اسم الكاتب : ادهم الشبيب
قسّم الله تعالى الارزاق والمواقع كما قسم الأفهام والعقول ، اليابانيون والماليزيون والاتراك مثلا ليسوا كما نظن متقدمين بكل شيء او يفهمون ويخططون لكل امر -اقتصادي- بشكل سليم كما دائما نحن بهم منبهرون ، إنما نبخس كثير من الأحيان حق أنفسنا وامكانيات عقولنا وحسن تخطيطنا ولا نشعر -بسبب طبيعة جلد الذات- بتفوقنا في جوانب عديدة ،
سألني ذات مرة صديق اوربي -وكنا نجلس امام مدفأة في بيته نتابع الاخبار – ورأينا شوارع العراق غرقى لأيام ولا احد يستطيع الحركة ، قال : ماذا تفعل دولتكم في هذه الحالة وتكرارها فنوع المطر الذي ينزل عليكم متوسط او خفيف وليس ذلك النوع الثقيل المستمر او المصحوب بالعواصف الرعدية التي تحدث كل مدة بعيدة ، فكيف يتحرك الناس ويذهبون الى شؤونهم والطلبة الى مدارسهم كل يوم ؟ قلت : لا تقلق لقد منحوا عطلة للدولة والناس الآن في البيوت ، قال : ولكن الامر هذا قد يحدث عشرين مرة في الشتاء ، قلت : نمنح عشرين عطلة اين المشكلة !
هنا فطن الرجل لشيء وحزن قليلا ، قلت : ما يحزنك ؟ قال : حكوماتنا وبلدياتنا التي يبدو انها فاشلة ، قلت : كيف؟ قال : هؤلاء ياصديقي قبل ان يقدم الشتاء ويهبط المطر تراهم يملؤون الشوارع الرئيسية والفرعية بسياراتهم الحوضية والصاروخية واللوجستية وكوادر ضخمة كبيرة بالالاف ويقومون بحملة لتنظيف مجاري الأمطار والمنافذ وصيانة محطات الضخ حتى اذا حل المطر انساب الماء وتصرّف وترى الطرق بعد ساعة وقد فتحت و انساب الناس الى أعمالهم طول فترة الشتاء ولم يفطنوا ابدا الى منح العطل وترك الناس يستمتعون بحياتهم في البيوت .
قلت : رايتهم نعم ورايت كاسحات الثلوج ايضا تعمل عندكم على مدار الشتاء فلا تحزن يا صديقي “جلّ من لا ينسى” وليس هناك شخص كامل ولا بلدية متكاملة التخطيط او دولة شاملة المعرفة والعلم ، فلو انتبه مسؤولوكم -سامحهم الله- الى هدر الاموال الكبير الذي يتطلبه تشغيل تلك المعدات والسيارات والصرف على رواتب العمال الذين ينظفون والمهندسين الذين يشرفون على الصيانة والديزل والزيت وصيانة السيارات و و و ، لعرفوا حجم خطئهم وضحالة تخطيطهم ،
انتم تفخرون دائما باقتصاداتكم وخبرائكم وذكائكم الوهمي للأسف ، كبرياؤكم وتعاليكم على غيركم من الأمم هو الذي ضيّع عليكم فرصة ان ترسلوا طلبتكم ومهندسيكم وكوادركم ببعثات او دورات تاهيلية الى العراق مثلا ليوفّروا عليكم كل هذا الهدر والجهد كل شتاء ، ويحلّون مشكلتكم الاقتصادية الدائمية هذه بتعلم الطرق العراقية لمعالجتها والتعامل معها ، بل ان الامر ربما لا يتطلب سوى ان تتواضعوا ويجلس محافظوكم مع محافظينا ويجلس رئيس وزرائكم مع “السيد” المالكي او “الدكتور” العبادي او “المهندس” السوداني ليتعلم منهم “ستراتيجية منح العطل الطارئة” بعد منتصف الليل ، فتحافظون بذلك على ابنائكم واموالكم ومزاجاتكم ، وكفى الله الأوربيين الأشغال .