الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله عز وعلا “وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” ﴿الأعراف 181﴾ ومن الذين خَلَقْنا جماعة فاضلة يهتدون بالحق ويَدْعون إليه، وبه يقضون و ينصفون الناس، وهم أئمة الهدى ممن أنعم الله عليهم بالإيمان والعمل الصالح. جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز وعلا “وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” ﴿الأعراف 181﴾ هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في حديث.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وعلا “وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” ﴿الأعراف 181﴾ كل الناس منهم مؤمن وكافر، وطيب وخبيث، وما من أحد إلا ويعرف هذه الحقيقة، فما هو القصد من بيانها؟. الجواب: قال سبحانه في الآية السابقة: ان كثيرا من الجن والإنس مصيرهم إلى جهنم “ولَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ والإِنْسِ” فناسب ان يقول هنا: وان أمة منهم مصيرها إلى الجنة، وان تكن هذه أقل من تلك كما تشعر لفظة من. وعبّر عن أهل الجنة بالذين يهدون بالحق وبه يعدلون إشارة إلى ان السبب الموجب لدخولهم الجنة هو الهدي والعدل.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وعلا “وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” ﴿الأعراف 181﴾ وفي الواقع، إنّ لأهل الجنّة منهجين ممتازين فأفكارهم وأهدافهم ودعواتهم وثقافاتهم حقّة، وهي في اتجاه الحق أيضا، كما أنّ أعمالهم وخططهم وحكوماتهم قائمة على أساس الحق والحقيقة.
تكملة للحلقة السابقة عن دار المستقبل العربي مفهوم الأمة فى القرآن الكريم للدكتور عصمت سيف الدولة: 6 ـ بل ان كلمة أمة تدل على الجماعة ولو لم تتميز الا بموقف واحد فى حالة واحدة. بهذا المعنى أسمى المقتصدين فى الإنفاق بدون إسراف أو تقتير أمة. قال:” مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ” ( المائدة 66). “. وقال: ” وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ” ( القصص 23). وكلمة الأمة في هذه الآية لا تعنى مجرد الجماعة بل تعنى الجماعة المتميزة بموقف واحد أو حالة واحدة. جماعة تسقى وحدها دون الآخرين. وكانت تسميتهم أمة ابرازا لهذا المميز حتى تبرز الحالة الأخرى التي أخبر بها فى الآية فقال:”وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ” ( القصص 23). 7 ـ هذه دلالة كلمة ” الامة ” فى لغة القرآن. وبهذه الدلالة كان المسلمون، كل المسلمين، وما يزالون وسيبقون، أمة واحدة من حيث تميزهم عن غيرهم من الناس بانتمائهم الديني إلي الإسلام، سواء أخذت كلمة الإسلام بمعناها الشامل الدين كله فى قوله تعالى:” وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ” ( البقرة 127-128)، أو أخذت بمعناها الخاص بالذين يؤمنون برسالة محمد عليه الصلاة والسلام.ولقد خاطب القرآن المسلمين بهذا التخصيص وأسماهم أمة. قال تعالى:” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ” ( آل عمران 110)، وقال:” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ ” ( البقرة 143). وقال:” وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” (آل عمران 103-105). 8 ـ وبهذه الدلالة كانت الأغلبية الساحقة من الشعب العربى، وما يزالون وسيبقون، جزءا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية التى ينتمى إليها كل المسلمين فى الأرض بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ولغاتهم وأممهم ودولهم وأوطانهم. لا فضل لأحد منهم على الآخر إلا بالتقوى. فى رحاب هذا الانتماء الى الامة الاسلامية يلتقى مئات الملايين من البشر. ولو أن مسلما واحدا قد وجد فى أى أرض، فى أى شعب، فى أية أمة، فى أية دولة، لكان واحدا من الأمة الاسلامية. وما تزال هذه الأمة الاسلامية تنمو عددا بمن يهتدى الى الاسلام دينا فى أقطار الأرض جميعا. 9 ـ وبهذه الدلالة أيضا، دلالة كلمة الامة فى القرآن، يكون كل العرب منتمين إلى أمة عربية واحدة، حيث يكون مميزهم عن شعوب وأمم أخرى ما يميز الامم عن الشعوب والقبائل، أو ما يميز الأمم بعضها عن بعض من وحدة اللغة كما قال فختة الالمانى، او وحدة الأرض والأصل والعادات واللغة والاشتراك فى الحياة والشعور كما قال مانتشينى الايطالى، أو وحدة الرغبة فى الحياة المشتركة كما قال رينان الفرنسى، أو وحدة التاريخ واللغة والحياة الاقتصادية والثقافية المشتركة كما قال أستاذنا أبو خلدون ساطع الحصرى، أو كان مميز الامة أنها ” مجتمع ذو حضارة متميزة، من شعب معين مستقر على أرض خاصة ومشتركة تكون نتيجة تطور تاريخى مشترك “.. كما اجتهدنا فقلنا.. لا يهم هذا الخلاف فى بيان عناصر التميز القومى للامة. المهم أنه حيث يوجد المميز القومى لجماعة من الناس يصح فى لغة القرآن كتاب المسلمين، أن تسمى الجماعة أمة، ولا ينكره عليها مسلم وهو مسلم، مادام لا ينكر المسلم وهو مسلم أن كل جماعة متميزة حتى من الدواب هى ” أمة “. والأمة كما تتميز بوحدة العلاقة القومية، لا تتشابه ولا تتعارض ولا تتناقض مع الامة كما تتميز بوحدة العلاقة الدينية. فلا تتشابه ولا تتعارض ولا تتناقض “الامة العربية” مع” الامة الاسلامية “، كما لا تتشابه ولا تتعارض ولا تتناقض الامة الفرنسية والامة الانكليزية والامة الالمانية والامة الايطالية مع كون كل هذه الأمم تنتمى عقيدة الى الامة المسيحية. كل من الانتماءين قائم، ولكن كل منهما ذو مضمون مختلف.