كامل سلمان
متابعة أخبار السياسة والحروب في منطقة الشرق الأوسط أصبحت شيئاً مقرفاً وتافهاً إلى أبعد حد فليس هناك من شيء جديد إلا زيادة في القتل وزيادة في الخراب والدمار والفتن والكراهية ، نفس السيناريوهات يعاد تكرارها بأساليب متنوعة ، دول وحكام يتم نفخهم كالبالونات ثم ينفجرون ليتبين بعدها إنهم لم يكونوا سوى بالونات هواء فارغة وهذا ما حدث مع معظم حكام دول المنطقة ، سيناريوهات متكررة ، أحزاب ثورية عقائدية مجاهدة بمجرد أن تتولى السلطة تظهر عفونتها وفسادها ولتغطية عفونتها تنادي بفلسطين وتحرير فلسطين ثم تهان وترمى في مزابل التأريخ ، كل يوم يهان حاكم ويرمى في المزبلة ، أما الشعوب أصبحوا أداة للضحك والمهزلة ، يصرخون ويعربدون مع كل نفخة جديدة لحكامهم . بالأمس الشعوب عربدت مع صدام حسين ثم أنتفخ بالونه وأنفجر وبعده القذافي والأسد ونصر الله والحوثي والسنوار وقبلهم جمال عبد الناصر وبورقيبة واليوم إيران كلهم يمرون بنفس دورة الحياة من النفخ والانتفاخ ومن الجهاد الى الفساد إلى الذلة ومازالت الشعوب تعتقد غباءاً بأن هذا الجديد سيكون مختلفاً عمن سبق . أفلام هوليودية ذات حبكة درامية وإخراج متقن . أما من يتابع الأخبار بشغف ويخلق لنفسه جو من الوهم فهو الأخر يجد نفسه في الأخير عاش الخداع الذهني والبصري لسنين طويلة ليتيقن بعدها بأن القادم كالراحل . كل ذلك يدل على شيء واحد وهو أن البشرية على كوكب الأرض أضحت مقسمة بين عقول سامية تنظر للمستقبل وترنو للعلا وتلك العقول خارج جغرافية منطقتنا وعقول مقيدة فاقدة للنظر داخل جغرافية منطقتنا ، عقول متفوقة على البشر وعقول مازالت بدائية منهمكة بإعادة الماضي باحثة عن أسباب الموت ، مئات الوسائل الإعلامية تعمل على مدار الساعة وتستهلك المليارات من الدولارات من خيرات هذه البلدان فقط لتقنعنا بأننا على صواب ، تستضيف ليل نهار المحللين والخبراء والعناوين الكبيرة ليشغلوا بال الناس بتحليلات تنتهي كلها إلى نفس نقطة البداية . هل أرتأت هذه الشعوب أن تبقي نفسها أسيرة هذه السيناريوهات تدور في هذه الدائرة تتفائل تارة و تتشائم تارة أخرى ولا تحصد غير الندم ثم تكتشف بقدرة قادر بأن الصهيونية هي وحدها السبب الذي أدى لبؤس حالها وتخلفها أما عقولها معفية من اللوم ولا تريد أن ترى غير ما تم تلقينها بنفايات الماضي . مالم تتغير الأفكار وطرق التفكير عند الناس ستبقى النكبات تدور معهم حيثما داروا ، هل سيحتاجون إلى مزيد من التجارب ومزيد من الآلام بعد أن عاشوا كل هذه التجارب لكي يصحون من سباتهم العميق ؟ أم أن حجم عقولهم توقفت عند هذا القياس ؟ متى سيعرفون بأن لا ايدلوجيات حقيقية ولا قادة ملهمين ولا اليوم الموعود ولا الفتح المبين ولا العدو المهزوم جميعها خدع من السيناريوهات المتشابهة والمثيرة بأحداثها كأفلام الأكشن ، اما آن الآوان ليدرك الناس ذلك هو التيه العقلي بعينه ؟ اما آن الآوان ليدرك الناس بأن دماءهم ليست ماءاً كي يتم هدرها ؟ اما آن الآوان ليعرف الناس حقيقة أنفسهم بأنهم مادة للتسلية ؟ اما آن الآوان ليفهم الناس بأنهم يعيشون الغفلة المطبقة ؟ هذه الأسئلة من يجيب عليها ؟ هل سيجيب عليها ذلك الذي لا يعرف في هذه الدنيا غير سيده ومولاه الذي يغذيه بالكذب ويلقمه الدجل ويشحنه بالكراهية ضد الأخرين ؟ طبعاً الواقع يجيب بأن التحجر العقلي لا يسمع ولا يجيب ، يفرحون اليوم مع الأخبار و يهلهلون وبعدها ينتكسون لأن بطل الفلم قد أنهزم ! المهم في كل هذه الأحداث تم خلق جيل مدمن على الوهم و الخيال والأمنيات يحلم بالنووي والبالستي ويحلم بالإنتقام ويحلم بمصباح علاء الدين السحري لعل المارد يقول له ( شوبيك لبيك ) وهذا هو أسوأ جيل يمكن أن يمشي على الأرض وياليته ما مشى . أنت أيها المواطن الشرق أوسطي صرت مجبراً على متابعة الأخبار والتفاعل مع الأحداث في ظل العبودية العقلية التي جبلت عليها هذه هي حصتك من الدنيا ، أما إذا إردت أن تعيش مثل باقي البشر من ناحية التطلع للمستقبل ومن ناحية بناء الجيل الصحيح و الخدمات فهذا محرم عليك لأنك تكون قد تجاوزت الخط الأحمر ، أبق كما أنت فهكذا كان الأباء والأجداد فبماذا تختلف أنت عنهم طالما تؤمن بما كانوا يؤمنون وتفعل ما كانوا يفعلون ؟ أما الشعوب الأخرى فعليها أن تنطلق إلى فضاء المعرفة وتتلذذ بالحرية الفكرية وتعيش المستقبل قبل أوانه ، لأنك لا تعلم بأن بعض الشعوب بالأمس كانوا من آكلي لحوم البشر بدائيين في كل شيء أبناءهم اليوم يتنافسون على الميداليات الذهبية في الرياضة والفن ويصنعون لك الكومبيوتر ويبدعون في انتاج وصناعة الأدوية والأجهزة التكنلوجية ويتسلقون ناصية العلم فيما تبقى أنت تبحث عن السيف والبندقية وتسترخص دمك ودماء أبناءك في سبيل القائد وسبيل العبودية تترقب الأخبار لعلك تحظى بخبر وهمي يشحذ فيك الهمم بأن العدو قد أنهزم ، فقد ورثناها بأننا دائماً لنا عدو وعدونا صار عدو لنا لأنه لا يفكر مثلنا ويختلف عنا في نظرته للحياة فأصدرنا الحكم عليه أنه أبن زنا حتى ولو كان شعباً كاملاً فكلهم أولاد زنا ويجب مقاتلتهم وهزيمتهم وسبي نساءهم وهزيمة العدو تأتي عن طريق زيادة الإيمان لا عن طريق زيادة العلم والمعرفة ، أما السلام بمفهومنا يعني التنازل عن عقائدنا ولم نتعلم يوماً بأن السلام هو الحياة !