اسم الكاتب : سليم الحسني
كتبت عدداً كبيراً من المقالات النقدية ضد السيد محمد رضا السيستاني. وأطلقت عليه توصيف (حارس الباب) وكان بعض المقالات يتسم بالشدة.
في المقابل واجهت حملة بالغة القسوة من أنصاره، وهذا أمر كنتُ أتوقعه مسبقاً، فلم أكترث به، خصوصاً وأن الاقتراب من الشخصيات الدينية مسألة حساسة في مجتمعنا، فكيف إذا كان نجل المرجع الأكبر في عالم الشيعة؟
كنت أنطلق فيما كتبت من قضيتين أساسيتين:
الأولى: موقف السيد محمد رضا السيستاني من الإسلام السياسي ورجالاته، وهو موقف يتسم بالحذر إن لم نقل بالسلبية. وهو ما يشكل لي استفزازاً صعباً لكوني أنتمي تاريخياً الى هذا الخط، وقد تشبّعت به فكراً وثقافة ورؤية.
الثاني: الطريقة التي يتحكم بها السيد محمد رضا السيستاني في علاقة المرجع الأعلى مع الشخصيات الشيعية، وهذه النقطة مصدر شكوى الكثير من رجال الشيعة.
لست نادماً على ما كتبت بشأن النقطة الثانية. لكنني أعترف بخطأي بخصوص رجال الإسلام السياسي.
لقد وجدت خطأي هذا بعد تشكيل حكومة الإطار التنسيقي، فقد انكشفت لي حقيقة قادتها في ولائهم للأمريكان، وهي صدمة أخذت الكثير مني. لم أكن أتوقع بأنهم بهذه السرعة يتحولون من محور المقاومة الى محور الولاء لأمريكا. وهذا ما جعلني أعيد النظر في التقييمات السابقة، فأخرج من ورائها بأن المصلحة الذاتية الضيقة لقادة الإطار كانت واضحة عند السيد محمد رضا السيستاني بوقت مبكر، وأن معارضته لهم كانت لمعرفته بحقيقتهم.
من الممكن أن أجد تبريراً لموقفي، فأقول بأن قادة الإطار لم يكونوا كذلك، وإنما ضعفوا أمام الأمريكان بعد انسحاب السيد مقتدى الصدر من العملية السياسية، فأرادوا أن يمسكوا بالسلطة وامتيازاتها ويستحوذوا على مغانمها قبل فوات الفرصة.
ومع أن هذا هو التفسير الحقيقي لما كنت عليه وما انتهيت اليه، لكني مع ذلك أقول بأنه خطأ فادح وقعت فيه، ولا احتاج الى تبريره.
لقد عرف السيد محمد رضا السيستاني مع من يتعامل، فأدار ظهره لهم، ولقد فعل حسناً. لا أعرف سبب جفائه لهم، فربما يكون السبب لا علاقة له بموقفهم المتحول من الأمريكان، لكن النتيجة تبقى مشتركة، وهي أنهم ليسوا الرجال المؤهلين لقيادة الجمهور الشيعي في العملية السياسية.
في هذه النقطة اعترف بصحة موقف السيد محمد رضا السيستاني في رفضه لهم. إنهم يستحقون الرفض والإقصاء.
هناك مساحة مشتركة أخرى ولها أهميتها الكبيرة، وهي أن السيد محمد رضا السيستاني عرف مبكراً أن هؤلاء ليسوا رجال دولة، وأنهم لا يمكن أن يتعظوا من التجارب، وقد مشوا في طريق الفساد والمصالح الشخصية ونسوا الله فأنساهم أنفسهم، فما عاد الفقير والأموال العامة ووضع البلد يعني لهم شيئاً.
لقد كنت أعرف فسادهم، ولكني ظننت بهم خيراً بعد التجارب الصعبة التي مروا بها ومرّ بها العراق، خصوصاً بعد أحداث تشرين، وبعد الضغط الشديد الذي قام به السيد مقتدى الصدر ودخول أنصاره المنطقة الخضراء وكان يوشك أن يغيّر المشهد الأساسي من أسسه. لكنه آثر أن ينسحب ويترك لهم الجو صافياً ليشكلوا الحكومة، فكانت النتيجة أنهم كرروا الأخطاء وزادوا عليها، وكانت تلك صدمة قاسية كشفتْ بأن هؤلاء لا يرتجى منهم خيراً. وأنهم يسرفون أكثر كلما وجدوا فرصة لذلك.
لقد أحسنت الظن بهم، فكنت مخطئاً. اعترف بذلك علناً. وقد سبق أكثر من مرة أن أعلنتُ بأني لا أتردد في الاعتذار عندما اكتشف اخطائي فيما كتبت.
١٣ كانون الثاني ٢٠٢٤