الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى “لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ” وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ” (البقرة 225) “لا يؤاخذكم الله باللغو” الكائن “في أيمانكم” وهو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد الحلف نحو ألا والله، وبلى و الله فلا إثم فيه ولا كفارة، “ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم” أي قصدته من الأيمان إذا حنثتم “والله غفور” لما كان من اللغو “حليم” بتأخير العقوبة عن مستحقها. جاء في معاني القرآن الكريم: أخذ الأخذ: حوز الشيء وتحصيله، وذلك تارة بالتناول نحو: “معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده” (يوسف 79)، وتارة بالقهر نحو قوله تعالى: “لا تأخذه سنة ولا نوم” (البقرة 255).
عن مجلة البيان بدائع (التكرار) في القرآن المجيد للكاتب محمد عبد الشافي القوصي: أما التكرار في المعنى دون اللفظ: فهو ما يَرِد كثيراً في القَصَص، كما هو الحال في قَصَص الأنبياء، أوْ الحديث عن العذاب والنعيم في الآخرة، وبعض الظواهر الكونية كخلْق السماوات والأرض، فمع أنَّ هذه القَصَص والظواهر المذكورة تتكرَّر في السوَر القرآنية، إلاَّ أنها تجيء في كل مرَّةٍ بصيغة مختلفة، وبمفردات مختلفة، ومِن ثمَّ فهي تَعرِض لأهداف مختلفة. فالألفاظ المستعملة في سياق هذه القَصَص تختلف من موضع لآخَر، كذلك تختلف طُرق الصياغة وعرض الفكرة: كقصة آدم عليه السلام التي ذُكِرتْ في القُرْآن سبع مرات: في (البقرة، الأعراف، الحِجْر، الإسراء، الكهف، طه، ص)، وهذا التكرار في القصص له عدة فوائد: أولاً: تثبيت قلب الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بذِكْر ما حدثَ للأنبياء من الإيذاء والتكذيب، قال تعالى: “وَكُلّاً نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْـحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ” (هود 120). وقد كان الإيذاء للرسول متكرراً، فكان قصص الأنبياء متكرراً أيضاً. ثانياً: لإظهار الفصاحة، فإبراز القصة الواحدة بطرق كثيرة وأساليب مختلفة لا يخفى ما فيه من الفصاحة، فكان تكرار القصص أسلوباً من أساليب إظهار فصاحة القُرآن، وهذا يُسمَّى عند البلغاء (اقتداراً). ثالثاً: يأتي التكرار في القصص لذكْر ما لم يُذكَر في المواضع الأخرى، فمثلاً قصة آدم عليه السلام في سورة البقرة، جاء فيها عدة أمور لم تأتِ في المواضع الأخرى: كقول الله تعالى للملائكة: “إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً” (البقرة 30). وتعليم آدم أسماءَ المسمَّيات “وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا” (البقرة 31). في حين جاءت في سورة الأعراف الكلمات التي تلقَّاها آدمُ من ربِّهِ فتابَ عليه “رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْـخَاسِرِينَ” (الأعراف 23). وفي سورة الحِجْر أخبرنا عن بداية مراحل خَلْق آدم “وَإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ” (الحجر 28). وفي سورة الإسراء: أطلعنا على ما أضمره إبليس من الشر لذرية آدم “قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلَّا قَلِيلاً” (الإسراء 62). وفي سورة الكهف: أخبرنا بأصل إبليس وأنه من الجن “وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْـجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ” (الكهف 50). وفي سورة طه: كشفَ لنا عن الحيلة التي استخدمها إبليس لإغواء أبينا آدم “قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْـخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى” (طه 120). وفي سورة صلى الله عليه وآله وسلم: نجد إشارة إلى أنَّ أَمْر السجود كان صادراً لجماعة من الملائكة، وليس لجميع الملائكة، وهم ﴿العَالِينَ﴾ أصحاب المنازل الرفيعة كحملة العرش وغيرهم. “قَالَ يَا إبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِـمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ” (ص 75). كما تميَّز كل مشهد قرآني لهذه القصة بحوارٍ عجيب، وفوائد كثيرة، ودلالات بعيدة. وهذا النوع من التكرار ينطبق على مختلف قصص الأنبياء مع أقوامهم: كقصة نوح، وهود، وصالح، وشُعيْب، وإبراهيم، ويونس، وأيوب، وعيسى، وموسى وهارون، وداود وسليمان، وزكريا ويحيى، وغيرهم، فقد ذَكَر اللهُ هذا القصص في عدة مواضع من القرآن، ليُبيِّن في كل موضعٍ منها من الاعتبار والاستدلال نوعاً غير النوع الآخَر. فتكرار القصص وجه من وجوه الإعجاز في القُرآن، إذ عجِز العربُ عن الإتيان بمثل آية من القُرآن، وكرَّر القصص تأكيداً لعجزهم، وتبكيتاً لعقولهم.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ” ﴿البقرة 225﴾ بين سبحانه أقسام اليمين فقال “لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم” اختلفوا في يمين اللغو فقيل هوما يجري على عادة الناس من قول لا والله وبلى والله من غير عقد على يمين يقتطع بها مال ولا يظلم بها أحد عن ابن عباس وعائشة والشعبي وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وهو قول الشافعي وقيل هو أن يحلف وهو يرى أنه صادق ثم تبين أنه كاذب فلا إثم عليه ولا كفارة عن الحسن ومجاهد وقتادة وغيرهم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقيل هو يمين الغضبان لا يؤاخذكم بالحنث فيها عن ابن عباس أيضا وطاووس وبه قال سعيد بن جبير إلا أنه أوجب فيها الكفارة وقال مسروق كل يمين ليس له الوفاء فهي لغو ولا يجب فيها كفارة “ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم” أي بما عزمتم وقصدتم لأن كسب القلب العقد والنية وفيه حذف أي من أيمانكم وقيل بأن تحلفوا كاذبين أو على باطل عن إبراهيم “والله غفور” يغفر الذنوب “حليم” يمهل العقوبة على الذنب ولا يعجل بها.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ” ﴿البقرة 225﴾ ي هذه الآية يشير الله تعالى إلى نوعين من القَسَم: الأوّل: القَسَم اللغو الذي لا أثر له، ولا يبعأ به، هذا النوع من القَسَم يتردّد على ألسن بعض الناس دون التفات، ويكرّرونه في كلامهم عن عادة لهم، فيقولون: لا والله… بلى والله… على كلّ شيء، وإنّما سمّي لغواً لأنّه لا هدف له ولم يطلقه المتكلّم عن عزم ووعي، وكلّ عمل وكلام مثل هذا لغو. من هنا فالقَسَم الصادر عن الإنسان حين الغضب لغو (إذا أخرجه الغضب تماماً عن حالته الطبيعية). وحسب الآية أعلاه لا يؤاخذ الإنسان على مثل هذا القَسَم، وعليه أن لا يرتّب أثراً عليه، ويجب الإلتفات إلى أنّ الإنسان يجب أن يتربّى على ترك مثل هذا القَسَم وعلى كلّ حال فإن العمل بهذا القسم غير واجب ولا كفّارة عليه، لأنه لم يكن عن عزم وإرادة. النوع الثاني: القَسَم الصادر عن إرادة وعزم، أو بالتعبير القرآني هو القَسَم الداخل في إطار كسب القلب، ومثل هذا القَسَم معتبر، ويجب الإلتزام به، ومخالفته ذنب موجب للكفّارة إلاّ في مواضع سنذكرها. وقد أشارت الآية (89) من سورة المائدة إلى هذا النوع من القسم بقولها (ما عقدتم الأيمان. الإسلام لا يحبّذ القَسَم كما أشرنا آنفاً، لكنّه ليس بالعمل المحرّم، بل قد يكون مستحبّاً أو واجباً تبعاً لما تترتّب عليه من آثار. وهناك أيمان لا قيمة لها ولا اعتبار في نظر الإسلام، منها: 1 ـ القَسَم بغير اسم الله وحتّى القسم باسم النبي وأئمّة الهدى عليهم السلام مثل هذا القَسَم غير المتضمّن اسم الله تعالى لا أثر له ولا يلزم العمل به ولا كفّارة على مخالفته. 2 ـ القَسَم على ارتكاب فعل محرّم أو مكروه أوترك واجب أو مستحب، حيث لا يترتّب عليه شيء. كأن يقسم شخص على عدم أداء دين، أو على قطع رحم، أو على فرار من جهاد، وأمثالها أو يترك إصلاح ذات البين مثلاً كما نلاحظ ذلك لدى بعض الأشخاص الذين واجهوا بعض السلبيات من إصلاح ذات البين فأقسموا على ترك هذا العمل. فإن أقسم على شيء من ذلك فعليه أن لا يعتني بقَسَمه ولا كفّارة عليه، وقيل إنّ هذا هو معنى قوله تعالى: “لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم”. أمّا الأيمان ـ التي تحمل اسم الله ـ على أداء عمل صالح أو مباح على الأقل، فيجب الإلتزام به، وإلاَّ وجبت على صاحبه الكفّارة، وكفّارته كما ذكرته الآية (89) من سورة المائدة، إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة.