ديسمبر 12, 2024
download (2)

الكاتب : سليم الحسني

من بعيد، من قريب، من مسافة لا تُقاس بالأميال، علت ربوة فوق الأرض، جرداء عطشى، هكذا أرادها الله، زاهدة بنعيم الدنيا، فاختارها سيد الزاهدين عليّ عليه السلام مدفناً له. ومن حينها ضاعت مقاييس المسافات، صار الولاء وحدة القياس منها قرباً وبُعداً.

اختارها آلاف الأفذاذ موطناً. في وحشتها تأنس القلوب، في عطشها ترتوي النفوس، وعلى رملها يورق الفكر.

من بعيد، من قريب، من زمن لا يقاس بالسنوات، كان يخرج منها رجال يشبهون الأنبياء، يهدون للصراط المستقيم، يعظون الناس، يتحدّون الظالمين، يموتون قتلاً.

قبل عقود أو سنوات أو أيام، لا فرق، فهنا يضيع الزمن، خرج قديس أيسر اليد، كتب ما عجزت عنه يمين العالمين.

قرأ الناس كتبه، قالوا اسمه (محمد باقر الصدر) ولم تكن قراءتهم للاسم كاملة. كان ذلك بعض اسمه، فلم ينتبهوا للحروف البارزة وهي (المظلوم). ففي تلك المدينة يعيش ثلة من الرجال يكرهون النور، يتوارثون ذلك جيلاً بعد جيل. ناصبوه العداء سراً وعلانية، ومضوا على عدائه بعد موته، وأسرفوا حتى عادوا من أراد نهجه.

كان فقيراً، كان غنياً. تجري الأموال بين يديه، فيكتفي برغيفه. ويشعر بالحرج مع نفسه حين يفكر بفقير لا يملك هذا الرغيف.

قلبه مصنوع من الرقة والرحمة، فلم يصبر على الظلم، مسك القوة من أكثر مناطقها إيلاماً، ووقف يتحدى.

ساوموه، فرفض. فقربه ضريح عليّ بن أبي طالب، ومن يعرف علياً لا يضعف في المساومة.

هددوه، فازداد صلابة. فقربه ضريح الحسين، ومن يعرف الحسين يقوى ولا يضعف.

قتلوه. ابتسم وبكى، فرح بما ناله، وحزن على حالنا.

لقد ظلموه في حياته، وظلموه بعد استشهاده، وأشد الظلم حين يطرحونه بضاعة يعتاشون بها.

يقولون اسمه (محمد باقر الصدر). لا زالوا لا يقرأون اسمه كاملاً.

٩ نيسان ٢٠٢٤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *