اسم الكاتب : رياض سعد
ما زالت بعض الأسر العراقية تؤمن إيمانا مطلقا بجدوى طريقة ضرب الأطفال , بل وتعتبرها الطريقة التربوية المثلى !!
حتى إن الكثير من العراقيين يعتقدون بأن الطفل لا يمكن تربيته إلا بالضرب والضرب فقط !! ؛ وذلك لان الكثير من الآباء والأمهات والمربين يعتقدون أن ضرب الأطفال يعلمهم عدم القيام بالأمور التي منعوا منها , ويعتبرونه وسيلة فعالة لوقف التصرفات الخاطئة وبصورة فورية , كما انها تشجع وتدفع الأطفال إلى تنفيذ ما يقال لهم من أوامر , فهم يعتقدون بعدم جدوى الوسائل التربوية الأخرى في تربية وتأديب الأطفال ؛ فالحل يكمن في نظرهم القاصر في الضرب والعنف والصياح والصراخ والهستيريا !!!
وقاموس المفردات اليومية التي يستعملها العراقيون يؤكد ذلك فهو مليء بالألفاظ والأمثال التي تدل على العنف والضرب والتخويف .. من قبيل : ( العصا لمن عصى ) و ( الخوف يعدل الشوف ) و ( اعدم واحد ينصلح ألف ) و( وهذا ما يجي إلا بالعين الحمره ) و ( مرتي بالنهار تحت عصاتي وبالليل تحت عباتي ) و( ضرب الحبيب مثل كرط الزبيب ) و ( من امن العقوبة أساء الأدب ) و ( وهذا مو مال عيني واغاتي ) و ( اشوي على أذنك بصل ! ) ؛ ناهيك عن انتشار مفردات وعبارات التعذيب مثل : ( الكيبل , التوثيه , الصونده , القازوق , البطل , الذبح , الشنق , الاعدام , اصلخ جلدك , الفلقة , الخيكانية , الخيزرانه … ) هذه المفردات القذرة المرعبة سادت فيما بيننا في فترة الاحتلال العثماني , وتشكيل حكومات الفئة الهجينة من بقايا العثمنة ورعايا وعملاء الاحتلال الانكليزي فيما بعد ؛ ولاسيما في العهد الجمهوري وبالأخص حكم البعث الغاشم الصدامي الرهيب … .
و اغلب هذه الأمثال والألفاظ والسلوكيات العنيفة جاءتنا من ثقافات اجنبية طارئة وعادات اجتماعية بالية نتجت عن الاحتلالات الاجنبية والغزوات الهمجية ؛ نعم بعضها جاءتنا من التراث العراقي القديم والذي كان سائدا في كل العالم وقتذاك ؛او جاءت من بيئات متخلفة و رجعية وقاسية لأنها تستبطن مفاهيم إرهابية وتدل على معاني إجرامية ؛ حيث أنها تحث على القسوة والغلظة والضرب والكسر والجرح … , زد على ذلك أنها تتعارض مع النصوص الدينية السمحة و التي تروج للحكمة والموعظة الحسنة والتربية بالتي هي أحسن , والفلسفات الانسانية الراقية , وكذا تتعارض مع الأبحاث العلمية والدراسات النفسية والاجتماعية التي بينت مثالب هذه الأفكار الهدامة ؛ إلام وحتما نبقى نحن هكذا ؟
أما آن لنا أن نقلع عن العنف بكافة أشكاله ؟
تاريخ عنيف وحاضر عنيف ؛ قطعا سيكون المستقبل اعنف ؛ فالنتيجة تتبع المقدمات .
و من المؤسف حقا انك عندما تسير في احد الأزقة الشعبية يصل إلى سمعك حشد هائل من صرخات الأطفال البريئة نتيجة للضرب المبرح الذي يتعرضون له من قبل الوالدين أو الأخوة أو الأقارب أو الجيران .. ؛ ففي احد الأيام وأنا امشي في مدينة الكاظمية شاهدت رجل غليظ الجثة والطبع يسير وتسير خلفه عائلته بوجل وحذر كأنهم قطيع من الخراف يمشي خلف ذئب متوحش , وأطفاله كانوا كالبدور من شدة الحسن والجمال إلا إن البسمة ترتجف على شفاههم من فرط الخوف , سار احد أطفاله بسرعة وتقدم عليه من دون قصد ؛ إذ كان يتصرف بعفوية كباقي أقرانه , إلا إن الدب عفوا الأب انهال عليه ضربا وركلا و بلا رحمة , ثم امسك بشعره الرقيق وقام بضرب رأسه بأحد الأبواب الحديدية فسالت الدماء من رأس الطفل , والأم بدأت بالبكاء خفية إلا إن دموعها فضحتها , وتدخل الناس لإنقاذ الطفل البريء من هذا الوحش الكاسر الذي أحال وجه الطفل الأبيض إلى قطعة حمراء مهشمة !! .
وقد سمعت قصة فضيعة – بهذا الصدد أيضا – من مئات القصص المؤلمة التي تحدث في هذا البلد المنكوب – الذي يقبع تحت ظل القيادات السياسية والدينية المنكوسة – ؛ إذ قام احد الآباء في مدينة الكوت بشد وثاق ابنه الصغير بقوة بأسلاك من البلاستك , ثم قام بربطه إلى جانب الشباك الحديدي تحت أشعة الشمس اللاهبة وتركه وذهب .. ؛ بعدها رجع إلى ابنه الوحيد الذي جاءه على خمسة بنات بعد عناء وتوسل ونذورات , وإذا بالطفل مغمى عليه من شدة العذاب , وعندما نقلوه إلى المستشفى وجدوا الدم متخثر في قدميه ؛ فأصيب ب ( الكنكري ) فقام الأطباء بقطع ساقيه ..!!!
على أثر هذه الجريمة المأساوية أصيب الأب بجلطة في القلب ..!! .
وقد نقل لي احد الأخوة قصة فضيعة لأب سيء الخلق يسكن إحدى المدن الشعبية شرقي بغداد ؛ حيث كان يضع طفله في التنور تارة وأخرى في ( الكنتور) ويقوم بإغلاقه عليه ؛ ثم تطورت وسائل التربية عند هذا الأب الهمجي المتخلف فقام برمي الطفل المسكين المظلوم من أعلى السطح فهوى إلى الأرض وقد انكسر حوضه وأصبح معوقا , ولم يكتف الأب البائس بهذا العمل اللااخلاقي المشين بل استمر في نهجه الأعوج , وعندما لامه الناس على فعلته , قال : أنا أربيه و أقوم بتأديبه فقط !
وزادت محن وعذابات الولد يوما بعد يوم من تصرفات هذا الأب الجائر ؛ وأخيرا قرر هذا الولد المسكين – بعد عدة سنوات – الهجرة والفرار من هذا البيت الجاهلي , الا ان آثار التربية السيئة لم تفارق صاحبنا المسكين حيث فقد إحدى عينيه من جراء ضربات وصفعات و ركلات وهراوات الأب المجرم .. كل هذه الجرائم حصلت تحت شعار التربية والتأديب !! .
و طالما خففت المؤسسات التربوية في العالم المتحضر من الآثار السلبية الناجمة عن التربية السيئة التي يتعرض لها الأطفال في منازلهم , أما نحن فينطبق علينا المثل القائل : (( كالمستجير من الرمضاء بالنار !) اذ ان مؤسساتنا ومدارسنا التعليمية والتربوية المنضوية تحت لواء وزارة التربية العراقية قد زادت الطين بلة !
لان هذه الوزارة البائسة تأتمر بأوامر الحكومات المنكوسة العميلة – طيلة عقود من الزمن – لذا تراها تنتهج نهجا منكوسا متخلفا و رجعيا بل واجراميا في تربية الأطفال يذكرنا بطريقة فلقة الملة في العصور المظلمة ؛ فمن منا لا يتذكر صفعات المعلم على الوجوه (الترفه) للأطفال الأبرياء أو العصا الغليظة للمعلمة التي طالما تورمت أيادي التلاميذ المساكين بسببها , ناهيك عن مسطرة مدير المدرسة التي لا تترك مكان من جسم الطالب سالما , فضلا عن باقي العقوبات الجسدية القذرة كالوقوف على قدم واحدة لمدة طويلة , ولاغرو في ذلك فقد قيل قديما : ( الناس على دين الملوك ) وبما ان حكوماتنا منكوسة وعميلة وذات جذور اجنبية و ملوكنا و حكامنا طائفيون وعنصريون ومجرمون وطغاة وعملاء طيلة فترة حكم الفئة الهجينة من عام 1920 الى عام 2003 ؛ أضحت مؤسساتنا التربوية والحكومية الاخرى مؤسسات قمعية تسودها أجواء الخوف والرعب وانعدام الثقة والتدهور الأخلاقي والحضاري , وصار لزاما أن يكون المسؤول عنها أم طائفيا حاقدا أو عنصريا لئيما أو مسؤولا جلادا في احد الأجهزة الأمنية المرعبة ؛ ولكن الغريب في الأمر أن تسير الأمور بنفس الوتيرة حتى بعد سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي الحقير ..!! ؛ ولا ادري ما السبب في ذلك اهو انعدام الوطنية أم مخطط منكوس دولي كبير للقضاء على البنى التحتية للتربية والتعليم في العراق ؟؟!
إذ صار من المعروف الواضح ان من أهم أسباب العزوف عن مواصلة الدراسة وترك التعليم والهروب من المدارس ؛ وزارة التربية العراقية الفاشلة !!
إذ يقوم أنصاف المعلمين والمعلمات بضرب الأطفال – إكمالا للتربية السيئة التي يتعرضون لها في بيوتهم – من دون أن يستوعبوا العواقب النفسية والآثار الصحية التي تلحق بالطفل المضروب جراء تصرفهم الأحمق هذا .. ؛ إذ لا زال بعض الأغبياء يعتقدون إن التربية السليمة للطفل تنبع من إتباع سياسة الضرب وفرك الأذن ..!
ولا يعلمون بأن العقوبات الجسدية تلقي في نفس الطفل بذور الخوف والخنوع والاستسلام فينشأ ذليلا جبانا مرائيا ويشعر بالنفور والابتذال وكره العلم والتعليم والمدرسة والجامعة …؛ لذلك حرصت الفئة الهجينة في بداية حكمها المشؤوم من السيطرة على مفاصل التعليم ومؤسسات التربية في العراق ومارست اقسى الطرق وابشع الوسائل مع الطلبة والتلاميذ العراقيين لاسيما من الاغلبية العراقية في وسط وجنوب العراق ؛ ومما لاشك فيه ان مثل هذه الاجراءات العنيفة والقاسية تنتج اجيال جاهلة ومتخلفة بسبب الهروب شبه الجماعي من تلك المدارس اللعينة .
يقول أحد أقطاب التربية الحديثة :
(( لو أنصفنا لأسقطنا لفظة عقوبات من قاموس المدارس …
ما السبب ؟ … العقوبة للمجرم , وما الولد بمجرم …!!!
– ان كان قليل الفهم … فما ذنبه ؟ …
– وان كسولا , أو سيء الخلق , فهو مريض أو شاذ يجب معالجته .
وفي الحالين ليس مذنبا … نعاقب المجرم ليكفر عما اقترفت يداه , أو لنقتلع الروح الإجرامية من نفسه , أو لنجعله عبرة لمن اعتبر … فان رأيت في الأطفال شيئا من ذلك – أيها المعلم – فكن جلادا والا عد إلى صوابك , واعلم انك أنت المجرم في حال تنكيلك بالولد …))
مجرم كل مرب يضرب الطفل , أبا كان أو معلما , لان كل ضربة تنزل على جسم الطفل الصغير , في البيت أو المدرسة ؛ تعد انتهاكا لكرامة الإنسان , وتغرس فيه روح الذل والخنوع , أو روح الثورة والإجرام كلا حسب ردة فعله الفطري .
لا تسردوا على مسامعنا أسماء الحكماء والأولياء الذين حبذوا استعمال العصا , العصا في وقتنا الراهن لا تصلح حتى لترويض الحيوان ناهيك عن الإنسان , أنهم تكلموا عن الإنسان العبد في العصور الغابرة المظلمة , لا عن الإنسان الحر المعاصر , والهوة عميقة بين الأحرار والعبيد …
لا تضربوا الأطفال في المدارس حتى لو أمر آبائهم بذلك …
لا لتركيع الأطفال في المدارس , الركوع لله وحده الذي خلق الإنسان منتصبا في أحسن تقويم وفضله على العالمين …
لا لإذلال الطفل , ولا للتشهيربه , ولا لاهانته ؛ فحرمة الطفل أكبر من حرمة الرجال والنساء ؛ لان الطفل أضعف شخصية وأطرى عودا وأرق قلبا …
جريمة ان نضرب الطفل و نكون سببا في بكائه وحزنه , أيا كان السبب …
هنالك أطفال يفضلون الموت على أن يعاقبوا ضربا …
من العار علينا أن نتصرف بهذا الشكل الهمجي ونحن نعيش في عصر الرفق بالحيوان و ندعي أننا أتباع الحضارات البشرية والديانات السماوية ؛ وقد حفل تراثنا بالروايات المنسوبة لنبي الاسلام محمد الذي أوصانا مرارا وتكرارا بالضعيفين – النساء والأطفال – وكذا فعل آل بيته إذ قالوا : ( عيالكم أسرائكم فأحسنوا معاملة الأسير ) و ( ليس منا من لم يوقر كبيرا ولم يرحم صغيرا ) , ومما يروى في هذا السياق : ان رجلا شكا إلى الإمام علي الرضا ابنا له , فقال :
(( لا تضربه واهجره ولا تطل ))
ناهيك عن أننا أبناء أقدم حضارة إنسانية عرفها التاريخ , فهذا الذي نشاهده من ترهيب وتحقير وضرب للأطفال العراقيين ؛ إنما يكشف عن حالة الجهل والتخلف والعنف السائدة في مجتمعنا العراقي منذ أمدا بعيدا , وليت الأمر وقف عند هذا الحد , فما عشت أراك الدهر عجبا , إذ فعل دعاة الجهاد والإسلام والعصابات الإجرامية الأفاعيل القذرة في العراق ؛ قتلوا الأطفال , اغتصبوهم , خطفوهم , باعوا أعضائهم , تاجروا بهم , عذبوهم , ذبحوا آبائهم وأمهاتهم أمام أعينهم , فجروهم , استعملوهم في جرائمهم الإرهابية … فما أبعدهم عن السيرة للذي أرسل رحمة للعالمين – كما يدعون – والذي طالما أنهى الصلاة بسرعة لإسكات الأطفال الذين يسمعهم وهم يبكون ولم ينقل لنا التاريخ ان النبي قد ضرب طفلا قط …
ولا عجب إذ يعد احترام الطفل والاهتمام به من وجهة النظر الدينية والعلمية والأخلاقية ؛ من أهم القواعد الأساسية للتربية الصحيحة , فالطفل الذي تحظى شخصيته بالتكريم والتقدير من قبل الوالدين والمجتمع , ويشعر بالأمن وهدوء البال في محيط العائلة ؛ سوف ينال نموا عقليا وجسديا متكاملا معنويا , كما يمكنه الاتصاف بالأخلاق الحميدة بيسر وسهولة , وبهذا يطوي فترة الطفولة بتصرفات سوية وذكريات جميلة 0
