الموقف العربي: بين الإسلام الراديكالي والإخواني والتناغم الإيراني – خرائط الانقسام ووهْم الوحدة..!

علاء عبد الطائي

في قلب الانقسامات الإقليمية التي عمّقتها حرب السابع من أكتوبر يقف “الموقف العربي” كمرآة عاكسة لما آلت إليه خرائط الولاءات والخيارات السياسية والتحولات العقائدية بين أنظمة الحكم وحركات الإسلام السياسي والتحالفات العابرة للحدود لم يعد بالإمكان الحديث عن “موقف عربي موحد” في ظل تفكك الجبهات وتضارب المصالح وتعدد المرجعيات بل إن الساحة العربية اليوم تمثل ساحة صراع داخلية لا تقل خطورة عن الصراع مع إسرائيل أو مع القوى الدولية المتدخلة في المنطقة.
تشكل أحداث ما بعد 7 أكتوبر لحظة كاشفة لانقسامات العمق العربي على مستويات ثلاثة:

1. الشق الجيوسياسي المحافظ

ويمثله محور السعودية والإمارات ومصر والأردن حيث تسود رؤى “الاستقرار فوق التغيير” ورفض الثورات وكبح جماح الحركات الإسلامية وهو موقف يتماشى مع مقاربات أمنية واقتصادية تُفضل التسويات على المواجهات وتسعى إلى احتواء الصراع الفلسطيني تحت سقف الواقعية السياسية والتطبيع المرحلي.

2. الشق الإخواني الإسلامي

ويمثله المحور التركي-القطري الداعم لحركات الإسلام السياسي “الناعم” والمتبني لسرديات المظلومية والشرعية الشعبية خصوصًا فيما يتعلق بحماس والمقاومة الفلسطينية غير أن هذا الدعم لا يخلو من براغماتية ناعمة تراعي التوازنات الدولية والمصالح الإقليمية.

3. التناغم العربي-الإيراني الجديد

وقد أفرزته التفاهمات الإقليمية المتزايدة وعلى رأسها التقارب السعودي-الإيراني في محاولة لإعادة رسم حدود النفوذ دون اللجوء إلى المواجهات المفتوحة المفارقة هنا عميقة:
لكن مشهد ما بعد الحرب أفرز مفارقة معقدة.. فإيران التي لا تزال الحليف الأوثق لحماس وحزب الله وتحظى بعلاقات متينة مع فصائل المقاومة السنية والإخوانية “بما في ذلك تركيا وقطر” باتت في موقع “تفاهم حذر” مع كلٍّ من السعودية والإمارات دون أن يرتقي ذلك إلى شراكة أو تحالف هذه العلاقة التي تتأرجح بين التهدئة والاختراق تعكس حجم إعادة التموضع الحذر في الإقليم لا بدافع التقارب القيمي بل تحت ضغط الضرورات الإقليمية وتغير موازين القوى في ظل هذا التشرذم تتراجع فلسطين كقضية مركزية وتتحول إلى ملف يُدار من الأطراف لا من المركز وهو ما كشفته الحرب الأخيرة التي تقاطعت فيها المواقف بين من يدعم المقاومة صراحة ومن يدينها ضمنًا باسم “الحذر من التصعيد” ومن يصمت انتظارًا للغلبة.

١٢يومًا من الصراع بين إيران وإسرائيل: حظة اختبار للمواقف العربية

مثلت المواجهة العسكرية التي استمرت اثني عشر يومًا بين إيران وإسرائيل منعطفًا حساسًا في إعادة كشف الاصطفافات العربية لا من حيث الدعم العلني أو الإدانة بل من حيث الصمت صمتٌ ناطقٌ لا يقل دلالة عن الكلام.
انقسم المشهد إلى ثلاث قراءات عربية متباينة:
من رأى في الرد الإيراني “تحقيقًا معادلة ردع رمزية”
ومن اعتبره “مغامرة محسوبة تُخفي طموحات توسعية”
ومن تعامل معه مجرد “استعراض تكتيكي” لا يعنيه من قريب ولا بعيد.

تميّز هذا الصراع بأنه لم يكن بين دولتين في جبهة مفتوحة بل صراعًا عبر وكلاء تمحور حول ثلاثة أسئلة وجودية:
1. من يملك الحق في الرد باسم فلسطين؟
2. من يحدد معنى “المقاومة”؟ أهي أداة تحرير أم ورقة تفاوض؟
3. وهل باتت فلسطين اليوم مجرد ساحة صراع لآخرين أم ما زالت تمثل عنوانًا للانتماء العربي الأصيل؟
الأهم أن رد الفعل العربي الرسمي لم يكن موحدًا بل كان موزعًا بين حذر استراتيجي ومخاوف من التصعيد ورغبة في تجنب التورط في “حرب ليست حربهم” وهذا يكشف حجم المسافة بين القضية الفلسطينية كرمزية وجدانية وبينها كملف سيادي تُدار حوله المصالح والنفوذ.

نتيجة نهائية:
خريطة بلا مركز
لقد كشفت حرب 7 أكتوبر وما تلاها من صدامات مباشرة وغير مباشرة بين إيران وإسرائيل عن عمق التحولات في الخريطة السياسية العربية فلم تعد فلسطين القضية التي تفرض الاصطفاف بل أصبحت مرآة تعكس تفتت الاصطفافات وتضارب المرجعيات وبين تحالفات تتشكل على أساس المصلحة لا المبادئ ومحاور تنشأ من رحم الضرورة لا من وحدة الهدف نجد أنفسنا أمام مشهد عربي جديد.. مشهد لا تقوده سردية قومية ولا توحده مظلومية مركزية بل تُديره حسابات أمنية متنافرة وهويات متنازعة وأدوار متبدلة أمام هذا التفكك لا يمكن الحديث عن “موقف عربي” بالمعنى التقليدي بل عن “خرائط مواقف” تتغير بحسب الموقع والتهديد والحليف وهو ما يفتح الباب لسؤال وجودي طال تأجيله:
هل لا تزال فلسطين “القضية المركزية” أم أصبحت مجرّد مرآة مشروخة لما آل إليه العالم العربي من انقسام؟