اسم الكاتب : عدنان الفضلي
يقول أميل سيوران في كتابه (المياه كلّها بلون الغرق)”الحزن شهية لا تشبعها أيّ مصيبة” ومع اني على يقين بكون سيوران لم يتعرف على الحزن العراقي المتأصل بنفوس أبناء بلدي، لكني متيقن ايضاً بأنه لو سمع عن صبر العراقيين وحزنهم السرمدي، لكتب كثير من المؤلفات التي تحلّل هذا الحزن الذي لايشبهه في العالم حزن آخر. نعم الحزن العراقي والشجن السومري مختلف تماماً، وله طعم آخر، فالعراقيون حتى وهم يغنون أو يلقون الشعر، بل وحتى في مناسباتهم السعيدة يميلون للشجن كمتنفس حقيقي، لذلك انتبه العالم العربي المهتم بقضايا الشعوب الى هذه الميزة التي تحمل ماركة العراق. أتحدث بهذا وأنا أتابع الحزن غير الطبيعي الذي بات يلفّ وجوه العراقيين في الأشهر الأخيرة، حيث تراهم مكسورين ومجروحين ومتشائمين، فالمصائب توالت عليهم، والأحداث التي مرت عليهم ألقت بثقلها على عقولهم وقلوبهم، فصاروا لا يتمنطقون بغير الصبر سلاحاً على كثرة (البلاوي) التي جاءتهم مرة واحدة، فمع الصراع البليد الذي تقوده معسكرات الباحثين عن السلطة والمناصب والمكاسب، صار العراقيون نادمين على مشاركتهم في عمليات الإنتخاب ، بعدما شعروا، ان لا تغيير يلوح في الأفق، وان سيناريو الأعوام الماضية هو المتواجد دوماً، وان الساسة قد أشاحوا بوجههم عن أحلام الفقراء والبسطاء وأمنياتهم التي لا تتعدى الأمن والطمأنينة وتوفير الخدمات البسيطة، فالعراقيون ومنذ خمسة عقود، توقفوا عن طرح الأحلام الكبيرة، وأكتفوا ببعض أحلام ساذجة، يدفعهم الى ذلك حزنهم على ما يحدث للبلد على يد الحكومات المتعاقبة التي فشلت في تنفيذ أحلامهم، نتيجة الطمع وحب الذات والإنتهازية التي يتحلى بها أغلب من تواجدوا في المشهد السياسي العراقي، الذي لا يرفع فيه الساسة سوى شعارات الحزب والكتلة والمذهب والقومية، ولم يكن للإنسان أي تواجد داخل تلك الشعارات. الحزن الذي يتناسل بداخل أفئدة العراقيين كان للخونة سبب مهم في ترسبه داخل نفوس الشعب، ولعل الخيانة الكبرى التي أرتكبت في التاسع من شهر حزيران عام 2014، والمتمثلة ببيع بعض مدن العراق الى العصابات الإرهابية المجرمة المسماة (داعش)، والتي تسببت في ما بعد بقتل وتهجير وتشريد العراقيين من تلك المدن، فهذه الخيانة التي إشترك فيها كثير من الساسة والقادة العسكريين، جاءت بصدمة كبيرة نالت من بعض التفاؤل الذي كان يطرز كثيرا من العراقيين حين حلموا بتغيير الأوضاع بعد الإنتخابات ، فسقوط الموصل وصلاح الدين وكركوك وبعض مناطق ديالى والانبار بيد عصابات داعش الإجرامية، كان مصيبة كبيرة لم يتوقعها أكثر المتشائمين، فصارت شهية العراقيين مفتوحة لتلقي مزيد من الأوجاع والهموم وكثير من الحزن الذي يعشقونه. ومن بعد كل هذا، المصائب توالت على العراقيين، والحزن صار يغلف مجمل البيوتات العراقية، خصوصاً بعد ثورة تشرين وما تمخض عنها من جراح تمثلث بسقوط أكثر من سبعمائة شاب، نتيجة القمع الحكومي – الميليشياوي، في حين مازال ساستنا سعداء بانتصاراتهم المخزية في معارك الغنائم والمكتسبات، ولا يريدون غير التتويج بالمناصب المهمة والحساسة، حتى يكملوا موسم الجني، ويحصدون المكاسب والغنائم المقبلة، على حساب شعب مبتلى بهم وبالخونة والمارقين وأصحاب النفوس الدنيئة، ممن لا همّ لهم سوى البحث عن المزيد، فضلاً عن حزنهم الآخر وهم يرون دول الجوار، وقد جعلت العراق ساحة تصفية حسابات مع قوى أخرى، وهي الساحة التي يتساقط فيها الأبرياء من أبناء شعبنا الذين ومنذ رحيل الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم يدفعون ثمن تخبط الساسة ونزواتهم التي لا تنتهي مادامت شهية العراقيين مفتوحة لإلتهام مزيد من الحزن والشجن عبر مصائب لا تأتي فرادى.
اقرأ المزيد على الرابط : https://iraqpalm.com/ar/a4610