نوفمبر 21, 2024
33657360_1643723009074985_6930543139325214720_n

الكاتب : سلمان رشيد محمد الهلالي

نشر الاستاذ الدكتور جمال حسن العتابي روايته (منازل العطراني) التي تجسد سيرة والده المربي الفاضل الاستاذ حسن علي العتابي , والاحداث التي عاصرها بعد الانقلاب البعثي الاول عام 1963 . والاستاذ حسن العتابي هو ثالث اقدم معلم في تاريخ قضاء النصر الذي يقع في شمال مدينة الناصرية , بعد الاستاذ صبري فرج الذي عين عام 1939 والاستاذ علي عبود العكيلي (عم الاستاذ عبد الكريم مكي عبود الذي عين عام 1941) (وكلاهما من قرية ابو هاون التي كان مركزا اجتماعيا وتاريخيا واقتصاديا مهما) , فيما عين الاستاذ حسن العتابي عام 1942 في الدواية . والاستاذ حسن العتابي وفد الى النصر (الغازية انذاك ) عام 1952 بعد ان جاءها نقلا , وعين اول الامر في المدرسة الشكبانية الاميرية (الاستقلال حاليا) ثم نسب مديرا لاول مدرسة للبنات في النصر افتتحت عام 1955 في المكان الذي يصادف حاليا منزل المرحوم خليل تايه الكعبي وضمن املاك الحاج ارزيج المحيسن الكعبي الذي تبرع بها مشكورا مع دعم صديقه المستنير الحاج ذياب طاهر يوسف . كما ان الاستاذ حسن العتابي هو اول من اقترح تسمية النصر بدل الغازية في صبيحة ثورة 14 تموز عام 1958 التي اسقطت النظام الملكي واعلان الجمهورية العراقية , بعد ان اراد اهل النصر ارسال برقية تهنئة بالثورة لقادتها , وكان من غير المعقول يذكرون تسمية الغازية (نسبة للملك غازي) . وبقى الاستاذ العتابي في النصر حتى نقل عام 1959 الى السماوة , وبقى فيها عام واحدا, ونقل بعدها الى منطقة الحرية في بغداد .

وكان الاستاذ حسن العتابي قد تزعم التحرك الشيوعي في قضاء النصر بعد ثورة تموز 1958 , الامر الذي عرضه للاستهداف من قبل حكومة عبد الكريم قاسم , التي اخذت تلاحق الشيوعيين بعد عام 1959 , وتعرض للاعتقال مرات عده حتى حكم عليه بالسجن عاما واحدا … واثناء وقوفه امام رئيس المجلس العرفي الاول في قفص الاتهام , وجه له العقيد الاتهام الاتي (انت شتمت الزعيم (يقصد عبد الكريم قاسم) امام مودعيك في اثناء مغادرة مدينتك (يقصد النصر) اثر معاقبتك بالنقل الى السماوة , وكنت تحرضهم على التمرد , حصل ذلك ام لم يحصل ؟) فنفى العتابي ذلك الاتهام , فطلب منه العقيد رئيس المجلس شتم مؤسس الحزب الشيوعي (فهد) , فرفض العتابي ذلك قائلا (العن ابو ابليس لابو الشيطان) , فغضب العقيد , وامر بسجنه عاما واحدا مع الفصل من الوظيفة , ونقل الى سجن الكوت .

تبدا احداث الرواية بتظاهرة في مدينة الكوت ضد الانقلاب البعثي الاول في شباط 1963 , ودعما ايضا للزعيم عبد الكريم قاسم , مشاركا فيها بطل الرواية محمد الخلف (الذي هو الاسم الرمزي للاستاذ حسن العتابي وسنذكر اسم الاستاذ العتابي الحقيقي في هذا العرض) , وهو هارب من سجن الكوت ومازال يرتدي ملابس السجن , ولمحه احد اصدقائه القدامى وطلب منه الانسحاب والذهاب لبيته , حيث ارتدى ملابس جديدة , وسافر بعدها لبغداد من اجل الاختباء في بيته في منطقة (الحرية), وبعد اسبوعين متتالين من المشي وصل الى بغداد .

سكن الاستاذ حسن العتابي في بيت صديقه (صالح) الذي اعطاه ملابس شعبية ودينارا واحدا للنقل بعد ان عزم العتابي العودة للجنوب , وليس الذهاب لبيته في مدينة الحرية خشية الاعتقال من قبل الحرس القومي البعثي , الذي كان يلاحق الشيوعيين ويعتقلهم او يقتلهم دون محاكمة , والاختباء في بيت اخته المتزوجة في منطقة تسمى (العطرانية) تقع بالقرب من مقام السيد (ابو الماش) في الرفاعي , وسار فجرا ووصل الكراج , وسمع احدهم امام احدى الباصات الخشبية القديمة وهو ينادي (حي .. حي) , فركب العتابي سريعا ووصل الى مدينة الحي بالطريق الترابي , ثم اخذ سيارة الى مدينة القلعة , وبعدها وصل زوج اخته واخذه لبيته في منطقة (العطرانية) مشيا على الاقدام خشية ملاحقات الحرس القومي , ووصل الى بيت اخته (رضية) التي اخذت بالبكاء عندما رايته , وطلب من زوجها (نوار) السفر الى بغداد والاطمئنان على عائلته البالغ عددها (10) افراد , وهم بلا معين او مورد مالي . وفعلا سافر الى بغداد وجلب معه زوجة حسن العتابي وقسم من اولاده , كان منهم الدكتور جمال الذي اتخذ اسم (خالد) في الرواية , والتقوا بوالدهم واطمئنوا عليه , وبعدها عادوا الى بغداد .

وفي شهر حزيران 1963 سمعوا في نشرة الاخبار من الراديو هذا القرار (حكم المجلس العرفي الاول على (المجرم) الهارب حسن العتابي غيابيا بالحبس الشديد لمدة خمس سنوات لهروبه من السجن , والحبس لمدة سنة مع وقف التنفيذ لتحريضه المتظاهرين على مهاجمة مركز شرطة الغازية (النصر) يوم 14 تموز 1959 , مع غرامة مقدارها الف دينار لدوره في التخطيط للهجوم , والحكم بالسجن ثلاث سنوات غيابيا لمشاركته بالتظاهرات المطالبة بوقف القتال في شمال العراق عام 1962 . وعلى الاجهزة الامنية تنفيذ الاحكام حال القاء القبض عليه) . وقد نشرت الصحف هذه الاحكام ايضا .

بقى حسن العتابي في هذه المنزل مختبئا حتى انقلاب عبد السلام عارف على البعثيين في تشرين الثاني عام 1963 , حيث قلت المتابعة والضغط على الشيوعيين الهاربين بعد ان حل الحرس القومي البعثي , وعاد الى بيته في بغداد , وهو لايصرح بهويته الحقيقية , مكتفيا بالهوية المزورة التي يحملها باسم (محمد خلف العطراني) واستطاع ان يعمل بسرية . واما ابنه جمال العتابي فقد قبل في كلية التربية – جامعة بغداد – عام 1964 وتخرج منها مدرسا عام 1968 , واخذت الامور بالانفراج , رغم ان الخشية من الاعتقال وتنفيذ الاحكام ضده مازال قائما .

في تموز 1968 حصل الانقلاب العسكري البعثي الثاني , وتسلم الرئاسة احمد حسن البكر , واتخذ البعثيون خطوات معينة من اجل كسب الراي العام , والتغطية على تاريخهم وجرائمهم التي حصلت عام 1963 , ومنها العفو العام عن السجناء واطلاق سراحهم واعادة المفصولين لوظائفهم . وكان حسن العتابي من اولئك الافراد الذين استفادوا من هذه القرارات , حيث اكمل معاملة العفو وعاد لوظيفته كمعلم , وعزم على زيارة (العطرانية) مع ابنه الاكبر جمال من اجل شكر اخته وزوجها على مساعدته في ايام المحنة . كما مروا على مدينة النصر , وذكر لابنه جمال : (خلال اول قدومه للغازية عام 1952 سأل عن بيت الحاجة زينب (زوجة الحاج محيسن وام فرحان وجاسم المحيسن) من اجل العثور على بيت للايجار , وحصل عليه ببدل ايجار مقداره دينار واحد , رغم انه كان عبارة عن غرفة واحدة , غالبا ماتتسلل الافاعي من السقف . وولد له في هذا البيت في النصر اربع اولاد , كما سكن معهم في هذه الغرفة اثنان من اقاربهم من عشيرة عتاب بعد غلق الحكومة لمدرستهم بسبب قتل احد شيوخهم لمدير المدرسة (مظلوم عبد الحسين) بالمسدس خطأ) , ثم استعرض بعدها ارسال ابنه جمال للدوام في مدرسة الغازية , واستقبال مديرها صبري فرج لهم , ثم مروا على بناية مهجورة كانت مقهى محمد المدهوش الجبوري . وبعدها ذكر جمال العتابي انه شاهد اول سيارة تدخل النصر (صالون شوفر ليت 57) اشتراها احد الميسورين (وهو الحاج عبد الحسن العيسى الكعبي) وهم يركضون وراءها , وقصة استقبال الوفد الروسي الذي مر على النصر عائدا من الناصرية , ومروا ايضا على اطلال بناية اول مدرسة للبنات من ضمن املاك الحاج ارزيج المحيسن الكعبي .

ثم مرت الايام وتوالت السنين حتى استلام صدام حسين للحكم عام 1979 , حيث اعتقل بعدها احد ابناء حسن العتابي هو الصحفي سامي (واسمه بالرواية عامر) بتهمة الشيوعية . وبعد تغييبه لشهور طويلة , استدعت السلطة البعثية والده الاستاذ حسن العتابي وابلغته (ان ابنه واحد من مجموعة مخربة , وأحد عناصر التنظيم السري , واحيلوا لمحكمة الثورة , وقررت الحكم عليهم بالاعدام شنقا , ونفذ فيه الحكم , وأحذرك ان تقيموا عزاء او صراخ , ولانعطيكم الجثة) .

ان هذه الرواية القيمة هى وثيقة تاريخية وسياسية واجتماعية مهمة , وتصلح ان تكون فلما سينمائيا ,لانها تعبر اصدق تعبير عن تلك المرحلة الصعبة من تاريخ العراق المعاصر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *