الكاتب : احمد عوض
مع وصول الرئيس الأميركي الجديد إلى البيت الأبيض، بات واضحا أن ملامح سياسة الولايات المتحدة الاقتصادية ستشهد تحولاً كبيراً قد يعيد تشكيل تركيبة الاقتصاد العالمي. فالسياسات الاقتصادية التي تتبناها الإدارة الأميركية الجديدة تركز على تعزيز تحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة للاقتصاد الأميركي، من دون الاكتراث كثيراً بتأثيراتها على الشركاء العالميين.
أول هذه التأثيرات يتجلى في توتر العلاقات التجارية بين مراكز الاقتصاد الكبرى، إذ إن تطبيق الرسوم الجمركية العالية على السلع المستوردة سيضع حواجز تجارية أمام شركاء الولايات المتحدة التقليديين مثل الصين والاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن مثل هذه السياسات تظهر نية الإدارة الأميركية في تقليص العجز التجاري وتعزيز الوظائف المحلية، إلا أنها تخلق ردود فعل عكسية، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، حيث من المرجح أن ترتفع معدلات التضخم داخل الولايات المتحدة على عكس الوعود بتخفيضها، كذلك يتوقع أن تقوم الدول المتضررة بإجراءات مضادة تضر بالصادرات الأميركية وتعيد رسم خريطة التحالفات الاقتصادية.
من المتوقع أن تؤدي هذه السياسات إلى إحداث تصدعات في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة من جهة والصين والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى؛ إذ إن فرض الرسوم الجمركية المرتفعة سيجعل المنتجات المستوردة من هذه الدول أقل تنافسية في السوق الأميركية، ما سيؤدي إلى تراجع حصتها فيها. وفي ظل هذا الوضع، قد تبدأ الصين ودول الاتحاد الأوروبي في فرض رسوم جمركية مقابلة للسلع الأميركية، والبحث عن أسواق بديلة كدول جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية، وحتى الدول الإفريقية، لتعويض الخسائر المتوقعة.
إلى جانب ذلك، قد تعزز هذه السياسات من التقارب الاقتصادي بين الصين والاتحاد الأوروبي، حيث تتلاقى مصالح الطرفين في إنشاء نظام اقتصادي أكثر تنوعاً وأقل اعتماداً على الولايات المتحدة. ومن المحتمل أن تسعى الصين إلى تقوية تواجدها الاقتصادي في أوروبا من خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والتقنيات الحديثة، مستفيدة من مشروع “الحزام والطريق”، ما يجعلها شريكاً لا يستهان به. هذا التقارب قد يؤدي إلى إنشاء تكتلات اقتصادية جديدة تحد من هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي وتفتح الباب أمام تعدد الأقطاب الاقتصادية.
ستدفع هذه السياسات الشركات العالمية إلى إعادة تقييم سلاسل الإمداد والتوريد التي تعتمد عليها، خاصة الشركات التي تستورد مدخلات إنتاجها من الصين ودول أخرى إلى الولايات المتحدة؛ إذ إن ارتفاع تكاليف الرسوم الجمركية قد يجعل الإنتاج المحلي أو الاستعانة بمصادر من أسواق أخرى أكثر تكلفة. وفي هذا السياق، من المتوقع أن تبدأ الشركات الكبرى في البحث عن بدائل، سواء بالانتقال إلى دول ذات تكاليف إنتاج منخفضة، أو بتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة كسوق رئيسية لمنتجاتها، ما يؤدي إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد العالمية بشكل جذري.
تترافق السياسات الاقتصادية الأميركية الجديدة مع توقعات بارتفاع معدلات التضخم نتيجة الرسوم الجمركية – كما تم الإشارة إليه أعلاه، التي ستنعكس على أسعار السلع والخدمات داخل الولايات المتحدة، وبالتالي على قيمة الدولار الأميركي. إن عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي سيجعل الدولار عرضة للتذبذب مقابل العملات الرئيسية الأخرى، وخاصة اليورو واليوان. كما أن أسعار النفط والذهب، باعتبارهما سلعتين استراتيجيتين، ستتأثر بشكل مباشر بتلك السياسات، حيث سيتجه المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن في أوقات الأزمات، مما سيرفع أسعاره. أما النفط، فسيشهد تقلبات ناتجة عن الحروب التجارية، ما يزيد من الضغوط على الدول المستوردة.
النتائج المتوقعة للسياسات الاقتصادية الأميركية الجديدة ستحفز مراكز اقتصادية أخرى على تأسيس تحالفات جديدة لتقليل اعتمادها على السوق الأميركية وضمان استقرار اقتصادي نسبي، ستكون الصين في قلبها، وحتى بعض دول أميركا اللاتينية، حيث تشترك هذه الدول في مصالح اقتصادية قد تتعارض مع السياسات التجارية الحمائية الأميركية.
يمثل عهد الرئيس الأميركي الجديد فرصة لإعادة ترتيب العلاقات الاقتصادية العالمية وتشكيل تركيبة جديدة للاقتصاد العالمي. يمكن أن تكون نقطة انطلاق لموجة من التحالفات والتغيرات الاقتصادية التي قد تؤدي إلى تراجع الدور الاقتصادي الأميركي لصالح تكتلات أخرى.