اسم الكاتب : عدنان فرج الساعدي
لابد ان الكثير اذا لم يكن جلّ العراقيين مثقفين وغير مثقفين قد سمعوا او قرأوا ، أو كتبوا عن مصطلح (أزدواجية شخصية الفرد العراقي ) وهذا المصطلح يتداول بكثرة في مؤلفات الدكتورعلي الوردي الاجتماعية رحمه الله ، واخرين من علماء الاجتماع العراقيين
ترى هل هذه الازداوجية التي يتحدثون عنها قريبة الشبه بالمفهوم التقليدي الديني الموروث الذي يتحدث عن ( النفاق ) أم إنها تشير لشيء أخر
فيما يقول البعض ان الفرد العراقي واقع بين معادلتين صعبتين في حياته الانسانية الاجتماعية
الاولى هي المعادلة الثقافية الفكرية العقائدية الدينية والتي من خلالها يطلّ الفرد العراقي على حياة ترسم له مخيلة قد ترتسم فيها مدينة فاضلة تحترم الصدق وتؤمن بالعدالة وتقدس وتبجل الموروثات خصوصا العقائدية منها
ويبدو ان المعادلة الاخرى تتمثل بالسلوك الاجتماعي الذي يعيشه الفرد العراقي ماديا ومعاشيا ويفرض عليه كل مامن شأنه ان يناقض المعادلة الاولى من اخلاقيات ومعنويات وتقديسيات وتبجيليات فكرية وايمانية وتقديسية .بحيث يصبح اشبه بمعمل متناقض ومتضارب ومزدوج في مقدماته ونتائجه
ويتندر العراقيون على بعضهم البعض في ان الفرد العراقي وما إن يخرج من المسجد أو يأتي من الزيارة التي قضى أياما وهو زائراً ماشياً لكربلاء أو النجف أو الكاظمية أو حتى الى الحج .ويدخل الى الحياة الاجتماعية ومعتركها فستجده مضطّرٌاً لتقمص الشخصية الاخرى في حياته الاجتماعية والاسرية وكذا الفردية ، حيث يكون هنا الكذب هي لغة السوق والتجارة والربح والخسارة الطبيعية ،
وهنا نتساءل هل هذا القول صحيحاً أم مفبركاً أم مبالغ فيه .وهل هذه الظاهرة عراقية بحتة أم هي ظاهرة انسانية طبيعية ؟؟ بمعنى أخر هل هذه التصرفات التي يقولون انها واضحة في تصرف الشخصية العراقية …نقول هل هي حكراً على الشعب العراقي أم إن الشعوب العربية تمارس نفس السلوك كالشخصية المصرية والشخصية اليمنية والشخصية الاردنية او السورية وهكذا
وهذه القصة الصغيرة .. ربما توضح بعض مفردات الشخصية العراقية .
سأل رجل جارته وقال: كيف حال ابنتك؟ وهل هي على ما يرام مع زوجها علي؟
اجابت : انها بخير والحمد لله ! فالرجل ياخذها لزيارة العتبات المقدسة، كل يوم جمعة، ويصحبها لزيارتنا كل يوم خميس، ويشتري لها كل ما تحتاج اليه من الثياب والحلي، ويصحبها مع الاطفال لمدينة الالعاب . وانا اشكر الله عز وجل ! انها تزوجت بذالك الرجل الطيب الكريم ..
فسألها ثانية وقال : كيف هي زوجة ولدك احمد؟
اجابت: لا وفقها الله! ولعن الله ! من نصحنا بزواجها . فهي تطلب من ولدي ان ياخذها الى العتبات المقدسة كل يوم جمعة، وتريد زيارة اهلها كل يوم خميس
وتتحايل عليه ليشتري لها الثياب والحلي، وتلح عليه ليصطحبها والاطفال الى مدينة الالعاب. فهل سمعت بظلما مثل هذا يا حاج .؟
وهنا يتساءل البعض .. لماذا ينفرد العراقيون عن باقي الشعوب بالميل إلى الخلاف والبعد عن الاتفاق فيما بينهم ، حتى في القضايا التي تهدد حياتهم بالخطر … ولك ان تطلع على اي قضية يتناقش حولها العراقيون في الفيسبوك الا ووجدت العجب العجاب في الشقاق والسباب وهتك الاعراض والشتائم
أحد كبار الكتاب يقول .. إن البذرة الولاّدة للعنف في الشخصية العراقية – التي نتجرع ثمارها القاتلة الآن – زرعت في أرض المشهد الكربلائي عام 61 هجرية
ويجمع المؤرخون على أن الشعب العراقي ومنذ المشهد الكربلائي ، تعرض إلى ظلم واستبداد وجور لم يتعرض لمثلها شعب آخر . وإن السلطة ظلت تطحنه أكثر من ألف وثلاثمائة سنة ، وكان أن توزع العراقيون بين حامل للسلاح محارب للسلطة ، وبين منافق مداهن متملق لها ، وبين “الياخذ أمي يصير عمي” وبين عاجز يائس ))
الكاتب العراقي المعروف قاسم حسين صالح يقول
“مات سيبويه وبنفسه شيء من (حتى)، ومات علي الوردي وبنفسه أكثر من شيء عن الشخصية العراقية،
ويضيف قضيت ربع قرن أدرّس علم نفس الشخصية في جامعات عراقية وعربية، وسأموت وبنفسي أشياء عن هذه الشخصية العجيبة في بلد العجائب والغرائب.
العراق الذي وصفه الجواهري «أبا الفرسان لا عجب فأنّا.. نؤدي فدية العجيب». فمن عجائبها أن الطب النفسي يقرّ بوجود حدّ لطاقة الناس على التحمل إذا ما تجاوزها أحدهم فإنه ينهار نفسيا أو يصبح مجنونا أو ينتحر.
فيما تحمّل العراقي ثلاثة عقود ونصف العقد من حروب كارثية متصلة (باستثناء سنة واحدة التقط بها أنفاسه، 89) وحصار أكل الخبز الأسود ثلاثة عشر عاما تفضي بالإنسان السوي إلى أن يجزع من الحياة أو تزهق روحه. غير أن العراقيين كانوا، مع كل هذه المصائب، يحمدون الله ويشكرونه، بل إنهم وصلوا إلى الحال الذي يذهبون في الصباح إلى مجلس فاتحة يعزّون صديقا تطايرت أشلاء أخيه بانفجار، ويذهبون بمساء اليوم ذاته إلى حفلة عرس صديق آخر يغنون ويرقصون”.