اعاداد وتقديم صباح البغدادي
في لحظة فارقة تكسر قيود الماضي الثقيل، شهدنا اليوم الخميس، 13 آذار 2025، نقطة تحول جذرية في مسيرة سوريا نحو المستقبل، تحت سماء الموشومة بالأمل، انطلق صوت القدر يدوي في أرجاء سوريا، معلنًا كسر أغلال الماضي وفتح بوابات المستقبل. لم يكن مجرد مؤتمر صحفي لـ”لجنة صياغة الإعلان الدستوري”، بل كان لحظة ولادة، حيث أعلنت اللجنة عن خطة انتقالية تمتد لخمس سنوات، ستكون حتما لدينا مليئة بالصعاب والتحديات وكذلك الكثير من المؤامرات والدسائس لافشال هذه التجربة الوليدة ولكن بعزم المجتمع واصراره لبناء حياة حرة كريمة لجميع اطيافه لتُتوج بتشكيل لجنة مكلفة بوضع دستور دائم يرسم ملامح دولة جديدة. هذه المدة، رغم ما تحمله من مصعاب جمة وقد تبدو جبالاً شاهقة في طريق الأمة، ليست سوى بوابة عبور نحو فجر سوريا المنشود، حيث تُشكل هذه الخطوة اللبنة الأولى في بناء اساسيات صرح النهضة الوطنية. وعلى عكس ما عايشناه من انهيار وتشتت في السنوات الغابرة، فإن هذا الإعلان يضع حجر الأساس لمسيرة تنمية اقتصادية وبشرية ومجتمعية، تتجاوز حدود مهرجانات الشعارات إلى واقع عملي يُمهد لولادة دستور دائم يحمل في طياته آمال شعب طالما حلم بالعدالة والاستقراروالتنمية .
هذا الدستور المنتظر لن يكون مجرد وثيقة قانونية، بل رؤية حضارية تجمع تحت مظلتها كل أطياف المجتمع ، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، محافظًا على حقوق المواطنة دون تمييز أو إقصاء. إنه طموح شعب يسعى لأن يكون دستوره مرآة تعكس تنوعه الثقافي والاجتماعي، وسدًا منيعًا يحمي حق كل فرد في الانتماء والمشاركة. وفي قلب هذه الرؤية، يبرز الهدف الأسمى: تعزيز مسيرة تنمية اقتصادية واجتماعية تقوم على أسس راسخة من التوازن والشمولية والاستدامة. ففي ظل نظام يتمتع بالمرونة والقوة، يصبح بإمكان سوريا أن تقاوم العواصف الداخلية، من اضطرابات سياسية واقتصادية واهتزازات اجتماعية، وأن تتصدى للضغوط الخارجية التي تتربص بها، سواء كانت صراعات إقليمية أو مطامع دولية تتجاوز حدود السيادة.
لكن الطموح لا يتوقف هنا. بل يجب أن يتضمن هذا الدستور بنودًا دستورية صلبة، واضحة كالشمس في كبد السماء، ومحصنة ضد التأويلات القانونية المغرضة، لتكون بمثابة درع يحمي الإرادة الوطنية. هذه البنود ليست مجرد كلمات على ورق، بل استراتيجيات حية تحول دون أي تدخل قسري أو تعسفي من دول إقليمية قد تسعى لفرض هيمنتها على الشأن السوري، مستغلة لحظات الضعف أو الفوضى. ومن خلال تعزيز السيادة الوطنية، وتقوية الهياكل المحلية – التشريعية والتنفيذية والقضائية – ليصبح القرار السوري صناعة خالصة بأيدي أبنائه، بعيدًا عن أي وصاية أو ابتزازداخلية او خارجية . إنها دعوة لاستقلالية حقيقية تحمي المصالح الوطنية ، وتضمن أن تكون سوريا للسوريين وحدهم فقط لا شريك لهم ، دولةً قائمة بذاتها، مزدهرة بإرادتهم، ومستقرة بتضحياتهم.
هذه الخطة الانتقالي والتي سوف تمتد خمس سنوات نراها الان كجسرٍ معلق بين أنقاض التاريخ وأحلام الغد. خمس سنوات قد تبدو كدهاليز مظلمة مليئة بالعواصف والأشواك، لكنها في الحقيقة خيط النور الأول الذي ينسج رداء سوريا الجديدة. هنا، في هذه اللحظة، وُضعت اللبنة الأولى لصرحٍ لا يقهر، صرحٍ يُسمى “فجر الوطن”، ليعلن معه للعالم اجمع بأن سوريا لم تعد أسيرة ظلالها، بل صانعة مصيرها من خلال ابنائها .
وعلى النقيض من أيام الخراب والشتات، التي كانت كالريح العاتية تذرو الرماد في عيون الأمل، يرتفع اليوم سلمٌ جديد، درجاته من التنمية الاقتصادية والبشرية والمجتمعية، يصعد به الشعب نحو قمة الكرامة. هذا السلم ليس مجرد حلم عابر، بل خطة محكمة تُمهد لدستور دائم، ليس ورقًا يُكتب بالحبر، بل وعدًا يُنقش في صخر الزمن. دستورٌ يمتد كالجسر العملاق ليربط بين ضفتي المجتمع السوري، من أكراد الجزيرة إلى دروز السويداء، ومن مسيحيي حلب إلى سنة دمشق، جامعًا كل الألوان في لوحة فسيفساء واحدة تسمى المواطنة. إنه ليس مجرد قانون، بل نبض حياة يضمن لكل سوري أن يتنفس هواء الحرية دون خوف أو تمييزاو الاعتقال ويغيب في دهاليز زظلمات المعتقلات والسجون كما كان يحدث في اللماضي.
وفي أعماق هذه الرؤية، تتجلى معركة أكبر: بناء نظامٍ دولة المواطنة ليكون كالقلعة الحصينة، يقاوم زلازل الداخل من فوضى سياسية وانهيار اقتصادي وتصدعات اجتماعية، ويصد رياح الخارج العاتية التي تهب من أراضي الصراعات الإقليمية ومطامع القوى الدولية. هذا النظام لن يقبل أن تُسلب إرادته، ولن يسمح لأي يد أجنبية أن تمتد لتعبث بتراب الوطن. بنوده الدستورية ستكون كالسيوف المسلولة، حادة وصلبة، لا تقبل التلاعب أو الغموض، تحمي السيادة كما تحمي الأم رضيعها. إنها استراتيجيات محبوكة بعناية، تحول دون أي غزو تعسفي من جيران يتربصون، أو قوى إقليمية تظن أن سوريا لا تزال رقعة شطرنج في لعبتهم الدولية . هنا، ترتفع الأعمدة التشريعية والتنفيذية والقضائية كأشجار السنديان، عميقة الجذور، شامخة الفروع، لتعلن أن القرار السوري سيظل حرًا، والمصلحة الوطنية درعًا لا يُخترق.
سوريا اليوم ليست مجرد أرض تُروى بدماء أبنائها، بل أمة تكتب ملحمة انتصارها بأقلام الإرادة والصبر. من تحت الرماد، ينبعث قوس قزح الأمل، ومن بين الركام، طائر الفينيق السوري ينهض من أنقاض الدمار ورماد الماضي إلى عرش فجر الدستور والسيادة الوطنية وبناء الدولة المدنية والمواطنة!ترتفع راية الاستقلال الحقيقي. هذه ليست نهاية الحكاية، بل بداية فصلٍ يُروى للأجيال، عن شعبٍ قرر أن يُضيء ظلمته بنفسه.