Dr Fadhil Sharif

الكاتب : فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قوله تعالى “فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ” (القمر 10) فَانتَصِرْ: فَ حرف استئنافية، انتَصِرْ فعل، فَانْتَصِرْ: فانتقم وانصرني عليهم، مَـغلوبٌ فانتصِرْ: مَقـْـهورٌ فانـْـتـَـقِم لي منهم. فدعا نوح ربه أنِّي ضعيف عن مقاومة هؤلاء، فانتصر لي بعقاب من عندك على كفرهم بك. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى “فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ” (القمر 10) “فدعا ربه أني” بالفتح، أي بأني “مغلوب فانتصر”.

جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ” (القمر 10) لما ضاق نوح بقومه وضاقوا به التجأ إلى خالقه وقال: لقد غلبت على أمري، وقلَّت حيلتي، وانتهى دوري في التبليغ والانذار، وبقي أمرك وقضاؤك في هؤلاء الكفرة الفجرة، فانتقم منهم بعذابك، وانتصر لدينك ورسولك.. وتجدر الإشارة إلى أن نوحا ما دعا على قومه إلا بعد اليأس من هدايتهم، فلقد لبث يدعوهم بلا جدوى ألف سنة إلا خمسين عاما كما جاء في الآية 14 من سورة العنكبوت.

جاء في رسالة التقريب للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: حياة نوح: يبدو أن حياة نوح عليه السلام من خلال ما عرضه القرآن الكريم في قصته تنقسم إلى ثلاث مراحل، وتبدو هذه المراحل الثلاث واضحة من المقطع الذي ذكر فيه قصته من سورة هود. الرسالة والدعوة: كان نوح  عليه السلام  يدعو قومه إلى توحيد الله سبحانه وعبادته ورفض عبادة غير الله تعالى من الشركاء، كما كان يدعوهم إلى تقوى الله تعالى وطاعته وإلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى ليغفر لهم ذنوبهم. كما أنّه كان يبلغ رسالات الله وينصح لهم وينذرهم عذاب الله وعقابه، ويبشرهم بالخير العميم في الدنيا، حيث يرسل الله السماء عليهم مدراراً ويمددهم بأموال وبنين ويجعل لهم جناتٍ لهم أنهاراً. ويظهر من القرآن الكريم  كما يفهم من المقارنة بين شريعته وشرائع سائر أنبياء أولي العزم أو من سياق الوصايا العامة التي ذكرها القرآن الكريم للشرائع السابقة أن نوحاً عليه السلام كان يأمرهم بالمعروف، كالعدل والمساواة وصدق الحديث والوفاء بالعهد، وينهاهم عن المنكر وعن ممارسة الفواحش واقترابها. وقد توسل نوح عليه السلام في دعوته هذه بوسائل الخطاب بالحكمة والموعظة الحسنة والانذار من عذاب الله تعالى والاحتجاج الذي يعتمد على المنطق والأخلاق والتأكيد على التجرد من الهوى أو المصالح الدنيوية، فهو إنسان أرسله الله لإبلاغ رسالاته وليس ملكاً، كما أنّه لا يبتغي من وراء هذا العمل أجراً أو فائدة خاصة أو مقاماً دنيوياً، وإنما يريد بذلك خيرهم وصلاحهم. وكان  عليه السلام  يتصف بالصبر وسعة الصدر والاستقامة في الدعوة ومواصلة إبلاغ الرسالة واستخدام الأساليب المختلفة العلنية والسرية: “قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا” (نوح 5). “ثم إني دعوتهم جهاراً * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً” (نوح 89). وقد واجهه قومه بتكذيبه في دعوته واستخدموا في هذا التكذيب عدة وسائل تعبر عن مراحل من المواجهة بينه وبين قومه. فأولاً: كانوا يثيرون في وجهه الشبهات والشكوك من خلال المجادلة بالباطل، فتارة يتهمونه بالكذب والافتراء لأن الرسول من الله لابد أن يكون ملكاً ويستغربون أن يكون رسول الله رجلاً مثلهم، وأخرى يتهمونه بالضلال والخروج على الجماعة ووحدتها، وثالثة بأنه يسعى وراء الجاه والمقام والحصول على الامتيازات، مع أنّه لا فضل له عليهم في الجاه والمال والولد. وثانياً: المحاصرة الاجتماعية من خلال الاتهام بالتسافل الاجتماعي والعيش مع الأراذل والضعفاء والأوباش من الناس. ولا يمكنهم أن يؤمنوا برسالته لأن ذلك يؤدي بهم إلى أن ينزلوا إلى هذا المستوى الاجتماعي الداني. وكان نوح  عليه السلام  يرد عليهم هذا الاتهام بأن هؤلاء مؤمنين ولا يمكن له أن يطردهم ويبتعد عنهم، والله أعلم بما في نفوسهم وهو يثيبهم على أعمالهم ونياتهم. وثالثاً: التهديد بالعدوان واستخدام القوة ضده إذا لم يترك رسالته: “قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين، قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين” (الشعراء 116-118) و “فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ” (القمر 10).

عن جريدة الصباح قيام (داعش) وسقوطها. هل وعينا الدرس؟ بتأريخ 12 شباط 2019 للكاتب باتريك كوكبرن ترجمة أنيس الصفار: تكرار الخطأ: أنا شخصياً لا اؤمن بإمكانية حدوث هذا لأن “داعش” لم تعد تمتلك مزية المباغتة مثلما فعلت في الماضي. ففي العام 2014 كانت المباغتة اعظم من حقيقتها لأن “داعش” كانت مستمرة منذ بعض الوقت في كسب المعارك والاستيلاء على الأراضي. كان من نتائج صعود” داعش” غير المتوقع قبل خمس سنوات ان ما من أحد سيخطئ بعد اليوم في تقدير شدة خطرها، والجيش العراقي اليوم مختلف كلياً عن الجيش القديم، فهو قد استطاع ان يستعيد الموصل بعد أن قهر مقاومة “داعش” الضارية. بإمكان “داعش” الان ان تنكفئ عائدة إلى أسلوب حرب العصابات والهجمات الارهابية التي تخطف الاضواء، وقد تلجأ الى ذلك فعلاً لإثبات أنها لا تزال ذلك العدو الذي يخشى بأسه. صور احزمة الانتحار المتفجرة المتخمة بكريات الحديد التي عثر عليها في دير الزور تثبت ان التفجيرات الانتحارية لا تزال جزءاً اساسياً من تكتيكات التنظيم، ولكن “داعش” لم تعد تمتلك من الموارد والوسائل ما يكفي لمواصلة تجنيد وتدريب وتمويل العمليات الانتحارية على نطاق واسع كما كانت تفعل من قبل “دولة داعش” عالية  التنظيم. ان احتلال تركيا للجزء الشمالي الشرقي من سوريا، بسبب اعتبارها المنظمات الكردية منظمات  ارهابية، قد يخفف الضغط عن التنظيم. لكن الخطر الآخر هو ان يمتزج مقاتلو داعش والقاعدة السابقين مع وحدات الفصائل العربية المسلحة المدعومة تركيا، والتي تنفذ الآن عمليات تطهير عرقي بحق الكرد في محافظة عفرين السورية الكردية منذ سيطرة تركيا عليها قبل سنة تقريبا. لقد ادركت الحكومات اليوم عموماً جدية خطر “داعش” ولن تسمح له بالنهوض ثانية. لكن الولايات المتحدة وبريطانيا والحكومات الحليفة لهما لم يتعلموا شيئاً من افعالهم الكارثية التي ارتكبوها في الشرق الاوسط وشمال افريقيا طيلة السنوات العشرين الماضية التي فتحت الابواب امام “داعش”. خلال تلك الفترة دأبت هذه الدول على شجب مواقف زعماء قوميين ودكتاتوريين اقوياء، مثل القذافي وغيره، معتبرة اياهم قادة غير شرعيين. كانت النتيجة هي الكارثة في كل مرة. فعندما أعلنت الحكومة البريطانية انها تعترف بالمجلس الثوري في ليبيا سنة 2011 باعتباره السلطة الحكومية الوحيدة هناك، سرعان ما تكشف ان الثوار لا يملكون قوة حقيقية او سلطة تتعدى ما قدمه لهم حلف الناتو فكان من الطبيعي والمحتم أن تنهار ليبيا وتنزلق إلى مهاوي الفوضى الاجرامية. نتقدم بالزمن سريعاً الى يومنا الحاضر لنقف على احداث فنزويلا خلال الاسبوع الماضي عندما أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا ومجموعة من دول اميركا الجنوبية أن زعيم المعارضة “خوان غويدو” هو الحاكم الشرعي للبلاد وليس الرئيس مادورو. وقال وزير الخارجية البريطاني “جيريمي هانت” أن خوان غويدو، الذي لا يكاد يعرفه احد بعد، هو الشخص المناسب لتولي شؤون البلد والسير به الى الامام، رغم أن ما من سبب واضح يدعونا لمثل هذا الاعتقاد. على العكس من ذلك نحن نرى نفس التمادي الامبريالي الفج الذي أنتج في الماضي دولاً فاشلة وفوضى جرت المآسي والويلات على افغانستان وليبيا واليمن وغيرها. من الواضح أن الزعماء في واشنطن ولندن لم يتعلموا من دروس قيام “داعش” وسقوطها إلا أقل
القليل. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *