الكاتب : احمد الحاج جود الخير
—————————————
إذا كانت الخمر أم الخبائث ، فإن البطالة وﻻ شك هي أم الرذائل واﻷحقاد والثورات الطبقية التي تجنح الى العنف والفوضى وتخريب الممتلكات العامة والخاصة ، وفي ذلك قال المفكر الكبير الدكتور محمد الغزالي “في أحضان البطالة تولد آﻵف الرذائل” فمن رحم البطالة تولد اﻷمراض النفسية ، إدمان الخمور والمخدرات ، الإنتحار ، السرقة ، التسول ، النصب والاحتيال ، هجرة الشباب، الطلاق ،التفكك اﻷسري ، الإغتصاب ، الإرهاب ، العنف العائلي ، وأي مجتمع لايعير إهتماما لتشغيل العاطلين إنما يحكم على نفسه بالفناء إن عاجلا أو آجلا وبما لم يعيه ساسة العراق بعد على خلفية انشغالهم بالمناصب والإمتيازات والسفريات والمخصصات والجوازات الدبلوماسية في وقت تشير فيه الإحصاءات الرسمية الى أن نسبة البطالة بين الشباب تتراوح بين 22.6″ بحسب الجهاز المركزي للاحصاء ” والى 40 % بحسب ” صندوق – الحقد – الدولي “وهذا اﻷخير قد أعرب مرارا عن إمتعاضه من سياسة العراق المالية والاقتصادية مطالبا بخفض الإنفاق على قطاع الطاقة ، إحتواء أُجور القطاع العام، وهيكلة المصارف الحكومية الكبيرة ،ما يعني المزيد من جحافل العاطلين وإيقاف التعيينات ونكث جميع العهود التي قطعت – انتخابيا -لأصحاب العقود واﻷجراء اليوميين والعاطلين بتعيينهم على الملاك الدائم ، وفيما يضرب العاطلون أخماسا بأسداس قلقا على مستقبلهم ويتظاهرون ،أو يعتصمون أمام الدوائر والمؤسسات المعنية هنا وهناك ،بينهم الخريجون وحملة الشهادات العليا من الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه المطالبين بتعيينهم ولكن من دون جدوى، لترتفع سقف الوعود الانتخابية – الوهمية الزائفة – حتى من دون طرح آليات وبرامج تفنيذها على أرض الواقع لتستبين الجماهير مستقبلها ،وتتلمس طريقها، ولكي تصدق بالوعود الـ عرقوبية ولا تنطلي عليها الخدعة وكما هو الحال مع كل دورة انتخابية برلمانية تتطاير خلال حملاتها الدعائية الوعود الوردية بمستقبل – مشمشي – زاهر قبل أن يغير الفائزون بالأصابع – البنزركية – ومنذ اليوم الأول لفوزهم أرقام هواتفهم النقالة أسوة بإيميلاتهم وصفحاتهم ومنصاتهم ومناطق سكناهم ، وأحيانا كناهم وألقابهم وشهاداتهم أيضا !
هناك حكمتان في ذم البطالة ومكافحتها ، اﻷولى صينية ونصها ” إذا أردت عاما من الرخاء والثراء، إزرع حبوبا. إذا أردت 10 سنين من الرخاء، ازرع أشجارا . إذا أردت مئات السنين من الرخاء، إزرع أناسا”، فيما تقول نظيرتها الهندية ” إن الفقر يصنع لصوصا ، كما أن الحب يصنع الشعراء ” وبناء على الحكمتين الآنفتين فإن ساسة العراق قد أضاعوا الخيط والعصفور فلا هم شرعوا بصياغة خطط رصينة سنوية أو خمسية أو عشرية لتحقيق الرخاء والازدهار لهذا الشعب المغلوب على أمره و الذي أبتلى بهم بكل المقاييس وعلى مختلف الصعد ، وﻻ هم كافحوا الفقر ببرامج منهجية مدروسة للحيلولة من دون تفريخ العاطلين حاضرا ومستقبلا وما يترتب على البطالة من تداعيات إجتماعية وأخلاقية وأمنية خطيرة جدا لا تحمد عقباها .
المهاتما غاندي ،كان قد لخص المقدمة اﻷولى لمصفوفة الجوع والثورة حين قال ، إن ” الفقر هو أسوأ أشكال العنف وبالتالي فعلى الأغنياء أن يعيشوا ببساطة أكثر حتى يستطيع الفقراء أن يعيشوا” لتأتي المقدمة الثانية بحكمة هندية أيضا كونهم شعب عانى من الجوع ماعانى طوال حياته ” الفقر يقضي على جميع الفضائل” = ماقاله الدكتور علي الوردي ” إن وجود الغنى الفاحش بجانب الفقر المدقع في مجتمع واحد يؤدي إلي الإنفجار “، كل ذلك مصداقا لما جاء في اﻷثر منسوبا الى الصحابي الجليل ابي ذر الغفاري رضي الله عنه”عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، ألا يخرج على الناس شاهرًا سيفه” .
وبناء عليه فبإمكاني أن أستشرف المستقبل وﻻ أقول أتنبأ به من خلال استجلاء الواقع ، واستقراء الماضي القريب وحتى البعيد بأن ثورة طبقية عارمة تلوح في اﻷفق ستزبد وترعد مهما طال انتظارها هاهنا في العراق إذا ما استمر الوضع القاتم على ماهو عليه من بؤس وفاقة يعانيها 10 ملايين عراقي جلهم يعيش تحت خط الفقر المدقع والعشوائيات ومخيمات النزوح كذلك في المنازل والمشتملات أو الشقق الصغيرة المتهالكة وبحجم – قن الدجاج – المستأجرة ، لا لقلة الموارد وشح الثروات ونقص الخيرات حاشا وكلا ، وإنما لكثرة المختلسين وسراق المال العام ممن عبثوا بكل ماهو جميل في هذا البلد الطاهر ونجسوه بكل ما تعني الكلمة من معنى ، وبعضهم – وهؤلاء هم الأخطر على أمانات ودوائر ومؤسسات الدولة على الاطلاق – يحلل سرقة المال العام لكونه بزعمهم ووفقا لهرائهم، مال مجهول المالك ، لا ولي له ، ولا سلطان عليه ، وبالتالي فهو مباح لكل من يقدر عليه شريطة أن يخرج – الخامط للمال العام – خمسه ليصبح حلالا زلالا مع أنه مال حرام ووبال ستظهر آثاره عليه ولو بعد حين .
وأنوه الى أن البطالة هي أسوأ أنواع الفقر المفضي الى الجوع والحرمان( الجوع الى الحاجات الضرورية التي لا تستقيم الحياة من دونها ،وليس الطعام والشراب فحسب كما يتوهم البعض وأعني بها الصحة والتعليم والنقل والسكن اضافة الى المأكل والملبس والمشرب بطبيعة الحال ) وهي على أشكال فهناك ” البطالة السافرة والمقنعة ، البطالة الهيكلية والاحتكاكية والدورية ، البطالة الاختيارية والإجبارية ” وتعرف البطالة بمجملها بأنها ” عدم حصول شخص قادر على العمل مع رغبته فيه وبحثه المستمر عنه باﻷجر المتعارف عليه على فرصة شريفة للعمل “ﻷن التوظيف محليا إنما يتم بالمحسوبية والمنسوبية والمناطقية والعشائرية ، أو بدفع الرشاوى ،أو بالواسطة ، أو عبر الانتماء للاحزاب والحصول على استمارات التوظيف والتزكية – بعد دفع المقسوم – من خلالها ،وليس على أساس الكفاءة والخبرة والنزاهة ، ومازاد الطين بلة هو ضعف الاستثمار الخارجي والداخلي بسبب الفساد المالي والإداري وزعزعة اﻷوضاع الأمنية ﻷن رأس المال كما يقول الاقتصاديون جبان ولن يغامر بضخ سيولته النقدية وشركاته الاستثمارية في بلد لايأمن فيه على موظفيه و مخصصاتهم على ايدي مجهولين – معلومين ﻻيجرؤ أحد على ملاحقتهم أو محاسبتهم – ، و في حال تدفقت رؤوس اﻷموال وجاءت الشركات العاملة – عثرة بدفرة – ستبرز لنا إشكالية توظيف اﻷيدي العاملة اﻷجنبية بدلا من المحلية، إضافة الى إغلاق مئات المصانع بعد حوستمها ،أو منافسة إنتاجها من قبل المستورد اﻷجنبي الذي يدخل الى البلاد من مناشئ شتى ،بعضها مجهولة ليباع بأسعار تنافسية في السوق المحلية وبما ليس بوسع المنتج الوطني الصمود أمامها ما أسفر عن إغلاق أبوابها وتسريح عمالها وهجرة خبراتها ، ناهيك عن الاف المشاريع الوهمية والمتلكئة التي استنزفت موارد البلاد وضيعت فرصا ثمينة لتشغيل اﻷيدي العاطلة اضافة الى التفاوت الكبير بين مخصصات ورواتب السياسيين الفلكية وبين فتات الرعاية الاجتماعية وقوت الكادحين اليومي ولعل
ولاغرو أن أشد ما يحزنني هو مشاهدة منظر مئات المعتصمين من الشباب المطالبين بالتعيين يوميا ، كذلك اﻻف الكادحين والكسبة والباعة الجوالين في المساطر وهم يفترشون اﻷرصفة أو ممن يذرعون الشوارع سيرا على اﻷقدام ذهابا وجيئة للحصول على قوتهم وقوت عيالهم فيما يملأ المتسولون والمشردون مقتربات الطرق والساحات العامة في بلد هو اﻷغنى على سطح الكرة الارضية ، بينما يتنعم المختلسون بنعيمه لحساب هذه الدولة التي يحملون جنسيتها الثانية أو تلك ، والسؤال هو ” أيعقل أن يكون هذا هو حال العراقي الشريف الباحث عن اللقمة الحلال وبهذا البؤس وتلكم الحالة التي لا تسر أحدا مازال يحتفظ ببقايا ضمير ووطنية وإنسانية ؟!”.
والى اخوتي العاطلين أذكرهم بفضل العمل ونبذ الكسل وفي ذلك قال رسول الله ﷺ (لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً علَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ) وقال ايضا ” أنَّ داوُدَ النبيَّ عليه السَّلامُ، كانَ لا يَأْكُلُ إلَّا مِن عَمَلِ يَدِهِ) ، وإعيد ما قاله أعلامنا اﻷعلام ” ان اليد في الاسلام خمس ، يد عاطلة أوجب الشارع الحكيم توظيفها ، ويد عاجزة أوجب رعايتها ، ويد عاملة أوجب تقبيلها ، ويد سائلة ” من غير المتسولين ” أوجب مساعدتها ، ويد عابثة أوجب قطعها بشروطها وضوابطها بعيدا عن الشبهات .
وللحد من البطالة المستشرية ﻻ بد من تفعيل قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 وباﻷخص المواد 4- 5- 6 من الفصل الثالث منه ، وكذلك الحد من العمالة اﻷجنبية التي زاحمت المحلية والإشتراط على الشركات الاجنبية تشغيل العراقيين بمعدل 5 -1 كما هو معمول به في عدد من الدول وبينها تركيا حيث تشترط قوانين العمل هناك توظيف 5 اتراك مقابل كل عامل وافد ضمن الشركات الاستثمارية ، إعادة تأهيل وتشغيل و بناء المصانع الوطنية لإستيعاب أعداد العاطلين المتزايد بإطراد وتشجيع المنتج الوطني لنفس الغرض ، فتح أبواب الإستثمار الخارجي بضوابط تأخذ بنظر الاعتبار عدم الاضرار ودفع المستحقات المترتبة وأن لا يشكل عبئا وﻻ منافسا أمام الصناعات الوطنية مع توظيف العراقيين حصرا في جميع منشآته وشركاته وتدريبهم وتطوير مهاراتهم ، الحد من الاستيراد العبثي وفرض رسوم جمركية عالية على جميع البضائع المستوردة واخضاعها الى التقييس والسيطرة النوعية لتشجيع الصناعة الوطنية وضمان ديمومتها ، تحريك عجلة البناء والإعمار بما يضمن حركة السوق وتوظيف العاطلين وإيجاد فرص عمل تحسن أوضاعهم المادية والمعنوية ،تشجيع القطاع الخاص وتوفير بيئة مناسبة له تشجعه على استثمار الطاقات والخبرات المحلية المعطلة وتشغيلها ، محاربة الفساد المالي والاداري بكل اشكاله جديا وليس دعائيا ، توحيد سلم الرواتب ، تخفيض مخصصات وامتيازات الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب والدرجات الخاصة وتحويلها لدعم العاطلين وتوظيفهم ، وﻻيفوتني أن أذكر الجميع بما قاله المبعوث رحمة للعالمين في ضرورة اتقان العمل وادائه على الوجه الأمثل حين قالﷺ” إِنَّ اللَّهُ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ ” وقولهﷺ” مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ ، فَلَيْسَ مِنَّا ، وَمَنْ غَشَّنَا ، فَلَيْسَ مِنَّا ” اذ ﻻبد ان يدرك كل منا واجباته وحقوقه لتسير عجلة الحياة والبناء كما ينبغي لها أن تسير في هذا العراق الجريح بعيدا عن الفوضى غير الخلاقة الحالية التي أحرقت اﻷخضر واليابس وأهلكت الحرث والنسل بزعامة الفاسدين والمفسدين في اﻷرض . أودعناكم اغاتي