اسم الكاتب : نعوم ريدان
تشكل الجهود المبذولة لتوسيع أسطول ناقلات النفط العراقية موضع ترحيب، ولكن يجب على المسؤولين أيضاً تشغيل الكوادر المناسبة، وتفكيك البيئة التنظيمية، وإجراء عملية إعادة هيكلة كبرى، وتوضيح الأسئلة حول المشاريع المشتركة القائمة.
يُعدّ الشحن أحد القطاعات العديدة التي لا يزال العراق يحاول اللحاق بها بعد عقود من الصراع. وتحقيقاً لهذه الغاية، أضافت “شركة ناقلات النفط العراقية” مؤخراً ناقلة منتجات نفطية جديدة إلى أسطولها الصغير. وتعمل سفنها في الغالب داخل المياه العراقية، حيث تنقل زيت الوقود الثقيل من ميناءين في جنوب البلاد.
فقد وصلت سفينة “سومر” إلى العراق في شهر أيلول/سبتمبر، وهي سفينة متوسطة المدى تبلغ حمولتها الساكنة 31 ألف طن، بنيت في الصين، ومن المقرر أيضاً أن تستلم “شركة ناقلات النفط العراقية” سفينة ثانية مماثلة تحمل اسم “أكد”، التي بنتها شركة بناء السفن نفسها والتي أبحرت باتجاه البصرة في 1 كانون الأول/ديسمبر. وقد صوّرت الشركة العراقية السفن الجديدة كجزء من جهودها لإعادة بناء أسطول كان يتألف في السابق من أكثر من 20 ناقلة. ولكن لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام طموحاتها.
ناقلات جديدة لنقل زيت الوقود
يضم أسطول “شركة ناقلات النفط العراقية” منذ سنوات عدداً قليلاً فقط من السفن الصغيرة، تتراوح حمولتها بين 13000 طن ساكن و31000 طن ساكن. ولتغيير الأمور، وقّعت الشركة الخاضعة لإدارة الدولة في عام 2020 عقداً مع شركة “باتسيرفس ماندل” النرويجية لبناء سفينتي “سومر” و”أكد”. ووصف المسؤولون العراقيون هذا الإجراء بأنه خطوة نحو إحياء الدور الذي لعبته الشركة سابقاً، خاصة قبل غزو العراق للكويت في عام 1990.
واليوم، يقتصر دور “شركة ناقلات النفط العراقية” على نقل زيت الوقود الثقيل من موانئ خور الزبير وأم قصر إلى الناقلات التي تعمل كمخزن عائم قبالة الساحل الجنوبي للعراق. وتعتبر هذه العمليات ضرورية لأن ناقلات النفط الكبيرة والعميقة لا تستطيع الوصول إلى قناة المياه الضيقة والضحلة التي تربط الميناءين بمنطقة الخليج. وتقوم كيانات حكومية أخرى أيضاً بتشغيل ناقلات النفط المستأجرة لنفس الغرض. على سبيل المثال، طرحت “الهيئة العامة لتسويق النفط” (“سومو”) عطاءات لسفن نقل زيت الوقود.
ويُعد زيت الوقود العراقي مرغوباً فيه بشكل رئيسي من قبل المصافي الصينية حيث يمكن معالجته في مصافي معقدة لإنتاج منتجات ذات قيمة أعلى، مثل البنزين. ويباع المُنتج البترولي في آسيا والولايات المتحدة من بين وجهات أخرى. ويتم تصديره أيضاً عبر المركز التجاري الإماراتي في الفجيرة.
وقد بدأ تشغيل سفينة “سومر” فور وصولها إلى العراق في أيلول/سبتمبر بنقلها زيت الوقود من خور الزبير إلى “أربيل” المجاورة، وهي “ناقلة نفط خام عملاقة”، وفقاً لبيانات من “شركة كبلر”. ويتم تشغيل “أربيل” حالياً من قبل “الشركة العراقية لخدمات النقل والتجارة النفطية” (“أيسوت”)، وهي مشروع مشترك تم تشكيله في عام 2017 بين “شركة ناقلات النفط العراقية” و”الشركة العربية البحرية لنقل البترول”.
تاريخ “شركة ناقلات النفط العراقية”
وقال رئيس “شركة ناقلات النفط العراقية” علي قيس في مقابلة مع وسائل الإعلام المحلية العام الماضي: “خطتنا المهمة هي توسيع أسطول “شركة ناقلات النفط العراقية” وإرجاع هذه الشركة العملاقة إلى ما كانت عليه لتكون في مصاف نظيراتها في دول المنطقة”.
ومن المرجح أن قيس كان يشير إلى أوائل السبعينيات، عندما تم تأميم نقل النفط في العراق إلى جانب إنتاج النفط الخام وصادراته. وقبل عام 1972، كانت “شركة نفط العراق” -وهو تحالف كان يضم شركات “بريتيش بتروليوم” و”إكسون” و”موبيل” من بين شركات رئيسية أخرى- تمارس السيطرة الكاملة على إنتاج النفط.
وكانت “الرميلة” أول ناقلة نفط عراقية تحمل النفط الخام “المنتج محلياً” وقد انطلقت في رحلتها الأولى في نيسان/أبريل 1972. ووفقاً لوزارة الإعلام العراقية آنذاك، تم إنشاء “شركة ناقلات النفط العراقية” كشركة تابعة لـ”شركة النفط الوطنية العراقية” بعد فترة ليست طويلة من انطلاق سفينة “الرميلة”. وبحلول عام 1977، أفادت التقارير أن الشركة كانت تخطط لاقتناء ناقلات نفط خام كبيرة الحجم بسعة 350 ألف طن حيث طُلبت ثماني ناقلات من هذا النوع من اليابان والسويد. وبعد عقد من الزمن، كانت “شركة ناقلات النفط العراقية” تُشغّل أكثر من 20 ناقلة.
إلا أن الحروب المتعددة التي شهدها العراق منذ تلك الفترة دمرت أسطول الشركة. وكان الغزو العراقي للكويت، عندما استُخدمت بعض السفن في الأنشطة العسكرية، مدمراً بشكل خاص. فخلال حرب الخليج، أُفأدت بعض التقارير أن سفينة واحدة على الأقل من سفن “شركة ناقلات النفط العراقية” كانت “مجهّزة بمدافع مضادة للطائرات وتم إرسالها إلى الخليج كسفينة دعم لأربع سفن عراقية أصغر حجماً، أُغرق ثلاث منها”. وبعد انتهاء النزاع، أفادت بعض التقارير أنه تم التخلي عن بعض السفن العراقية في موانئ حول العالم أو تم بيعها للخردة.
هل يمكن إحياء “شركة ناقلات النفط العراقية”؟
تأمل “شركة ناقلات النفط العراقية” في إعادة بناء أسطولها منذ عام 2004 على الأقل، وحاولت الشركة أولاً تنفيذ مشروع مشترك مع شركة “البحرية التجارية الماليزية” (MMM) بهدف اقتناء سفن صغيرة وكبيرة أيضاً، بما في ذلك سفن بحجم “سويس ماكس” و”ناقلات النفط الخام العملاقة”، إلا أن جهودها لم تثمر عن أي نتيجة، ويرجع ذلك في الغالب إلى الظروف غير المستقرة بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003.
ومع ذلك، لم يمنع الوضع السياسي غير المستقر “شركة ناقلات النفط العراقية” من اقتناء ناقلات صغيرة للمنتجات النفطية بين عامي 2007 و2009 والتي لا تزال تنقل زيت الوقود. وتشمل هذه السفن سفينة “دجلة”، وهي أول سفينة جديدة تحصل عليها الشركة منذ أكثر من 20 عاماً عندما تم تسليمها في عام 2007.
وطوال تلك الفترة، كانت هناك تقارير مختلفة عن رغبة “شركة ناقلات النفط العراقية” في إنعاش أسطولها بينما كان العراق يخطط لتعزيز إنتاج النفط الخام. ولكن بدلاً من أن تقتني الشركة سفنها الخاصة لحمولاتها، بدأت بالبحث عن سفن في أسواق تأجير السفن. وفي ذلك الوقت، كانت تبحث أيضاً عن الخبرة الفنية الغربية.
وبحلول عام 2017، عندما تجاوز إنتاج النفط الخام 4 ملايين برميل يومياً، كان المسؤولون العراقيون لا يزالون يتحدثون عن بناء أسطول من سفن أكبر حجماً يمكنها الوصول إلى الأسواق العالمية. ولكن لا يزال أسطول “شركة ناقلات النفط العراقية” يتكون من سفن صغيرة تنقل زيت الوقود بشكل أساسي. ومع ذلك، تمكن العراق من استئجار “ناقلات نفط عملاقة” من خلال تنفيذ مشاريع مشتركة مثل مشروعه مع “الشركة العراقية لخدمات النقل والتجارة النفطية”. على سبيل المثال، في عام 2018 شحنت “شركة ناقلات النفط العراقية” مليوني برميل من النفط الخام إلى الولايات المتحدة على متن ناقلة نفط عملاقة تتولى إدارتها ويملكها مالك سفن يوناني وعلى متن سفينة عارية مستأجرة من “أيسوت”.
ووسط الغموض الذي يكتنف التعاون القائم بين “شركة ناقلات النفط العراقية” وشركة “باتسرفيس” للحصول على سفينتي “سومر” و”أكد”، يتكهن بعض الخبراء في القطاع أن السفينتين مرهونتان بعقد استئجار سفن عارية، أي أن العراق لا يملكهما بعد.
وفي هذا الصدد، قالت ميشيل ويز بوكمان، محللة الشحن وسلع الطاقة في صحيفة “لويدز ليست”، لموقع “أمواج ميديا” إن “عقد استئجار سفينة عارية وإعادة تأجيرها للعراقيين هو الترتيب التجاري الأكثر ترجيحاً الذي يمكن التوصل إليه من المعلومات المتاحة”. وتُعد حالياً شركة “بات سيرفس هولدينغ إيه إس” المالك المستفيد من سفينة “سومر”، وفقاً للبيانات الواردة من خدمة “لويدز ليست إنتليجنس”.
التحديات المستمرة
بينما تطمح “شركة ناقلات النفط العراقية” إلى استعادة أمجادها الماضية، فلا يمكنها أن تتجاهل التحديات التي تواجهها. فقطاع الشحن، على غرار القطاعات الأخرى في العراق، ما زال بحاجة إلى إعادة هيكلة كبيرة للتنافس مع الأساطيل في دول المنطقة. على سبيل المثال، تشغّل شركة “البحري” – “الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري” – 39 “ناقلة نفط خام عملاقة” بالإضافة إلى 36 ناقلة للمواد والمنتجات الكيماوية بالإضافة إلى أنواع أخرى من السفن.
وأكد المدير العام لـ”شركة ناقلات النفط العراقية” أن العقبات الرئيسية التي تواجهها الشركة هي عقبات بيروقراطية تتمثل “بالقوانين والأنظمة العامة” التي تؤثر على العمليات وجهود التوسع. وأشار قيس أيضاً إلى مشاكل تتعلق بالحصول على الموافقات الحكومية لتوظيف الخريجين العراقيين، مع العلم أن الشركة تعاني من نقص في الكفاءات البحرية. وقال: “منذ تأسيس الشركة كان مخطط لها أن تضم 85 في المائة من الكوادر البحرية و15 في المائة من الكوادر الإدارية. ولكن الآن أصبحت تضم 85 في المائة من الكوادر الإدارية و15 في المائة من الكوادر البحرية”.
ولا يحتاج العراق إلى الاستثمار في أسطول ناقلاته فحسب، بل في موارده البشرية أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على “شركة ناقلات النفط العراقية” على وجه التحديد أن توضّح تطور عملياتها ومشاريعها المشتركة القائمة بينما تحاول البلاد إعادة بناء نفسها بعد عقود من الحروب المدمرة.