فالأطفال بشر يشعرون , ولهم أحاسيس مرهفة , وعواطف إنسانية جياشة ؛ لذا يجب أن يكونوا موضع تقدير ومحل اهتمام مثل كبار السن فمعاملتهم بطريقة حسنة هو تقديس للإنسانية قبل أن يكون احترام لشخصياتهم البريئة , اما ضربهم والإساءة إليهم فهو تحقير لبني البشر وتصغير لشأنهم وتحجيم لشخصياتهم 0
ومن المعلوم إن التربية الصحيحة هي إحدى الأركان المهمة لنجاح وسعادة الإنسان طوال أيام حياته ؛ إذ أنها تخلق من الطفل أنسانا معتدلا يمكن معاشرته , وتنظم غرائزه و رغباته بصورة طبيعية , وتجعلها منسجمة مع العائلة والمجتمع , وتصون الشخصية من التطرف والانحراف والإفراط في إرضاء الميول النفسية , وفي المقابل تبعث التربية السيئة على الاختلاف والتوتر والاضطراب والانحراف وعدم الانسجام مع العائلة والمجتمع , وتجعل منه شخصا ضعيفا و هشا و مشوشا0
والأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى – وتأتي المدرسة بالمرتبة الثانية – التي يترعرع فيها الطفل , ويفتح عينيه في أحضانها حتى يشب ويشتد عوده ويستطيع الاعتماد على نفسه , إذ إن فترة الخمس سنوات الأولى من عمر الطفل تشكل حجر الأساس في تكوين شخصية الطفل المستقبلية ؛ لذا كان من الضروري بمكان عمل الأسرة الجاد على تنمية شخصية الطفل بصورة صحيحة , بحيث تجعل منه شابا سويا واثقا من نفسه , وصاحب شخصية قوية ومتزنة ومتكيفة وفاعلة في المجتمع ؛ وذلك بمراعاتها ابسط الحقوق الإنسانية الا وهي ترك ضربه وتحقيره والاستهانة به , إذ ان الأسرة أو الأفراد الذين يتخذون الضرب وسيلة تربوية إنما يعملون على زرع العنف والعدوان والكراهية في نفسية الطفل البريء , كما يزعزعون ثقته في نفسه , ويدفعونه من حيث لا يشعرون لان يكون ميالا للقسوة والغلظة والعنف بالإضافة إلى عدم مبالاته بمشاعر الآخرين ؛ والشيء بالشيء يذكر : كنت سائرا في احد أزقة بغداد ذات يوم , وإذا بي أشاهد منظرا غريبا مقززا وقد اقشعر جلدي منه ؛ إذ رأيت طفلين يتشاجران , ثم التقط احدهم حجارة من الشارع وراح يضرب بها رأس الطفل الآخر , بدأت الدماء تسيل من رأس الطفل المضروب وهو يصرخ ويستغيث , والطفل الآخر مستمرا في ضربه بكل برود كأن الرحمة نزعت منه , ولولا اني ركضت مهرولا لإنقاذ الطفل المضروب لقضى عليه ..!! .
هناك قصّة كلاسيكية حول أم آمنت بالضرب كجزء ضروري من الانضباط حتى شاهدت في احد الأيام ابنتها التي تبلغ من العمر خمسة سنوات تضرب أخاها الصغير، وعندما واجهتها، قالت الطفلة بكل براءة : “أَنا أَلعب دور ماما فقط.” وبالطبع لم تضرب هذه الأم طفلا في حياتها بعد ذلك.
يحب الأطفال التَقليد، خصوصاً تقليد الأشخاص الذين يحبونهم ويحترمونهم, ويعتبرون بأنه لا بأس من القيام بما يقوم به , فتذكروا أيها الآباء أنكم تنشئون أطفالا ليكونوا زوجات وأزواج ، أباء وأمهات لأحفادكم , وعلى الأرجح أن نفس تقنيات الانضباط التي تَستخدمها مع أطفالك هي على الأغلب التي سيستعملونها في مواصلة حياتهم .
العائلة تعتبر مخيم تدريب لتعليم الأطفال كَيف يعالجون النزاعات , حيث أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يأتون من عائلات عدوانية هم على الأرجح الأكثر ميلا لضرب أطفالهم 0
تقول بعض الأمهات : (( ولكنني لا أضرب أطفالي بشدة أو بشكل دائم ، وغالبا ما أحضنهم وأداعبهم.)) .
ولكن ما لا تعرفه هذه السيدات هو أن أغلب الأطفال لا يتذكرون الرسائل اللطيفة ولكنهم لن ينسوا الضرب.
غالبا ما يسيطر شعور بالذنب على الآباء الذين يضربون أطفالهم، لأنهم من الداخل يشعرون بأنهم ارتكبوا أمرا سيئا لتحقيق الانضباط , فهم يلجئون للضرب أو الصراخ لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون، وبعد ذلك يشعرون بأنهم قاموا بشيء سيئ ؛ فالآباء يريدون أن يحصلوا على الاحترام والحب من أطفالهم، لا الخوف.
عندما يتصاعد العقاب، فأنه يؤدي إلى سوء المعاملة، فماذا بعد صفع اليد ؟
أين يقف مسلسل الضرب والصراخ ؟
قد تزداد شدة الصفعة ، ثم يتغير مكانها، وتتكرر الصفعات، وإذا بك تضرب الطفل بشكل مبرح ومؤذي , أن الضرب واستعمال العنف مع الأطفال يجعلك تفقد أعصابك، فتجد نفسك قد تحولت من والد حنون إلى وحش مفترس، وكأنك دخلت في شخصية أخرى غير تلك التي يعرفها الطفل، وبالتالي تفقد جزءا كبيرا من إنسانيتك، بينما يفقد الطفل الكثير من ثقته بنفسه، واحترامه لذاته، وحتى احترامه لك.
وجدت العديد من الدراسات أن الأطفال الذين يتلقون الضرب غالبا ما يكررون الأخطاء لأنهم لم يستفيدوا من التجربة التي أحدثها الضرب ؛ بينما لا يشكل الضرب أي رادع حقيقي ، وإنما حاجز مؤقت يزول بزوال المسبب (الوالدين)، فعندما يخرجان أو يذهبان يكرر الطفل السلوك الذي تلقى الضرب عليه , ولأن الضرب والصراخ أسرع واقصر الطرق للوالدين، فأن تأثيره سريع وقصير أيضا، بينما إيقاف الضرب والبحث عن بدائل أخرى قد يساهم في التوصل إلى طرق أكثر فعالية, راقية في تربية الأطفال , فقد خلق الأطفال كي يعاملوا معاملة الكبار , وهذا ما شاهدناه كثيرا في المدن الإيرانية وما سمعنا عنه في الدول الغربية حيث يعامل الأطفال بكل أدب واحترام , ويحضوا برعاية كبيرة من قبل الأبوين , والحمد لله بعض الأحياء الراقية في بغداد تحذو هذا الحذو الحضاري في تربية ومعاملة الأطفال , ونأمل أن ينتشر هذا الخلق الحضاري الإنساني وهذه التربية الراقية في كافة أرجاء العراق .. .
عزيزي الغاية المرجوة من التربية هي إعداد الإنسان إعدادا طبيعيا سويا لممارسة مسؤولياته الإنسانية ؛ والعقاب الجسدي إنما يجسد حالة شاذة تعرقل هذه التربية السليمة وتعمل على إفشالها , وهي تنفس عن غضب أو عقدة أو أي شيء آخر أكثر مما تعتبر وسيلة تربوية …
الآثار التربوية والنفسية والاجتماعية الناجمة عن ضرب الأطفال :
1- الضرب للطفل يمثل إيلاما بدنيا قام به الضارب لمعاقبته على خطأ ما ارتكبه ؛ في حين ان الحقيقة العلمية تؤكد أن الطفل خلال التسع سنوات الأولى لا يمكنه أن يفرق أو يدرك العلاقة بين الخطأ الذي يرتكبه وبين الإيلام البدني الذي يقع عليه , فالطفل لا زال لا يدرك التمييز بين الخطأ والصواب , ليدرك أن الضرب سبب في تقويم سلوكه الخاطئ ؛ وبالتالي فالهدف من الضرب لا يتحقق , بل يؤدي إلى نتيجة عكسية في تربية الطفل , إذ أن له آثارا نفسية سيئة تضر بالنمو التربوي الطبيعي للطفل .
وقد أشارت أكاديمية طب الأطفال الأمريكية عام 1995 إلى أن صفع الأطفال وسيلة فاشلة وغير مجدية لتأديبهم , وبالرغم من كل هذه الحقائق العلمية التي بينت فشل هذه الأساليب العنيفة المتخلفة في تربية الأطفال , وتراجع العنف تجاه الأطفال في العديد من دول العالم المتحضر ؛ الا ان الصفع و الهز والضرب والعض والرمي والضرب المبرح .. من أكثر الوسائل استعمالا لتأديب وتربية الأطفال في العراق !!
2- يعتبر العنف الجسدي و الضرب من أبشع صور التخلف والانحطاط والإجرام , ويعد في حد ذاته أمرا غير مقبول – خصوصا إذا كان ضحيته الأطفال – , حيث يشعر الطفل المضروب بأن والديه يضربونه لأنه غير مرغوب فيه ؛ مما يترتب عليه حدوث خللا واضطرابا في التوازن النفسي للطفل , فالمجتمعات التي كثر فيها ضرب الأطفال وترهيبهم أضحت مجتمعات فاسدة وموبوءة وانتشرت فيها الجرائم والرذائل والموبقات الأخلاقية .
وقد ذكر بعض الباحثين الأمريكيين : أن هز الطفل قد يسبب إعاقات عقلية وجسدية , فكيف سيكون الأمر لو أنه تعرض للضرب ؟! , فقد حذر الباحثون المختصون من ان هز الاطفال بقوة وعنف قد يؤدي الى وفاتهم أو إصابتهم بإعاقات عقلية شديدة , وقد يسبب اعتلالات عصبية وعاهات عقلية , كالتخلف العقلي , والشلل الدماغي , والعمى , ونوبات تشنجية شديدة , وعسر القراءة , واضطراب الانتباه , وغيرها من الإعاقات التعليمية . وأشار الباحثون إلى أن هز الطفل بعنف عندما يبكي أو رميه في الهواء و إمساكه , أو تحريكه بقوة , أو هزه بعنف على الركبة ,او الهرولة به .. ؛ كلها عوامل قد تؤدي إلى تلف دماغه نتيجة اندفاعه حول الجمجمة فيسبب تفجر الأوعية الدموية التي تغذيه ويحدث نزيف في المخ , ونوه الخبراء إلى أن الأطفال الرضع والضعفاء وحديثي الولادة يعتبرون أكثر عرضة للإعاقات الناتجة عن الهز بعنف مقارنة بالأطفال الأكبر سنا ؛ فلا تسبب في خسارة طفلك أو إعاقته فتعيش عمرك كله بتلك الخطيئة الهمجية … , وقد أشارت بعض البحوث العلمية إلى ان الأطفال الذين تعرضوا للضرب من المرجح ان يكونوا عدوانيين وتكون مشاكلهم السلوكية والعقلية أكثر من غيرهم .
3- الاستمرار في ممارسة ضرب الطفل يؤدي الى نتائج وخيمة وسيئة للغاية ,فالطفل الذي يضرب بشدة أو بصورة مستمرة من قبل محيطه العائلي أو الاجتماعي يصبح ضعيف الشخصية , وينجذب الى من يقدره من محيطه , ويؤثر فيه سلبا أو إيجابا , إذ يكون سريع التأثر وسهل الانقياد ؛ مما يجعل أتفه شخصية ممكن أن تؤثر عليه ؛ عندها يسهل انحرافه وانجراره الى الجريمة والتبعية الخانعة والقبول بالدعوات المتطرفة و المستغلة والقيادات المنكوسة والمشبوهة والجاهلة .
4- وقد ذكر بعض المختصين في علم الاجتماع أن ضرب الآباء لأبنائهم و تعنيفهم المستمر لهم يربي عقدا نفسية لدى الأبناء , بل ويزيد من العنف الأسري , إلى أن يتفاقم و يمثل مشكلة من الصعب مواجهتها , إذ يتحول وينتقل العنف من الأسرة إلى المجتمع , ويصبح شكلا من اشكال السلوكيات الشاذة , وضحاياه مؤهلون نفسيا لممارسة الإرهاب ضد الآخرين مما يهدد أمن المجتمع ؛ فالعنف قد يولد عنف مضاد , وله آثار جانبية كبيرة على مسيرة حياة الأطفال النفسية , مما يجعل الطفل يفرغ هذه الشحنات السلبية على من هم حوله من أخوته الصغار أو أصدقائه .. , وقد تستمر هذه العوامل النفسية حتى الكبر مما يجعله عنيفا وقاسيا وشرسا وعدوانيا في تعامله مع أولاده و زوجته و أهله و من هم حوله .. .
5- و من النتائج المؤلمة للضرب انزعاج الطفل من ذويه !
وقد روت لنا إحدى الأمهات التي تعتمد الهز والقرص والضرب منهجا في تربية طفلها المغبون , أن طفلها يبكي ويصرخ عندما تحمله ويضحك ويلعب عندما يحمله الآخرون !!
مع كل هذه الحقائق العلمية والتربوية تخرج علينا أصوات نشاز تنادي بالعنف ومن هؤلاء الجهلة المدعو أبو عمر البتار ! والذي يصرح في أحد المواقع الالكترونية بما يلي : ((هذه دعوة لكل أب غيور على تربية أبناءه وأهل بيته باقتناء عصى وعرضها في مكان بارز يراه الطفل كثيرا , والتهديد 99 مرة ثم الضرب مرة وذلك : ليعلم أهل البيت من منهم عصى بأن الحل مع العصى )) والأغرب من كل هذه الترهات والخزعبلات التي تقيئها ؛ ذهابه إلى الإفتاء باستحباب الضرب فكلما زادت الصفعات والركلات على الأطفال المساكين زاد الأجر والثواب – ( من هل المال حمل اجمال ) – !! .
6- أن حوادث الضرب والعنف التي يرتكبها الكبار ضد الأطفال مهما كانت صغيرة فإنها تترك أثرا نفسيا عميقا لا يمحى من الذاكرة , ويتراكم هذا الجرح كلما استمر الضرب , مما يؤدي إلى تسمم الذاكرة بهذه الحوادث المؤلمة التي تضغط على نفسية الطفل – الشعور واللاشعور – كلما تقدم به العمر وكبر , وأن كثرة الاعتداء بالضرب على الأطفال يفقدهم الثقة بالوالدين ويشعرون بالخوف من الكبار , إذ أن الطفل الذي يضرب بصورة مستمرة لا يستطيع أن يعتبر الأبوين مصدر للحب والحماية والأمن والراحة وهي العناصر الحيوية للنمو الصحي لكل طفل ؛ إذ يصبح الأبوين بدلا عن ذلك مصدرا للخطر والألم , اذ كشف العديد من الأطفال الذين تعرضوا للضرب عن مدى الألم والضرر والأذى الذي يحدثه الضرب والعنف لديهم من خلال دراسات ميدانية ؛ فقد عبر احدهم بما يلي : (( انه مؤلم ومؤذ واشعر بالتمزق الداخلي وبالاحتقار عندما أتعرض للضرب …!))
7- بسبب الضرب قد يسعى الطفل إلى جلب الاهتمام السلبي به عن طريق إغضاب والديه من خلال القيام ببعض الأخطاء والتصرفات السيئة .
8- بعض العلماء حذروا من ضرب الأطفال لاعتقادهم بأن الأطفال الذين تعرضوا للضرب في طفولتهم يفقدون ثقتهم بأنفسهم وينعدم لديهم الإحساس بالأمان في مراحل متقدمة من حياتهم , ويتولد لديهم شعور بالدونية وبأنهم عديمو القيمة … .
أسباب ضرب الأطفال :
1- الهياج والانفعال العاطفي , اذ تؤكد الدراسات التربوية التي أجريت على 95 0/0 من الأطفال الذين يتعرضون للضرب من قبل الآباء والأمهات ؛ أن ضرب الأطفال ينتج عن انفعالات نفسية تنتاب الأب والأم ويحاولا التنفيس عنها من خلال ضرب الأطفال الأبرياء ؛ وليس نتاجا لتقديرات هادئة تستهدف تحقيق هدفا تربويا معينا , اذ طالما نفقد السيطرة على أعصابنا ونضعف ويكون رد فعلنا ضرب الأطفال , ولكن سرعان ما نهدأ ونصالح الأطفال بتحقيق رغباتهم حتى لو كانت ضد إرادتنا !!
2- الجهل بحقيقة الامر ؛ اذ يولد الإنسان ويولد معه حب المعرفة والاستطلاع , فالأطفال يحاولون التعلم من الحياة حينما يجربون الأشياء أو يفتحوها أو يكسروها .. , فعندما يرمي اللعبة فانه يريد معرفة ماذا سيحدث , فهو لا يقصد الفوضى والتخريب كما تتوهم , فمن الجهل ان يكون هذا التصرف سببا لضرب الطفل !!
3- عدم الفهم ؛ فقد يتلفظ الطفل بكلمات نابية وألفاظا فاحشة , فإذا نطق بكلام غير مهذب , قولوا له : أن ما قاله هام جدا لكن عليه قوله بطريقة أكثر احتراما وتهذيبا , علما أن الطفل – عادة – يخلط بين معاني الألفاظ ولا يستطيع التمييز بينها , فهو يلتقط ما يتفوه به الكبار ثم يردده تقليدا وبلا وعي .. .
الحلول المقترحة للمشكلة :
1- يعاقب قانونيا كل من يعذب أو يضرب الأطفال بشدة وقسوة , وقد نصت الشريعة الإسلامية على دفع الدية إذا تعرض الطفل للضرب المبرح .. وقد منعت بعض الدول الغربية العقوبة البدنية ضد الأطفال قانونيا مثل السويد وفنلندا وألمانيا وايطاليا والنرويج وغيرها ؛ اما الوضع في العراق فمختلف جدا اذ يعد ضرب الأطفال مفردة طبيعية من مفردات الثقافة العراقية العامة وتصرفا عاديا لا يحاسب عليه القانون !!
2- ينبغي معرفة وإتقان كافة الوسائل والأساليب التربوية المتاحة ؛ فلكل طفل طريقة تربوية معينة تجدي نفعا معه ؛ إذ أن معاملة ابن السنوات الثلاث تختلف عن معاملة ابن العشرة وهكذا , إذا ان الطفل عالم قائم بذاته له مفاتيحه وأسراره ودوافعه .. , كن صبورا مع الأطفال لأنهم ينظرون الى الأمور والأشياء على انها عالم جديد ينبغي عليهم اكتشافه , فاصبر على الطفل عندما يتمرد , لان الأطفال سرعان ما ينسون الأوامر, ولا تدقق كثيرا في أخطاء الأطفال , وما ينجح مع طفل قد لا ينجح مع آخر , وتذكروا دائما ان الأبوة والأمومة والتربية مسؤولية عظيمة وكبيرة لا ينهض بها الا الأحرار الغيارى أصحاب الهمم العالية والأخلاق الرفيعة .
3- يجب تلبية رغبات الأطفال الطبيعية وتحقيق مطالبهم المقبولة , فالطفل يبني ثقته بأهله عن طريق إشباعهم لرغباته , والتي تجعله يشعر بالسعادة والاطمئنان .
4- ينبغي غمر الطفل بالحنان والعطف والحب , إذ ان حبك لطفلك حبا شعوريا في أعماق النفس لكنه لا يرى ؛ لذا يجب ان يكون – أيضا – حبا سلوكيا ظاهرا للعيان من خلال اللعب معهم وملاطفتهم فلا تقتصري على الحب الشعوري فقط , فإذا بكى الطفل – مثلا – احمليه على صدرك أو ضعيه في حضنك , فالطفل – دوما – يريد ان يكون بجانب أمه .. ؛ ولكن مع شديد الأسف بعضهن يقمن بنهر الطفل وهزه اذا بكى لا بل ضربه ! تريد حضرة (المدام ) تحويله إلى صنم لا ينبض بالحياة ( لاحس ولا نفس !!! كما يقول المثل الدارج ) فالمهم عندها راحتها أما الطفل فإلى الجحيم , ليت شعري كيف نرجو لأطفالنا نجاحا اذا نشأوا في حضن الأمهات الجاهلات المتخلفات الأنانيات ؟! .
الأطفال لا يستطيعون السيطرة على مشاعرهم في هذا العمر , فيجب تعليمهم كيفية السيطرة على الغضب , فحاولي – سيدتي رجاءا – تهدئة الطفل عند بكائه ؛ ولا تتحدثي إليه بشأن ما أغضبه الا بعد الانتهاء من البكاء .
5- شجعوا أطفالكم اذا قاموا بأعمال ايجابية وقدموا لهم المكافآت والجوائز على ذلك , فالتشجيع على العمل الايجابي خير من العقاب والضرب على الخطأ .
6- يأتي الأطفال الى هذا العالم وهم ينبضون بالبراءة والتعاون , فهم متعاونون ويتوقف دورنا على تنمية هذه الميزة الإنسانية , من خلال طلب المساعدة والعون من الطفل نفسه لتنمية روح الخير والتعاون فيه , فالأطفال طاقة يجدر بنا استغلالها وتصريفها بصورة طبيعية وإنسانية كي نسعد ويسعدوا .
7- الطفل يحتاج التوضيح المباشر منك ؛ فإذا أخطأ – مثلا – قل له : سوف أخذ لعبتك اذا عدت لارتكاب الخطأ مرة ثانية .. .
8- ينبغي اعتماد الحوار كطريقة مثلى للتعامل مع الأطفال , اجعل ابنك يشعر بأنك تحترمه ؛ وذلك من خلال مخاطبته بأرقى وأرق الكلمات وأجمل العبارات , واحرص على الملامسة الجسدية بينك وبين أبنائك , من تربيت على الرأس أو عناق أو تقبيل أو إمساك يد ؛ وقد جاء في ارثنا الإسلامي ما يؤكد ذلك , اذ قال الإمام الكاظم : (( الرحم اذا مسكت الرحم ؛ سكنت واطمأنت )) , واذا رفض الطفل كلامك فانزل الى مستوى عينيه وكلمه بهدوء وانتما في جلسة مستوية لطيفة , فالرفق والحنان والعطف يفتح مغاليق الشخصية الإنسانية وقد ورد عن الإمام علي ما يؤكد ذلك : (( بالرفق كادت تنال الحاجة ))
9- الأمن النفسي داخل الأسرة والمجتمع , فعدم شعور الأطفال بالأمن النفسي داخل محيطهم يؤدي إلى سلوكهم سلوكا منحرفا ؛ يؤذيهم ويلحق الضرر بعوائلهم ومجتمعاتهم , ولتحقيق الأمن النفسي لابد من إتباع عدة خطوات منها : إشعار الأطفال بان أهلهم ومحيطهم معهم دائما ؛ واني لأعجب من سلوك بعض المرضى النفسيين الذين ينظرون إلى أطفال الجيران أو الأقارب أو أبناء الحي .. نظرة ملؤها الاحتقار والازدراء والكراهية !!
كم هو قبيح وحقير من يعامل أطفال الآخرين بهذه الطريقة القذرة والمقززة ؟! .
وإشعارهم بالاعتزاز بهم , و توجيه الأطفال وعدم تثبيطهم عندما يرتكبون أخطاء , وإلقاء اللوم على الأفعال والظروف لا عليهم كي يشعروا بالأمن النفسي والثقة بالنفس , والتعرف على هواياتهم , ومشاركتهم أنشطتهم , وإشراكهم في تحمل المسؤوليات البسيطة التي تنمي فيهم روح الاعتماد على الذات … .
10- إعادة ثقة الطفل بنفسه و تشجيعه وتكريمه , وإبعاده عن أجواء العنف والضرب , وتوفير الحماية اللازمة للأطفال من الضرب والعنف الأسري ؛ من خلال توفير مراكز إعادة تأهيل تربوية حكومية تشرف عليها الدولة ومنظمات المجتمع المدني كما هو حاصل في الغرب تحميهم من إجرام وعنف الوالدين وغيرهم .. .
لئن يستهتر الولد , ويحطم الطفل أثاث البيت قطعة قطعة .. وأنا انظر إليه وانصحه بكل هدوء حتى ينشأ نشأة حرة أبية وطبيعية , ثم يهدئ ويكبر واثق الخطى قوي الجنان .. خير لي من ضربه وتعنيفه وترهيبه ؛ فينشأ هشا مشوشا , ضعيف الشخصية , أو خجولا , أو جبانا , أو مترددا , أو مدمن كحول أو مخدرات , أو منهارا , أو مريضا نفسيا … وأخيرا إذا أردت لفلذة كبدك أن يكون عبدا حقيرا وذليلا وتافها وهامشيا وسطحيا فأشبعه ضربا وركلا ورفسا والسلام على من اتبع الهدى!!! .