كتابات عن مفهوم البراغماتية والقرآن الكريم (ح 7) (واذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)‎

فاضل حسن شريف

البرغماتي كلامه ناعم ويبتعد عن الخشونة وقبح الكلام الذي يعبر عنه في القرآن الكريم باللغو، حتى وان كان المقابل هو قول الكلام اللغو، لذلك يعبر عن رد على الذي يصدر منه اللغو  ” لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ”. جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تبارك وتعالى “وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ” (القصص 55) “وإذا سمعوا اللغو” الشتم والأذى من الكفار “أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم” سلام متاركة أي سلمتم منا من الشتم وغيره “لا نبتغي الجاهلين” لا نصحبهم.

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تبارك وتعالى “وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ” ﴿القصص 55﴾ المراد باللغو لغو الكلام بدليل تعلقه بالسمع، والمراد سقط القول الذي لا ينبغي الاشتغال به من هذر أو سب وكل ما فيه خشونة، ولذا لما سمعوه أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله وقالوا: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم وهو متاركة، وقوله: “سلام عليكم” أي أمان منا لكم، وهو أيضا متاركة وتوديع تكرما كما قال تعالى: “وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”. وقوله: “لا نبتغي الجاهلين” أي لا نطلبهم بمعاشرة ومجالسة، وفيه تأكيد لما تقدمه، وهو حكاية عن لسان حالهم إذ لو تلفظوا به لكان من مقابلة السيء بالسيء.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تبارك وتعالى “وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ” ﴿القصص 55﴾ وآخر صفة ممتازة بيّنها القرآن في شأن المؤمنين قوله: “وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه”. ولم يردّوا الجهل بالجهل واللغو باللغو، بل “قالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم”. فلا تحاسبون بجريرة أعمالنا، ولا نُحاسب بجرمكم وجريرة أعمالكم، ولكن ما أسرع ما سيجد كلٌ منّا نتيجة عمله. ثمّ يضيف القرآن في شأنهم حين يواجهون الجاهلين الذين يتصدون لإثارة المؤمنين باللغو وما شاكله، حيث يقولون: “سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين”. فلسنا أهلا للكلام البذيء، ولا أهلا للجهل والفساد، ولا نبتغي ذلك، إنّما نبتغي العلماء وأصحاب الضمائر الحيّة والعاملين المؤمنين الصادقين. وعلى هذا فبدلا من أن يهدروا قواهم في مواجهة الجاهلين عُمي القلوب وأهل الكلام البذي، يمرون عليهم كراماً ليؤدوا أهدافهم ومناهجهم الأساسية. الجدير بالذكر أنّ هؤلاء حين يواجهون الجاهلين، لا يسلّمون عليهم سلام تحية واستقبال، بل سلام وداع.

يقول اية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره:  الرد على السباب والجرح فهو جائز، لكن يجب الاقتصار على المثل إذا كان الطرف المقابل محترم العرض، وإن كان الأولى بالمؤمن أن ينزِّه نفسه عن ذلك، كما أدَّبه الله تعالى حين يقول”وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ” (القصص 55)، أو يحاول الرد بالتي هي أحسن، كما قال عزَّ من قائل”وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” (فصلت 34)، وقال تعالى “وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” (فصلت 35)، وقال تعالى “وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (الاعراف 200).

وعن اللغلو يقول الدكتور الوائلي رحمه الله في كتابه هویه التشیع العقائدیه: رد الفعل فإنّ البعض قد يضطهد من أجل معتقداته، وقد ينتقص أو يشتم أو يهزأ به فيدفعه كل ذلك إلى المغالاة بدافع رد الفعل، ولهذا رأينا القرآن الكريم في مثل هذه المواطن أخذ العوامل النفسية بعين الاعتبار إذ يقول تعالى: “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم” (الأنعام 108). 

