
فاضل حسن شريف
أن الشعوب التي نهلت من فلسفة عظماء عدّتهم أنبياء ورسل، بل تخطى هذا الاعتقاد تلك الشعوب ليشمل نسبة كبيرة من مفكّري العالم وعلمائه وفلاسفته، ومن بينهم علماء مسلمون كُثر استندوا في فرضياتهم إلى آيات كريمة كتلك التي تقول: “إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً وإن من أمة إلا خلا فيها نذير” (فاطر 24). وقد ذكر الله عز وجل بأن أولئك الرسل متتابعين، كل رسول يتبعه رسول آخر: “ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ” (المؤمنون 44). وأكثر الآيات دلالة على فرضية (نبوّة) هؤلاء الفلاسفة، وغيرهم، وربما كان بعض فلاسفة الإغريق منهم، هو في قوله تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ” (غافر 78). وكما نلاحظ، فإن الآية الأخيرة، وسابقاتها، تثبت بأن الأنبياء والرسل قد انتشروا في بقاع الأرض كلها، وهم أكثر من الذين ذكرت أسماؤهم وقصصهم في القرآن الكريم. إضافة إلى فرضية نبوة فلاسفة آسيا ورسالتهم، ما تزال شعوبهم وفئة من الشعوب الأخرى تؤمن بهم وتعتنق (فكرهم- دياناتهم) حتى اللحظة، وهم يشكّلون نسبة كبيرة من عدد سكان الأرض. جاء في تفسير الميسر: قوله تعالى “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ” (غافر 78) فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللهِ: نكال الله وعذابه المحيط بالمكذبين، فإذا جاء أمر الله: بنزول العذاب على الكفار. وجاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ” (غافر 78) تقدم مثله في الآية 164 من سورة النساء ج 2 ص 492. انظر أيضا فقرة هل الأنبياء كلهم شرقيون؟ “وما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ”. المراد بالآية هنا المعجزة، والمعنى ان اللَّه سبحانه يظهر المعجزة على يد الرسول كما تقتضيه الحكمة والمصلحة لا كما يشاء المكابرون والمعاندون “فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ”. هنالك إشارة إلى يوم القيامة، وهو أسوأ يوم على المبطلين وأسعده على المحقين.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ” (غافر 78) لقد واجه كلّ منهم ما تواجهه أنت اليوم، فصبروا وكان حليفهم النصر والغلبة على الظالمين. ومن جهة ثانية كان الجميع يطلبون من الرسل الإتيان بالمعجزة، ومشركو مكّة لم يشذوا على غيرهم في طلب المعاجز من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك يخاطب الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: “وما كان لرسول أن يأتي بآية إلاّ بإذن الله”. إنّ جميع المعاجز هي من عند الله وبيده، وبذلك فهي لا تخضع إلى أمزجة الكفار والمشركين، بل إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينبغي له الإستسلام أمام (معجزاتهم المقترحة) بل ما يكون من المعجزة ضرورياً لهداية الناس وإحقاق الحق يظهره الله على أيدي الأنبياء. ثم تهدّد الآية من كان يقول: لماذا لا يشملنا العذاب الإلهي إذا كان هذا الرّسول صادقاً؟ فتقول الآية: “فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون”. في ذلك اليوم المهول تغلق أبواب التوبة، ولا تنفع الآهات والصرخات، ويخسر أهل الباطل صفقتهم، ويشملهم العذاب الإلهي الأليم، إذاً فلماذا كلّ هذا الأصرار على مجيء ذلك اليوم؟ وفقاً لهذا التّفسير ينصرف معنى الآية والمقصود بالعذاب فيها إلى (عذاب الإستئصال). ولكن بعض المفسّرين اعتبر هذه الآية بمثابة بيان للعذاب في يوم القيامة. فهناك يكون القضاء الحق بين الجميع، ويشاهد أنصار الباطل خسرانهم المريع. إنّ فيما تضمّنته الآية (27) من سورة (الجاثية) يؤكّد هذا التّفسير، إذ يقول تعالى: “وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ” (الجاثية 27). ولكن تمّ استخدام (أمر الله) وما شابهها في الآيات المتعدّدة التي تختص بعذاب الدنيا. ويحتمل أن يكون للآية معنى أوسع يشمل عذاب الدنيا والآخرة، وفي المشهدين يتوضح خسران المبطلين. ومن الضروري هنا الإشارة إلى الحديث الذي رواه الشيخ الصدوق رحمه الله في أماليه بإسناده إلى أبي عبدالله عليه السلام (قال: كان في المدينة رجل يضحك الناس، فقال: قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه ـ يعني علي بن الحسين عليه السلام ـ قال: فمرّ عليه السلام وخلفه موليان له، فجاء الرجل حتى انتزع رداءه من رقبته، ثمّ مضى فلم يلتفت إليه الإمامعليه السلام فاتبعوه وأخذوا الرداء منه، فجاؤوا به فطرحوه عليه فقال لهم: من هذا؟ فقالوا: هذا رجل بطال يضحك أهل المدينة، فقال: قولوا له إن لله يوماً يخسر فيه المبطلون).
جاء عن مركز حرمون للدراسات المعاصرة عن الدين والفلسفة، أية علاقة بينهما؟ للكاتب أحمد الرمح: المدخل: منذ بداية الاجتماع البشري، كان للدّين والفلسفة دورٌ مهمٌ في حياة الناس، لإدراك ما لم يتم تفسيره من الظواهر الكونية والطبيعية والاجتماعية، إذ استطاع الدين والفلسفة الإجابةَ عن الأسئلة الحائرة التي كان تدور في خلد الإنسان قديمًا. وكانت الفلسفة الوسيلةَ العقلانية لتفسير معاني الخلق والحياة وقوى ما خلف الطبيعة، فنجحت قبل ظهور الأديان، كما في اليونان والهند والصين وغيرها، ثم جاءت الأديان لتجيب عن الأسئلة الفلسفية الخالدة، من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ ولكن عندما تم تحويل الدين إلى وسيلة للسيطرة على الشعوب، من قبل القصر والكنيسة، والفقيه والسلطان، وقع الصدام بين الفلاسفة ورجال الدين، لا بين الدين والفلسفة، إذ وجد رجال الدين أن الفلاسفة سيكشفون خداعهم، وسيحررون الإنسان من قيود الوهم التي كبلوه بها، فتم اضطهاد الفلاسفة من قبل السلطات الدينية والسياسية، بتهمة الهرطقة، حتى قيل لا يوجد فيلسوف قتلَ رجلَ دين، ولكن هناك العشرات من رجال الدين قتلوا فلاسفة. وهنا يأتي السؤال: لمَ هذا الصراع بين رجال الدين والفلاسفة؟ كي نفكّك هذا الموضوع الشائك عند أنصار الطرفين، لا بد أن نمرّ بطرقات ممتلئة بالألغام، وقد لا نصل إلى رضا أيّ من الطرفين، ولكننا نريد لذوي الألباب أن يعرفوا ألّا تضاد بين الدين والفلسفة، ولكنّ هناك صراعًا بين رجال الدين والفلاسفة، والفارق عندئذ يغدو كبيرًا، لذا لا بدّ من المرور بمحطات ونحن في الطريق للإجابة عن هذا السؤال.
جاء في كتاب الفلسفة القرآنية للكاتب عباس محمود العقاد: أن العقيدة الدينية هي فلسفة الحياة التي يعتنقها المؤمنون، وليس أدل على العقيدة الإسلامية من كتابها القرآن الكريم. ويعرض في هذا الكتاب أهم المباحث الفلسفية التي ناقشها الفلاسفة القدامى، و عالجها القرآن في محكم آياته، مبينًا وجهة النظر القرآنية فيها. ويتناول الكتاب عددًا من القضايا مثل، نظرة القرآن للعلم وفلسفة الأخلاق. كذلك يبين رأي القرآن في قضايا الحكم والطبقية، طارحًا النظرة القرآنية لوضع المرأة. ويناقش المسائل الاجتماعية الهامة كالزواج والميراث والرق. وأفرد جزءًا كبيرًا لمناقشة أكثر المسائل الفلسفية أهمية، وهي الغيبيات أو ما وراء العقل، فيبين عقيدة القرآن في الإله، وما افترضه من فرائض وعبادات على الخلائق. ويناقش فلاسفة المادة في مسألة الروح وكنهها وترويضها بالتصوف، وأخيرًا مستقرها في الحياة الأخرى. مستشهدًا بآيات القرآن المناسبة لكل قضية.
جاء في موقع الألوكة عن أفلاطون وأرسطو كانوا فلاسفة مشركين وما كانوا من النبيين للشيخ الدكتور خالد بن عبدالرحمن الشايع: إن النبوة والرسالة لا تُثبت لأحد من الناس إلا بنص من القرآن الكريم أو السُّنة النبوية الصحيحة، ولذلك لما أخبرنا الله تعالى بأسماء وأخبار جمع من أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام، فإنه جلَّ وعلا خاطب نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام بأنه سبحانه استأثر بعلم أسماء وأخبار عدد من الرسل. كما يدل عليه قوله جلَّ وعلا: “إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا” (النساء 163-164). فلا يعلم تفصيل من لم يُذكر من الأنبياء وأزمانهم إلاّ الله سبحانه، قال الله تعالى: “وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا” (الفرقان 38). نعم من العلماء من ضعَّف الأحاديث الواردة في حصر عدد الأنبياء، وهذا ما حمل بعض العلماء على الجزم بعدم صحة الأحاديث في عدد الأنبياء، كما قال الإمام المفسر ابن عطية رحمه الله عند قوله تعالى: “وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ” قال: يقتضي كثرة الأنبياء دون تحديد بعدد، وقد قال تعالى: “وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ” (فاطر 24) وقال تعالى: “وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا” وما يذكر من عدد الأنبياء فغير صحيح، الله أعلم بعدتهم، صلى الله عليهم وسلم. ما رواه أبو ذر رضي الله عنه في حديث طويل: قال: قلت: يا نبي الله! فأي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم عليه السلام. قال: قلت: يا نبي الله أوَ نبيٌّ كان آدم؟ قال: نعم، نبيُّ مكلَّم، خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم قال له: يا آدم قِبَلاً. قال: قلت: يا رسول الله! كم وفَّى عدد الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر، جماً غفيرا “. أخرجه أحمد وغيره، وحسنه الألباني بشواهده. وأورده ابن كثير وابن حجر ولم يتعقباه بتضعيف.