فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله جل جلاله “فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون” (العنكبوت 40) خَسَفْنَا: خَسَفْ فعل، نَا ضمير، خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ: ازلنا الأرض من تحته فابتلعته، ومنهم من خسفنا به الأرض: كقارون، فأخذنا كلا من هؤلاء المذكورين بعذابنا بسبب ذنبه: فمنهم الذين أرسلنا عليهم حجارة من طين منضود، وهم قوم لوط، ومنهم مَن أخذته الصيحة، وهم قوم صالح وقوم شعيب، ومنهم مَن خسفنا به الأرض كقارون، ومنهم مَن أغرقنا، وهم قومُ نوح وفرعونُ وقومُه، ولم يكن الله ليهلك هؤلاء بذنوب غيرهم، فيظلمهم بإهلاكه إياهم بغير استحقاق، ولكنهم كانوا أنفسهم يظلمون بتنعمهم في نِعَم ربهم وعبادتهم غيره.
عن موطن قوم لوط جاء في الموسوعة الحرة عن سدوم وعمورة: في اليهودية: بالرغم من ذِكر الأنبياء اليهود أن آثام سدوم وعمورة هي الزنى، الكبرياء، والبخل، فتري أغلبية التفاسير المتعلقة بسدوم وعمورة أن القصص عبارة عن استنكار تمثيلي للمثلية الجنسية. يرى ريكتور نورتون أن النصوص اليهودية القديمة تركز على قساوة وفقر ضيافة أهل سدوم للغريب عوضًا عن المثلية الجنسية. بعض الجرائم الأخرى التي ارتكبها أهل المدينتين حسب اليهودية تشمل عقاب الضحايا على جرائم ارتكبت في حقوقهم، إجبار ضحايا الاعتداء على دفع تعويض مادي على نزف المعتدي، وإجبار النساء على الزواج من الرجال الذين أجبروهم على إجهاض أطفالهن (تعويضًا) عن الطفل المُجهَض. عذب الأهالي أيضًا الزوار المقيمين عبر إمدادهم بأسرة متوسطة الحجم، فإذا كان الزائر أقصر طولًا من السرير قاموا بشد أطرافه حتى فُصِلَت، وإذا كان أطول قامة قاموا بقطع أرجله. نتيجة لذلك امتنع العديد عن زيارة المدينتين.
جاء في معاني القرآن الكريم: قوم يقال: قام يقوم قياما، فهو قائم، وجمعه: قيام، وأقامه غيره. وأقام بالمكان إقامة، والقيام على أضرب: قيام بالشخص، إما بتسخير أو اختيار، وقيام للشيء هو المراعاة للشيء والحفظ له، وقيام هو على العزم على الشيء، فمن القيام بالتسخير قوله تعالى: “منها قائم وحصيد” (هود 100)، وقوله: “ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها” (الحشر 5)، ومن القيام الذي هو بالاختيار قوله تعالى: “أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما” (الزمر 9).
عن موقع هدى القرآن: قال الله سبحانه وتعالى “قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء” (هود 87) تقع قرية مدين في طريق الشام من الجزيرة ورأس قبيلة مدين هو مدين بن إبراهيم خليل الله عليه السلام. وكان أهل القرية وما حولها منعمين بالخصب ورخص الأسعار والرفاهية، فشاع الفساد بينهم برفع الأسعار والتطفيف بنقص المكيال والميزان، وكان القوم يعبدون الأصنام، فبعث الله تعالى إليهم شعيبا عليه السلام وأمره أن ينهاهم عن عبادة الأصنام وعن الفساد في الأرض ونقص المكيال والميزان. وشعيب تأتي قصته مع قومه في كتاب الله بعد قصة لوط. وكان لسانه ولسان قومه عربيا. والله تعالى لم يبعث من العرب إلا خمسة أنبياء هم: هود، وصالح، وإسماعيل، وشعيب ومحمد صلى الله عليهم أجمعين ولبث شعيب في قومه مائتين واثنين وأربعين سنة، اشتهر فيها بينهم بالعلم والحكمة والصدق والأمانة، وعندما دعاهم إلى ما أمر الله به وذكرهم بما أصاب قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط، لم يزدهم ذلك إلا طغيانا وكفرا وفسوقا ولم يؤمن به إلا فئة قليلة، ورماه قومه بالسحر وبالكذب، وأخافوه بالرجم، وهددوه بالإخراج من قريتهم. وروي (أن الله تعالى ما بعث نبيا مرتين إلا شعيبا. مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة. ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظلة) وروى ابن عساكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا النبي عليه السلام) وروى البغوي أن شعيبا أرسل مرتين وروي في جوامع الجامع (أن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة). وقال بعضهم إن مدين والأيكة أمة واحدة، وأن شعيبا لم يرسله الله إلا مرة واحدة، ولم يقدموا حديثا واحدا يثبت ما يقولون، وإنما اعتمدوا على أن شعيبا وعظ هؤلاء وهؤلاء بوفاء المكيال والميزان فدل ذلك على أنهما أمة واحدة، وما ذهب إليه أصحاب هذا القول لا يلازم الحقيقة، لأن الأيكة كانت بالقرب من مدين وكانت مشهورة بترفها الزائد نظرا لأنها كثيرة المياه والأهوار والأشجار والحدائق الملتفة. والأيكة هي على ما قيل شجر ملتف كالغيضة، وكان يسكنها طائفة من كبار التجار. أما مدين فكانت تمتاز بكثافة سكانية. وكان لأصحابها حظ من الترف ولكنه لا يقاس بترف أصحاب الأيكة. ويمكن القول بأن الأيكة كانت قمة للترف ينساب الترف عبر قنواتها ليغذي مدين. وأصحاب الأيكة أهلكوا بعذاب الظلة أما أهل مدين فأهلكوا بالرجفة وهناك فرق بين الذين يهلكون تحت سحاب ظلة يحمل حرا ونارا، وبين الذين يأتي عليهم الصباح وقد ضربتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين. كما أصبح أهل ثمود في ديارهم جاثمين من قبل. إن شعيبا عليه السلام بعد أن دمر الله مدين توجه إلى أصحاب الأيكة فوعظهم بمثل ما وعظ به أهل مدين لأن الجميع كانوا على رقعة تجارية واحدة عامودها الفقري: الجشع والطمع والإفساد في الأرض، وشعيب عندما بعثه الله إلى مدين قال سبحانه: “وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا” أما عندما بعثه الله إلى أصحاب الأيكة الغيضة الملتف شجرها، كان أجنبيا عنهم، ولذلك قال تعالى: “إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ” ولم يقل: أخوهم شعيب بخلاف هود وصالح فقد كانا نسيبين إلى قومهما. وكذا لوط فقد كان نسيبا إلى قومه بالمصاهرة ولذا عبر عنهم سبحانه بقوله: “أَخُوهُمْ هُودٌ” “أَخُوهُمْ صَالِحٌ” “أَخُوهُمْ لُوطٌ”. وتضارب الأقوال في أن شعيبا كان له قوم به أو قوم واحد، لا يغير النتيجة عند التأمل، فالنتيجة واحدة هنا وهناك وتحمل قولا واحدا هو أن الله تعالى أهلك الذين بعث فيهم شعيب ودمرهم بسبب تمردهم على الله وعلى رسوله وتكذيبهم له. وشعيب عليه السلام واجه تجار الجشع والطمع على أرض مدين والأيكة بمعارف وعلوم وأدب رفيع وأقام عليهم الحجة في أتم ما يكون، وكان عليه السلام في زمرة الرسل المكرمين. وقد أشركه الله فيمن أثناهم به من الثناء الجميل في كتابه. وقصص شعيب. ذكر الله تعالى طرفا منها في كتابه الكريم في سور: الأعراف، هود، الشعراء، القصص، العنكبوت وكان شعيب عليه السلام معاصرا لموسى عليه السلام. وقد زوجه إحدى ابنتيه على أن يأجره موسى ثمان حجج وإن أتم عشرا فمن عنده، فخدمه موسى عشر سنين، ثم ودعه، وسار بأهله إلى مصر.
الحصب وردت في آية مباركة بمعنى حطب، وحاصبا وردت في عدد من الآيات تعنى الريح القوية أو الشديدة التي تقلع الحجارة والحصى والحطب وترمي به أعداء الله جل جلاله. قال الله تبارك وتعالى “إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ” ﴿الأنبياء 98﴾ حصب جهنم اي حطب ووقود جهنم، و”أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا” ﴿الإسراء 68﴾ حاصبا ريح قوية تحمل الحجارة والحصى، و”فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” ﴿العنكبوت 40﴾ حاصبا اي ريح شديدة تحمل الحجارة والحصى، و”إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ” ﴿القمر 34﴾ حاصبا الحجارة التي سقطت على قوم لوط، و”أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ” ﴿الملك 17﴾ حاصبا اي الحجارة والحصى التي ترمى من السماء على الاقوام التي ينذرها الله سبحانه ولم تستجيب للانذار.