164e7d37-83f2-4778-9fe7-e46fb2e39f67

انوار داود الخفاجي

يُعتبر ملف النفط في العراق، وخاصة نفط إقليم كردستان، أحد أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية في المشهد السياسي والاقتصادي. كان الاتفاق بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد بشأن تصدير النفط وتحصيل العائدات موضع جدل دائم، إلا أن انهياره الأخير أثار تساؤلات عديدة حول المسؤولية والأسباب الكامنة وراء ذلك. فهل يعود الأمر إلى خلافات سياسية عميقة، أم أنه ناتج عن عوامل اقتصادية وضغوط إقليمية ودولية؟

تم التوصل إلى اتفاق بين حكومة إقليم كردستان وبغداد لتسليم نفط الإقليم إلى شركة تسويق النفط العراقية (سومو) مقابل حصول الإقليم على جزء من الموازنة الاتحادية. كان هذا الاتفاق محاولة لحل الخلافات المزمنة بين الجانبين بشأن تصدير النفط بشكل مستقل من قبل الإقليم عبر تركيا. ولكن سرعان ما بدأت التوترات تظهر، مما أدى إلى انهياره في النهاية لعدة اسباب اهمها:

*الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل*

منذ سنوات، يسود التوتر بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان بسبب قضايا مثل الموازنة، وتقسيم الإيرادات، والسيادة على الموارد الطبيعية. كان الاتفاق النفطي يُنظر إليه كوسيلة لتخفيف هذه التوترات، لكنه انهار بسبب انعدام الثقة المتبادلة، وغياب آليات تنفيذ واضحة تضمن التزام الطرفين.

*الخلاف حول الإدارة المالية والإيرادات*

إحدى المشكلات الرئيسية التي أدت إلى انهيار الاتفاق كانت مسألة إدارة العائدات. فبغداد كانت تطالب بأن تودع أربيل جميع عائدات النفط في حساب حكومي مركزي، في حين كانت حكومة الإقليم تتخوف من عدم التزام بغداد بصرف المستحقات المالية للإقليم في الوقت المناسب، كما حدث في السابق. هذا الخلاف أضعف تنفيذ الاتفاق عمليًا.

*الضغوط الدولية والإقليمية*

لعبت العوامل الإقليمية والدولية دورًا في انهيار الاتفاق. فبعد أن أوقفت تركيا تصدير النفط الكردي عبر ميناء جيهان إثر حكم دولي لصالح العراق، أصبح الإقليم في موقف صعب ماليًا. وبعد أعلنت وزارة النفط الاتحادية في الحكومة العراقية عن استكمال الإجراءات اللازمة لاستئناف تصدير النفط المنتج في إقليم كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي، مؤكدة أن هذه الخطوة تأتي وفقا للآليات المحددة في قانون الموازنة وتعديله، وضمن سقف الإنتاج المقرر للعراق في منظمة أوبك. ومع استمرار الضغوط من شركات النفط الأجنبية التي تعمل في كردستان، ازدادت التحديات التي تواجه تنفيذ الاتفاق مع بغداد.

*تأثير المصالح الحزبية الداخلية*

داخل إقليم كردستان، هناك اختلافات سياسية بين الأحزاب الكردية الكبرى، لا سيما بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، حول كيفية إدارة ملف النفط والعلاقة مع بغداد. هذه الخلافات الداخلية أضعفت موقف الإقليم التفاوضي، وجعلت تنفيذ الاتفاق أكثر صعوبة.

المسؤولية عن انهيار الاتفاق تتوزع بين عدة أطراف اهمها؛

*الحكومة الاتحادية في بغداد* تتحمل جزءًا من المسؤولية بسبب تعنتها في فرض شروط مالية صارمة دون تقديم ضمانات واضحة للإقليم بشأن صرف مستحقاته المالية بانتظام.

*حكومة إقليم كردستان* تتحمل مسؤولية استمرارها في نهج تصدير النفط بشكل مستقل في الماضي، مما عمّق الخلافات وزاد من صعوبة التوصل إلى اتفاق طويل الأمد.

*العوامل الإقليمية والدولية* خصوصًا الموقف التركي عندما أوقفت خط الأنابيب في مارس/آذار 2023 بعد قرار غرفة التجارة الدولية بإلزام أنقرة بدفع 1.5 مليار دولار، تعويضا لبغداد عن صادرات غير مصرح بها بين 2014 و2018.حيث ساهمت في تعقيد تنفيذ الاتفاق من خلال منع تصدير النفط عبر جيهان .

مع استمرار الحاجة الاقتصادية لكل من بغداد وأربيل إلى عائدات النفط، فإن العودة إلى طاولة المفاوضات تبدو أمرًا لا مفر منه. قد يشهد المستقبل محاولات جديدة لصياغة اتفاق أكثر وضوحًا يراعي مصالح الطرفين، خاصة إذا توفرت ضمانات قانونية ومالية تضمن التزام بغداد بدفع مستحقات الإقليم بانتظام، وفي المقابل تضمن التزام أربيل بتسليم النفط إلى الحكومة الاتحادية وفق آلية شفافة.

في النهاية، لا يمكن حل هذه الأزمة إلا من خلال حوار بناء وتفاهم متبادل، بعيدًا عن الصراعات السياسية التي تعرقل استقرار العراق واقتصاده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *