نوفمبر 22, 2024

اسم الكاتب : مصطفى ملا هذال

حين بزغت للوجود ما تسمى بمواقع التواصل الاجتماعي قبل عقدين من الزمن، كانت الوظيفة الأساسية هي تعزيز التواصل بين الافراد وديمومة العلاقات الإنسانية بين مشارق الأرض ومغاربها، لكنها ومع مرور الزمن تحولت الى ما يمكن ان نطلق عليه مواقع التواصل الاقتصادي.

مواقع التواصل الاجتماعي وكغيرها من الاكتشافات والظواهر الأخرى نمت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، وجرت عليها العديد من التطورات، من بينها تغير أسماء البعض منها واندماج بعضها الآخر مع أخرى، وخرجت عن مضمونها الاجتماعي الى الفضاء الاقتصادي، وتضخمت خلال عقدين، لتصبح شركة “ميتا” التي تملك فيسبوك قيمتها أكثر من تريليون دولار.

شركة “ميتا” وبعد التحول الى عالم الاقتصاد والأموال، أصبحت تجبر مستخدمين الفيس بوك والانستغرام، على مشاهدة عشرات الفيديوهات الترويجية والإعلانية عن سلع وخدمات، وكأنها انسلخت عن وظيفتها الاجتماعية التي تقدمت على غيرها من الوظائف المعروفة لمواقع الشبكات الاجتماعية.

ففي البداية كان الأمر مزيجا بين تواصل المعارف والأصدقاء عن بعد عبر الانترنت والاطلاع على الأخبار والمعلومات بطريقة سهلة وسريعة، هذا إلى جانب تبادل الآراء والأفكار، أما اليوم فأصبح الامر مختلف تماما فحين البدء بتصفح هذا الموقع او ذاك تجد أمامك كميات هائلة من الفيديوهات القصيرة ومنشورات الترويج التجاري.

اشترك مع المواقع التابعة لشركة “ميتا” التطبيق الصيني “تيك توك” حيث اتخذ من الوجهة الاقتصادية باعتمادها على مقاطع الفيديو القصيرة وتركيزها على الترويج لتحقيق الأرباح، وهو ما شجع الفيس بوك بإضافة خصائص جديدة تنافسه في هذا التوجه.

الكم الهائل من الإعلانات الترويجية عن السلع والخدمات يكفي بان يغير قناعة الجمهور المستخدم بعدم اجتماعية هذه المواقع، فلا تكاد تمر ساعة تصفح على الشبكات الاجتماعية دون التعرض الى إعلان تجاري او اثنين تحددها خوارزميات الموقع استنادا إلى ما يوصف بأنه “سلوك التصفح” للمستخدم.

تعمل هذه الخوارزميات على تقريب او تكرار المقاطع امام المستخدم، وبهذه الحالة أصبح هنالك تغيير حقيقي في الهدف الأساس الذي وجدت او انبثقت من اجله مواقع التواصل الاجتماعي وهو وتواصل المشتركون مع معارفهم في قائمة أصدقائهم أو يطلعوا على الأخبار والمعلومات والآراء من المصادر الموثوقة التي يتابعون صفحاتها على هذا الموقع أو ذاك.

هناك ثمة تحول مضطرد للمستخدمين من مواقع مثل فيسبوك وإكس (تويتر سابقا) إلى مجموعات تواصل على منصات مثل واتساب وتليغرام، فتلك المجموعات التي يشارك فيها المستخدم ليس بها خوارزميات تفرض عليه مطالعة ما لا يريد، إنما هي مشاركة للأخبار والمعلومات والآراء من قبل أعضاء المجموعة فحسب، كما أن الرسائل على المنصتين مشفرة أيضا.

الهروب نحو منصات واتساب وتليغرام لا يعني ذلك أن مواقع التواصل في وضع تراجع أو تدهور، لكنها شهدت تحولا أبعدها تماما عما كانت عليه في بدايتها وما كنا نسمعه ونقرأه عن أنها “ثورة الحرية” الجديدة وسبيل التطور الاقتصادي الذي تقوده التكنولوجيا.

وأصبحت الشركات المالكة لتلك المواقع تركز تطويرها التكنولوجي على الخوارزميات أكثر من مراقبة المحتوى وتدقيقه، وهدف التطوير هو تجاري بحت فمجرد مرورك على فيديو ترويجي حتى دون مشاهدته تحسب مشاهدة وبالتالي ينتشر الفيديو أكثر باعتباره أكثر متابعة حسب الخوارزميات التي باتت تعتمد على الذكاء الاصطناعي بذكائه التجاري المحض.

مواقع التواصل الاجتماعي يتابعها حتى الآن أكثر من ثلاثة مليارات شخص حول العالم، وهو ما رغّب أصحاب الشركات الربحية الى اعتبارها مصيدة اقتصادية ومنطقة للتبادل التجاري لا يمكن الاستغناء عنها، كونها عمود أساسي من أعمدة تنشيط الحركة الاقتصادية في عموم الاصقاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *