اسم الكاتب : عدنان القطان
مدخل:
يعد مجلس الإعمار العراقي خلال العهد الملكي من أفضل ما تحقق من نهضة اقتصادية حقيقية يوثق إنجازاته ومشاريعه خصوصاً خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي، كانت ميزانيته لا تتعدى بضعة ملايين من الدولارات يوم لم يكن يعرف العراق المليارات من الدولارات كحالنا اليوم، لكن أموال الشعب كانت مصانة بأيدٍ أمينة.
لو عدنا إلى فترة تأسيس الدولة العراقية في ٢٣ آب ١٩٢١، وتساءلنا بماذا تميز العراق خلال تلك الفترة، فنقول: لقد تميز بضعف التنمية، فقد كان يعتمد على البرامج الحكومية ومناهج الوزارات في اتباع السياسات الاقتصادية الغير مستقرة التي كان يعيشها العراق ونعزو ذلك إلى التبدل الدائم للوزارات إضافة إلى المعضلة الرئيسية المتمثلة بقلة الموارد التي تحصل عليها الخزينة العراقية من واردات النفط المصدر بسبب احتكار الشركات الأجنبية للنفط وعدم وجود موارد أخرى في تلك الفترة، لذلك ترى أن مجموع النفقات الاجمالية المعروفة في مجال البناء منذ عام ١٩٣٢م الذي استغل فيه العراق بانضمامه إلى عصبة الأمم (الأمم المتحدة فيما بعد) لغاية ١٩٥٠م بلغت (٣٦) مليون دينار. وهذا يوضح مدى ضعف التنمية في العراق خلال عقد الثلاثينات والاربعينات لكن بعد الحرب العالمية الثانية وتداعياتها في السنوات التي محاولات حكومية حثيثة لإصلاح الأوضاع من خلال إتباع سياسة عمرانية واقتصادية جديدة تعتمد المركزية في التخطيط والتنفيذ خاصة بعد تحسن إيرادات العراق النفطية عام ١٩٥٢م حيث زادت واردات العراق من النفط من (٣) ملايين دينار عراقي عام ١٩٤٩م، إلى (٥٠) مليون دينار عراقي عام ١٩٥٣م.
ومن المفيد بالإشارة إلى أن حكومة توفيق السويدي الثالثة (٥ شباط ١٩٥٠ – ١٥ أيلول ١٩٥٠م) أول حكومة فكرت في ضرورة الاستفادة من واردات النفط، وتسخيرها لخدمة الإعمار العراقي، فتقدمت هذه الحكومة في ٦ نيسان ١٩٥٠م إلى مجلس النواب في اجتماعه الاعتيادي بلائحة قانون مجلس الإعمار، وأشاد عدد من النواب بهذا العمل الذي سيكون اللبنة الأولى في سياسة بناء البلاد، وبعد أن تليت مواد لائحة المجلس التي تكونت من أربع مواد شملت الأولى تشكيل المجلس يترأسه رئيس الوزراء وبعضوية وزيري المالية والإعمار وستة أعضاء آخرين يشكلون سكرتارية المجلس إضافة إلى اللجان المختصة.
وتطرقت المادة الثانية إلى الاختصاصات والسلطات، والمادة الثالثة فتحدثت عن واجبات المجلس، وبحثت المادة الرابعة في مالية المجلس، وعند التصويت حظيت اللائحة بالقبول من أعضاء المجلس، ليصدر القرار رقم (٧) لسنة ١٩٥٠م.
تركزت أهداف المجلس بالدرجة الأساسية على النهوض بالواقع العمراني والاقتصادي والصناعي في العراق ورفع مستوى معيشة الشعب من خلال توفير الوظائف وفرص العمل التي ستوفرها المشاريع المنجزة، ووضع مناهج تنفيذ للمشاريع المتعددة مع تقديم تقرير سنوي حول ما تم إعماره والمقترحات للمشاريع الجديدة.
وتلخصت الأهداف الاقتصادية لمجلس الإعمار بالتالي:
أولاً: تحقيق المشاريع التي تعود بالخير على الاقتصاد القومي.
ثانياً: تحقيق المشاريع التي ترفع مستوى معيشة الفرد إلى طبقة اجتماعية أعلى.
ثالثاً: التحفيف من ارهاصات الشعب في سكناه وفي مياه الشرب والكهرباء.
رابعاً: تكوين الملكيات الصغيرة والتوسع فيها لتخليص الاقتصاد الزراعي من وطأة النظام الاجتماعي والاقتصادي السقيم
وتحرير الفلاح.
خامساً: إيقاف نظام الاستيلاء الغير مشروع على الأراضي الأميرية، وإذا ما كان قانون التسوية قد أجاز ذلك، فيجب أن
يلغى هذا القانون.
سادساً: تكوين الخبرة الفنية وإقامة التعليم المهني والفني ليتسنى تنظيم حياتنا الاقتصادية بطريقة أفضل.
سابعاً: توحيد مشاريع الإعمار وجهة الإنتاج لتكثر مجالات العمل والإنتاج الأمر الذي يرفد الفرد ويقلل من اعتماد البلاد
على الأسواق الخارجية في سد احتياجاته الاستهلاكية.
ثامناً: تشجيع حركة التصنيع عن طريق المشاريع التي ينهض بها المجلس أو عن طريق المصرف الصناعي.
تاسعاً: رفع مستوى الفلاح الاجتماعي والاقتصادي وتحسين نوع الحاصلات وتنويعها وتقديم المساعدات الفنية والمالية.
عاشراً: تحسين طرق المواصلات البرية بإنشاء طرق ذات مواصفات عالية والتي أساسية وضرورية لكل تقدم وتطور.
الحادي عشر: وضع قانون النقل النهري والبحري موضع التنفيذ بعد إهمال طويل، وتوسيع السكك الحديدية والموانئ.
الثاني عشر: تحقيق المشاريع الكبرى لاستغلال الأراضي الزراعية الشاسعة.
وبهذا تكون الخطة الاقتصادية متكاملة شاملة للإنماء الاقتصادي والإعمار.
لقد جاءت تلك الزيارة بعد عقد وزارة نوري السعيد الحادية عشرة (١٥ أيلول ١٩٥٠ – ١٠ تموز ١٩٥٢م) اتفاقية مناصفة الأرباح مع الشركات الأجنبية العاملة في نفط العراق في عام ١٩٥١م، ولكن هذه المعاهدة لم يصادق عليها من قبل مجلس النواب العراقي إلا في شباط ١٩٥٢م، ومن حينها أصبح بالإمكان البدء بمشاريع الإعمار الذي تأسس بموجب قرار رقم (٧) لسنة ١٩٥٠م وتعديلاته في السنوات اللاحقة.
ومن الجدير بالذكر أن بنك الإعمار الدولي بعثت لجنة إلى العراق في ٢٥ شباط ١٩٥١م ضمت عدداً من الخبراء والمستشارين في ميادين الاقتصاد ومجالات الزراعة والصناعة والتعليم والصحة والإسكان، كان هدفها دراسة إمكانات العراق الاقتصادية ووضع برنامج تنمية لإعمار البلد، وبعد أربعة أشهر، أصدرت اللجنة توصياتها في تقرير تفصيلي للحكومة العراقية في ٢٧ حزيران ١٩٥١م.
لقد أرادت اللجنة حينها إقامة هيكلية اقتصادية موازية للحكومة العراقية وغير خاضعة لها تمكنها من العمل باستقلالية ومهنية، ولا ترتبط بالحكومة سوى بإشراف رئيس الوزراء وعضوية وزيري المالية والإعمار، حيث أصبح بالإمكان البدء بمشاريع الاعمار والبناء، فقد تم إنشاء مشاريع عمرانية وبنى تحتية كبرى لا تزال شاخصة حتى اليوم، – كما سنرى في الجزء الثاني–.