نوفمبر 2, 2024
462575439_1246679696583322_8355531755242191315_n

اسم الكاتب : رياض سعد

على الرغم من ان الشيعة العرب وغيرهم  من العراقيين الاصلاء ؛ هم اصحاب الارض منذ فجر التاريخ , فقد ورثوا بلاد الرافدين خلفا عن سلف , ولم يبرحوا ارض الاجداد وحافظوا عليها جهد الامكان , الا انهم عانوا الامرين بسبب الاحتلالات والاعتداءات والغزوات الخارجية وما يترتب عليها من نهب الثروات وسرقة الخيرات وازهاق النفوس والارواح  وتمكين وتوطين الاجانب والدخلاء والغرباء ؛ فكانت حصة الشيعة من هذا العذاب حصة الاسد كما يقولون ؛ فالنضال والتحدي والوطنية لهم ولغيرهم المناصب والراحة والحكم والسلطة والنفوذ , الا ان الامر بين المد والجزر والايام كانت دول بين العراقيين الاصلاء والاجانب والغرباء والدخلاء .

وعاشت الاغلبية العراقية أسوء مراحلها التاريخية في عهدي الاحتلال العثماني والبريطاني وما نتج عنهما ؛ من تسلط للأجانب والغرباء على ابناء البلاد الاصلاء , واستبعاد وتهميش واقصاء لأبناء الاغلبية العراقية , ثم اتقفت قوى الظلام على اذلال الامة والاغلبية العراقية بصورة لم يسبق لها مثيل , اذ سلطت على العراق  والعراقيين عصابات العهد الجمهوري الدموي الطائفي العنصري العارفي الاول ثم شراذم البعث اللعين وزبانية العوجة اللقطاء الذين اهلكوا النسل والحرث وعاثوا في البلاد الفساد والخراب .

والذي زاد الطين بلة , ان الاغلبية العراقية عانت من مسألة القيادات الاجتماعية والسياسية والدينية ؛ فهي اما معدومة او ذات جذور اجنبية وغير عراقية , او مرتبطة بالجهات والدوائر الخارجية المشبوهة , وفي افضل حالاتها كانت غارقة في اوهامها الطوباوية وافكارها السوداوية وخزعبلاتها وخرافاتها الميتافيزيقية ورؤاها الغيبية … ؛ من الرأس الى أخمص القدم , والادهى والامر انها لم تنزل من برجها العاجي الى الناس قط , فهي في واد والاغلبية في واد اخر , ولكن هذا لا يعني انعدام تأثيرها السلبي على قطاعات واسعة من ابناء الاغلبية ولأسباب شتى ومختلفة   .

فقد مضت قرون طويلة والاغلبية العراقية تدفع ثمن اخطاء القيادات  المتحجرة والساذجة والفاشلة , وليس هناك ما يدعم الإرهاب ضد الشيعة  أكثر من الذين نصبوا انفسهم قادة للأغلبية العراقية في بعض الاحيان ,  فالمؤسسة الدينية المنكوسة والقيادة السياسية الساذجة :  هي اشبه بالحاضنة التي تقوم بتفريخ الاعداء والخصوم واعادة تدوير الازمات والانتكاسات  والنكبات ونهب الثروات العراقية  وتبديد الخيرات الوطنية  .

وبعد سنوات طويلة بل عقود من التضحيات والدماء والآهات , قرر الاستكبار العالمي التخلي عن ورقة المجرم صدام ولكن على مضض ؛  فالرجل كان خادمهم المطيع والذي قطع لهم نصف الطريق  – المشوار – ؛ وتحرر العراق عام 2003 من سيطرة الفئة الهجينة الغاشمة والحاقدة ذات الجذور العثمانية والاجنبية والغريبة ؛ الا انه وقع في فخ الاحتلال  الامريكي البغيض .

