اسم الكاتب : رياض سعد
أظهرت بعض الدراسات النفسية والاجتماعية وأثبتت التجارب الواقعية بأن الاعتقاد بالأفكار الطوباوية والنظريات الدينية الخيالية وتبني الآراء المزيفة ؛ يترتب عليه الكثير من الآثار السلبية التي يمكن لها أن تضر بالعلاقات الاجتماعية والعائلية وتدمر الوشائج الإنسانية بين الناس ,وتساهم أيضا بتعقيد نفسية الإفراد وتشويه شخصياتهم وانحراف تفكيرهم و سلوكهم ؛ لان معتنقي هذه الافكار الميتافيزيقية والاوهام المرضية ينتظرون من مجتمعاتهم وأناسهم وأسرهم وأصدقائهم سلوكا معينا تجاههم ينسجم مع نظرتهم الطوباوية للكون وللحياة ويتناغم مع أفكارهم المريضة التي نمت كالطحالب في أبراجهم العاجية و ترسخت في صومعات اعتزالهم المظلمة ؛ على الرغم من كونها لا تمت للحياة والواقع والمنطق السليم بصلة, اذ هم ينتظرون منا تصرفات وسلوكيات غير واقعية ترضي خيالهم الهلامي وذهنيتهم المريضة , فضلا عن أنهم لا يشعرون بمدى خطورة تلك الاوهام عليهم ؛ فهي تعقد نفسية معتنقيها وتشوش سلسلة تفكيرهم و تنشأ صراعات نفسية حادة في دواخلهم كما مر انفا ؛ ولكن تبقى هذه المعتقدات والرؤى المنكوسة من اقوى وافتك اسلحة الخط المنكوس في العراق .
وبما ان هذه الاوهام وتلك الخزعبلات المريضة لا تجد لها طريقا سويا على كوكب الارض , اذ من الصعوبة بمكان تطبيقها في الخارج , و ان تعسر تطبيق تلك الاعتقادات والأفكار ينتج عنه لا محالة وقوع هؤلاء المنتفخون حد اللعنة فريسة سهلة للازدواج وانفصام الشخصية وتقمص أدوار متناقضة وسلوكيات مرتبكة غير طبيعية ولا منطقية , وتصريحات متهافتة تضحك لها الثكلى .
وعندما تجادلهم بالعلم والبرهان والمعرفة يهربون من الحقيقة والواقع هروبهم من الاسد ؛ متذرعين ببعض النصوص الدينية التي لا يفقهونها اصلا , او متحصنين بكهوف واقبية ايدلوجياتهم المسيسة ؛ مما يؤدي الى انتشار الشخصيات المعقدة والافكار المشوشة والفكر السطحي التافه والعادات والرؤى الانهزامية والتبريرية في مجتمعنا النبيل و وطننا العظيم .
ومن المضحك المبكي أن هؤلاء ينصبون أنفسهم دعاة لهذه المعتقدات والافكار والهرطقات ويعملون جاهدين لنشرها بين المواطنين , وكان الحري بهم التخلي عنها والتخلص منها, وإيجاد بدائل معرفية ترتكز على المنطق والتجربة والواقع والبرهان … ؛ تذلل الصعاب و تحل الأزمات و تبعد الويلات و توجه السلوك الإنساني نحو الوجهة الطبيعية كي ينعم بنو البشر بالسعادة والرخاء ويعيشون العلم والحقيقة والواقعية…
أما هذه الاعتقادات الدينية الركيكة والأفكار الطوباوية السقيمة فوظيفتها سلبية للغاية إذ تظهر الأمور على غير حقيقتها الواقعية , وتتناول وقائع الحياة وشؤون الإنسان بصورة سذاجة وسطحية وبدائية وتعلل أحداث الكون تعليلا غيبيا , وتعرض لنا بضاعتها المزجاة الكاسدة بطريقة دوغمائية يجب القبول بها على علاتها ولا يجوز لأحد التنصل من أحكامها الجزمية الحقة الصالحة لكل زمان ومكان حتى وان تحولت الظروف وتبدل الزمان وتغير الإنسان , فتعاليمها وأحكامها خيرة ونبيلة _ كما يدعون_ ولكن على الورق فحسب ولن تجد لها طريقا لمعايشة الواقع والخروج للحياة لا لأنها مستهدفة من قبل الطغاة – كما يدعون- بل لأنها خيالية وساذجة وغيبية لا تمت للواقع بصلة ولا تربطها وشيجة بالحياة.
والمشكلة تكمن بأن هذه الاوهام والترهات تطرح بطريقة تجعل قلب الساذج يخفق لسماعها ويصبوا لتحقيقها ويسعى لنشرها مما ينتج عنه نفسية واهمة وشخصية معقدة تعتقد بأن الحياة الطبيعية والسعيدة ينبغي بل يجب أن تكون بهذا الشكل الخيالي الطوباوي الذي تقره بعض النصوص الدينية والفلسفات والاعتقادات الهشة .
وياللاسف … ؛ إن أغلب هذه الاعتقادات والنصوص هي من صنع رجال دين رجعيين او فلاسفة منكوسين قبعوا في سراديبهم وأديرتهم وصوامعهم ومساجدهم , او ساسة عملاء من اذناب الخط المنكوس … ؛ ولم تبلور من قبل الحياة نفسها أو تكتب بيد صناع الحياة الكرام العباقرة ؛ فهي لم ولن تنسجم مع الكون أو بني البشر قط ؛ لذلك تبقى احتمالات نقلها إلى حيز الواقع والتطبيق ضعيفة ؛ نعم قد تحصل منها حالة من كل مليون حالة هذا في أحسن التقادير , والحالة التي تتحقق في الواقع سرعان ما تزول وتذهب لا لشيء ألا لأنها حالة طارئة مؤقتة طوبائية كورق الخريف يتبعثر بأدنى ريح تهب عليه .
فهذه الاعتقادات والأفكار تحلق بنا في السماء بعيدا عن أمنا الأرض وتحولنا إلى أناس مدمنين على الأفكار والرؤى الدينية العقيمة و والافكار والاوهام الخيالية التي تفسر ظواهر الوجود وأحداث الحياة تفسيرا ظلاميا وهلاميا وضبابيا ومطاطيا وغيبيا … .
وتمنينا بالنهايات السعيدة وتوعدنا بالحلول الناجعة ولكن هذه الحلول الناجحة والنهايات السعيدة نحصل عليها أما بعد الموت أو عند ظهور المهدي الموعود أو المنقذ العالمي المجهول , والطريف في الأمر أن البعض يستأنس بهذه الأفكار ويشعر بالسعادة عندما يقرئها كأنها تعمل عمل المخدر للذي يعيش الآلام ويريد التخلص منها بأية وسيلة ممكنة , فهو يمني نفسه بـ (عسى ولعل) تتحول هذه الحياة إلى جنة خضراء لا بؤس فيها ولا عذاب ولا عقبات ولا أمراض … ؛ نعم من الممكن أن تتحول الحياة من حال إلى حال ومن طور إلى طور ولكن بالجد والعلم والعمل لا بالهرطقات والمجادلات العقيمة والمعتقدات البالية , فعندما تحلق في السماء – ايها المتعصب – لا تنس بأن قدميك على الأرض .
فالاعتقاد بهكذا ظنون مرضية واراء وهمية يوقعنا بالوهم والوهن والهزيمة والجهل والضعف والتقهقر … ؛ لان الحياة تتطلب منا سعيا علميا وجهدا فكريا وعضليا كي نعمرها ونستثمرها والطريق لذلك يكمن في استنطاقها حتى تكشف لنا عن أسرارها ونواميسها وقوانينها عندئذ ننعم بخيراتها ونتجنب ويلاتها , لا أن نسقط النصوص عليها إسقاطا ونحاول معرفتها من خلال تلك النصوص والأفكار وأنى لنصوص وأفكارا محدودة وضيقة أن تحيط بهذا الكون الواسع الرحيب اللامتناهي , فمثلنا عندئذ مثل الذي يريد أن يكتشف الكون من خلال النظر إليه عبر عدسة مكسورة وفي غاية الضآلة والصغر!! .
قطعا مثل هكذا ناظر وبهذه العدسة الخربة لا يستطيع النظر إلى أبعد من موطأ قدميه مما يصيره كالأعمى وسط هذا الوجود العظيم , لاشي لديه يستند إليه ألا خياله وذهنه المتعب وعقائده الطوبائية البعيدة كل البعد عن حقائق هذا الكون .
وبالتالي لا يصح ألا الصحيح والواقعي والمنطقي وأما الخيال الضبابي والفكر الذي يرجم بالغيب زورا وتخبطا فسوف يذهب جفاء ؛ هذه سنة الوجود والحياة ولن تجد لقوانين الكون تبديلا.
وبالطبع هذا النقد لا يشمل جميع النصوص الدينية وبلا استثناء او كل الفلسفات العتيقة والافكار السياسية المؤدلجة من دون تمييز بين الصالح والطالح والجيد والسيء منها , نعم قد حفل التراث الديني العالمي و الاسلامي بالعديد من النصوص والرؤى والآراء الدينية الايجابية المشرقة والتي تتناغم مع الحقائق الكونية والمعطيات العلمية وتدفع بعجلة التطور الانساني نحو الامام .