نوفمبر 14, 2024

اسم الكاتب : عبد الله جعفر كوفلي


يوماً بعد يوم نقترب من موعد إجراء انتخابات برلمان كوردستان للدورة السادسة، المقررة في ٢٠٢٤/١٠/٢٠، حيث تجريالاستعدادات اللازمة على قدم وساق من قبل المفوضية العلياالمستقلة للانتخابات العراقية بالتنسيق مع الجهات المعنية فيالاقليم، وهذه إحدى نقاط تمييز هذه الانتخابات عن سابقاتها، بعد أن كانت الانتخابات التي تجري في إقليم كوردستان تُشرف عليها مفوضية الانتخابات في الإقليم. قبل أيام جرت القرعة النهائية لأرقام القوائم والمرشحين المستقلين، وحصل كل منهم على رقمه الانتخابي. ومن جانب آخر، تستعد الأحزاب السياسية والقوائم والمرشحون لخوض الانتخابات البرلمانية، وبدأوا بشكل غير رسمي بتنفيذ أجزاء من برامجهم بزيارات ميدانية للعوائل والمناطق والمؤسسات التي يرون فيها الفرصة السانحة لإقناعهم بضرورة التوجه إلى مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات والإدلاء بأصواتهم والتصويت لصالحهم.

وفي كل يوم تشتد المنافسة بين الأحزاب والمرشحين، ويحاول كل منهم بيان نقاط قوته ومكانته ومنجزاته ومواطن ضعف الآخر ونكساته. وتعد هذه ظاهرة طبيعية، بل وصحية، في الأيام التي تسبق يوم الاقتراع، مع ضرورة التزام كل الأطراف المعنية بالحفاظ على المصالح العليا المشتركة للبلاد، والحفاظ على أمنها واستقرارها، وعدم اللجوء إلى العنف أو القوة ضد الآخرين، أو استخدام أساليب وكلمات غير لائقة وبذيئة لا تمت إلى الأخلاق والقيم الحميدة بصلة.

النقطة الجوهرية في الموضوع أن الأجهزة الأمنية المسؤولة عن توفير الحماية للمواطنين لا تقف مكتوفة الأيدي، بل على العكس من ذلك، فإن مسؤوليتها تزداد وتكثف جهودها، وتضع خططها، وتوزع مهامها، وتنسق أعمالها بشكل أفضل وأدق بالمقارنة مع الأيام الاعتيادية، لعلمها بأن أحد عوامل وشروط نجاح أية عملية انتخابية يكمن في توفير الأمن والاستقرار بشكل عام، وخاصة أمن مراكز الاقتراع وسلامة المشرفين عليها وحماية المرشحين والناخبين ومنحهم الفرصة المناسبة للإدلاء بأصواتهم دون خوف أو ترهيب وحماية عملية فرز الأصوات، وتأمين نقل الصناديق الانتخابية إلى الأماكن المحددة لها مسبقاً من قبل الجهات المعنية. عليه، فإن نجاح أية عملية انتخابية مرهون بمدى توفر الأمن، فلا يمكن تصور إجرائها أصلاً في حالة عدم توفر الأمن والاستقرار، أي في ظل الخوف والقلق، فكيف يمكن تصور نجاحها.

الأمن الانتخابي مفهوم واسع النطاق، لأن الانتخابات بصورة عامة لا تخلو من التدخلات والتأثيرات الجانبية الخارجية والداخلية التي ترغب في وجهتها حسب ما يقتضيه مصالحهم الخاصة وتدعّم هذا وتهمل ذاك، بالإضافة إلى المنافسة الشديدة بين المرشحين وجمهورهم. لذا فإن هذا المفهوم يشمل الجوانب التالية:

– أمن المجتمع بصورة عامة، حيث إنّ وجود الأفراد والمجتمع شرط أساسي لإجراء الانتخابات، وإن كانت نسبة منهم لا يشاركون في التصويت أو يقاطعونها لأسباب تخصهم، إلا أنهم يتأثرون بمخرجات هذه العملية الديمقراطية. لذا فإن الأجهزة الأمنية مسؤولة عن أمن المجتمع بكامله، وبخطط أدق من سابقتها وأكثر حرصاً وبذل جهد، لأن المجتمع يكون خلال هذه الفترة تحت الأنظار والمجاهر والمراقبة.

– أمن المفوضية المستقلة للانتخابات والعاملين معها، نظراً لدورهم الفعّال والمؤثر في إدارة هذه العملية بشفافية ونزاهة وموضوعية، حيث تكون الأجهزة الأمنية معنية بتوفير الحماية اللازمة لأمن المشرفين والعاملين على إجراء الانتخابات من أعلاهم إلى أدناهم، بالإضافة إلى ممثلي الأحزاب السياسية والقوائم المشاركة والمرشحين المستقلين، وكذلك أمن البعثات الدبلوماسية والأجهزة الإعلامية المختلفة وممثلي المنظمات الدولية المعنية وغيرهم من الجهات الرسمية.

– أمن المرشحين، حيث أن المرشح هو أحد أفراد المجتمع، ولكنه يمر بمرحلة صعبة وحرجة، ويكون منشغلاً بالحملة الانتخابية ومحاولة كسب التأييد الشعبي، وسرعان ما يتجول هنا وهناك. وقد يتعرض لضغوط كبيرة وتهديدات ومحاولات للإساءة له من قبل معارضيه، خاصة في أماكن الاجتماعات والاتصال بالجماهير، سواء بقصد الإهانة أو دفعه إلى الخروج من السباق الانتخابي أو إظهار ضعفه أمام الناخبين وفقدان الثقة به وبقدراته. لذا فهو بحاجة ماسة إلى تأمين أمنه الشخصي في حله وترحاله، خاصة في الأيام التي تشتد فيها المنافسة، سواء كانت بين المرشحين من القوائم المختلفة أو المرشحين من القائمة الواحدة، لأن الجميع يحاول الفوز بالانتخابات.

من جانب آخر، فإن المرشحين والأشخاص القريبين منهم يقومون بتعليق صورهم وتعليقاتهم في الأماكن المخصصة لذلك من قبل الجهات المعنية، كلوحة فنيّة جميلة وكثيراً ما يقدّم البعض من أصحاب النفوس الضعيفة على تمزيقها أو ازالتها بقصد الإساءة الى المرشح او لأي غرض كان، فإن الأجهزة الأمنية مكلفة بالحفاظ على هذه الصور والتعليقات سواء كانت ضوئية أو على شكل لافتات في الإطار القانوني.

– أمن الناخبين، حيث أن الناخب فرد من المجتمع، لكنه ليس كبقية أيامه، خاصة أن حبه وولاءه لمرشحه يفوقان عن أي وقت آخر، وغالباً ما يكون مستعداً للدفاع عنه بشتى الوسائل الممكنة. وهذا ما يعرضه للانتقاد والعنف وأحداث الشغب، مما يتطلب جهداً إضافياً من الأجهزة الأمنية لحماية الناخبين في أيام الحملات الدعائية للانتخابات ويوم الاقتراع.

– أمن مراكز الاقتراع، حيث تجري الانتخابات وفق تقسيم المناطق إلى دوائر انتخابية، وكل دائرة تنقسم بدورها إلى مراكز متعددة، ويتم استغلال المدارس لهذا الغرض. لذا فإن هذه المدارس بحاجة إلى تأمين الأمن لها قبل أيام من إجراء الانتخابات وحتى الانتهاء منها وفرز الأصوات. فكل مركز بحاجة إلى خطة أمنية خاصة ضمن الخطة الأمنية الشاملة.

– أمن صناديق الاقتراع، حيث يتم بعد فرز الأصوات وتسجيل النتائج نقل الصناديق وفق إجراءات أمنية مشددة إلى المكان المحدد لها من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ليتم العودة إليها عند وجود الشكاوى. لذا فإن أمن هذه الصناديق وسلامة نقلها يقع على عاتق الأجهزة الأمنية، وكذلك توفير الحماية اللازمة لها في ذلك المكان إلى أن يتم الانتهاء من عمليات الفرز وانتهاء مدد تقديم الشكاوى.

– أمن احتفالات الأحزاب والقوائم والمرشحين الفائزين، حيث تبدأ الاحتفالات فور إعلان المفوضية العليا للانتخابات النتائج الأولية. يتجمع الفائزون بمقاعد البرلمان ويخرجون إلى الشوارع في أرتال، تعبيراً عن انتصارهم وثقة المواطنين بهم. لذا فإن هذه التجمعات الجماهيرية بحاجة ماسة إلى توفير الحماية الكاملة لهم وفق خطط واضحة وسليمة، خاصة أن الجماهير تعبر عن سعادتها بالفوز بالانتخابات بشتى الطرق الممكنة، وقد تتصادم مع بعضها البعض، مما يؤدي إلى تعكير صفو الحياة العامة، لذا فإن حماية أمن الجماهير ضرورية من قبل الجهات المعنية بالأمن.

من هنا يتبين أن امن الانتخابات عبارة عن منظومة أمنية مترابطة ومتداخلة ومتأثرة بحيث ان ادنى خلل في احدى أجزاءه يؤثر على الأجزاء الأخرى.

خلاصة الأمر أن توفير الأمن عامل مهم جداً وشرط أساسي لنجاح أية عملية انتخابية، بل إن نجاحها مرتبط بمدى توفر الأمن. لذا فإن الأجهزة الأمنية تدرس الواقع بشكل جيد، وتخطط، وتنفذ حرفياً ما رسمته، وتتابع وتكثف جهودها لتحقيق الأهداف المرجوة من برامجها.

نقصد كلّ الاجهزة الأمنية بمختلف تخصصاتها وفق تنسيق مستمر بيّنها ليؤدي كلّ منها دوره المرسوم له.

نتمنى عملية انتخابية آمنة وناجحة بكل المعايير لانتخابات برلمان كوردستان المزمع إجراؤها في ٢٠٢٤/١٠/٢٠، ونتمنى التوفيقللجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *