نوفمبر 21, 2024
syria111-sm

اسم الكاتب : حميد قاسم

هل هبط علينا فجأة من الفضاء الخارجي؟

اتفق معكم في ان كثيرا من الجرائم التي تبث الان عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقرفة وبشعة في وحشيتها إلى حد الاشمئزاز، وان مجتمعاتنا لم تشهد مثل بشاعتها و وحشيتها، وان مرتكبيها ليسوا عراقيين عادة.. لكن هذا ليس صحيحا كله بل هو نصف الحقيقة ان لم يكن الجزء الطافي من جبل الجليد.. ويكفي ان اعود بكم الى تاريخ من القتل والوحشية والتعذيب الهمجي في العراق والبلاد العربية، و ” موسوعة العذاب” لعبود الشالجي تحفل بأصناف مقززة من العنف الهمجي الذي يسم التاريخ العربي الاسلامي، في مختلف مراحله ومنها تاريخنا الحديث، وهو عنف اقترن عادة بالسلطة، وله تفسيرات تتعلق بالوعي الجمعي ونشأة الافراد معا بطبيعة الحال .. وخذوا ما حدث صبيحة 14 تموز في قتل النساء والاطفال والمليك الشاب و” تقصيب” عبد الإله ونوري السعيد وسحلهما في الشوارع بهستيريا جماعية غاب فيها الوعي والعقل والروادع الاخلاقية، واذهبوا الى احداث الموصل ثم كركوك العام 1959 ثم الاشهر المخيفة من 8 شباط 1963 حتى 18 تشرين ثان من العام نفسه.. يروي بعثيون بتباهٍ وفخر ان خالد طبرة ونعمة فارس المحياوي ومحسن الشيخ راضي وحازم جواد وطالب شبيب كانوا يشربون الخمر فيما كان حسين أحمد الرضي – سلام عادل- ملقى في حفرة التعذيب بقصر النهاية.. المشهد مفزع .. رجل اعزل مختلف معهم سياسيا وفكريا بشان الوطن .. كلهم كانوا شبابا .. يشربون الخمرة ويقطعون جسده.. يديه ورجليه ويسملون عينيه وبشاعات اخرى..

على طول البلاد وعرضها كانت جرائم الاغتصاب الجماعي للفتيات وتقطيع الاجساد والقتل وحفلات الاعدام الجماعي تتم بدون ان يرف رمش واحد، لشخص من هؤلاء الشباب الجامعيين الذين يقودون ” عروس الثورات”.!!

هيجان جماعي.. ويكفي ان يكره واحد من الحرس القومي شخصا لأي سبب او ضغينة لتكون عائلة الأخير ضحية هذه الكراهية او الحسد العنيف، حتى امتلأت خارطة البلاد بالدم الحار.. بل ان فحوصات لاحقة اثبتت ان رجالا ونساء بالمئات دفنوا احياء في حفر عميقة لتنهال فوق اجسادهم كيلات التراب من شفلات الرفاق..

حين تتوفر لأشخاص يعانون خللا في تركيبتهم النفسية او منظومتهم الاخلاقية، ايما حاضنة تسوغ لهم هذا العنف بدعوى “الثورة” او “الجهاد” فمن الطبيعي ان ينطلق العنف من عقاله كأي غريزة حيوانية مزمجرة .

قد يؤسس البعض من ذوي النزعات الاجرامية او العنفية عصابات للسلب والنهب والقتل، أو ميليشيات -خارج اطار السلطة والحكومة- لكن هؤلاء حين يجدون الغطاء الذرائعي في منظمات تدعي انها تعمل لإعلاء كلمة الله او ازالة القهر الاجتماعي او الطبقي او القومي او الديني او المذهبي ..الى آخره.. اقول حين يجد هؤلاء الغطاء المذكور سيكون الخطر واضحا، مرعبا، يفزعنا ساعتها ونتساءل.. من أين جاء هذا التوحش كله…؟ هؤلاء سيجدون في منظمة تستقطبهم ألفة الجريمة التي توفر لهم شعورا بـ (سويّة) القتل ..(البعث أو داعش أو سواهما) فهم يقتلون ويذبحون ويشربون ويغنون مبتسمين ” وطنٌ تشيده الجماجمُ والدمُ” أو “يا عاصب الراس وينك”.. بجذل ..لكن هل هؤلاء كلهم مغاربة وفلسطينيون وعمانيون وكويتيون وتوانسة ومصريون وشيشانيون وماليزيون واندنيسيون ونيجيريون..؟

لا طبعا… هؤلاء ما يظهر لنا من قمة جبل الجليد الطافي ..هؤلاء عراقيون مثلنا.. اعني عاشوا ويعيشون على الارض نفسها وكنا نقابلهم في الشوارع والمحلات واقبية الامن العامة والمخابرات وخلف زجاج السيارات الاسود .. هؤلاء نسل متصل من تاريخ العنف .. من حفر التعذيب والمطامير وحرق المعارضين في جيفة حمار وتذويب الخصم في احواض التيزاب – حامض النتريك – او تقطيعه حيا في المثرمة العملاقة على حافة نهر دجلة أو طمرهم بشفلات الدفن الجماعي لانتفاضة ” الغدر والخيانة” كما يسميها القتلة..

ما قلته قد يغضب البعض لذا اتمنى ان تتم قراءته بهدوء، وعمق..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *