الكاتب : فاضل حسن شريف
ومن المشتركات الايمان بالله والملائكة والكتب المنزلة والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن المشتركات ان الله يعلم بالسر والنجوى. ومن المشتركات الكرامة الإنسانية والمحبة والتسامح والعدل والمساواة. ومن المشتركات الإيمان بالله الخالق واليوم الآخر والوحي والروح والعبادة. بالاضافة الى الايمان بالاخلاق كالصدق والعدل والإحسان والأمانة ورفض الظلم والعدوان وانتهاك كرامة الأنسان وحماية كيان الأسرة. وتشترك الديانتان المسيحية والإسلام بأن السيد المسيح مؤيدا بروح القدس وبانه وجيها في الدنيا والآخرة. وتشترك الديانتان أن مريم عليها السلام سيدة النساء. ومن المشتركات الإحسان الى الوالدين، وعدم قتل النفس الا بالحق، وعدم الزنا، وعدم السرقة، وعدم شهادة الزور، وتحريم زواج المحارم، ومحبة الاخرين، والصلاة والصوم والزكاة والحج الى الاماكن المقدسة.
ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم: أن “النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ به جنازةٌ فقام (لها)، فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال: (أليستْ نَفْساً)” عندما توفي الإمام الزاهد منصور بن زإذان الواسطي سنة 128هـ/747م “خرج في جنازته اليهود والنصارى والمجوس يبكون عليه” وأورد الحافظ ابن عساكر -في ‘تاريخ دمشق‘- أنه سار في جنازة إمام الشام الأوزاعي “أممُ اليهود والنصارى والقبط” ونقل أيضا ابن عساكر بسنده عن “صاحبِ سِتْرِ” الإمام الفزاري -وهو “أحد أئمة المسلمين وأعلام الدين”- قولَه: “لما مات أبو إسحق الفزاري رأيتُ اليهود والنصارى يحثون التراب على رؤوسهم مما نالهم” وذكر الخطيب البغدادي في ‘تاريخ بغداد أنه يوم وفاة الإمام أحمد بن حنبل “وقع المأتم والنَّوْح في أربعة أصناف من الناس: المسلمين واليهود والنصارى والمجوس” عند ابن عساكر أيضا أن “شيخ بلاد فارس في وقته” محمد بن خفيف الضبي الشيرازي الصوفي مات سنة 371هـ/982م “واجتمع في جنازته اليهود والنصارى والمجوس” وقال الذهبي إنه لما توفي العالم الزاهد ابن أبي نصر الملقب “العفيف” خرج الناس في تشييعه، فـ”كان بين يديْه جماعةٌ من أَصحاب الحديث يهلّلون ويُكبّرون ويُظهرون السُّنة، وحضر جنازته جميع أهل البلد حتى اليهود والنصارى”.
ونقل ابن عساكر أن الخليفة العباسي المنصور بنى كنيسة في دمشق وكذلك المأمون فعل في بناء الكنائس منها كنائس في مصر وتعويضهم عن الحرائق الطبيعية التي تحصل في كنائسهم. وكثير من كنائس مصر بنيت في العهود الاسلامية. وكان قضاة المحاكم هم الذين يحكمون بالمنازعات بين المسلمين والمسيحيين بالعدل بدون النظر الى ديانتهم. كان هنالك اعتداءات بين الطرفين إن كانوا حكاما أو أفرادا. فحصلت انتهاكات من هنا وهناك. فمثلا عند فتح المسلمين الاسكندرية اخذوا كنائس وفي مناطق أخرى في مصر.
المازري ينقل عن إمام الشام الأوزاعي قوله: “كتب يزيد بن عبد الملك إلى عماله أن يُخْرِجوا أهل الذمة إلى الاستسقاء، فلم يَعِبْ عليه أحد من (علماء) أهل زمانه ” وجاء في البستان الجامع للأصفهاني أنه في سنة 288هـ/901م نقص منسوب مياه النيل في مصر عن المستوى المطلوب للزراعة، “فخرج المسلمون والنصارى واليهود ليستسقوا”، أي يصلون صلاة الاستسقاء وعلى مستوى التدين الشعبي، يذكر الإمام تاج الدين السبكي -في ‘طبقات الشافعية الكبرى‘- أن الشيخ الفقيه الزاهد أبا الطاهر المحلي كان خطيبا لجامع عمرو بن العاص في مصر، واشتهر بـ “اعتقاد أهل عصره فيه حتى اليهود والنصارى وتبرُّكهم بخطّه” ومن ذلك شيوع الختان بين مسيحيي مصر والأندلس، وكذلك كتابتهم البسملة في مقدمات كتبهم، وتلقبهم بألقاب دينية تشابه ألقاب علماء المسلمين مثل “موفق الدين” و”شمس الدين” ومن أغرب أمثلة ذلك ما حكاه الرحالة الفرنسي لوران دارفيو في مذكراته المضمَّنة في كتابه ‘وصف دمشق‘ المؤلَّف أواخر القرن السابع عشر الميلادي، إذ يقول فيما نقله عنه كامل الغزي: “يوجد في زماننا طائفة من الأرمن يسكنون عينتاب يقال لهم ‘كيز وكيز‘ أي نصف ونصف، سُمُّوا بذلك لأن ديانتهم مركبة من الإسلامية والمسيحية، فهم يقرؤون القرآن العظيم ويعلمونه أولادهم ويدخلون المساجد ويصلون فيها كما أنهم يعمّدون أولادهم ويحترمون الصليب ويحتفلون بالمواسم المسيحية”.
وقبل قرن من الأن، كانت الحادثة المشهورة خلال ثورة المصريين سنة 1338هـ/1919م على الاحتلال الأنجليزي، حين دخل القُمُّص القبطي سرجيوس الجامع الأزهر فكان أول مسيحي يعتلي منبره في التاريخ، حيث ألقى فيه -وفي جامع أحمد بن طولون- عدة خطب سياسية بحضور كبار العلماء المسلمين ومن أمثلة ذلك الاستقبالُ التاريخي الذي نظمته القاهرة المملوكية لأول خلفاء العباسيين في مصر الملقب “المستنصر”، فلدى وصول موكبه -في 8 رجب سنة 659هـ/1261م- ركب السلطان الظاهر بيبرس للقائه “ومعه الوزير وقاضي القضاة والشهود والرؤساء، والقراء والمؤذنون، واليهود بالتوراة، والنصارى بالأنجيل، وكان يوما مشهودا”، كما يخبرنا المؤرخ قطب الدين اليونيني في ‘ذيل مرآة الزمان‘ وبعد تحرير مدينة عكا الأخير من الاحتلال الصليبي سنة 690هـ/1291م على يد السلطان المملوكي الأشرف خليل بن قلاوون، مُنْهيا بذلك عصر الحملات الصليبية بمفهومها التاريخي، دخل الأشرف دمشق “ولم يبق أحد من أهل دمشق إلا وقد خرج في موكب اليوم، وكذلك العلماء والقضاة والخطباء والمشايخ، والنصارى واليهود” وتوحي الفتاوى الكثيرة في كتب الفقه الإسلامي المتعلقة بأعياد غير المسلمين بمدى انتشار ظاهرة حضور المسلمين لهذه الأعياد، بمن فيهم النساء المسلمات، فقد طالب الفقيه المحتسب ابن عبدون التجيبي الأندلسي بـ”منع المسلمات من دخول الكنائس” في مناسبات أعياد المسيحيين وأعراسهم وأفادنا الرحالة الجغرافي الفقيه المقدسي البشاري -في ‘أحسن التقاسيم‘- بأن “من أعياد النصارى التي يتعارفها المسلمون ويقدّرون بها الفصول: الفصح وقت النيروز، والعنصرة وقت الحر، والميلاد وقت البرد، وعيد بربارة وقت الأمطار”، ويُشعر ذلك بعلنية احتفالات هذه الأعياد والحرية المتاحة لأصحابها في إقامتها، بحيث صارت ثقافة عامة للجميع بل ويؤرخ بها المسلمون تعاملاتهم.