الكاتب : سليم الحسني
أعرفك منذ ما يقرب من أربعين عاماً، عن طريق الصديق عبد الأمير علوان. كنتَ كثير الزيارة لغرفتنا في مبنى الاتحاد الإسلامي لطبة العراق بطهران. كنتَ تجلس تستمع الى حواراتنا السياسية والبساطة تغطيك بوضوح. كانت نظراتك فيها انفعال وارتباك، فتحاول أن تشترك في الحديث، لكن العبارات تخونك، والفكرة تخذلك، فيخرج كلامك انفعالات ثورية بحاجة الى عكازتين لكي تقف.
كان الإخلاص واضحاً عليك، وكان الاندفاع صفتك التي لا تفارقك. وقد وجدتَ طريق السياسة مزدحماً بالشخصيات والمثقفين والمتحدثين، ولم تجد فيه نفسك، فانطلقتَ نحو ساحات القتال صادقاً بمشاعرك مخلصاً مع بندقيتك، وكان ذلك في ظروف تلك الفترة قراراً مناسباً.
بالبندقية التي حملتَها وبالاندفاع الثوري المبالغ فيه وصلتَ الى مواقع القيادة في منظمة بدر. وكنتَ مخلصاً للمجلس الأعلى وللسيد محمد باقر الحكيم رحمه الله، كما كنتَ مخلصاً في ولائك للإمام الخميني، فقد آمنتَ بنهج الثورة الإسلامية وخطها ومضيتَ على ذلك دون تردد.
كنتَ مقاتلاً ثابتاً، قانعاً بمرتبه البسيط، وبحياته الخشنة، وبابتعاده عن عالم السياسة وأجواء السياسيين. لكن الحال تغيّر بعد سقوط نظام البعث في العراق. فقد أخذتك موجة البحر الجديد، سرقتك من طيبتك وبساطتك، وألقتك بعيداً عن الشاطئ الآمن. وحين يبتعد محدود الثقافة عن الشاطئ يضيع.
في أوضاع العراق التي حدثت بعد السقوط، كان التيار جارفاً، وكانت ريح السلطة عاتية، إنها تسفع الوجوه بإغراءاتها فتغير الملامح. ثم تصيب الرأس بدوار غريب.. دوار يبدأ من الرأس ثم يتحول الى سُمّ في النفس فتنقلب الموازين والقيم، ولا ينجو من ذلك إلا القليل. ويا للحسرة لم تكن من هذا القليل.
من البرلمان الى وزارة النقل على عهد نوري المالكي، كانت نقلة هائلة لم تستطع أن تستوعبها. أنت في هذه النقطة لك بعض العذر، فالفارق كبير جداً بين هادي العامري الرجل البسيط المنفعل الى سيادة الوزير هادي العامري. لقد جنى عليك من ورطّك بذلك، فكان سبباً من أسباب تغيّرك العجيب.
دخلتَ عالم المناصب، وكان دوار الرأس قد اشتد بك، فمددتَ يدك نحو الحرام، ولوثّتَ تاريخك، بل أحرقته. وصار فساد وزارة النقل شائعاً عن طريق ابنك، حتى جعلتَ العراق رسماً كاريكاتورياً على صفحات الجرائد والانترنت في قصة الطائرة المعروفة.
تعاظم الدوار برأسك، وأورثْ عُجباً لا محدود بنفسك، بعد تشكيل الحشد الشعبي، فكنتَ تتفاخر ـ وما أسوأ ما تفاخرت به ـ قائلاً: (إن الناس يتبركون بأقدامي).
كان العُجب يتضخم بداخلك بسرعة فائقة، حتى ظننتَ نفسك الوحيد القادر على بناء العراق لو اُعطيتْ لك الفرصة. وقد كافحتَ كفاح المستميت من أجل أن تحصل على رئاسة الوزراء في عام ٢٠١٤ ثم عام ٢٠١٨ حتى ردعك الجنرال الشهيد قاسم سليماني بقوله صراحة: (من مصلحتك ومن مصلحة إيران أن لا تكون رئيساً للوزراء) وكان ذلك في اجتماع واسع والشهود أحياء.
لكنكَ كتمتها في نفسك، وتظاهرتَ بالقبول. فيما كان الحلم الطائش يكبر برأسك حتى صرت لا ترى وجودك إلا في هذا المنصب. وقد تمادى الحلم في طيشه حين أشار لك السيد مقتدى الصدر بأنه يرغب أن تتولاه، فحدث التحول الأكبر عندك، حيث أسقطتَ بقايا القيم وقتلتَ بقايا الطيبة في نفسك، ورحتَ تتصرف مندفعاً بشهوة السلطة لتحقيق ما تطمح اليه، مشاركاً في إحداث الضعف في الجسم الشيعي.
لقد صرتَ يا هادي العامري مشكلة شيعية كبيرة. لقد تحولتَ الى سكين جارحة تجرح الشيعة بينما ترفع شعارات الوحدة. وما أكثر الذين يرفعون الشعار ويدوسونه بنفس اللحظة. وما أكثر الذين يلبسون ثوب الشيعة ويمزقون صفهم.
سأكون في غاية السذاجة لو قلتُ لك عدْ الى رشدك، فهذه نصيحة ميتة أمام دنيا السلطة والمال. لكني أقول لك: إن الثروة الطائلة التي أدخلتها في خزائنك، تكفي لأجيال بعيدة من أحفادك، تمتعْ بها فيما بقي لك من العمر، وأتركْ الشيعة وشأنهم. إتركهم يا هادي العامري وارحمْ تمزقهم وبؤسهم، فأنت أحد المتسببين به. والله المستعان.
٢٣ أيلول ٢٠٢٢