اذ لم يرق للولايات المتحدة الامريكية تسليم الحكم للأغلبية العراقية الاصيلة عندما انتفضت عن بكرة ابيها ضد ابنهم البار صدام عام 1991  والذي كان قاب قوسين او ادنى من الهلاك لولا تدخل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الخليج السلبي في الامر , وبسببها اجهضت جهود الامة العراقية في التحرر والانعتاق من ربقة حكم العميل صدام وحزبه الاجرامي وزبانيته الجلادين , وتعرضت الاغلبية العراقية للتطهير العرقي والطائفي , اذ قتل النظام الهجين الارهابي مئات الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب والرجال … .

وبَعْدَ الَّلتَيَّا وَالَّتِي ؛ اقتنعت قوى الاستكبار بضرورة التخلص من ورقة صدام وطي صفحة الفئة الهجينة , و لم تكد الاغلبية العراقية تفرح بانتهاء الحقبة الشيطانية الجهنمية البعثية التكريتية الصدامية حتى بدأت  صفحة منكوسة جديدة تحمل بين طياتها الكثير من معالم وملامح الصفحة السابقة المطوية , ولأجل اتمام الامر عقد الامريكان والبريطانيون العديد من المؤتمرات السياسية السرية والعلنية لترتيب اوراق المرحلة القادمة مع العراقيين وغيرهم … , فكل الويلات والتفجيرات الارهابية والمجازر الدموية والقتل على الهوية وحفلات الذبح الجماعي والتي طالت كافة مدن وقرى الاغلبية العراقية الصابرة…  , وكل الازمات والمشاكل  السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية … , وكل التغييرات والتحولات الفكرية والاعلامية والثقافية والاخلاقية والسلوكية والاجتماعية … ؛ جرى التخطيط لها بدقة متناهية جدا ؛ وقد افصح الامريكان عن ذلك الامر  جهارا نهارا من خلال طرح مشروع ( الفوضى الخلاقة ) والقصد منه الفوضى المدمرة والتي تحرق الاخضر واليابس وتقلب الامور رأسا على عقب … .

ويخطئ من يتصور ان رواتب اعضاء الرئاسات الثلاث ونواب البرلمان والمدراء وقادة الجيش والشرطة … وشكل الحكومة الحالي , وموقع المنطقة الخضراء ؛ هي نتاج التفكير العراقي او صنع محلي … ؛ او ان تقسيم الرئاسات الثلاث بين الشيعة والسنة والكرد , ومعاداة هذه الاطراف بعضها لبعض , جاء بقرار وطني خالص … ؛ او ظهور الازمات السياسية  والاقتصادية والامنية بين الحين والاخر بسبب هذا السياسي  الفاشل او ذاك المسؤول السارق او القائد الخائن … ؛ وان سقوط المدن والضمائر والوعي هو ظاهرة طبيعية او اخطاء، والسرقات العامة تمت نتيجة اخلاق دونية، وان حل الجيش العراقي كان” خطأً” ؛ وليس تخطيطاً، واشراك عناصر من النظام القديم هو هفوة انتهازي او قشرة موز تزحلق فيها هذا المسؤول او ذاك  ؛  بل كل ما يجري اليوم تم التخطيط له قبل عام 2003، وتم وضع كل شيء في مكانه … الخ .

نعم : ما قام هذا النظام السياسي الجديد في العراق ؛ وما انبثقت انوار الحرية والديمقراطية ؛ الا بدماء واهات وحسرات وصرخات ملايين العراقيين الاصلاء , وما تحركت قوى الاستكبار والاستعمار لإسقاط صنم الاجرام والارهاب عام 2003 ؛  الا بعد ان فاحت رائحة جرائم عميلهم المدلل , وازكمت انوف الاحرار في كل انحاء العالم فضلا عن العالم الغربي .

نعم : نحن نعلم ان الاوضاع ليست مثالية بل سيئة الا انها لا تقارن بالعهد البعثي التكريتي الصدامي بل لا وجه للمقارنة بتاتا ؛ فالنظام البعثي الهالك  لا يقل اجراما وارهابا عن الانظمة النازية والفاشية ان لم يكن ابشع منها بكثير ؛ والسفاح النافق صدام  ابن صبحة ؛ أسوء حاكم حكم العراق على الاطلاق ؛ اذ فاقت جرائمه ومجازره جرائم الحجاج وزياد بن ابيه ومجازر المغول والتتار … ؛ فنحن كنا أسوء  حالا ولم نصبح افضل وضعا  , فالمقارنة بين حقبة ما قبل سقوط نظام الصنم الطائفي الهجين عام 2003 ؛  وما بعده مقارنة غير دقيقة ولا منطقية ؛ وليست منصفة ابدا ؛ وذلك للفرق الواسع بين حكومات الفئة الهجينة وايام الحديد والنار والزمن الاغبر وسنوات الجمر وبين حكومات العهد الديمقراطي وما ترتب عليها من استحقاقات وما تحقق فيها من مكاسب جمة … .

وكل ما نعيشه الان من سلوكيات وظواهر سلبية وهابطة واتجاهات  طائفية وعنصرية وقومية متعصبة والتي باتت وقود الهوجة السياسية والاعلامية  و ( الهوسة) الاجتماعية والثقافية  التي نعيشها … ، ما هي الا  نتيجة منطقية لحكم الانظمة الهجينة الفاسدة الهالكة  وتامر قوى الظلام والاستكبار والاحتلال ؛ و حصاد عقود القهر والقمع والإذلال والتفاهة الثقافية وغياب العدل الاجتماعي وافتقاد عدالة وسيادة القانون وتخريب نزاهة التشريع وإهدار القيم والمثل والاخلاق … ؛ و التي  رعتها انظمة الحكم الهجينة البائدة ولاسيما النظام العارفي الاسود ومن بعده النظام البعثي التكريتي الصدامي الدموي … ؛ فحقيقة الامر اننا لم نكن في يوم من الايام أحسن وأفضل وصرنا الان أسوأ … ؛ نعم أننا كنا أسوأ ولم نصبح الافضل والاحسن في المنطقة ؛ بعد كل تلك التضحيات الجسيمة والدماء الزكية والخسائر الفادحة التي بذلتها الاغلبية والامة العراقية .

وقد رضت الاغلبية العراقية بواقع الحال , واقتنعت ببعض الانجازات والتغييرات الايجابية , من باب ( مكرها اخاك لا بطل ) او من باب ( ال يشوف الموت يرضه بالسخونة ) , وغضت الطرف عن القسمة الضيزى , اذ تحملت الوزر والضيم والقهر والقتل والفقر … الخ ؛ بينما كان المهنأ لغيرها فقد تنعمت المحافظات الشمالية والغربية بخيرات الجنوب ؛ في الوقت الذي تشهد فيه محافظات الوسط والجنوب اوضاعا مأساوية وعلى مختلف الاصعدة , وعللت نفسها بالأماني والاحلام ؛ فعسى الله ان يأتي بالخير ويغير واقع الحال , ويأتي رجال يحبون العراق وينهضون به , و يطووا صفحة المشاريع الوهمية والصفقات والاتفاقيات المشبوهة والعقود والاستثمارات الفاسدة , والعمل البطيء على طريقة السلحفاة … , ويسابقوا الزمن ويسهرون الليالي  من اجل النهوض بالعراق والاغلبية والامة العراقية .

الا ان الامور لا تبشر بالخير , والنتائج تتبع أخس المقدمات كما يقولون , فالأوضاع الراهنة واحوال الاغلبية العراقية ليست بمستوى الطموح , ناهيك عن تأهب الاعداء وتربص القوى الدولية والانظمة الاقليمية بالأغلبية العراقية , واستمرار النشاط الاجرامي والارهابي والتخريب وعلى مختلف الاصعدة والمجالات من قبل ايتام النظام البائد وفلول البعث وزبانية صدام ومجرمي الفئة الهجينة وضباع الحركات التكفيرية والطائفية والانفصالية ؛ بينما يغط ساسة ورجال الاغلبية في نوم عميق بل سبات طويل , فالبعض منهم سار بنهج صدام والبعث واحيا المنهج الصدامي والبعثي من حيث يشعر او لا يشعر , والبعض الثاني رفع الشعارات الدينية والتي تشبه شعارات البعث القومية نوعا ما , بل اصبح شغله الشاغل القضية الفلسطينية والمقاومة اللبنانية والحركة الحوثية والازمات السورية والايرانية … , ولا شيء اخر من أمور الوطن يعنيه الا بمقدار ما يصب في مصلحة الملفات انفة الذكر ؛ بل انه قدم ثروات الجنوب وموارد الاغلبية على طبق من ذهب للجهات المذكورة , و تنازل عن المكاسب والحقوق والامتيازات العراقية للآخرين مجانا ؛ اذ تدخل ملايين الزوار والسياح الشيعة الى العراق سنويا بلا رسوم ( فيزا ) وتخفض لأجلهم اسعار وسائل النقل واغلبهم ينقل الى الحدود بصورة مجانية او شبه مجانية , مع بذل الطعام وتوفير السكن مقابل لا شيء , وليت الاخرون يعاملون شيعة العراق بالمثل ؛ لهان الامر , فبينما يدخل الشيعي ؛ كما كان ولا زال العربي السني الى العراق وهو لا يصرف دينارا واحدا ؛ تنفق الاغلبية العراقية مليارات الدولارات عندما تسافر الى الخارج للسياحة او للزيارة واداء المناسك الدينية , والعجيب ان رعايا تلك الدول لا تواجه اية صعوبة في توفير السكن والمأكل والملبس والمشرب والعمل في العراق بل وصل الامر بالبعض منهم حصوله على الجنسية العراقية بينما يعاني الملايين من ابناء الاغلبية العراقية من البطالة والفقر والعوز والمرض وانعدام السكن … الخ .

فصرت اينما تولي وجهك تجد ( مطعم للمندي اليمني ) او ( المطعم السوري او اللبناني ) وغيرها , وتشاهد ان اغلب العمالة في مجالات النفط والصناعة والسياحة هم من الاجانب ورعايا الدول العربية والاسلامية ؛ ويتقاضون الاجور والرواتب المجزية وتقدم لهم افضل الخدمات , بينما يحرم المواطن الجنوبي من خيرات بلاده  …؟!

نصرة الحق والدين والمذهب والقومية شيء ؛ ومراعاة الوطن والحفاظ عليه , وتقديم مصالح ابناءه والنهوض بواقع الاغلبية العراقية المزري شيء اخر , نعم انصر الحق ولكن ليس على حساب المظلومين من ابناء جلدتك , ودافع عن القضايا الحقة بعدما تحقق الحق والعدل في بلادك اولا , وساعد الغرباء ولكن ليس بما يضر مصالح ابناء الوطن الاصلاء , فالوطن والاغلبية اولى بالمعروف وأحق بالنصرة والمساعدة ؛ وقد جاء في الامثال الشعبية ما يؤكد ذلك : (( ال يحتاجه البيت يحرم على الجامع )) و (( اني واخوي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب)) و (( الما بي خير ال اهله ما بي خير للناس)) الا ان هؤلاء الساسة  وللأسف تنطبق عليهم الامثال الشعبية التالية : (( شفجه على الغير غمه على اهلها  ))  و (( عايف امه وابوه ولاحك مرة ابوه )) نعم من المؤكد ان تصف الناس الشخص الذي يقدم جاره على ابيه وجارته على امه , وزميله على اخيه وزميلته على اخته , و يحرم اهله واقاربه من ورث ابيه بينما يتبرع به للغرباء والاجانب ؛ بالسفيه والجاهل ؛ فلا يصح وبأي حال من الاحوال وتحت اي ظرف  اهمال شؤون الاغلبية العراقية والتفريض بحقوقها ومكاسبها وثرواتها وامتيازاتها , او تقديم مصالح الجاليات الاجنبية والغربية عليها , او تفضيل الغير عليها , فالأغلبية هي صاحبة الارض وما عليها وهي أحق بها من غيرها ولا يزاحمها في هذا الحق أحد … ؛ فليس من المعقول والمقبول ان يحتفى بالزائر الايراني في المدن والحوزات الدينية بالمستوى الذي يفوق تقدير واكرام ابن الاغلبية بأضعاف مضاعفة ,  او ان توفر المؤسسة الدينية  – وتغض الطرف دوائر الدولة  – دور سكن وفي مناطق زراعية وتجاوز للباكستانيين والافغان والهنود والافارقة بحجة كونهم من طلبة العلوم الدينية ؛ بينما يحرم رجل الدين العراقي من هذه الامتيازات , وتقوم دوائر الحكومة في الكثير من الاحيان بإزالة التجاوزات في تلك المدن ورمي العوائل العراقية في العراء حتى ابناء الشهداء …!!

ومصير الاغلبية العراقية وفقا لهذه المقدمات على كف عفريت – كما يقول المثل المصري- ؛ اذ تبدد ثرواتهم وخيراتهم بمختلف الطرق الملتوية ؛ فتارة بأسم الطقوس والشعائر الدينية , واخرى بحجة القومية العربية , وثالثة باسم العقيدة والدين والمذهب , ورابعة بذريعة الكرم والجود وايواء الجاليات الاجنبية والغريبة ومساعدة الدول الفقيرة والمدن المنكوبة … الخ ؛ فضلا عن ذهاب الاموال الطائلة من محافظاتهم المنكوبة الى مناطق الكرد الانفصاليين والسنة الطائفيين ؛ فتم تعمير وتطوير تلك المناطق على حساب مدن وقرى الجنوب  المنكوب والوسط البائس , بالإضافة الى ( شفط ) سحب مليارات الدولارات وبصورة سنوية منهم وارسالها الى الخارج وافراغ السوق المحلية من العملة الصعبة والسيولة النقدية ؛ بسبب العمالة الاجنبية واستيراد البضائع والخدمات من الخارج , وتحويل الاموال الدينية ومقدرات العتبات والحوزات الدينية الى الخارج بحجة الخمس والحقوق وغيرها … الخ ؛ ناهيك عن عمليات الفساد والتهريب وغسيل الاموال وصفقات الاستثمار المشبوهة والتهرب من دفع الضرائب والرسوم والتعاقد مع الشركات الاجنبية الفاسدة ورهن ثروات البلاد ومقدرات العباد بيد القوى الرأسمالية الغاشمة ؛ كل هذه المصائب تحدث وكل هذه الصفقات والعمليات تتم وبوضح النهار من دون الخوف من حسيب او رقيب ؛ وعلى الرغم من انعدام الخدمات اللائقة بقامة العراقي الاصيل وتدهور الاوضاع المعاشية والصحية والتربوية والتعليمية والبيئية وغيرها , وخراب البنى التحتية في محافظات الجنوب والوسط ,  واضطراب الحالة السياسية والاجتماعية العامة , وفوضى الانفلات الاعلامي والثقافي , واختفاء مظاهر الحركة الاقتصادية  الزراعية او الصناعية او التجارية او السياحية , وانتشار البطالة والامراض والمظاهر الاجتماعية السلبية والخروقات الامنية والجرائم والحوادث الجنائية والارهابية , ومعاناة الاغلبية من أزمة السكن والفوضى وانعدام التخطيط والنظام والقانون  , وغياب العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية والديمقراطية الحقيقية وليست القشرية او المشوبة بالشبهات والنقائص والفساد … ؛ الى اخر قائمة المعاناة والازمات والانتكاسات الطويلة ؛ الا ان جماهير الاغلبية العراقية وكذلك الحكومات المنتخبة المتعاقبة لا تحرك ساكنا ولا تنبس ببنت شفة , وكأن الامر لا يعنيها …!!

ولعل هذه النتيجة المؤلمة لواقع الاغلبية والامة العراقية جاءت بسبب المقدمات والارهاصات التاريخية والاحداث الجسام وتوالي الغزوات والاحتلالات وتتابع المصائب والازمات والانتكاسات ؛ فضلا عن فشل العديد من الثورات الشعبية والانتفاضات الجماهيرية , ففي حالات الحروب وأعمال العنف والقمع السياسي والظلم والتناشز الاجتماعي واضطراب الاحوال العامة ؛  تتصحر مشاعر الإنسان وتتغير طباعه ، ويتحول إلى جثة متحركة بلا مشاعر او احاسيس او اكتراث لما يجري , اذ يعتاش على المشاكل والخصومات والشجار ويعتاد على البؤس والعذاب والحرمان والمرض والوساخة والتخلف والامية … الخ  ؛  وعندما تنتهي هذه الحالات وتتبدد المخاطر ويرحل البؤس والعناء ،قد  يشعر المرء بمدى التلوث الذي أصابه والوحل الذي كان غارقا فيه ،  والادران التي وسخت شخصيته والاصر والاغلال التي كان مقيدا بها ؛ ولولا الوعي لما تدارك الانسان اخطاءه وراجع حساباته وغير سيرته وصحح مسيرته ؛ فالذي يميز الانسان عن الحيوان العقل والتفكير , ولولاه لما شيد الحضارات وابتدع العلوم و الاختراعات , وعليه الوعي بالمشكلة أهم من المشكلة نفسها , فالذي لا يعي بشاعة الظلم لا يثور على الظالم , والذي لا يعرف عواقب الفساد لا يعترض على الفاسد ؛ لذلك عمل الطغاة والحكام والظالمين والمستبدين والفاسدين على تغييب الوعي ومحاربة الفكر ونشر مظاهر الجهل والتخريف والاوهام والتخلف والامية بين اوساط الجماهير , ومقارعة الاحرار واسكات الاصوات الواعية والتي تدعو الى الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية والحريات والديمقراطية وسيادة القانون … الخ .

ناهيك عن تربص القوى والانظمة الاقليمية والعربية والاسلامية بالأغلبية العراقية الاصيلة ؛ لأسباب طائفية وقومية وعنصرية وسياسية , وكذلك تكالب قوى الاستكبار والاستعمار على ابناء الاغلبية , فالأغلبية العراقية تعاني من الاستحمار والاستعمار معا , اذ يعمل الخط المنكوس من الداخل على تهجين وتدجين الاغلبية الاصيلة وكبح عنفوانها وكبريائها التاريخي , وتغييب هويتها الوطنية العريقة واستبدالها بالهويات الهجينة , واخضاعها واستعبادها بمختلف الطرق الملتوية والوسائل القذرة , ونهب خيراتها وثرواتها وسلب ارادتها وكرامتها ؛ بينما تعمل قوى الخارج الاستعمارية والاستكبارية والحاقدة والطامعة على التمدد على حساب العراق وقضم اراضيه ومياهه كما فعلت سابقا , والسيطرة على موارده وخيراته , وحرمان ابناء الاغلبية منها , وبسط نفوذهم المشبوه والمنكوس على البلاد والعباد … الخ .

فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة والى هذه اللحظة ؛ تعرض العراق ومازال لمؤامرات ومخططات خارجية مشبوهة ومعادية تم تنفيذها على أيدي العراقيين أنفسهم , العملاء منهم والحمقى والسذج وعديمي الوعي احيانا  فضلا عن الدخلاء والغرباء وابناء الفئة الهجينة , فالكثير من انصاف الساسة يخربون ويدمرون وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا , وصدق الدكتور حسين عبد الخالق عندما قال : ومن متابعتنا لما حصل في العراق منذ سقوط حكم البعث الغاشم وإلى الآن نرى أن هناك خطة أو خطط مُحكمة وضعت في منتهى الدقة والدهاء لتدمير العراق، ونهب ثرواته، ودق الإسفين بين أبناء شعبه لكي لا تقوم لهم قائمة … ؛ ومن اوضح الادلة على ما قلناه انفا ؛ العمليات الارهابية والتخريبية المستمرة في العراق , ومؤامرات ومخططات عملاء المخابرات الاجنبية والغريبة المشبوهة والمنكوسة ؛ و الذين ينتشرون في كل مفاصل الدولة بالإضافة الى ايتام وازلام النظام البائد من البعثية وعصابات الفئة الهجينة ؛ كل هذه الامور أضعفت الحكم العراقي الجديد  وعملت على اجهاض التجربة الديمقراطية والرجوع بعقارب الساعة الى الوراء , ولكن هذا لا يعني ان المشكلة تكمن في التدخل الخارجي والتآمر الاجنبي فحسب ؛ ولا يعفي الحكام والمسؤولين – من المحسوبين على الاغلبية العراقية – الذين فشلوا في إدارة شؤون البلد … ؛ وبما ان الصراع بين الاغلبية العراقية والفئة الهجينة من بقايا العثمنة والاحتلالات الاجنبية العفنة ومن وراءهم الانظمة السياسية الاجنبية والغريبة والاعرابية الطائفية والقومية المنكوسة ؛ فضلا عن مجرمي وجلادي الطائفة السنية الكريمة ؛ صراع وجودي ومعركة بقاء او فناء , وهو صراع قديم قِدم الاحتلالات الاجنبية والغزوات الغريبة الاعرابية ذاتها … ؛ انكشفت الاوراق وصار اللعب على المكشوف بعد سقوط النظام الطائفي الهجين عام 2003 ؛ واخذ الصراع طابعا مختلفا عن سابقه إلى حدٍ ما، حيث تحوّل الصراع من كونه صراع مخفي ومبطن بالشعارات والدعوات الاسلامية والقومية والوطنية الكاذبة ، إلى صراع مكشوف وصريح ومعلن ، بين الاغلبية العراقية ومكونات الامة العراقية الاصيلة وبين الاجانب والغرباء والاعراب واتباع الخط المنكوس من البعثية وفلول الفئة الهجينة وايتام وازلام المجرم صدام ، ولهذا السبب وغيره كثرت الاضطرابات والفتن والانتكاسات والازمات ، ودخل العراقيون في تطاحنٍ محموم بين أنفسهم ، قبل أن يكون بينهم وبين أعدائهم من خارج المشهد العراقي الوطني الاصيل .

فكل الويلات والتفجيرات الارهابية والمجازر الدموية والقتل على الهوية وحفلات الذبح الجماعي والتي طالت كافة مدن وقرى الاغلبية العراقية الصابرة… , وكل الازمات والمشاكل السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية … , وكل التغييرات والتحولات الفكرية والاعلامية والثقافية والاخلاقية والسلوكية والاجتماعية … ؛ جرى التخطيط لها بدقة متناهية جدا ؛ وقد افصح الامريكان عن ذلك جهارا نهارا من خلال طرح مشروع ( الفوضى الخلاقة ) والقصد منه الفوضى المدمرة والتي تحرق الاخضر واليابس ؛ كما ذكرنا انفا … .

نعم ارادت قوى الظلام ان تجعل من العراق ساحة للفساد والنهب والسلب والازمات والاضطرابات والقلاقل والفتن  وتصفية الحسابات الدولية والاقليمية , وقد قدمت لهذا المخطط الخبيث ( الفوضى الخلاقة ) عقود طويلة من الارهاب الطائفي والاجرام البعثي والتي تعتبر توطئة ومقدمة لما الت اليه الامور حاليا ؛ فلولا العذاب الصدامي والارهاب الطائفي والاجرام البعثي والتآمر العربي والاقليمي والدولي  لما قبل العراقيون الاصلاء بهذه القسمة الضيزى والمعادلة السياسية المنكوسة ؛ والتي جعلت من الفساد والاضطراب والضعف حالة طبيعية .

تمنى العراقيون الاصلاء ان يكون سقوط النظام البعثي وافول العهد الاسود الصدامي الدموي عام 2003 , نهاية لكل الحروب الخاسرة والمعارك الرهيبة والازمات والاضطرابات والسجون والمعتقلات والجرائم والعمليات الارهابية والفقر والجوع والظلم والمرض والتلوث والتخلف والبؤس … الخ , وبداية للنهوض والازدهار والتنمية والاستقرار والسيادة والاستقلال والديمقراطية والحريات … الخ ؛ الا ان الرياح السياسية جرت بما لا تشتهي السفن العراقية , فقد خاب ظن العراقيين وصدموا بما شاهدوه وعايشوه , و ذهبت وعود الامريكان للعراقيين ادراج الرياح , ومع كل ذلك تماشى العراقيون الاصلاء مع الواقع الراهن وتكيفوا مع العملية السياسية ومخرجاتها ومعطياتها وتداعياتها , وسلموا امرهم للواحد القهار , من باب ( مكرها اخاك لا بطل ) وان كان الاكثر انطباقا على حالتهم الراهنة المثل الشعبي القائل : ((  اللي يشوف الموت يرضى بالصخونة  )) فالذين اكتووا بنيران البعث الحاقد وتجرعوا السموم الطائفية والعنصرية وعاشوا تحت ظلال سيوف وسياط الحكومات الهجينة الاجرامية ودخلوا سراديب وزنانين السجون والمعتقلات الصدامية … الخ ؛ يعرفون تمام المعرفة : ان لا وجه للمقارنة بين العهدين , على الرغم من الخسائر والتضحيات الكبيرة التي تكبدها ابناء الاغلبية العراقية بعد عام 2003 , فشتان بين النعيم والجحيم وبين النور والظلام , وصدق من قال : (( الف مفخخة ولا صدام حسين )) وبعض الشر أهون .

نعم هنالك فوارق جوهرية بين عهود الحكومات الهجينة وبين حكومات العهد الديمقراطي , ولعل من أهم السمات التي تفرق بينهما , ان الحكومات المنتخبة قد تسمع من الشعب وقد تستجيب لمطالب الجماهير احيانا , وقد تراجع حساباتها وقراراتها وخططها , وتصحح الاخطاء وان كانت الاصلاحات تسير ببطء , الا ان الحكومات تسمع صوت النخب والجماهير ولا تمنع الناس من التعبير عن آرائهم السياسية ولا تطاردهم بسبب المواقف والانتماءات السياسية ؛ فالأغلبية العراقية تأمل بالتغيير الجذري بمرور الزمن وتحسن الظن بالتجربة الديمقراطية وتؤيد التداول السلمي للسلطة  , ويجن جنون احرار  وكرام الاغلبية والامة العراقية  من الحديث ولو همسا عن الزمن الاغبر والسنوات العجاف لحكم زبانية العوجة ومجرمي البعث او الرجوع الى مربع الحكومات الهجينة الاسود , او التمجيد بأيام الانقلابات العسكرية والمعتقلات السرية والمقابر الجماعية وبيان رقم واحد … الخ ؛ وعليه لا يفهم من اختلاف احرار الاغلبية مع الحكومات المنتخبة او انتقادهم لإدائها السياسي والخدمي وغيرهما ؛ قبولهم بعودة البعث او سيطرة الفئة الهجينة على مقاليد الحكم من جديد , او تأييدهم للدكتاتورية والعنف والظلم ونبذهم للديمقراطية والسلم والعدل , بل على العكس تماما , فهم ينتقدون العملية السياسية لإصلاحها , ويصبون جام غضبهم على الحكومات من أجل تطهيرها من الفاسدين والمخربين والفاشلين ؛ لا من أجل الاطاحة بالتجربة الديمقراطية او الانقلاب على الحكومات المنتخبة واشاعة الفوضى والتمرد والتخريب والعصيان وتعطيل الحياة العامة والاضرار بالمصالح العامة والخاصة … الخ ؛ وقد ذكرنا ذلك انفا ولكن من باب في الاعادة افادة .

ولا أظن بل اعتقد جازما ان الاغلبية العراقية لا تسامح اية حركة مسلحة او كتلة سياسية او تغفر اخطاء هذا الحزب السياسي او تلك الجماعة الدينية ؛ التي تضع الاغلبية ( بحلك السبع ) في فم الاسد , وتعرضها للأخطار الداخلية والخارجية , او تضيع حقوقهم ومكاسبهم المنقوصة -اصلا – والتي حصلوا عليها بعد سقوط الصنم الهجين عام 2003 , وعليه يجب على احرار الأغلبية محاسبة كل من يفرط بمصالح الأغلبية والعراق  او يعرض المجتمع للهزات والازمات التي لا طاقة للشعب بها ؛ والضرب بيد من حديد على المغامرين والمأجورين والمرتزقة والمنكوسين والحمقى والجاهلين من الذين يلعبون بمصير الاغلبية ويفرطون بحقوقها ومكاسبها وثرواتها , ويجرون الويلات والازمات اليها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *