نوفمبر 5, 2024
images

اعداد : معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني.

إضاءات عاشورائية

المحصَّل من كلمات اللغويّين وغيرهم أنّ الشعيرة تستعمل بكثرة بمعنى العلامة والاستعلام .

الشعيرة والشعائر:

المحصَّل من كلمات اللغويّين وغيرهم أنّ الشعيرة تستعمل بكثرة بمعنى العلامة والاستعلام.

قال الجوهريّ في الصحاح: الشعائر أعمال الحجّ، وكلّ ما جُعل عَلَماً لطاعة الله تعالى، والمشاعر: مواضع المناسك، والمشاعر الحواس، والشعار ما ولي الجسد من الثياب، وشعار القوم في الحرب: علامتهم ليعرف بعضهم بعضاً، وأشعر الرجل همّاً، إذا لزق بمكان الشعار من الثياب في الجسد..1.

وقد تُضاف هذه الكلمة إلى لفظ الجلالة “الله” فيقال شعائر الله، وقد تُضاف إلى غيرها كالدّين أو الإسلام أو المذهب، فيقال الشعائر الدّينيّة أو الإسلاميّة أو المذهبيّة، وقد تضاف إلى معنى دينيّ خاصّ أو شخصيّة دينيّة، فيقال: شعائر الحجّ مثلاً، أو الشعائر الحسينيّة.

وقد ورد التعبير عن الشعائر في آيات عديدة من كتاب الله العزيز، وبتعابير مختلفة، نكتفي بعرض بعض منها، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾2. وقال سبحانه: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾3، وقال تبارك اسمه: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ وقال عزّ من قائل: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ﴾5، وكذلك قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾6، إلى غير ذلك من الآيات التي بمعناها..

فالشعائر- كما يتضح من معناها – مجموعة من الأمور التي يتمّ إقامتها من قبل جميع طبقات المجتمع وشرائح المجتمع الإسلاميّ، بدون اختصاص بفئة دون فئة، أو مجموعة دون مجموعة، يراد منها التركيز على جانب الإعلام الدّينيّ، كنشر الدّين، أو معنى من معانيه، أو حكم من أحكامه، بهدف إعلاء الدّين وإقامة معالمه في النفوس والسلوك الاجتماعيّ.

فالشعيرة الدّينيّة تحتوي على ركنين: ركن النشر والإعلام، وركن الإعلاء والاعتزاز وحفظ الهويّة الدّينيّة.

ومن هنا فلا يصحّ الاستهانة بهذه الرموز والشعارات الإسلاميّة، فإنّ لها دوراً كبيراً في تحديد الهويّة الحضاريّة للأمّة الإسلاميّة، لأنّ هذه الرموز والشعائر الدّينيّة سواء شعائر الحجّ أو الشعائر الحسينيّة أو شعائر الصلاة أو شعائر المسجد أو شعائر قبور الأئمّة عليهم السلام تعدّ بقاء للمعالم التاريخيّة والحضاريّة للمسلمين7.

الشعائر الحسينيّة:

وفي هذا السياق يقع الحديث عن الشعائر الحسينيّة، التي لها دور مزدوج بالغ الأهميّة:
فهي أوّلاً: وسائل للتعبير عن انشداد الجمهور إلى عاشوراء وارتباطهم العاطفيّ بهذا الحدث المهمّ، والذي يعتبر من أهمّ أحداث التاريخ الإسلاميّ.
ولها ثانياً: دور فاعل في إذكاء جذوة الثورة والتحريك لذكرى هذا اليوم الحسّاس في تاريخ المسلمين.

وبذلك فإنّ للشعائر الحسينيّة دور “التعبير” عن عواطف الجمهور، ودور “التفعيل” للحالة الثوريّة والحركيّة لهذا اليوم الخطير في تاريخ الإسلام. ولا نعرف يوماً آخر في تاريخ الإسلام يستقطب عواطف الجمهور بقوّة ويفعّل في نفوسهم الحالة الحركيّة والعاطفيّة كهذا اليوم. ولا شكّ أنّ لهذه الشعائر قيمة كبيرة في كلّ ذلك8.

كما أنّ لها أدواراً عديدة تتصل بها هي أعمق من ذلك وأكبر نشير منها إلى:
الدور العميق في حفظ الرسالة الإسلاميّة، وبقاء الدّين الحقّ، الدّين المحمّديّ الأصيل، وإحيائه من جديد.

كذلك لها الدور الأساس في تثبيت أهداف نهضة الإمام الحسين عليه السلام في نفوس الموالين والمحبّين والمسلمين، كما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تعدّ إقامة الشعائر الحسينيّة من أوضح مظاهر إحيائه.

كما أنّ لها الدور الكبير في تثبيت مودّة أهل البيت عليهم السلام المفروضة على الأمّة في قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾9، بما تحقّقه من إبراز للمحبّة، كما لها دور أساس في التبرّي من أعدائهم، فإنّ التألّم لمصابهم عليهم السلام والحزن لحزنهم هو نوع من التولّي لهم والتبرّي من أعدائهم، بما يكشفه من تضامن معهم والوقوف في صفّهم، فإنّ علامة المودّة هي الفرح لمن تودّه، والحزن لحزنه، وعلامة البغضاء والعداوة هي الفرح لحزن المبغوض والحزن لفرح المبغوض.

وكذلك في إقامة هذه الشعائر إحياء لأمر الأئمّة عليهم السلام، حيث ورد عنهم القول: “رحم الله من أحيا أمرنا”10،.11

الشعائر: تنوّعها وأشكالها

وتختلف الشعائر الحسينيّة في طرق إحيائها من حيث الشكل والصورة، وتنقسم إلى أقسام عديدة: كإقامة المجالس، والبكاء، والإبكاء، واللَّطم، والمواكب والمسيرات، والزيارة، وإقامة التشابيه والمسرحيّات والتمثيل للواقعة، إلى غير ذلك من أشكال وألوان وصور الإحياء وكيفيّته.

وجلّ هذه الطرق والأشكال ممّا تعارف على إحيائها وإقامتها المحبّون والموالون، وتوارثوها من قديم الأزمان، في مختلف الأماكن والبلدان، وبمرأى ومسمع من العلماء والفقهاء، والمحبّين والأعداء12.

إلّا أنّه وللأسف فقد دخل – وبشكل محدود – في بعض أشكال الإحياء ما يسيء إلى الشعائر الحسينيّة وقداستها وقيمتها، ويضرّ بأهدافها ودورها، ويؤدّي إلى نقض الغرض من توظيفها في خدمة الدّين وأهداف النهضة الحسينيّة المباركة، ممّا دعا العلماء الأعلام على مرّ العصور إلى الدعوة لتنزيهها عمّا يمكن أن يشينها ويضرّ بهدفيّتها.

ويعجبنا أن ننقل هنا بعضاً ممّا جاء في كلام للشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء يوصي به أصحاب المواكب وأهل إقامة العزاء والشعائر الحسينيّة:

ووصيّتي ونصيحتي ورغبتي وطلبي من كافّة إخواننا المؤمنين، أمران مهمّان:
الأوّل: تنزيه المواكب الحسينيّة الشريفة من كلّ ما يشينها ويدنّسها ويخرج بها عن عنوان مظاهر الحزن والفجيعة، إذ ليس الغرض من تكرار فاجعة الطفّ كلّ سنة بل كلّ يوم اللهو واللعب بقصّة من الأقاصيص وعجيبة من الأعاجيب، بل في ذلك من الحكم السامية والأسرار المقدّسة ما يقصر عنه اللسان ويضيق به البيان، فاللازم تطهير تلك المواكب الشريفة عن كلّ ما يمسّ شرفها وكرامتها حتّى يترتّب عليها آثارها المشروعة وغاياتها الشريفة، التي من أجلها وفي سبيلها بذل الحسين، أرواحنا فداه، نفسه وأفلاذ قلبه وأعزّ أهل بيته وأصحابه، حتّى جرى عليه من زوابع الفجايع ما لم يجر على بشر ولا نحسبه يجري على أحد من بعده.

الأمر الثاني: ولعلّه أهمّ من الأوّل، ألا وهو رفض هذه الخلافات والمشاجرات التي لا تعود إلّا بالضرر المبيد والضعف المهلك علينا معشَر المؤمنين، إنّما اللازم المحتّم علينا (لا) سيّما في مثل هذه الأعصار أن نكون يداً واحدة أمام العدوّ الذي لا يزال يجدّ ويدأب في هدم بيوتٍ أذن الله أن تُرفع..13.

الخطوط العامّة لتوجيه الشعائر الحسينيّة:

ولهذا كان لا بدّ من رسم الخطوط والعناصر الأساسيّة لتوجيه الشعائر الحسينيّة، ونحن ننقل هنا ما ذكره بعض الأعلام في هذا المجال من خطوط وعناصر أساسيّة، وهي:

1- التمسّك بنصوص وروايات أهل البيت عليهم السلام في إقامة مجالس العزاء الحسينيّ وإقامة الشعائر الحسينيّة، وهذه الروايات كثيرة ومنتشرة في الكتب الموثوقة.

2- الشعائر الموروثة من سلفنا الصالح على أيدي العلماء العاملين منذ عصر الغيبة إلى اليوم، والتي تلقّاها علماؤنا جيلاً بعد جيل بالتأييد والدعم كإقامة مجالس العزاء ومواكب العزاء والبكاء والزيارة وما أشبه.

3- أن لا يكون في هذه الشعائر ما يسبّب وهناً أو ضعفاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ولا يعكس صورة سلبيّة أو موهونة لمذهب أهل البيت عليهم السلام.

4- أن تعكس ظلامة أهل البيت عليهم السلام والمآسي التي مرّت عليهم وتعكس ظلم الظالمين وتجرّؤهم على الله ورسوله وأوليائه.

5- أن تعكس ثورة أهل البيت عليهم السلام وحركتهم وخروجهم على الظالمين وعدم رضوخهم لهم.

6- أن تحفظ للجمهور عاطفته وانشداده لمأساة عاشوراء، ويصعّد هذه العلاقة والانشداد النفسيّ لمأساة الطفّ.

7- أن تعكس رسالة أهل البيت ووعيهم للإسلام ولمواقفهم ويكون مجالاً خصباً لدعوة الناس إلى الإسلام وتوجيههم إلى هدي أهل البيت عليهم السلام ومجالاً خصباً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعريف بمفاهيم الإسلام وهدي القرآن، ودعوة الناس إلى إقامة الصلاة وسائر فرائض الله سبحانه.

وكذلك ينبغي أن يسعى العلماء والخطباء دائماً إلى توجيه الشعائر والمجالس الحسينيّة وتهذيبها وإقامتها وفق برنامج مدروس14.

الإمام الخميني قدس سره والشعائر الحسينيّة:

يؤكّد إمام الأمّة روح الله الموسويّ الخميني قدس سره على ضرورة إحياء الشعائر الحسينيّة، والمحافظة على إحيائها، وعدم الإصغاء إلى أصوات المشكّكين أو المنحرفين أو الأعداء، فيقول قدس سره: ينبغي أن تحافظوا على مجالس عزاء الأئمّة الأطهار عليهم السلام فهذه المجالس هي شعائرنا الدّينيّة التي يجب أن نحافظ عليها. وهذه المجالس هي شعائر سياسيّة أيضاً ينبغي المحافظة عليها. ولا يغرّر بكم هؤلاء المتلاعبون بالأقلام ولا يستغفلكم هؤلاء الأشخاص ذوو الأسماء المختلفة والأهداف الانحرافيّة، فهم يريدون أن يأخذوا منكم كلّ شيء.

يجب أن تبقى المجالس الحسينيّة ومواكب العزاء على حالها، وينبغي أن يحيي الخطباء ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام، وليعِ الشعب قيمة هذه الشعائر الإسلاميّة، وليهتمّوا بهذه المآتم خصوصاً، فبإحياء ذكرى سيّد الشهداء عليه السلام يحيا الإسلام15.

ويمكن لنا أن نشير إلى بعض ما جاء في كلمات الإمام رضوان الله عليه في مجال الشعائر الحسينيّة، ضمن العناوين الآتية:

1- التأكيد على ضرورة إحياء مجالس العزاء والشعائر الحسينيّة بشكل عامّ، كونها التي ساهمت في بقاء الإسلام وحفظه، وكذلك ساهمت في تحقيق الأهداف الحسينيّة، وكانت ولا تزال عنوان مواجهة ظلم الظالمين.

يقول قدس سره: إنّ الذي صان الإسلام وأبقاه حيّاً حتّى وصل إلينا نحن المجتمعين هنا هو الإمام الحسين عليه السلام الذي ضحّى بكلّ ما يملك وقدَّم الغالي والنفيس، وضحّى بالشباب والأصحاب من أهله وأنصاره في سبيل الله عزَّ وجلّ، ونهض من أجل رفعة الإسلام، ومعارضة الظلم…

ونحن السائرين على نهجه والمقتفين لآثاره، والمقيمين لمجالس العزاء التي أمرنا بها الإمام الصادق عليه السلام وأئمّة الهدى عليهم السلام، إنّما نكرّر عين ما كان، ونقول ما كان يقوله الإمام ويروم تحقيقه، ألا وهو مكافحة الظلم.

ونحن وخطباؤنا إنّما سعينا لإبقاء قضيّة كربلاء حيّة، قضيّة مواجهة الثلّة المؤمنة القليلة لنظام طاغوتيّ متجبّر، ونهوضها بوجهه مستمرّة متواصلة.

إنّ البكاء على الشهيد يُعدّ إبقاءً على اتقاد جذوة الثورة وتأجّجها، وما ورد في الروايات من: أنّ مَن بكى أو تباكى أو تظاهر بالحزن فإنّ أجره الجنّة، إنّما يفسّر بكون هذا الشخص يساهم في صيانة نهضة الإمام الحسين عليه السلام16.

إنّ هذه المنابر وهذه المجالس والتعازي ومواكب اللطم هي التي حفظت لنا الإسلام17.

2- التوجّه إلى البعد السياسيّ لمجالس العزاء:
يقول قدس سره أيضاً: إنّ ما أودّ أن أعرضه على السادة الخطباء هنا هو أنّ قيمة العمل الذي يقومون به ومدى أهمّيّة مجالس العزاء لم تدرك إلّا قليلاً، ولربّما لم تدرك بالمرّة، فالروايات التي تقول: إنّ كلّ دمعة تُذرف لمصاب الحسين عليه السلام لها من الثواب كذا وكذا، وتلك الروايات التي تؤكّد أنّ ثواب من بكى أو تباكى… لم تكن من باب أنّ سيّد المظلومين عليه السلام بحاجة إلى مثل هذا العمل، ولا لغرض أن ينالوا هم وسائر المسلمين هذا الأجر والثواب بالرغم من أنّه محرز ولا شكّ فيه حتماً، ولكن لِمَ جُعل هذا الثواب العظيم لمجالس العزاء؟ ولماذا يجزي الله تبارك وتعالى من بكى أو تباكى بمثل هذا الثواب والجزاء العظيم؟

إنّ ذلك يتّضح تدريجيّاً من ناحيته السياسيّة، وسيُعرف أكثر فيما بعد إن شاء الله. إنّ هذا الثواب المخصّص للبكاء ومجالس العزاء، إنّما يُعطى – علاوة على الناحية العباديّة والمعنويّة- على الناحية السياسيّة، فهناك مغزى سياسيّ لهذه المجالس.

لقد قيلت هذه الروايات في وقت كانت هذه الفرقة الناجية مبتلاة بالحكم الأمويّ، وأكثر منه بالحكم العبّاسيّ، وكانت فئة قليلة مستضعفة تواجه قوى كبرى.

لذا وبهدف بناء هذه الأقلّيّة وتحويلها إلى حركة متجانسة، اختطّوا لها طريقاً بنّاءً، وتمّ ربطها بمنابع الوحي، وبيت النبوّة وأئمّة الهدى عليهم السلام، فراحوا يخبرونهم بعظمة هذه المجالس واستحقاق الدموع التي تُذرف فيها الثواب الجزيل ممّا جمع الشيعة – على الرغم من كونهم آنذاك أقلّيّة مستضعفة – في تجمّعات مذهبيّة ولربّما لم يكن الكثير منهم يعرف حقيقة الأمر، ولكن الهدف كان بناء هيكل هذه الأقلّيّة مقابل الأكثريّة18.

3- صنع النماذج والنخب القياديّة والجهاديّة:
يقول قدس سره: إنّ هذه المجالس التي تذكر فيها مصائب سيّد المظلومين عليه السلام وتظهر مظلوميّة ذلك.. (الإمام) الذي ضحّى بنفسه وبأولاده وأنصاره في سبيل الله، هي التي خرّجت أولئك الشبّان الذين يتحرّقون شوقاً للذهاب إلى الجبهات ويطلبون الشهادة ويفخرون بها، وتراهم يحزنون إذا هم لم يحصلوا عليها.

هذه المجالس هي التي خرّجت أمّهات يفقدن أبناءهنّ ثمّ يقلن بأنّ لديهن غيرهم وأنّهنّ مستعدّات للتضحية بهم أيضاً.

إنّها مجالس سيّد الشهداء عليه السلام ومجالس الأدعية من دعاء كميل وغيره، هي التي تصنع مثل هذه النماذج وتبنيها، وقد وضع الإسلام أساس ذلك منذ البداية وعلى هذه الركائز، وقدّر أن يتقدّم ويشقّ طريقه وفق هذا المنهج19.

ولم يغفل الإمام رضوان الله عليه عن التوصية بترك بعض الممارسات الخاطئة التي تسيء إلى الشعائر فقال:

ينبغي أن تعلموا أنّكم إذا أردتم الحفاظ على نهضتكم فيجب أن تحافظوا على هذه الشعائر والسنن، وطبعاً فإنّه إذا كانت هناك أعمال وممارسات منحرفة وخاطئة يرتكبها أشخاص غير مطّلعين على المسائل الإسلاميّة فيجب أن تتمّ تصفيتها، لكنّ المواكب والمآتم ينبغي أن تبقى على قوّتها20.

الإمام الخامنئيّ والشعائر الحسينيّة:

وعلى نفس الطريق سار وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ دام ظله بالتوصية بالاهتمام بإحياء المجالس والشعائر، وكذلك في التنبيه على تصفيتها من الشوائب التي تعرضها أحياناً.

قال دام ظله: ذكرى عاشوراء ليست مجرّد ذكر لبعض الخواطر والذكريات والأحداث فقط، وإنّما هي تبيان لحادثة في غاية الأهمّيّة، ولها عدد غير محدود من الأبعاد والجوانب التي تركت أعمق الآثار في حياة الأمّة الإسلاميّة على مرّ التاريخ.

إذاً فالتذكير بهذه الفاجعة هو موضوع يمكن أن يتبلور عنه كثير من الخيرات والبركات لأبناء الأمّة، لذا تلاحظون أنّ قضيّة البكاء والإبكاء على الإمام الحسين عليه السلام كانت تحتلّ مكانة متميّزة في زمن الأئمّة عليهم السلام. فلا يتصورنّ أحد أنّه مع وجود المنطق والاستدلال فما هي الحاجة للبكاء وما هي الحاجة للبحث في قضايا قديمة من هذا القبيل؟

إنّ هذا النوع من التفكير بيّن البطلان لأنّ لكلٍّ من هذه الأمور دوراً في بناء شخصيّة الإنسان وتكامله، فالعواطف لها دورها والمنطق والبرهان لهما دورهما المهمّ أيضاً. فالعاطفة لها دور في حلّ كثير من المشاكل والمعضلات التي يعجز المنطق والاستدلال عن حلّها…

طبعاً فإنّ كلّ مشاعر وأحاسيس صادقة تنطوي على برهان فلسفيّ واستدلال عقليّ..

وحادثة عاشوراء تنطوي في طبيعتها وذاتها على بحر زاخر من العواطف الصادقة، فهذه الفاجعة جاءت نتيجة لثورة إنسان عظيم ومعصوم، إنسان لا يمكن التشكيك بمقدار ذرّة في شخصيّته المتسامية، ويقرّ جميع المنصفين في العالم بتعالي هدفه وهو: إنقاذ المجتمع من براثن الظلم والاستعباد…

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الفائدة التي يجب أن تُجنى من هذه الذكرى ومن هذه المجالس؟ وما هو الطريق لشكر هذه النعمة؟

…هذه النعمة الكبيرة هي التي تربط القلوب بمنابع الإيمان بالله وبالغيب مباشرة، وهي التي جعلت الحكّام الطواغيت على طول التاريخ يرتجفون خوفاً وفزعاً من عاشوراء ومن قبر الإمام الحسين عليه السلام. فقد بدأ هذا الخوف منذ زمن بني أميّة وتواصل إلى يومنا هذا…

وقد عرف إمامنا الراحل رضوان الله عليه – ذلك الرجل وصاحب النظرة الثاقبة – كيف يستغلّ أيّام عاشوراء من أجل السعي إلى تحقيق أهداف الإمام الحسين عليه السلام العظيمة، فقد أعلن رضوان الله عليه بأنّ محرّم هو شهر انتصار الدم على السيف، وبهذا المنطق – وببركة شهر محرّم – انتصر الدم على السيف في إيران الإسلاميّة، وكما خطّط له الإمام الراحل رضوان الله عليه…

هناك أمور تقرّب الناس إلى الله وتعزّز تمسّكهم بتعاليم الدّين، ومن هذه الأمور هي مراسم العزاء التقليديّة، وأنّ ما أوصانا الإمام رضوان الله تعالى عليه بإقامة مراسم العزاء التقليديّة هو المشاركة في المجالس الحسينيّة ونعي الإمام الحسين عليه السلام، والبكاء عليه واللطم على الصدور في مواكب العزاء، وهي من الأمور التي تعزّز المشاعر الجيّاشة إزاء أهل البيت عليهم السلام21.

لماذا إقامة الشعائر الحسينيّة؟ وكيف تقام؟


والسؤال الذي يطرح نفسه:
أوّلاً: لماذا إقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام وإحياء شعائره؟
وثانياً: كيف نحيي هذه الشعائر وما هي أنواعها وأشكالها المقبولة والواردة عن أهل البيت عليهم السلام؟

* كتاب الشعائر الحسينية – إحياؤها وأبعادها، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، إعداد : معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني.


1- الصحاح، ج 2، ص 699.
2- سورة المائدة، الآية: 2.
3- سورة الحجّ، الآية: 32.
4- سورة الحجّ، الآية: 36.
5- سورة البقرة، الآية: 158.
6- سورة الحجّ، الآية: 30.
7- أنظر: الشعائر الحسينيّة بين الأصالة والتجديد، ص23،22و 32و ما بعدها..
8- الشعائر الحسينيّة، إعداد السيّد محمود الغريفي، نقلاً عن مقالة للشيخ محمّد مهدي الآصفي بعنوان: الشعائر الحسينيّة ودورها الفاعل في تاريخ الأمّة، ص 103- 104.
9- سورة الشورى، الآية: 23.
10- بحار الأنوار، ج 51، ص 2.
11- أنظر: الشعائر الحسينيّة بين الأصالة والتجديد، ص38.
12- المصدر السابق.
13- الآيات البيّنات في قمع البدع والضلالات، ص 10- 11.
14- الشعائر الحسينيّة، إعداد السيّد محمود الغريفي، نقلاً عن مقالة للشيخ محمّد مهدي الآصفي بعنوان: الشعائر الحسينيّة ودورها الفاعل في تاريخ الأمّة، ص 111- 112.
15- نهضة عاشوراء، الإمام الخمينيّ، ص 105- 106.
16- نهضة عاشوراء، الإمام الخمينيّ، ص 7-8.
17- المصدر السابق، ص 92.
18- نهضة عاشوراء، الإمام الخمينيّ، ص 12- 13.
19- نهضة عاشوراء، الإمام الخمينيّ، ص 18.
20- المصدر السابق، ص 111- 112.
21- من خطاب له دام ظله ألقاه في جمع من العلماء والفضلاء بتاريخ 29 ذي الحجّة سنة 1414 هجريّ قمريّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *