كلمة امة في القرآن الكريم (ولو شاء ربك لحعل الناس أمة واحدة) (ح 64)‎

الكاتب : فاضل حسن شريف

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” ﴿هود 118﴾ أخبر سبحانه عن كمال قدرته فقال ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً” أي: على ملة واحدة ودين واحد فيكونون مسلمين صالحين عن قتادة وذلك بأن يلجئهم إلى الإسلام بأن يخلق في قلوبهم العلم بأنهم لوراموا غير ذلك لمنعوا منه لكن ذلك ينافي التكليف ويبطل الغرض بالتكليف لأن الغرض به استحقاق الثواب والإلجاء يمنع من استحقاق الثواب فلذلك لم يشأ الله ذلك ولكنه شاء أن يؤمنوا باختيارهم ليستحقوا الثواب. وقيل: معناه لوشاء ربك لجعلهم أمة واحدة في الجنة على سبيل التفضل لكنه اختار لهم أعلى الدرجتين فكلفهم ليستحقوا الثواب عن أبي مسلم وقيل معناه لوشاء لرفع الخلاف فيما بينهم “وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” في الأديان بين يهودي ونصراني ومجوسي وغير ذلك عن مجاهد وقتادة وعطا والأعمش والحسن في إحدى الروايتين عنه وفي الرواية الأخرى عنه أنهم مختلفون في الأرزاق والأحوال ولتسخير بعضهم لبعض وقيل معناه يخلف بعضهم بعضا في الكفر تقليدا من غير نظر فإن قولك خلف بعضهم بعضا وقولك اختلفوا سواء كما أن قولك قتل بعضهم بعضا وقولك: اقتتلوا سواء عن أبي مسلم.

وعن  التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله سبحانه “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” ﴿هود 118﴾ منذ ان نزلت هذه الآية، حتى اليوم، وأكثر الناس، أوالكثير منهم يقولون: ولما ذا لم يشأ، ويا ليته شاء ليريح البلاد والعباد من احن الطائفية وويلاتها؟ ويتضح الجواب مما يلي: 1 – ينبغي قبل كل شيء أن نكون على يقين بأن اللَّه سبحانه لا يريد لعباده وعياله ان يتباغضوا يتناحروا، كيف، وهوالقائل: “ولا تنازعوا فتفشلوا”. وليس من الضروري إذا لم يكرههم على الوئام والوفاق أن يريد لهم النزاع والصراع. فإذا قلت مثلا لا أحب أن يكون أولادي على رأي واحد في السياسة فليس معنى هذا أنك تريدهم متقاتلين متناحرين. 2 – أن للاكراه على الدين بمعنى الاعتقاد طريقين: الأول استعمال القوة. الثاني ان يخلق اللَّه الايمان في القلب كما خلق اللسان في الفم، والطريق الأول يتناقض مع مبدأ الدين نفسه، بل ومنطق العقل أيضا، لأن القوة لا تصنع الإيمان والاعتقاد، بل العكس هوالصحيح فان الايمان الحق طريقه الأدلة والبراهين، ومن أجل هذا عرض القرآن هذه الأدلة في أساليب شتى، وحض الإنسان على النظر إليها وتدبرها، لينتهي منها مختارا إلى الايمان باللَّه ورسوله واليوم الآخر. أما الأمر بالقتال من أجل الدين فالمراد منه القتال للعمل بشريعة الحق والعدل، والحفاظ على سلامة المجتمع وأمنه. أما الطريق الثاني، وهوان يخلق اللَّه الايمان في قلب الإنسان فإنه يخرج الإنسان عن إنسانيته، ويجعل أفعاله بالنسبة إليه، تماما كالثمرة على الشجرة، لا إرادة له ولا كسب ولا تفكّر وتدبّر لخلق الكون وما فيه، ولا استحقاق لمدح أوذم، ولا لثواب أوعقاب على شيء. وسبق الكلام عن ذلك عند تفسير الآية 35 من سورة الأنعام ج 3 ص 183 و388. والخلاصة ان اللَّه سبحانه لم يشأ بطريق من الطرق أن يكره الناس على الايمان لأنه لوشاء لسلب عنهم صفة الإنسانية، وكانوا أشبه بالحيوانات والحشرات، لا يتحملون أية تبعة، ولا يحاسبون على شيء، ولكن شاء اللَّه سبحانه أن يميز الإنسان عن كل مخلوق، ويرتفع به إلى حيث لا شيء فوقه الا خالق الكون والإنسان.. ومحال أن يبلغ هذه العظمة من غير جهد واختيار، ولذا أمده اللَّه بالقدرة والإدراك والوجدان، والهداية إلى النجدين، ثم ترك له حرية الاختيار، ليتحمل وحده تبعة ما يختار، وتتحقق له بذلك الإنسانية الكافية الوافية. فجاءت النتيجة أن يختلف الناس في عقائدهم وآرائهم. أنظر فقرة (ليس بالإمكان أبدع مما كان) ج 2 ص 384، وفقرة (الاختلاف بين الناس) ج 1 ص 318 ” ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ “أي ان الناس اختلفوا فيما مضى، وسيستمرون على هذا الاختلاف إلى الأبد، لأنه نتيجة حتمية لجعل الإنسان مخيرا غير مسير، يتجه إلى حيث شاء وأراد “إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ “والمراد بالمرحومين الذين يتوخون الحقيقة بإخلاص وتجرد، وهؤلاء لا يتطاحنون ويتناحرون على الحطام، وإذا اختلفوا فإنما يختلفون في الرأي ووجهة النظر (واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية). وتعدد وجهات النظر شيء مفيد، لأن القول القوي هوالذي يكون قويا رغم وجود الأقوال الأخرى.

عن مركز تفسير للدراسات القرآنية للكاتب رضا زيدان: هل تطورت كلمة (أُمَّة) في القرآن الكريم؟ نقد أطروحة المستشرق مونتجمري وات حول التطور الدلالي لكلمة (أُمَّة) في القرآن الكريم: إثبات الملمح الديني الفردي والجماعي لكلمة أمّة: إنّ معنى كلمة أمّة في قوله تعالى: “إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ” (الزخرف 22)، حاسمٌ في تقييم المبدأ التطوري السابق، لأن سورة الزخرف مكيّة غير متأخرة. يقول الفراء في تفسير الآية: (مثل: السُّنّة)، فما معنى هذا النظير الدلالي؟ في أكثر من موضع في القرآن الكريم كانت حُجة مشركي العرب ضد رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي: اتّباع الآباء، مثلًا يقول تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ” (البقرة 170)، ومضمون هذه الحُجة هو أنّ للآباء سُلطة، وأنّ مجرّد فِعلهم حجة، ولذلك لا يُستغرب أنه عندما دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء مِن قبلهِ إلى التوحيد اعتبر المشركون هذه الدعوة معارضة جذرية مباشرة لسلطة الآباء، وهذه السلطة تتمثّل في المعيارية، أي: تحديد السلوك المستقيم، أو بكلمة واحدة: السُّنّة. والسُّنّة بطبيعتها مُتَّبَعة ومعظَّمة وجمعية، ويلخص هذا المعنى قول لبيد: من معشرٍ سَنَّتْ لهم آباؤهم * ولكلِّ قومٍ سُنَّةٌ وإمامُها. وبالتالي لا يمكن بالنسبة للعرب أن يمثِّل عمل شخص واحد (سُنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم) معيارًا بالنظر إلى سنن الأولين المتفق على قبولها. وخلافًا للبحث الاستشراقي الكلاسيكي الذي فهمَ (السُّنة) على أنها مجرد عادات اجتماعية (بالضبط مثل تعامُل مونتجمري وات مع مفهوم الأمة)، أثبت الفيلولوجي مير برافمان (M. M. Bravmann) أنّ السُّنة عند العرب شخصية، إذ دلّل من الشعر الجاهلي على أن (السُّنة تعني في الأصل (الطريقة) التي رسمها ونصبها وأدخلها لحيز الممارسة شخص معيّن (نُسي اسمه بمرور الزمن)، أو -في أحيان قليلة- مجموعة أشخاص محدَّدين، وأنّ معناها كعرفٍ اجتماعي لا بد أن يُعتبر معنى ثانويًّا). وبناءً على ذلك، (المقصود بتعبير (الممارسة النبوية) هو الممارسة المحددة الشخصية التي قام بها النبي نفسه، وليس ممارسة المجتمع)، فالسُّنة (تُحدَّد تلقائيًّا بأنها (سُنّة النبي)، حتى إذا لم يُذكر اسم النبي). إنّ هذه المعيارية والفردية -الملمح المميز لمفهوم السُّنة- هي التي جعلت الفراء -وغيره من اللغويين- يماثِل بين مفهوم الأُمّة ومفهوم السُّنة في هذه الآية، وهي مماثلَة صحيحة أنثروبولوجيًّا، إِذْ إنّ سادات القبائل عند العرب لم يكونوا فقط أصحاب مركز سياسي، وإنما لهم قدسية، فعملهم تشريع في حدّ ذاته، مهما كان التشريع مخالفًا للدِّين الأصلي، فعندما أتى عمرو بن لحي (الملقب بــ”سيد” خزاعة) بالأصنام في الكعبة (دانت العرب للأصنام وعبدوها واتخذوها) مباشرة، ويقول الأزرقي عنه: (وكان قوله فيهم دِينًا متّـبَعًا لا يُخالَف، وهو الذي بحَّـرَ البحيرة، ووصَل الوصيلة، وحمَى الحامي، وسيَّب السائبة، ونصب الأنصاب حول الكعبة، وجاء بهُبَل من هيت من أرض الجزيرة، فنصبه في بطن الكعبة، فكانت قريش والعرب تستقسم عنده بالأزلام، وهو أوّل مَن غيَّر الحنيفية دِين إبراهيم -عليه السلام-، وكان أمرُه بمكة في العرب مطاعًا لا يُعصى)، رغم اختلاف ما فَعَل مع دِين إبراهيم -عليه السلام-، (ومن أمارات تعظيم سادات القبائل، أنهم كانوا يضربون لهم قِبابًا رمزًا للسيادة والجاه، وترجع جذور هذا التعظيم منذ عهد نزار بن مَعَدّ، إِذْ كانت له قُبّة حمراء، فلما حضرته الوفاة أوصى بنيه، وقسم مالَه بينهم، قال: يا بَنِيّ هذه القبة -وهي قُبّة من أدم حمراء- وما أشبهها إلى مُضَر، فسُمّيت مضر الحمراء. دلالة على انتقال السيادة لهم)، (ويُذكر أنّ النعمان بن المنذر عندما يريد أن يعظِّم رجلًا ضرَب له قُبّة من أدم حمراء، وكان الملك إذا فعل ذلك برجلٍ عُرِف قدره منه ومكانه عنده)، (فاللون الأحمر سواء كان في القباب التي تضرب، أم في العمائم الحمر التي يعتمّ بها الرأس، عُدّ رمزًا للتعظيم والسيادة والجاه الذي عليه سادة القبائل).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *