اسم الكاتب : رياض سعد
ادخل مجرمو الفئة الهجينة ولاسيما البعثيون والصداميون منهم ؛ العراق في دوامة رهيبة من الظلم ، والانتقام والعذاب , و سلسلة جهنمية من الشر والبؤس متصلة مفرغة لا فكاك منها… ؛ اذ لم يكتف المجرمون البعثيون والجلادون الصداميون بقتل العراقيين وتعذيبهم بل راحوا يخترعون طرق للموت وللعذاب في غاية البشاعة والاجرام والارهاب ؛ ومنها طريقة القتل والتعذيب بالتيزاب – او ما يسمى بماء النار, او الماء الحمضي الحار او الحارق , او حمض الاسيد , او ماء الفضة – … ؛ وهو مادة حامضية حارقة على شكل سائل كيمياوي ويسمى – علميا – حمض النيتريك وصيغته الكيميائية HNO3 .
وهو حمض غير عضوي قوي , شديد التاكلية , ويعتبر مادة سامة , غير مشتعلة , مادة شديدة التأثر بالماء , له القدرة على احداث حروق مؤلمة خطيرة , سائل (شفاف) عديم اللون , ذو رائحة خانقة , يتحول الى اللون الاصفر اذا تم حفظه في قوارير غير محكمة الاغلاق , وذلك بسبب غاز ثاني أكسيد النيتروجين الناتج من تحلل الحمض , المادة غير مشتعلة ولا تشتعل ولكن تتحلل بالحرارة وينتج عنها ابخرة اكلة وسامة .
وعن انواع الحروق الكيماوية للأحماض ؛ بين المختصون : ثلاثة انواع اولية للحروق , وهي الاولى والثانية والثالثة , في حين ان الدرجة الرابعة تشمل جميع اعراض الدرجة الثالثة , ويمتد الحرق الى الاوتار والعظام , ويمكن ان تؤثر الحروق الكيماوية في الجسم من الداخل , حتى في حالة وجود تلف بسيط في الجلد , والحرق بالحمض يحتاج الى رعاية طبية فورية او بشكل سريع , بسبب تجنب المضاعفات التي قد تؤدي الى الوفاة .
والحرق بالأحماض يؤدي الى تلف الجلد , وتتلون مناطق الاصابة ؛ بألوان تختلف تبعا لطبيعة المادة الكيماوية , فتكون بلون اسمر ضارب الى السواد بعد التعرض لحمض الكبريت , وبلون مائل الى الصفرة عند التعرض لحامض الازوت , وبلون مائل الى الحمرة بعد التعرض لحمض الهايدركلور , وبلون مسمر ضارب الى الحمرة بعد التعرض للقلويات … ؛ فكل هذه الحوامض الكيماوية تسبب حروق .
وعند اصابة الجلد بمادة الاسيد المركزة , فإنها تعمل على حرق الجلد والخلايا , اذ تقوم هذه المادة الكيماوية بسحب الماء من الخلايا , علما ان الجرعة القاتلة من مادة حمض الاسيد تبلغ من 4-5 سنتمتر مكعب , وبعد سريان الحمض في الجسم , تظهر اثار حروق وتشوهات تصيب الجلد الخارجي ؛ ومع زيادة تركيز الحمض وطول المدة الاصابة التي تعرض لها الجسم , تنتج عن الجرعة صدمة عصبية حادة ودموية بسبب الالام الداخلية .
وقد تؤدي الاصابة بهذه المادة الى الوفاة اذا تعرض 50% من الجسم للإصابة , او عند ابتلاع السائل … ؛ و غالبًا ما تستخدم الاجهزة القمعية البعثية والصدامية أحماض الكبريتيك أو النتريك أو الهيدروكلوريك وهو الأقل ضررًا … ؛ و تسبب هذه المواد الحامضة حروقًا بالغة بالجلد وتشوهات دائمة بالوجه والجسم يصعب علاجها , وقد تصل إلى العظام وتذيبها وقد تؤدي إلى العمى والوفاة ، بالإضافة إلى العواقب بعيدة المدى لهذه الإصابات ومنها الصعوبات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية .
ان ارتكاب هذه الجرائم البشعة بحق العراقيين الاصلاء والمواطنين الابرياء والشعب الاعزل , وممارسة وسائل وطرق التعذيب الوحشية بشكل يومي وممنهج ؛ ليس غريباً من حثالاتٍ حزب البعث السافل وفضلات الطائفية وزبانية صدام الهجين والذي ساقه القدر على حين غفلة من العراقيين الاصلاء ؛ فقد اعتاد هؤلاء الانذال على اقامة حفلات التعذيب والموت على امتداد العراق وعلى مساحة الزمن الأسود الذي حكموا فيه العراق ، وكان المجرمون الطائفيون والجلادون الصداميون يشعرون بالنشوة والسعادة عندما يقومون برش محلول ( التيزاب ) على وجوه الشباب الجميلة وعلى اجساد الفتيات العراقيات الغضة … ؛ ومنذ البدء صدرت الاوامر من لقيط العوجة الهجين صدام بإجراء تجارب الأسلحة والمواد الكيماوية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل ومواد التعذيب والموت على المعتقلين السياسيين والسجناء العراقيين ، فقد استخدموا سموم قاتلة كمادة الثاليوم و التي تعرف بالسم العراقي وأنشأوا أحواض التيزاب ، كـ /حامض الكبريتيك/ و/حامض النتريك/ , كوسيلة من وسائل النظام الاجرامي الهجين لتصفية وتعذيب معارضيه السياسيين وخصومه العراقيين .
يمارس زبانية البعث وصدام عملية رش الحمض على الضحية بهدف تشويهها بشكل دائم أو تعذيبها أو قتلها ؛ وذلك للانتقام من الضحية واذلالها , وايقاع اشد حالات الالم والوجع بحق العراقيين , وتصنف حالات الاعتداء برش الحمض ( التيزاب ) في دول العالم ؛ على انها تعبير صارخ عن اسوء مشاعر الانتقام والحقد الدفين … ؛ وعندما تراجع الدول التي يستخدم فيها الحمض للانتقام من الاخرين ؛ تجد ان العراق لا يعد من تلك الدول التي تنتشر فيها هذه الظاهرة الاجرامية , وهذا الامر ان دل على شيء فإنما يدل على عظمة السجايا الاخلاقية العراقية وطيبة الاغلبية والامة العراقية وشرف الخصومة , وفي الوقت نفسه نعرف ان الذين قاموا بهذه الجرائم هم من ابناء الفئة الهجينة ذات الاصول الاجنبية والغريبة او من المنكوسين العملاء والمجرمين اللقطاء … ؛ ونظرا لبشاعة جريمة رش الحمض على الضحية ؛ قررت حكومة بنغلاديش عام 2002 , ان تعاقب الجاني بعقوبة الاعدام … الخ .
واستخدم هذا السائل الكيماوي الرهيب من قبل نظام البعث الارهابي ؛ كطريقة من طرق الاعدام المحببة لصدام ولزبانيته الطائفيين وكلابه البعثيين وعبيده المنكوسين … ؛ فقد كشفت وثائق رسمية تؤكد هذا الاستخدام وبقرارات ومراسيم حكومية ، والوثيقة المرقمة 117/11 في 30/8/1982 الخاصة بإعدام عائلة آل طعمة بالتيزاب المركز وغيرهم الكثير , وكما نص هذا المرسوم والمحفوظ في ارشيف مؤسسة السجناء ؛ وقامت المحكمة الجنائية العراقية , بعرض وثائق صادرة من ديوان الرئاسة المنحل تضمنت اصدار حكم الاعدام بمادة التيزاب (حامض الكبريتيك) على عدد من المعتقلين ؛ ومنها : لمعتقل و واولاده الثلاثة من محافظة كربلاء … ؛ واستمعت المحكمة خلال جلستها ، والتي عقدت برئاسة القاضي محمود الحسن الى احد المشتكين من اهالي كربلاء، الذي أوضح خلال شهادته إلى ان : “اجهزة الامن اعتقلت والده لثلاث مرات الأولى عام 1966 باثر إلقائه خطبة عرى فيها الجرائم التي كانت ترتكب من قبل افراد النظام السابق وقضى حينها 27 يوما في مديرية امن كربلاء”… ؛ وأضاف : “الثانية كانت بعد زيارة قام بها والدي للسيد الشهيد محمد باقر الصدر حيث اعتقلته قوات الامن لمدة اربعين يوما تعرض فيها الى ابشع عمليات التعذيب بتهمة التحريض ضد النظام السابق والانتماء الى مرجعية السيد الصدر”… ؛ وذكر : “بتأريخ 16/8/1980 اعتقلت قوة تابعة لمديرية امن كربلاء والده وبعدها تم اعتقال أشقائه الثلاثة كل من ضياء (25 عاماً) , ومرتضى (24 عاماً) , وعلي (23عاماً)، ” … ، مبينا ان : “اجهزة الامن وقتذاك ابلغتهم في 5/3/1983 بإعدام والده واخوته الذي اعتقلوا من منزلهم”… ؛ واشار الشاهد الى انه “بتاريخ 25/3 من العام 1986 صادرت السلطات اموالهم ومنزلهم وتم بيعها بالمزاد العلني … ؛ واكمل قائلا : وتمكنا بمساعدة بعض الناس من شراء منزلنا الذي عرض للبيع” … ، لافتا الى انه : “بعد اعدام والدي واشقائي استمرت مضايقات قوات الامن آنذاك وكانوا بين مدة واخرى يداهمون منزلنا”.
و قيل : حسب شهادات بعض المتابعين و بعض المقربين من الشهيد عبد الصاحب دخيل ؛ ان الشهيد عبد الصاحب دخيل هو من أعدم بهذه الطريقة البشعة من قبل زمر الاجرام البعثية عام 1971 وقيل اعدم عام 1972 ؛ الا انني وحسب القرائن والقصص الكثيرة اذهب الى ان مجرمي البعث والطائفية استخدموا هذه الطريقة قبل عام 1971 ايضا …؛ و قد قام زبانية قصر النهاية بتعليق عبد الصاحب دخيل في سقف احدى غرف التعذيب الخاصة ، وتحته حوض مملوء بحامض النتريك (التيزاب) ، ثم قاموا بإنزاله ببطء في الحوض – وهو حي – بحضور مدير الامن وجمع من مسؤولي السلطة الاجرامية الطائفية العنصرية ، و قذفوا بجسده في الحامض ، ليذوب بالتدريج ويتبخر ؛ كما يذوب الثلج في النار ويتبخر …؛ وقيل : ان ناظم كزار وبأمر من صدام وشلة البعث المجرمة ؛ أول من جلب أحواض الأسيد (التيزاب) إلى مبنى قصر النهاية لإذابة أجساد المعتقلين ، وهو أول من استورد آلات تقطيع الأطراف من ألمانيا الشرقية ؛ اذ استخدم البعثيون أساليب تعذيب لم تعرفها معتقلات العهد الملكي والجمهوري حتى ذلك الحين … ؛ وقد تعمّد النظام الارهابي استعمال التيزاب المركز في تعذيب وإعدام خصومه من المعارضين أو حتى الأبرياء ممن تنالهم التهم جزافاً ؛ لأن التيزاب المركز له خاصية إذابة الأجساد تماماً، وقد شوهدت أحواض التيزاب المركز من قبل بعض المعتقلين الناجين , و كيف كانت ألوان هذه الأحواض مصطبغة بلون الدماء, وبقايا العظام والأجسام الطافية على سطح هذه الأحواض وربما حتى قطع من ملابسهم ومتعلقاتهم ؛ لكثرة من يرمى فيها من الضحايا ويذابون فيها …!! .
وأحواض التيزاب هذه كانت موضع تهديد وإرعاب لكل الضحايا الذين يهددهم بها جلادوا النظام , فقد كانوا يعذبوهم نفسياً بها ويجلبونهم لمشاهداتها وما تحتويه ؛ لتدميرهم نفسيا واذلالهم .(1)
وادلى السجين زيد محمود علي بشهادته فيما يخص موضوع التعذيب والقتل بمادة التيزاب في معتقل قصر النهاية ؛ قائلا : (( … لم أرى موقع حوض التيزاب لكني كنت على يقين أنه موجود في القصر حيث سمعت حكايات كثيرة مع الموقوفين داخل ، المعتقل ، فقط هؤلاء الذين شاهدوه من السجناء السياسيين ، للضغط عليهم في استجوابهم وأخذ الاعترافات منهم ، ونقل لنا أحدى تلك الحكايات أبو علي ، أحد عناصر تنظيم القيادة المركزية ، حيث قال يوم من الأيام جمعونا نحن مجموعة من السياسيين وأوقفونا صفا” واحدا” ، وجاءوا بشخص وقذفوه أمامنا الى داخل الحوض وكان يصرخ من الألم وجسمه يتأكل من التيزاب والبخار يتطاير وهذا الشخص المتحدث عن الحادثة ، كان من أهالي الديوانية المدعو ( داود سلمان ) قال أن المنظر كان بشع جدا” وظل في خيالي أشهر وأنا اتذكر تلك الواقعة في منامي كل ليلة ، وحسب ما عرفته أن الذي تم قذفه كان من المعارضين الأشداء ، وأن قذف الأشخاص في حوض التيزاب هو أسلوب النظام في خلق حالة الانهيار في نفوس السياسيين والمعارضين … )) .(2)
وانتشرت قصص عذاب قصر النهاية المرعبة بين الناس، حيث تتراءى صور احواض التيزاب والكلاب الشرسة وصرير المثرمة ولعلعة الرصاص وآلات تقطيع الأطراف واصوات العذابات ، فيما تمتلئ المخيلة بلون الدم الأحمر الذي يضج هاربا الى خارج الغرف الحمراء باحثا عن مجرى يصب نفسه فيه. … ؛ وصارت مفردات احواض التيزاب والمثرمة والاغتصاب تتردد بين الناس بشكل سري ، لان كل شيء كان يدعو للرهبة والخوف والرعب ، ويتكلم الكاتب حسين الهنداوي عن هذه الفترة ومعتقل قصر النهاية , قائلا : (( خلال الفترة ما بين تموز 1968 وتموز 1973، استعاد معتقل قصر النهاية سمعته المخيفة ، بشكل أقوى من قبل ، فلم يعد مقتصرا على استقبال الناشطين الشيوعيين والمثقفين اليساريين ، بل اضيف اليهم رؤساء حكومات سابقون ووزراء ومسؤولون قوميون وشخصيات اجتماعية وعشائرية بارزة ومئات من كوادر واعضاء الأحزاب العروبية والاسلامية… ؛ ليبرز اسم «قصر النهاية» من جديد رمزا للجريمة والقتل والتعذيب والاغتصاب ، مقترنا هذه المرة بأسماء ناظم كزار الذي اصبح مديراّ عاماّ للأمن العام وطه الجزراوي ممثلا عن «منظمة حنين» وهي جهاز اغتيالات خاص وسري برئاسة نائب رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك صدام ، فيما اشتهرت اسماء الجلادين عمار علوش وخالد طبرة ومحمد فاضل وزهير وسالم الشكرة وعلي رضا باوي وقتيبة الآلوسي والكثير غيرهم … ؛ وقد تحول المعتقل بين نهاية 1968 ومنتصف 1973 الى مصنع للجلادين والمجرمين اذ شهد تنظيم دورات لكوادر أمنية عراقية وغير عراقية، عن فنون انتزاع الاعترافات عبر التعذيب وطرق القتل البطيء … .
وللحديث بقية
…………………………..
- أساليبُ التعذيب والجريمة البعثية جريمة التعذيب والإعدام بالتيزاب ح 8 / الدكتور رائد عبيس / بتصرف .
- يوميات في معتقل قصر النهاية / زيد محمود علي .