نوفمبر 10, 2024

دخلت الدول العربية الألفية الجديدة على إيقاع هادئ، وشهدت نمواً اقتصادياً واعداً في السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية، فما الذي حدث بعد ذلك؟ والسؤال الأكثر أهمية لماذا حدث ذلك؟

أتت البداية من غزو العراق عام 2003، ليدمر ما تبقى من العراق، الذي بقي لسنوات تحت الحصار الدولي، وأصبحت تكلفة إدارة الفوضى في العراق بنداً جديداً على التكلفة الأمنية في البلدان المجاورة، فالعراق أخذ يشكل أفغانستان جديدة، بمعنى أن البلد الذي لم يكن حاضناً للحركات المتطرفة أصبح قبلتها الواضحة، ومع وجودها امتلكت إيران الفرصة للتقدم في المنطقة استراتيجياً، ولم تقتصر الأمور على الفضاء اللوجيستي، الذي وفرته الفوضى في العراق لتتخطى ذلك تجاه وجود المبررات لسياسة تدخلية واستباقية في المنطقة العربية.

واصلت الدول العربية، على الرغم من الصراعات العرضية مثل، حرب تموز/يوليو 2006، تحقيق أداء اقتصادي جيد، فالسودان الذي كان يعاني من الأزمات في الجنوب ودارفور، حقق نمواً اقتصادياً يتجاوز 5% لمدة سبع سنوات متتالية، وبدأ الحديث عن الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد، وكلاهما من المصطلحات التي حظيت باهتمام كبير من النخب العربية، يفوق بكثير المقاربات والحوارات التي طرحت في الغرب حولهما، حتى إنهما من المصطلحات القليلة التي تشهد الأدبيات المكتوبة بالعربية تفوقاً هائلاً وواضحاً على نظيرتها المكتوبة بالإنكليزية. النتيجة الأولوية التي خلصت لها الولايات المتحدة بعد أحداث أيلول/سبتمبر 2001 تمثلت في تقادم الأنظمة العربية بصورة واضحة، ووصولها إلى مرحلة من الشيخوخة، التي تجعلها غير قادرة على استيعاب الحركات الثورية والاحتجاجية الغاضبة التي تنتج التطرف، وعدم قدرتها على تأسيس مشروعات تستوعب الفوائض الكبيرة من الشباب، ولا من تخفيف مستويات الإحباط الداخلي القائمة، وبالتالي، أتى المقترح في تجربة بدائل أخرى. لا يمكن أن نفترض أن الولايات المتحدة استطاعت تحريك الاحتجاجات، من خلال التواصل مع ملايين المحتجين لوضعهم في مؤامرة لإسقاط الأنظمة العربية، ولا أن المئات أو الآلاف الذين تلقوا التدريب في المنظمات المختصة بالتأهيل والتغيير الديمقراطي، تمكنوا من تحقيق ذلك، والواقع أن واشنطن أخذت تظهر مواقف فاترة تجاه حلفائها العرب، فالرئيس مبارك يتوقف عن زيارة الولايات المتحدة لخمس سنوات متواصلة، وعندما يستأنف زياراته يجد نفسه أمام العديد من التساؤلات، وكأنه مطالب بتقديم كشف حول منجزاته في الإصلاح السياسي، ويبدو واقعاً تحت الضغط، فمحاور الحديث عن شخصيات معينة وجزئيات محددة، كانت تظهر الرئيس وكأنه يفقد الورقة الأمريكية بالتدريج، هذه الحالة شجعت عوامل متضافرة للتفاعل مرة واحدة، وظهور بن علي ومبارك من غير غطاء أمريكي، أدى إلى تشجيع الحراكات الغاضبة في دول عربية أخرى.

يمكن القول إن الظروف كانت جيدة، هذا ما نقرأه في الجانب الاقتصادي، وبعض الجوانب الأخرى مثل، التنازلات السياسية التي قدمت للغرب من خلال وجود تغييرات، والحديث عن أجيال جديدة، ومع ذلك لم يكن ذلك كافياً للحيلولة والدخول في الربيع العربي بفصوله المختلفة، فأين كان الخلل المتمدد داخل الدول العربية في تلك المرحلة، ليدفعها للدخول في مرحلة الفوضى. تشكيل النخب العربية نفسها واستغلاقها على المشاركة الشعبية، كان تحدياً رئيسياً يجعل أي خطوات إيجابية تتحقق منفصلة عن المجتمع ككل، وغير ملموسة بالنسبة للمواطنين، بل كان الأداء الاقتصادي الجيد واحتكاره في طبقات معينة داعياً لمزيد من الغضب داخل المجتمعات العربية، فالنمو الاقتصادي كان مدفوعاً باستثمارات عقارية كبيرة، جعلت ظهور المجتمعات المغلقة الكومباوند، ومع أن عمال المياومة والمهن الهامشية استفادوا من هذه الاستثمارات، التي كانت تمنحهم فرص العمل، إلا أنها قدمت لهم دليلاً على ضآلتهم، عندما يجدون إعلانات هذه المجتمعات الجديدة ويشاهدون أبوابها مغلقة أمامهم. لعبة التدوير وإعادة الإنتاج كانت الإشكالية القاتلة في المنظومة العربية، وستظل طويلاً إن لم تلتفت الدول العربية لأهميتها، وستبحث هذه الدول المرة بعد الأخرى عن مبررات للفشل مثل الفوضى الخلاقة، ولذلك يخلق التدوير توتراً من غير أن تصاحبه أي نتيجة فعلية، والأساس أن تفتح أبواب انتخاب طبيعي، لا يستند إلى الأصول الاجتماعية التي تشكلت لنخبة معينة وعملت على احتكارها وتعزيزها من خلال التعليم الخاص والمجتمعات المغلقة في وجودها المادي والنفسي. الظروف المواتية التي سبقت الربيع العربي لم تكن كافية لتعطيله، لأنها كانت تتضمن صبغة إقصائية وتعمق الاستبعاد الاجتماعي، وأثقلت الدول والمجتمعات بمزيد من التوتر والكثير من الأسئلة، التي فشلت الدولة في تقديم أي إجابات منطقية بخصوصها، والحديث عن مؤامرات غربية، أو هندسة سياسية مسألة مريحة، وتمنح الأنظمة مبررات لاتخاذ تدابير خاصة واستثنائية، ولكنه لا يصف الواقع ولا ينتج أي معنى، ويعطل الوقوف على أسباب الاختلال التاريخي القائم، والعطب الذي يصيب أدوات الانتخاب المجتمعي، التي هي أساس في الانتخاب الذي يوظف سياسياً، وما يحدث هو لعبة مكررة تجعل أي شخص يعتلي السلم لسبب أو لآخر، غير مستعد لإبقائه مكانه، ويعمل على منع الآخرين من تسلقه وراءه. كوندليزا رايس وفريق الرئيس بوش لم يكونوا يملكون تصورات كاملة للمنطقة العربية، وكل ما فعلوه هو الحديث بصورة مفتوحة، وتكفلت ويكليكس والفضاءات المفتوحة للمعلومات بالبقية في إظهار مدى هشاشة المنظومة العربية والنخب العاملة على صيانتها واستمرارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *