نوفمبر 22, 2024
33657360_1643723009074985_6930543139325214720_n

الكاتب : سلمان رشيد الهلالي

الزيدية هى احدى الفرق الاسلامية الشيعية . اتخذت هذا الاسم نسبة الى زيد الشهيد المولود سنة (80) هجرية ابن الامام علي السجاد ابن الامام الحسين ابن الامام علي بن ابي طالب , الذي ثار على الامويين في العراق وقتل سنة (122) هجرية . وقد دعا الى امور ومفاهيم تخالف راي الشيعة منها ان الامامة ليست بالنص او بالوراثة وانما هى عند كل فاطمي دعا الى نفسه وثار ضد الظلم والطغيان . والزيدية لهم عقائد يتشابهون بها مع الشيعة مثل القول بحي على خير العمل في الاذان والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والمهدوية والامامة وغيرها , الا انهم يختلفون عنهم بتحريم زواج المتعة وجواز المسح على الخفين واعتماد القياس في الاستنباط مثل ابو حنيفة ورفض البداء والرجعة والتقية وغيرها , ولكنهم اختلفوا عن الشيعة والسنة بجواز امامة الفاضل مع وجود الافضل , اي الاعتراف بخلافة الشيخين (ابي بكر وعمر بن الخطاب) رغم وجود الامام علي الذي هو افضل منها .وقام الزيدية بثورات عديدة ضد الامويين والعباسيين مثل ثورة زيد الشهيد وابنه يحيى في العصر الاموي , وثورة محمد ذي النفس الزكية واخيه ابراهيم في العصر العباسي , واقاموا دولة في طبرستان في ايران ودولة في صعدة في اليمن من بقاياهم الحوثيين .
نشر علي الوردي مقالا في جريدة (الاسبوع) البغدادية في العدد (26) الشهر الثاني 1958 بعنوان (لماذا صرت زيديا ؟ عندما لعنني الناس وشتموني … النظر الى عدل الخليفة قبل شخصه ونسبه) ذكر في مقدمته (ان مجلة (الاسبوع) في عدد ماض سالتني عن عقيدتي الدينية , فاجبتها (باني زيدي العقيدة من اتباع الامام زيد بن علي) وقد اغضب هذا الجواب جماعة كبيرة من الناس . اذ لم يستسيغ هؤلاء ان يعتنق انسان عقيدة مخالفة عن التي ورثها عن ابائه . وقد وصلتني منهم رسائل متنوعة كلها شتيمة واعتداء . والى القارىء واحدة من هذه الرسائل (الى المدعي علي الوردي انت قد ذكرت في مجلة الاسبوع بانك زيدي المذهب , ولكنك حذفت الياء من اول كلمة , ولم تذكرها , فكان عليك ان تنهي الكلمة لتظهر (يزيدي) من نسل يزيد بن معاوية عليك وعليه لعائن الله) .
ان من المؤكد ان صاحب الرسالة وباقي المعترضين من تحول الوردي الى المذهب الشيعي الزيدي هم من الشيعة الامامية الاثنا عشرية المعروفين بالجعفرية , على اعتبار ان عائلته تنتسب لهذا المذهب , فهم سادة من اهل الكاظمية , وليس من جماعة المذهب السني الذين يفضلون الزيدية على الشيعة الجعفرية , بسبب اقترابهم من اهل السنة في كثير من العقائد والتوجهات , واعترافهم بخلافة الشيخين (ابي بكر وعمر بن الخطاب) بحسب قاعدة (جواز امامة الفاضل مع وجود الافضل) اي جواز امامة الشيخين مع وجود الافضل منهما وهو الامام علي بن ابي طالب .
وقد استعرض الوردي سبب اعجابه وتاثره بالمذهب الزيدي بقوله (اود ان اقول هذا بكل صراحة ,واشهد الله على ما اقول ,باني قد درست مختلف المذاهب الاسلامية فلم اجد فيها ماهو اقرب الى عقلي من مذهب زيد . واعتقد ان الله اعدل من ان يعاقبني على رأي توصلت اليه بعد امعان نظر وطول استقصاء . ولست ادعي ان مذهب زيد خال من العيوب , اذ ان من المستحيل على كل انسان ان ياتي بالكمال في شي , ولكن الذي اراه هو ان مذهب زيد من اقرب المذاهب الاسلامية الى دين محمد ودين اصحابه واهل بيته) .
والظاهر ان السبب الاساس في اعجاب الوردي بالمذهب الزيدي هو انه جمع بين تقدير اهل البيت من جانب وصحابة الرسول من جانب اخر , الامر الذي يساهم بتقليل الصراع الطائفي والاحتراب الاجتماعي في العراق . فكلنا يعلم ان القضية الطائفية في العراق كانت الشغل الشاغل لعلي الوردي , وكتب عنها الكثير وحذر منها مرات عدة وفي وقت مبكر من مؤلفاته . وقد اكد الوردي ذلك صراحة بقوله (واما زيد واتباع زيد جاؤوا لهذه المسالة بالراي الجميل فقال قائلهم :
لعن الاله مفرقا بين الصحابة والقرابة
وهذا القول اصبح شعارا لمذهب زيد . وقد كان زيد رحمه الله من اهل البيت ولكنه كان يحترم اصحاب النبي من المهاجرين والانصار , ويعترف بجهادهم المشكور مع جده الرسول ,وكان ابوه زين العابدين معروفا بهذا الراي قبله , وقد وردت عنه الاخبار في هذا الشان) .
واعتبر الوردي معيار العدالة هو الركيزة في مذهب زيد الشهيد بقوله ( نظر زيد الى رجال الاسلام الاولين فقدرهم على مقدار ما عدلوا في الرعية , وما جاهدوا في سبيل الله . وهو لم يلتفت الى ما جاءت به الطوائف الاسلامية من نصوص في هذا الجانب او ذاك . ومشكلة النصوص انها قابلة للتاويل حسبما يشتهي اصحابها , وكل طائفة تاتي بالنصوص التي تلائم عقائدها وتغض النظر عن النصوص المخالفة . فجاء زيد فضرب التاويلات الطائفية كلها عرض الحائط , ويرى ان من اهم اهداف الاسلام توفير العدالة الاجتماعية للناس . ولهذا فهو يحترم من الخلفاء من كان عادلا بغض النظر عن اي نص مناقض له . فهو ينظر الى عدل الخليفة قبل ان ينظر الى شخصه او نسبه . ولعلي لا اغالي اذا قلت ان زيدا التزم الطريقة الوسطى في الاسلام . وهذا هو السبيل الذي التزمه اصحاب الرسول واهل بيته قبل ان تدخل السياسة في الدين وافسدته) .
واما اطروحة زيد الشهيد حول ان الامام هو من يقوم بالنهضة والثورة ضد الظلم , فقد اعتبرها الوردي جانبا مهما وسببا رئيسيا في الاعجاب بالمذهب الزيدي بالقول (لقد اختلف المسلمون في ودهم حول الخلافة اختلافا كبيرا , فمنهم من احترم الخلفاء جميعا ومنهم من هاجمهم بغض النظر عن اعمالهم . وهذا دليل على ان الطوائف الاسلامية لاتفهم روح الاسلام وما جاء به من مبادىء العدل والمساواة . ان الذي يحترم الخليفة الظالم هو كالذي يشجب الخليفة العادل , كلاهما يفهم الخلافة على انها وراثة , ويهمل امر الرعية التي اوجب الله العدل فيها . نادى زيد بان العدل مقياس الفضيلة في الخلفاء , ومن المؤسف ان لانجد بين الطوائف المتشاحنة من يستمع الى هذا النداء) .
وحول رؤية زيد الشهيد في الامامة فقد استعرضها الوردي بالقول (الامام في راي زيد هو من يقود الناس في ثورتهم على السلطان الجائر , اما الذي يجلس في بيته فليس بامام . فالفقيه الذي يبحث في الشريعة ويستخلص الاحكام منها , انما هو مجتهد ماجور , ولكنه لايكون امام , الا اذا قام بواجبه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر . الامامة في نظر زيد عبء ثقيل جدا . فالامام يجب ان يكون قادرا على قيادة الشعب المظلوم ومستعدا للموت في سبيله . واما اذا ركن الى الراحة والعافية فانه يخرج من سلك الامامة ويدخل في سلك العامة . وكل انسان ماجور على مقدار ما يعمل ويجاهد ويضحي , والله لايخيب عمل عامل من ذكر او انثى) .
كما اعلن الوردي عزمه على تاليف كتاب خاص عن زيد الشهيد بقوله (ها هو زيد الذي امنت به . واسال الله ان يوفقني الى تاليف كتاب ضخم في هذا الرجل . واعتقد ان العرب في هذا الزمن يجب ان يلتفتوا الى هذا الرجل ,ويستلهموا العبرة من مبادئه الكبيرة , فقد نسى العرب زيدا واهملوا ذكره قديما لانه جاء باراء لاتلائم مصلحة الطغاة المستبدين . ومما يجدر ذكره ان كثيرا من الطوائف الاسلامية وقعت تحت وطأة اولئك الطغاة واستمدت العون منهم على وجه من الوجوه , وقد حان العرب اليوم بعد ان انقضى عهد الاستبداد ان ينفضوا غبار الزمن عما في تاريخ الاسلام من كنوز دفينة وزيد من هذه الكنوز) .
وختم الوردي مقاله بالقول (واني اذ اعلن عقيدتي الزيدية لا ادعي باني الوحيد بها في العراق . فقد لاحظت ان كثيرا من الناس يميلون اليها ويفضلونها على سائر العقائد , انهم زيديون مثلي ولكنهم لايعلنون عن مكنون انفسهم جهارا خوفا من الغوغاء . والواقع ان ان العقيدة الزيدية قريبة من قلب كل مسلم متحرر سواء اكان شيعيا او سنيا) .
علما ان الوردي سبق ان امتدح زيد الشهيد ومواقفه وثورته ضد الظلم الاموي ونهضته الاصلاحية في مؤلفاته السابقة . ويبدو ان اطلاعاته وكتاباته الاسلامية واهمها (وعاظ السلاطين) قد ساهمت بمعرفته لاراء زيد الشهيد ومواقفه وتحوله نحو المذهب الزيدي , سيما وانها تتلائم مع دعواته بالثورة والمسواة بين الناس والعدالة الاجتماعية ورفض الطائفية والعنصرية والتعصب . ففي كتابه (مهزلة العقل البشري) اكد الوردي (ان خير من يمثل الاسلام في نظري هو الشهيد العظيم زيد بن علي . فهذا الرجل عرف موطن الدعاء عند الجانبين فالتزم بينهما النمرقة الوسطى , وما احرانا اليوم ان ندرس سيرة هذا الشهيد لنستضىء بها في حياتنا المعاصرة) . كما اعتبر زيد الشهيد ومواقفه ركيزة للتقريب بين الشيعة الجعفرية وبين هل السنة , سيما وانه اعترف بفضل الصحابة والقرابة معا . فقد اكد الوردي هذا الراي في كتاب (وعاظ السلاطين) بقوله (واذا اراد الشيعة واهل السنة في هذا العصر ان يتحدوا فليرجعوا الى شعارهم القديم الذي اتخذه زيد بن علي , اي شعار الثورة على الظلم في شتى صوره , لافرق في ذلك بين الظالم الشيعي او الظالم السني . ان هدف الدين هو العدل الاجتماعي وما الرجال فيه الا وسائل لذلك الهدف العظيم) .
ان السمات العامة التي دعا لها الوردي في الدين الاسلامي من خلال هذا المقال وباقي مؤلفاته السابقة هى :
1 – الدعوة الى العدالة الاجتماعية بين الناس ورفض التمييز والطبقية , وان يكون معيار العدل هو مقياس الحكم على الخلفاء والصحابة والاسماء الاخرى في التاريخ الاسلامي .
2 – الدعوة الى الثورة على الظالمين والحكام المستبدين والانتصار للمظلومين والمهمشين .
3 – الدعوة الى المساواة بين البشر في الاموال والوظائف والفرص ورفع مستوى المعوزين والفقراء .
4 – الدعوة الى رفض الطائفية والتمييز بين المسلمين والتقريب بين المذاهب من خلال محبة القرابة من اهل البيت من جانب وصحابة الرسول من جانب اخر .
5 – الدعوة الى ان يكون الائمة ثائرين ضد الظلم والطغيان والتمييز .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *