
حامد شهاب
يواجه الإعلام الأمني في العراق جملة تحديات تكون بعضها خطيرة أحيانا في مواجهة
تداعيات بعض الأحداث الأمنية المثيرة للإنتياه تجعل من الصعوبة بمكان أن يكون للإعلام
الأمني كمؤسسة أمنية رسمية دور فاعل ومؤثر في السيطرة على تسيير ورسم معالم
توجهاته الدعائية المختلفة ومعالجة الأحداث الأمنية بما يتفق مع الأهداف المتوخاة من
مسارات وأهداف الإعلام الأمني الرسمي وبخاصة في الاحداث الأمنية سريعة التناقل وتلك
التي تعكس تاُثيراتها الأمنية البالغة الأهمية على أمن البلد وإستقراره.
وواحدة من التحديات الخطيرة التي تواجه القائمين على الإعلام الأمني في العراق في
المقام الأول هو عدم وجود خطاب إعلامي عراقي موحد وتعدد الجهات السياسية وولاءاتها
للآخر حيث أن لكل منها خطابها وتوجهاتها الدعائية والسياسية ما يجعل من الإعلام الأمني
وكأنه يعيش حالة إرباك في القدرة على مواجهة تداعيات أحداث أمنية سريعة الإنتشار ولها
تأثيرات بالغة الخطورة على الرأي العام وحتى على صعيد توجهات الدولة التي تحاول
الأطراف السياسية إستغلال تلك الأحداث ربما بالطريقة التي تخدم أهدافها وإذا ما كانت لها
توجهات تتعارض مع توجهات الحكومة وقوى سياسية أخرى فإن تأثيرات تلك الأحداث
تفعل فعها كل على قدر خلق مساحة التاثير في الآخر والإسهام في حملة الترويج الدعائي
ما بين القوى المتصارعة على الساحة السياسية العراقية وبعضها داخل كتلة واحدة أو حتى
بين قوى الإطار نفسها.
والمشكلة أن أغلب تلك الجهات السياسية النافذة وبعضها مسيطرة على الحكومة تطالب من
خلال إجتماعاتها ومؤتمراتها السياسية والصحفية على الدوام أن يكون هناك خطاب
إعلامي موحد للبلد لكن ما أن يجلس القائمون على الترويج السياسي والدعائي لممثلي
القوى السياسية أو الناطقين يإسمهم على كراسي وشاشات القنوات الفضائية أو من خلال
بثهم عبر بياناتهم وعبر وسائل التواصل الإجتماعي حتى تجد مجموعة من الخطابات
2
المتناقضة كليا في توجهاتها وأهدافها وكل يريد إزاحة الآخر والحاق الضرر به بأية طريقة
وتصل بك القناعة الى أن وجود ولو حد أدنى من الخطاب الإعلامي العراقي الموحد وكأنه
ضرب من المستحيلات.
وتلعب الصراعات السياسية المتفاقمة في العراق دورا كبيرا في تأجيج الوضع الأمني ومن
شأن تصاعد حدة تلك الصراعات والتصريحات التي ترافقها وتغذيها زعامات سياسية أن
تترك تاثيراتها الخطيرة على الوضع الداخلي العراقي في وقت يحذر مراقبون من أن
تصاعد نقمة التصعيد السياسي أن تعيد الاوضاع العراقية الى مربعها الطائفي الأول.
ويحاول المهتمون بالإعلام الأمني إجراء عمليات متابعة سريعة لتوجهات المصادر
الإعلامية المختلفة ولوسائل التواصل الإجتماعي عند تناقلها للأحداث الأمنية السريعة في
محاولة من القائمين على الإعلام الأمني تلافي أضرارها على الرأي العام وما تخلفه على
الوضع الأمني نفسه من تبعات الإضطراب والتوترات التي قد تهدف جهات معينة بقصد أو
بدونه لفبركة المزيد من الأخبار والتلفيقات التي ترافق نقل تلك الأحداث في الغالب وتكون
أحيانا بطريقة مشوهة يصعب حتى على المهتمين بالإعلام الأمني تلافي تبعاتها وما تنجم
عنه من مخاطر غير محسوبة نتيجة تناقل أخبار وفبركات تضاف للحدث لكي يكون لافتا
للانظار ويخدم توجهات معينة في إرباك الوضع الأمني وإظهاره للرأي العام بطريقة
الإثارة الصاخبة مع ما يرافقها من حالات قلق وتوتر نتيجة سرعة النقل غير الحقيقي أحيانا
للحدث كونه قد إنتشر مثل النار في الهشيم.
وهنا تتدخل الإشاعات لتفعل فعلها في أحداث الخبر المراد ترويجه لكي تدخل التسريبات
المشوهة والخطيرة أحيانا وكل ينقل الحدث بطريقته الخاصة التي تزيد الوضع الأمني
تعقيدا وإرباكا وتساهم جهات عديدة في ترويج الإشاعات التي تخدم أهدافها في إضعاف
الأطراف التي ترى أن الترويج يمكن أن يكون له تأثيرات تتوافق مع توجهاتها في الإثارة
وإحداث القلق والرعب لدى الجمهور وبخاصة في أحداث التفجيرات أو أعمال القتل أو
الصراعات السياسية والعشائرية المختلفة برغم ان بعضها شخصي ويدخل في إطار
الخلافات العشائرية أو الشخصية.
وتدخل تناقل الصور التي يتم ترويجها عبر الفيسبوك أو الإنستغرام ووسائل التواصل
الأخرى مع الأحداث وبعضها يؤخذ من أحداث سابقة أو حتى وقعت في دول أخرى لتزيد
في ترويج الإشاعات وتسهم في حملة الترويج الدعائي بما يعقد مهمة تطويق تاثيرات
الأخبار وسرعة تناقلها لدى المهتمين بالإعلام الأمني الذين غالبا مايجدون انفسهم أنهم في
وضع صعب إن لم تسهم جهات أمنية أخرى في حملة الترويج الدعائي وبخاصة إن كان
هذا الحدث يسهم في إستهداف جهة أخرى تناصبها العداء وتجد فيها وسيلتها في إلحاق
الضرر بها بأية طريقة.
3
ومما يزيد الطين بلة أن الإعلام الأمني قد يضطر لترويج الحدث لايجاد المبررات المقنعة
لطبيعة الحدث لكي لايذهب الكثيرون في تفسيرهم لأحداثه أو تقوم بنفي الخبر كلية برغم
أن هناك واقعة أو حدث أصبح حقيقة وعرف عنه الجمهور الكثير ويحاول الإعلام الأمني
تطويق تأثيراته لكن مجرد ترديده يسهم هو الآخر في حملة الترويج الدعائي وغالبا مايكون
النفي هو الإسلوب المستخدم للتعبير عن الأحداث الأمنية عند وقوعها ولأن حالة الشك لدى
الجمهور تبقى قائمة بالتبريرات الرسمية فإن إمكانية تصديق توجهات الإعلام الأمني تبقي
قليلة الفعالية في أغلب الأحيان.
ومن المظاهر التي يمكن تسجيلها عند تناقل الأحداث الأمنية المختلفة التي تنشط في العراق
أن مساراتها تأخذ جانب الإثارة والصخب الدعائي وتناقل أي نشاط أمني بسرعة البرق
دون أن يكون للإعلام الرسمي دور يحد من توجهات تلك الوسائل الإعلامية ووسائل
التواصل الإجتماعي التي عادة ما يكون لها قصب السبق في تناقل تلك الأنشطة بالطريقة
التي تعبر من خلالها عن توجهاتها بما يتفق مع أغراضها والأجندة التي تعمل تحتها أو
حتى بدافع النية الحسنة عندما تتناقل أي نشاط أمني وبخاصة في موضوعة تعرض بعض
المناطق لتفجيرات أو أنشطة إرهابية أو تناقل تصريحات أمنية تدخل البلد ربما في أزمات
في بعض الأحيان.
ولم يتبق أمام جهاز الإعلام الأمني المسماة (خلية الإعلام الأمني) في هذه الحالة سوى نفي
تلك الأخبار والوقائع أو إجراء تعديلات على توجهاتها حيث أن العدد الهائل من ناقلي
الأخبار عبر هواتف المواطنين النقالة وصفحات تواصلهم الإجتماعي لم يبق أمام خلية
الإعلام الأمني من سبيل لوقف تدفق تناقل تلك الأخبار والأنشطة الأمنية أو تلك التي
تتناقلها وسائل الإعلام عبر مراسليها وما أكثرهم في العراق سوى الطريقة التقليدية وهي
النفي لأغلب ما حدث من وقائع في محاولة منها للتخفيف من وطأة تأثيراتها على المواطن
العراقي بالميل إما الى تكذيب توجهات تلك الأخبار أو نقلها بصورة مغايرة لما تم تناقله
عنها من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي في أغلب الأوقات بهدف جعلها
تتوافق مع توجهات الحكومة بالتخفيف من آثارها النفسية على المواطن العراقي ولإيقاف
زحف ما أحدثته من توترات وتشويش.
وما نريد أن نتوصل اليه في خاتمة هذا العرض أن الإعلام الأمني سيبقى يواجه مثل تلك
التحديات والإرباكات الدعائية التي تفوق قدراته في متابعة أحداث أو توترات أمنية مختلفة
كونه يواجه تحديات تعد خارج قدرته على السيطرة ولهذا غالبا ما تكون مسارات الإعلام
الأمني اللاحقة مجرد محاولة للتخفيف من وقع الحدث وتأثيراته لكنه لن يكون بمقدوره
إزالة آثاره كاملة أو تطويقه إلا في الحد الأدني في كثير من الحالات.