الجوع كافر.. والظلم كافر..!

رياض الفرطوسي

رحل زياد الرحباني، وسقطت ورقة أخيرة من شجرة الغضب النبيل. لم يكن فناناً فقط، بل كان حالة، جبهة داخل لحن، واحتجاجاً موسيقياً دائماً ضد الفقر، والطائفية، والسخف السياسي، والابتذال العاطفي.

كان زياد صرخة بوجه العبث، يضحك كمن يريد أن يكسر اللامبالاة، ويُلحّن الألم وكأنّه يريد أن يُربّيه، لا أن يسكته. كان يقول: “والجوع كافر”، لا كعبارة شاعرية، بل كحقيقة عاشها، وغنّاها، وواجه بها نظاماً ومجتمعاً وناساً يطبعون مع القهر كما يُطبعون مع الراتب آخر الشهر.

كان يؤمن أن اللحن يمكن أن يهزّ عرشاً، وأن النكتة يمكن أن تفضح مدينة، وأن فيروز ليست فقط صوتاً سماوياً ، بل منصة يُقاتل من خلالها الفقر بالحب، والخذلان بالأمل.

زياد كان الملحن الذي يعرف أن الأذن ليست محايدة، وأن الجمهور الذي يصفق في الصالة قد يكون هو نفسه الذي يصفع في الشارع، ولهذا كان يكتب كمن يتطهر، يلحن كمن يشتم، ويضحك كمن يبكي.

من “بالنسبة لبكرا شو؟”، إلى “أنا مش كافر”، إلى لحن لم يُكتب بعد، ظل زياد يترك فتات وعيه على مسارح الخيبة، ويصنع من فوضى العالم أناشيد خالدة، لا تُغنّى فقط بل تُفكّر، تُجادل، وتُربّي.

اليوم، لم يمت رجل، بل غابت طريقة في فهم العالم.

طريقة تصرخ من قلب البيانو، وتضحك بصوت الطبل، وتبكي من بين ضحكتين. زياد، الذي قال: “أنا مش كافر… بس الجوع كافر”، لم يكن يلتمس العذر، بل يفضح المجرم، ولم يكن يطلب رحمة، بل يحاكم واقعاً متخماً بالقسوة.

رحل زياد، لكن صوت احتجاجه سيظل يدندن فينا، كلما جاع العدل، وكلما اشتد الظلم على الفقراء .