر لدى دول المنشأ والتباكي عندها من أنَّ هذه الأسلحة قد تُستعمَل لقمع الكرد .

– وهل بإمكان الحكومة المركزية إرسال مستشارها القومي مثلاً لإصطحاب المئات من المطلوبين للقضاء العراقي بتهم إرهاب أو حتى بتهم جنائية ، وقد احتموا بالمظلة التي وفرتها لهم حكومة الإقليم ؟!

 على أنّي – ورغم كل ذلك – أتفهم جداً رغبة الشعب الكردي بالإستقلال ، بل ووحدة الوطن الكردي ، وأقدّر لهم تضحياتهم وسعيّهم لتحقيق ذلك ، ولكن بدون إبتزاز واستغلال وتمدّد ، وإستقواء بالغير ، وسقوف عالية .

هذا من جهة ( الكرد ) .

 أمّا من جهة ( السُنّة ) ، فبعضهم يعمل لصالح محور السعودية – الإمارات ، وبعضهم يعمل لصالح محور تركيا – قطر ، حتى أكثر من السعوديين والإماراتيين والأتراك والقطريين أنفسهم .

عدا أؤلئك الذين قد ارتبطوا بالإميركان والإسرائيليين !

وكلمّا تراءى تهديد للشيعة تجدهم أول المتربصين ، بل والمشاركين في تلك التهديدات .

وكل ذلك ناشيء من عدم تقبلهم لمشاركة الشيعة في الحكم ، لأنّهم قد اعتادوا أنْ يتعاملوا معنا كمواطنيين من الدرجة العاشرة .

 ينقل ( فرياد راوندوزي ) وهو سياسي كردي :

إنَّ ( عدنان الدليمي ) قال له ذات مرة أنّه عندما كان طالباً في دار المعلمين في أوآخر الأربعينات أو مطلع الخمسينات ، جرت إنتخابات داخلية لإختيار مراقبٍ للصف ، وكان عدد طلاب صفه تسعة و عشرين طالباً ، يقول الدليمي : تنافس في انتخابات صفنا إثنان احدهما شيعي منتمٍ الى جماعة الإخوان المسلمين التي كنت ( والكلام للدليمي ) منتمياً لها ، و الآخر هو الشاعر الكردي الشيوعي مصطفى صالح كريم ، وجاءت نتيجة الإنتخابات متساوية ، أي أربعة عشر لكل منهما ، وكنت مسؤولاً عن حانوت الدار ولم أشارك في الإنتخابات ،  فبعث الإستاذ في طلبي لترجيح كفة أحد المتنافسين  فخيرتُ نفسي [ و القائل الدليمي ] بين إنتخاب الإخواني الشيعي أو الكردي الشيوعي ،  فاخترت الشيوعي ، لئلا يكون الشيعي مراقباً للصف !

مراقب صف أحبتي وليس حاكماً !!

مع أنّه عندما يكون الشيعي إخواني فهذا يكشف عن بُعْده عن النفس الطائفي بمسافات ، مع ذلك لم يطاوع الدليمي قلبه – وأمثاله أكثريتهم – ليختار مثل هذا الشيعي .

 وللمرة الأخيرة ..

كفانا ممارسة دور ( أمّ الولد ) ، فالولد إمّا مغدور به في سبايكر ..

وإمّا شهيد ذبحه ” ثوار العشائر ” !!

أو عاطل عن العمل تعوزه حتى لقمة الكفاف ..

 قدّم الشيعة ولم يزالوا فلذات أكبادهم وخيرات أراضيهم ، ولم يحصدوا من ذلك إلّا مزيداً من القتل ، والفقر ، والتربص ، والغدر ، والتهديد ، والإفتراء ، والشتيمة !

بل والشماتة ، كلّما سقط للشيعة عَلَماً مضرجاً بدمه ، شسع نعله أشرف من شريفهم ، حتى لو كان قد أُستُشهِد أو أُستُهدِف لأجل حمايتهم ، والدفاع عن كرامتهم وأعراضهم .

 لكل ذلك ولغيره أرى أنَّ العراق سينفصل الى ثلاث دول شئنا أم أبينا ، وسنقَدّم التضحيات تلو التضحيات إنْ تأخرنا في الموافقة ، لن يكون آخرها ماقدّمناه من فلذات أكبادنا ضحايا لتحرير أراضيهم ، ولا خيرات مدننا لإعمار مناطقهم ، ثم تسليمها لهم .

 فينبغي علينا دراسة سلبيات وإيجابيات إنفصال الكرد والسنّة بدون شعارات وخشية التاريخ ، وعلينا أنْ نحسب لكل شيء حساباً .

  والى ذلك الحين يجب أنْ نحافظ على أبناءنا وخيراتنا قدر الإمكان ؛ لأننا سنضطر في نهاية المطاف للقتال دفاعاً عمّا يطمعون به من أراضينا ، ولابد ايضاً من الإحتفاظ بقوة ردعٍ تمنعهم من إبتزازنا بشيء .

  وعلينا أنْ نضع خطة لكيفية حماية مدن الشيعة في مناطق نفوذهم ، ونهيء أنفسنا للقتال دفاعاً عن بغداد وغيرها من مدننا .

 ما أُريد أنْ أخلص إليه هو أنَّ الحل في تهيئة أنفسنا للتقسيم ما دام لدينا بعض القوة .

وإلّا فسيُفرَض علينا ولو آجلاً بعد أنْ نفتقد لكل قدرة في الدفاع عمّا يجب الدفاع عنه !

 ومن الآن يُفترَض أنْ نقول للكرد والسُنّة : الأمر بالإنفصال راجع لكم ، إنْ كنتم ترغبون بالبقاء بدون إبتزاز وتآمر واستقواء فعلى الرحب والسعة ، فأنتم ونحن أبناء هذا الوطن .

 وإلّا فما الداعي للبقاء مع شريكين لا نتوقع منهما – حين تداهمنا الخطوب والشدائد – غير أنْ يكونا خنجر الغدر الذي يمزّق ظهرنا ؟!!

 أتمنى أنْ يجتمع عقلاء الشيعة وحكمائهم ومفكريهم وأقويائهم – من ممثلين عن المرجعية المباركة ، وسماحة السيد مقتدى الصدر ، والكوادر العلمية والأكاديمية من ذوي البصيرة ، وفصائل الحشد ، وبعض المخلصين من السياسيين – في أقرب وقت ممكن لتدارس الوضع ، ليتحملوا المسؤولية جميعاً ، ويأخذوا هم بزمام المبادرة ، لتفويت الفرصة على المتربصين بالشر لهذا البلد .

اسأل الله سبحانه أن يحفظ العراق وأهله من كل مكروه ، إنّه نعم المولى ونعم النصير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *