الكاتب : هادي حسن علاوي
عسكري منضبط.. ذو ثقافة عالية.. سمو في الأخلاق.. كان كثير الإصغاء.. قليل الكلام..لا يتحدث إلا عندما يضطر الى تصحيح معلومة.. أو الإجابة على استفسار.. والإخلاص للواجب.. تواضع واضح.. وتفاني.. في العمل.. نظيف اليدين.. وقدوة في النزاهة.. كان شخصية لامعة.. معتدل في آرائه.. ومثالاً للوطنية العراقية.. وفي كل العهود كان الجميع يكنُ له الاحترام.. لعدم انجراره بالمغامرات السياسية والعسكرية..
ـ من عائلة عراقية معروفة في أصولها ووجاهتها العشائرية في محافظة الناصرية..فوالده كان من ملاكي الأراضي ونائبا في البرلمان في العهد الملكي .. ثم عيناً في مجلس الأعيان؟؟ كان ناجي نائب رئيس اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار.. التي يرأسها الزعيم الركن عبد الكريم قاسم.. ونائب آمر فوج في البصرة العسكري..
ـ عند قامت ثورة 14 تموز 1958 استؤزر وزيراً للشؤون الاجتماعية في حكومة الثورة الأولى.. كما شغل منصب وزير الصناعة العام 1963.. وأصبح رئيساً للوزراء في عهد عبد الرحمن عارف.. واختير في العام 2004 رئيساً للجمهورية.. لكنه اعتذر.. انه ناجي طالب..
ـ أصبح عضواً في مجلس الرئاسة المشترك في القاهرة العام 1965.. فقد اعترضت إيران السفن العراقية في شط العرب بإطلاق نار إزعاج أمامها.. فعقد اجتماع برئاسة رئيس الجمهورية عبد السلام محمد عارف حضره أعضاء مجلس قيادة الثورة ووزير الدفاع.. إضافة إلى وزير الخارجية ناجي طالب وقادة الفرق العسكرية.. والأخيرين كانوا متحمسين للرد على إيران بالمثل..
كان رأي ناجي طالب بأن الرد بالمثل يعني تصعيد الموقف.. واحتمال قيام حرب بين الدولتين.. فهل نحن مستعدون لهذه الحرب.. والجيش العراقي منهمك في معالجة الموقف في شمال العراق مع الأكراد؟.. بعد مناقشات مستفيضة أقرً المجتمعون بان العراق لا يمكن أن يخوض حرباً على إيران ونصف جيشه في الشمال.. وأخيراً طلب رئيس الجمهورية من ناجي طالب أن يبذل جهوده الدبلوماسية مع إيران لحل القضية سلمياً.. وفعلاً نجح في مهمته بحكمة ودارية عاليتين..
ناجي.. مرافق للملك فيصل الثاني:
اختير ناجي طالب مرتين ليكون مرافقاً للملك فيصل الثاني.. الأولى: في بداية العام 1950.. عندما كان الملك طفلاً صغيراً.. الثانية: يقول ناجي: كنتُ ضابطاً في الحركات العسكرية عندما اخبرني آمري بتعييني.. ولم يكن أمامي من خيار آخر إلا الالتحاق.. بالعائلة المالكة فوراً التي كانت في مصيف سرسنك.. وبقيتُ فترة.. حتى قررتُ أن أقابل ولي العهد عبد الإله ليعفيني من هذه المهمة.. وتحقيق رغبتي بالتدريس في كلية الأركان.. وافق الرجل بعد تردد على اعتباري (خوش ضابط) على حد تعبير عبد الإله فأجبته: (موكل خوش ضابط خوش مرافق.. ولا كل خوش مرافق هو خوش ضابط !)..
ـ خدم ناجي طالب في وحدات عسكرية ممتازة.. وقاد السرية العراقية التي استعرضت في لندن.. في العرض العسكري الكبير للجيوش المنتصرة في الحرب العالمية الثانية.. ورغم كثرة احتكاكه مع الإنكليز وتقربه منهم.. إلا أن كل ذلك لم تزده إلا تمسكاً بعراقيته..
استقالته:
في جلسة مجلس الوزراء ليلة 2- 3 شباط 1959 اختلف مع الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء حول برنامج الحكومة.. فكتبَ استقالته من الوزارة وقدمها للزعيم قاسم.. واعتذر منه وتعانقا وقبله طالب.. واخذ قاسم الاستقالة ووضعها في جيبه.. ويبدو إن الوزراء القوميين الآخرين قدموا أيضاً الاستقالة تحت بند وضع برنامج محدد للوزارة.. قَبِلً الزعيم قاسم الاستقالات في 7 شباط 1959.. بضمنها استقالة ناجي طالب..
ـ ظل الرجل بعيداً عن السياسة.. ثم قدمً طلباً لعبد الكريم قاسم بالسماح له بالسفر إلى النمسا.. بسبب الفوضى التي عمت البلاد.. فوافق الرجل.. ويقول طالب: لم اصطحب عائلتي.. وتركت ستة أولاد وزوجتي في بغداد).. ويضيف قائلاً: اخترت النمسا.. لأنها بلد هادئ ومحايد وجميل.. وكانت عندي فكرة مسبقة عن النمسا ورغبة سابقة في زيارتها.. ولهذا قررتُ أن أقيم فيها.. ووجدتها كما تخيلتها بلداً جميلاً نظيفاً وهادئاً جداٌ..
رئاسته للوزارة:
بعد استقالة وزارة عبد الرحمن البزاز في 6 آب العام 1966.. كلف الرئيس عبد الرحمن عارف ناجي طالب بتشكيل الوزارة.. وشكل وزارته.. أعضاؤها من المستقلين.. الملاحظ عليها إنها ذات طابع الاختصاص.. قوبلت وزارة ناجي طالب بالترحيب والتأييد من قبل كل القوى السياسية تقريباً..
نزاهته:
ـ كان نظيف اليد.. نزيهاً.. وتضمنت اضبارته الشخصية.. وإضبارته التقاعدية.. كل ما يشير الى نظافة سلوكه الوظيفي.. والشخصي.. وتفانيه في مسلك الجندية.. والتوصيات الإيجابية المرفقة من الآمرين.. والضباط المسؤولين تدلل على هذه السيرة..
ـ ويشهد كل من زامله خلال خدمته العسكرية.. أو عندما أصبح وزيراً أو رئيساً للوزراء إن ناجي طالب: لم يستغل منصبه لمصالحه الخاصة أبداً..
ـ لم يعين أي من أقرباه في أية وظيفة على حساب الآخرين.. سواء عندما كان وزيراً.. أم رئيساً للوزراء..
ـ لم يثرى أبداً.. ولم يكن في بيته أي مال.. وليس له حساب مصرفي.. لا في العراق.. ولا خارج العراق.. ولا أي حساب مصرفي باسم زوجته أو أبنائه..
ـ أثاث بيته لم يغير سواء عندما أصبح وزيراً.. أو عندما أصبح رئيساً للوزراء.. فالأثاث القديمة العادية هي نفسها في داره..
ـ عامل أبناءه كبقية المواطنين في الحقوق والواجبات.. وخلال الدراسة كان أبناءه كبقية الطلبة.. ولم يعاملوا كأبناء وزير.. أو رئيس وزراء حسب توجيهاته..
ـ لم يمتلك أي دار لا في بغداد.. ولا في المحافظات الأخرى.. سوى دار سكنه القديمة.. قبل إن يكون وزيراً.. ولا تملك زوجته.. أو أبناءه أية عقارات لا في العراق.. ولا في خارج العراق..
ـ المدهش: عند تطبيق قانون الإصلاح الزراعي.. صادرت الدولة أراضيهم.. فأتصل أبيه به هاتفياً معاتباً قائلاً له: (بويه ناجي ليش ما بلغتنه قبل الإستملاك حتى نبيع الأراضي).. أجابه: (يا والدي: إذن لمن جئنا).. علماً إن ناجي كان يعلم قبل شهور من قرار استملاك أراضيهم)..
ـ والمدهش أيضاً: في تسعينيات القرن الماضي.. وخلال الحصار على العراق.. دعت الحكومة رؤساء الوزارات السابقين.. ومنحتهم هدايا مالية ضخمة..إلا إن ناجي اعتذر عن استلام الهدية.. معللاً ذلك بأن وضعه المالي بخير ولا يحتاج مساعدة الآخرين..(رؤساء وزاراتنا.. وزراؤنا.. قادتنا العسكريون.. خلال ال14 سنة الماضية.. هل نجد فيكم ناجي طالب واحد