اسم الكاتب : زينة مكحل / أستاذة في علم النفس ، مهتمة بالكتابة والعمل الإنساني والصحفي ، أؤمن بالتعلم الذاتي
لم يمر يوم علي دون أن أقرأ موضوعاً على الأقل يتحدث عن النجاح و عادات الأشخاص الناجحين, و في كل مرة كنت أقرأ بشغف و أدون الخطوات حتى أحفظها و أنقلها إلى حيز التطبيق العملي في حياتي.. لقد أصبح لدي عشرات القوائم و عشرات المقالات المكدسة في صفحة المحفوظات التي قرأتها أو أريد أن أقرأها و التي تصب في محور واحد و هو السعادة و النجاح.
و في كل مرة كنت أنتهي فيها من قراءة المقال كنت أشعر بمرارة شديدة لأنني كنت أشعر أني بعيدة كل البعد عن هؤلاء الأشخاص ” الناجحين” و حياتهم السعيدة.. هناك دائما قائمة عليك أن تتبعها. أولاً لابد من الاستيقاظ مبكراً -و أنا أدعم هذا الجزء بشدة رغم أنني سيئة باتباعه- ثم تأتي بعدها أمور عديدة تجعلك تشعر بالفشل! أشعر بالفشل لأني لا أقوم بالتأمل و الاسترخاء كل يوم, أشعر بالفشل لأني لم أسافر و لم أحظى برحلات ترفيهية كل شهر, أشعر بالفشل لأني لا ابتسم كل يوم, أشعر بالفشل لأني لم أبدأ حتى الآن مشروعي الخاص الذي أحبه و لم أترك عملي الذي ينغص علي حياتي! و لم أدخر ما يكفي من المال, و لم أقرأ كتاباً كل أسبوع و لم أمارس التمارين الرياضية فور استيقاظي من النوم, و لم أتعلم شيء جديد كل يوم.. الإنترنت جيد حقا في جعلك تشعر وكأنك أبله, يستطيع أي أحد الآن أن ينشئ موقعه الخاص على الفيسبوك أو اليوتيوب و يخبرك بأن كل ما تقوم به طوال سنوات حياتك كان خاطئ و أن عليك إتباع ما يخبرك به هو.
و من ملاحظاتي لهذه المقالات أنها ذات شعبية كبيرة بين الناس لما فيها من تحفيز و دفع نحو حياة أفضل إلا أنها أيضا تحظى بالعديد من الانتقادات لأنها تبيع أوهاماً و تنكر الواقع و تتجاهله. إنها تقوم على رسم حياة سعيدة هنيئة و ناجحة. و هذا لا يمكن أن يحصل كل يوم, السعادة لا تُستحضر بخلطة سحرية سريعة. لا يوجد شمس مشرقة وعصافير تغرد و لا سعادة أبدية و لا حياة كاملة.. بل يوجد منغصات و صعوبات و عوائق و تحديات.
لقد توصلت في النهاية إلى أن معظم و ليس كل “حيل الحياة” هذه ما هي إلا كذبة فقط لا غير.. و لا تؤدي إلا لمزيد من الشعور بالعار و كره للذات. و بعض مروجيها هم كتاب صغار يسعون لتحقيق الشهرة عبر كتابة هذه الأشياء التي تستهوي النفس البشرية للترويج لكتبهم التجارية التي تجدها في ذيل كل مقال من هذه المقالات التي لا تسمن و لا تغني من جوع
ليس الجميع بحاجة لها, ليس الجميع قادر على القيام بهذه الأشياء , لسنا جميعاً مؤهلين للسفر كل ما سنحت لنا الفرصة و ضاقت بنا الحياة! لسنا بحاجة إلى قوائمهم لنكون سعداء.. فأحياناً نقوم بالنميمة و نشرب الكولا و نحب الفيسبوك أكثر من الكتب, و أحياناً أخرى نفكر بسلبية و نشعر بالحزن! تصور هذا! نعم نحزن لسبب أو بدون سبب , لأننا في النهاية بشر و ليس هناك شخص سعيد كل يوم 24 ساعة في اليوم. لدينا طموحات و أحلام نريد تحقيقها رغم العوائق و دخلنا المحدود. و لكننا لسنا فاشلين إذا لم نطبق ما يريدوننا أن نطبقه..
بإمكانك أن تستيقظ مبكراً؟ إذا حسناً إفعل ذلك! قم بأشياء تحبها قبل مغادرة المنزل, ساعد الآخرين, قم بأشياء صغيرة تجعلك تشعر بالرضا عن نفسك. إنها أشياء لن يخبروك بها في كتب السعادة الزائفة. أما لأصحاب النصيحة و النجاح فأقول.. شكراً لكم على محاولتكم نقل خبراتكم لنا و لكن حباً في الله تمهلوا, أعرف أنكم ناجحين و أعرف أنكم أشخاص رائعين وأنكم الآن قد شربتم ما يكفي من الماء و تناولتم فطوركم الغني بالبروتينات و الفيتامينات و انتهيتم من ممارسة الرياضة و الاسترخاء و أخذتم الدوش الساخن أو البارد..لا يهم. و لكن طريقة حشوكم لأسلوب الحياة هذا في حلوقنا مزعج و منفر.
و لكني سأخبركم سراً! هو أنني لن أتوقف عن قراءة ما تكتبونه لأنه في النهاية قد يحمل شيء من الإيجابية و لو كانت خيالية فجميعنا بحاجة لها في النهاية حتى نبتعد و لو قليلاً عن ضغوط الحياة و مشاكلها و لكن لا تتوقعوا مني أن أنفذ أوامركم بحذافيرها, لن أعتبر نفسي شخصاً فاشلاً بعد الآن لأني أدركت أن لكل منا دوره الذي خلقه الله له في هذه الدنيا وكل شخص يمر في حياتنا لديه شيء ما نستطيع أن نتعلمه منه. و أتمنى فعلاً أن تكونوا أنتم أنفسكم ممن تبيعون السعادة للناس في بضع كلمات مكتوبة تنفذون خططكم هذه التي قد تحول الشخص إلى صاحب أفضل وظيفة و مركز اجتماعي بدون أي حياة اجتماعية تشبه إلى حد كبير حياة الزاهد بوذا. فمن السهل جداً أن تقول نصيحة لأحد ما من أن تطبقها أنت على نفسك.