الطقوس الفَرْط عقائدية..!

حسن النحوي

للعام الثالث على التوالي، ينهزم المنبر أمام الرواديد، وتستمر الأنشودة الحسينية المرمّلة بالدماء والكرامة، متفوقةً على المنبر الطقوسي الرتيب، وكأن الدين ( عند الطقوسيين ) هو تعريف الناس بالحسين (ع) وفضائله فقط! يذكرونه كما يُذكر أيّ عابدٍ استُشهِد في محرابه، وينصحون الناس: ابتعدوا عن السياسة والمحاور والصراعات الدولية.
وهل استُشهِد الحسين (ع) في حادثٍ عرضي؟ ألم يظهر ضد طاغية زمانه، وخرج من بلدٍ (الحجاز) إلى بلدٍ (العراق) ليقاتل حاكمًا يقطنُ في بلدٍ آخر (الشام)؟

المنبر الذي يتحدث بسياسة النأي بالنفس، التي كان ينتهجها أنس بن مالك، والذي خلق لنفسه تبريرًا كي لا يكون في حزب عليٍ وشيعته، فقال: “كبرتُ ونسيت”، فقال له علي (ع): “إن كنت كاذبًا فضربك الله بها بيضاء لا تواريها العمامة”، ولم يمت أنس حتى أصابه البرص.

هذا المنبر “الأنَسيّ”، لا شكّ ولا ريب، ستجد الشمر وشبثًا يجلسان تحته ويصلّيان خلف صاحبه.
الحسينية التي لا تُنتج مجاهدين، ليست حسينية، بل بيتًا أبيضَ جديدًا، وتشيّعًا “لندنيًّا”.
لماذا كان الطغاة يمنعوننا من المشي والعزاء في العراق؟ ولماذا هو ممنوع اليوم في بعض الدول المجاورة؟
السبب واضح: لأن عزاء الحسين (ع) يُربّي في مرتاديه مبدأ الرفض، ويُنمي في داخلهم منهج العزّة والكرامة.

الطقوسيات موجودة في كل الأديان، وفي كل البلدان، كالهند والصين، ويوم الأحد في الكنيسة شاهدٌ على الطقوسية المسيحية.
وكلها مقبولة لدى حُكّام تلك البلدان ما دامت مجرد طقوس للفضفضة والترويح عن النفس، وبعيدة عن الرفض والإباء.
الطغاة يدعمون ويرعون (الدين الوديع) المسالم.

لماذا القصائد الثورية لملا باسم، ومرتضى حرب، وجبار الحريشاوي هذا العام ذاع صيتها في البلدان، ولم نرَ خطيبًا لمعَ نجمه؟
من يخلف أحمد الوائلي (رض) يا ترى؟ وهو الذي كان يتعمّد ذكر خلفاء بني العباس دائمًا؟ و”الحرّ تكفيه الإشارة”.

المنبر الحسيني هو منبر ينتمي للحسين (ع)، والحسين صنو القرآن، فلا تجعلوا الحسين (ع) عضين:
﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الحجر: ٩١].
فالحسين: معرفة، وفضائل، ومقامات، وأمرٌ بالمعروف، ونهيٌ عن المنكر، وجهادٌ في سبيل الله.

لابدّ للخطيب الحسيني أن يرفع شعار: هيهات منّا الذلّة، وأن يتغنّى بقول الشاعر:
لمّا سلكنا الدربَ كنّا نعلمُ
أنّ العقيدةَ للمشانقِ سُلَّمُ

هذا الانزواء والتقوقع الخطابي ناتج عن عدم ملامسة هوية الناس وهواجسهم.
الناس سئمت الأسلوب المستهلَك للدين الطقوسي، وهم يرون الواقع خلاف ذلك.

قيادة منقطعة النظير – كما يسميها الإمام السيستاني – تُستشهد، ويأنف الخطيب من ذكرها على منبره!
السيد الأقدس نصر الله هو ابن المنبر، لكن المنبر الحسيني، لا المنبر الطقوسي.

من غير المعقول أننا في زمنٍ تُطلق فيه الشيعة صواريخ بالستية، والمنبر لا يستثمر ذلك في تجذير العقيدة وتكريس الحقّ.

نطالب بعودة (المنبر الحسيني) المسلوب، ومقاطعة (المنبر الطقوسي).

نحن شيعة ولسنا هندوسًا.

كانت منابرُنا فَرْط عقائدية،
وهي من أنجبت الشباب الذين أطلقوا الصواريخ الفَرْط صوتية.

عظّم الله أجورنا وأجوركم.