جاء في الحوار المتمدن عن مدخل الى البراغماتية ( الذرائعية) للكاتب كامل الدليمي: العلمانية أو ” اللادينية ” بتعريفها العلمي الدقيق فقد كانت وما تزال منهجـاً فكـرياً هـداماً تسللت من خلاله أفكـار الغرب وقيمه التي لا تتناسب مطلقا مع القيم الإسلامية، وكان من وأخلص المروجون لها من أبناء الأمة ممن أغرتهم مساحات الحرية المزعومة فيها. إلا أن ظهور تيارات مناهضة لها شكّل المعادل وخفف من حماس واندفاع المتهافتين عليها. وكم من تيار تصدى لهذا الفكر الفاسد، وعرَّى دعاته، ورد كيد مروِّجيه، فلم يعد للعلمانية ذلك النشاط ولا التأييد في معظم ديار المسلمين فسرعان ما انكشف زيفها ومعاداتها للقيم.، ونبذت العلمانية وأصبح دعاتها منبوذين، وتكشف للمجتمعات نواياها. فلم يعد مقبولاً في أكثر بلاد المسلمين أن ينعق أحد بالقول: ” ما للإسلام وسلوكنا الشخصي؟ “، ” وما للإسلام وزي المرأة؟ “، ” وما للإسلام والأدب؟ “، “وما للإسلام والاقتصاد؟ “. لكن هذه الأصوات تجد آذانا صاغية، بل وأتباعاً ومريدين ومؤيدين حينما تنهج الفكر البراجماتي فتقول: ” إنه لا بأس بوجود القنوات الفضائية العربية الماجنة طالما أنها تصرف المشاهدين المسلمين عن القنوات الكفرية المنحلة “، أو تنادي بأن التمكين في الأرض واستخلافها يسوِّغ بعض الربا إذا ما أدى إلى انتعاش موارد الأمة وقوة اقتصادها ” فاستبدال الدولار الأمريكي بالدينار العراقي لاجل ما يرتب ان يدفع لمقرض الدولار أرباحا ولا يعد ذلك من الربا وما الى ذلك من ممارسات تقع تحت عنوان الغاية تبرر الوسيلة”. كما أنه ليس في بعض الكفر والإلحاد بأس إذا ما أنتج الأدب إبداعاً ثقافياً مميزاً كما نجد هذا الأمر عند بعضهم ممن يسبون الله في قصائدهم ويلحدون بحجة أن ذلك من الأدب، ولو اعترضت على قول هؤلاء الزنادقة لواجهوك بالقول أنها ” حرية فكرية “. هذا المذهب الذرائعي البراجماتي ربما كان مطية يمتطيه أصحاب الفكر العلماني ليس كل الفكر بل بعض من اتخذ العلمانية طريقا للخروج عن ثوابت المجتمع، للوصول إلى مآربهم وأهدافهم في تمييع شرائع الدين ونقض أصوله وثوابته. والحق أن البراجماتية ـ بهذا الفهم ـ تعد من أكبر الأخطار المحدقة بفكر المسلمين وعامتهم وهي أنكى بكثير من العلمانية. كما أن دعاتها الذين استمرؤوا هذا الفكر ودافعوا عنه، وروجوا له وحسنوه في أعين الناس، وارتضوه معتقداً ومنهجاً لسلوكهم ليسوا مجرد عُصاة، بل هم مبتدعة هذا العصر ومنحطين فكريا وعجزة عن الإتيان بالبديل النافع للأمة، سواء كانوا على علم بذلك أم جهلوا خطر ما يتبنون هؤلاء يسري فيهم قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: ” ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة” وهم بذلك يتبعون سنة سيئة سيقفون أمام الله ليجازيهم على سوء ما ركبوا من باطل وحاولوا من خلاله بلوغ أهدافهم، ونحن نقول لهؤلاء ممن يجهلون أنكم تخوضون في مستنقع رذيلة وتسبحون ضد كل التيارات وكان عليكم أن تساءلوا قبل الخوض ما أنتم خائضون، ونقول لمن علم السوء وأصر عليه لا لن تمرّ وان كانت خلفك جهات تريد للفكر الإسلامي أن يتردى وينحطّ بترهات البراغماتية وسوء تدبيرها وسقوط دعواها..يقول سفيان الثوري: ” البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، فإن المعصية يتوب العبد منها، والبدعة دائمة ثابتة ” يمتد خطر البدعة ليشكل خطرا كبيرا ويصيب المجتمع بالتحلل، وأنا العبد الفقير لله أعدّ البراغماتية بدعة يمتد خطرها لما هو أبعد من التحليل للنص الادبي هي بلا تحفظ تتقصد دستور الامة ” القرآن الكريم ” وهذا بلا شك قد صرح به المتبنين لها فقالوا ” انها الضمانة لحفظ القرآن الكريم وتأويله “.

جاء في صفحة الشيخ حسن التريكي: نهانا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليه السلام عن استعمال أساليب السب واللعن لأنها لا تثبت حقاً ولا تبطل باطلا. فقال الله تعالى: “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم” (الأنعام 108) فحقائق الدين تقوم على المنطق السليم والعقل النير والدليل والبرهان. يقول تعالى: “قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ” (الأنعام 104). والدين ليس بحاجة إلى أساليب السب والشتم لإقناع الطرف الآخر أو التشفى منه، بل أكثر من ذلك أن هذه الأساليب سوف تعرض المقدسات إلى الإهانة، فعندما تسبون مقدسات الآخرين ورموزهم فسوف يسبون الله سبحانه وتعالى ويسبون رسول الله ويسبون أولياءكم، و السبب المباشر لذلك السبب لمقدساتكم هو سبكم لمقدساتهم ورموزهم. 

One thought on “كتابات عن مفهوم البراغماتية والقرآن الكريم (ح 7) (واذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)‎

  1. عندما اطلعت على مقالتكم.. فهمت لماذا الاسلاميين بالحكم وحواضنهم (متعالين بجهلهم) ولا يشعرون بماسي الشعب.. والفساد المخيف الذي جاء من فقهاء الاسلاميين بان اموال الدولة مجهولة المالك ويباح سرقتها حالها حال ماء المطر عند نزوله..و كذلك خيانة الاوطان باسم العقيدة..
    وتعتمدون على (“وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ”).. لتبرير فشلكم بالنقاش والحوار.. وضعفكم باقناع المجتمع الرافض لكم..
    ليكن لكم اعمالكم .. ولكن لا تفرضونه بالقوةوالمليشيات و الفساد والاستعانة بقوة اجنبيةايران ضد اهل العراق وشيعتهم العرب..
    ابقوا بجوامعكم وحسينياتكم.. واتركوا المجتمع يعيش ويضمنون مستقبل اجيالكم..
    50 مليون مسلم هاجروا لاوربا وحدها هربا من الاسلاميين والقوميين.. ومئات الملايين المسلمين بدولهم يريدون الهجرة هربا منكم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *