download (1)

عصام الصميدعي

اغلب الكتاب والاقلام والشخصيات  تجد نفسها مستبعدة أو مغيبة أو مهمشة ,  رغم مكانتهم الفكرية وقدرتهم الشخصية  على كشف الحقائق ومعرفة اسباب الاحداث والوقائع , وامكانيتهم  في استشراف المستقبل ورسم صور وسيناريوهات محتملة للأحداث المستقبلية ,  الا ان الواقع الراهن يتعامل مع المادة والشيء المحسوس ؛ ولا علاقة له بالمعنى والمعقول ؛ فالمعرفة الحسية والامور المادية والشهوات والغرائز والرغبات اصبحت  بمثابة الصراط والدليل  للشعوب  والافراد والفئات التي تحمل في ثنايها وعي بسيط  وتفكير محدود قد  يصل إلى  حد السذاجة … ؛ فالإعلام المسيطر  هو الاعلام الذي يتناغم مع الرغبات والشهوات والنزوات , و هو الموجه الحقيقي و الفاعل الرئيسي في  توجيه و اغراء  واغواء الشعوب والافراد والجماعات .

و عندما تجد نفسك تحمل سمات عالية , وتمتاز بالكفاءة والنزاهة والشرف والافضلية الاخلاقية ؛ ستصاب بالصدمة من المجتمع ؛ لأنك  ستجد نفسك  معزولا  مهملا  ولست مرغوبا او مطلوبا ؛ وبالتالي تنزوي عنك اضواء الشهرة والاهتمام ؛ اذ ان المجتمعات اصبحت تبحث عن اللذة والشهوة والمنفعة , فالمثالية الخلقية والمبدئية  هي بمثابة أسطورة خيالية غير واقعية في العالم المادي الراهن  … .

والسؤال الذي يطرح نفسه : وهو أن الحقيقة دائما مثالية غير قابلة للتجزئة او النقصان  ؟

وعليه لو اردنا ان نكون واقعيين ونتماهى مع الاوضاع الراهنة ؛ لابد لنا من التخلي عن الحقيقة والمبدئية والمثالية ؛ والتعايش مع معطيات العالم الافتراضي والاعلام السوقي ؛ ولكننا لا نستطيع فعل ذلك , لأننا نشأنا على التربية الحسنة والاخلاق الحميدة , فالواقعية الحقيقية تعني الحق والعلم والمنطق وليس الشهوات والماديات والنزوات , فالانسان الواعي الحر يبحث عن حقائق الامور وينشد اليقين ويطلب المعرفة ,  ومن المستحيل أن يعيش في عالم الخيال أو التصور الخطأ أو الكذب  او الاغواء والاغراء … ؛  لأن مصيرنا سيكون في المعادلة الكونية الدمار والخراب … ؛  ومن هنا  يجب علينا ان نضع في الحسبان ضرورة التزام الصدق  في تعاملنا كي نحافظ على بقاءنا , فالحق والحقيقة هي هي ليست كاذبة مهما تغيرات الظروف والأسباب ,   فالمحيط الذي حولنا يرسم لنا خطوط بالوان زاهية قد تشير في النهاية إلى الهاوية ,  فما علينا الا أن ندرك بأن الخيط الأوحد الذي يجب أن نتمسك به  وهو متمثل فقط بالعدل الإلهي  , فهو نجاتنا حتى إذا طال الزمان  , لانه هو وحده يضعنا على طريق الصواب والاستقرار,   وينجينا من الخراب  , ويعطينا الامل بالبقاء والاستقرار ؛  لنعرف معنى الحياة حين نكابد , ويجعلنا متشبثين بالحياة أكثر من أن نكون أسرى بيد غرائزنا , التي  هي في النهاية تتجه بنا إلى هلاكنا  , بعد أن نفقد الجدوى من وجودنا ,  لنعيش مرحلة الغثيان ,  أو نضع أنفسنا في البروج العاجية ونعتقد باننا الاهة , ونتوقف عن قبول الواقع ونرفضه ؛ ثم نشعر بأننا كيان مكتوب عليه الفناء اوقد نفكر في الانتحار , لاننا لم  نفكر بأننا كيان على ذمة الاختبار وليس كيان باحث عن الصراع مع الاغيار , او  باحث عن اللذة والمتعة والانجرار وراء  الشهوات  والنزوات المحفوفة بالمخاطر والألم والأشرار.  وعليه يجب اعتبار اختلافنا مع الاخرين واستبعادهم لنا نعمة وليس نقمة ؛ فعندما تكون مهمشا مهملا  , تبدع وتنتج وتظهر مواهبك ؛ في عالم يفتقد  الغيرة والحكمة ؛ عندها  نجد لذة  معنوية وسعادة غامرة من وجودنا  … ؛ فالتضحية والمبدئية والايثار تعلمنا النبل والرقي والرفعة ؛ لان الانانية والنفعية سلعة رخيصة معروضة في كافة الاسواق وبأبخس الاثمان ؛ فالذين يتعاملون بها هم ارخص الناس ؛  و اما أصحاب المثل العليا هم رموز ازليون خالدون  في الدنيا والأخرة ؛  رغم أنهم تعرضوا للتنكيل  والتهميش والانتقاص ؛ لكنهم في النهاية لهم حسن العقبى وحسن الدار.

 وكل متاعب الدنيا  التي حملوها وتحملوها والهموم والاحزان التي كابدوها ستتحول الى بضاعة رابحة ازلية , لتكون رسالة ومفتاح للمكان الرفيع في الدنيا والآخرة , فلا تحزن على دنيا بالية قصيرة , تعلم انك بالنهاية سوف تخسر كل شيء ونتركها بعد موتك , وما عليك الا أن تصر على انك موجود لأنك تفكر وتضع بصمات الحقيقة امامك ليعلم بها الناس ليجدها كل غافل عنها والتفكر كيف تصنع لك مجدا تخلدك بها الأجيال فاما ان تكون او لا تكون حين تجعل من نفسك سراب لا تنتهي بعد مرور .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *