
ضياء ابو معارج الدراجي
العزاء ليس وليمة، وليس تجمعًا لالتقاط الصور، وليس مناسبةً لإثبات الوجود الاجتماعي. العزاء موقفٌ مهيب، لحظة فراق تُلقي بثقلها على أهل الفقيد، وتجعلهم في حالة من الانكسار النفسي لا تحتمل المظاهر ولا المجاملات الفارغة. لكنه، وللأسف، أصبح في بعض الأماكن يتحول إلى مناسبة اجتماعية بائسة، يُختزل فيها الحزن إلى طقوس شكلية، ويتحول فيها بيت الفقيد إلى ساحة للضيافة، تُنتهك فيها هيبة الموقف باسم العادات والتقاليد.
ما الذي يجعل الناس يظنون أن العزاء مكانٌ مناسبٌ لالتقاط الصور؟ أن يتحلق البعض حول الموائد وكأنهم في عرس، بينما أصحاب المصيبة بالكاد يستطيعون رفع رؤوسهم من شدة الألم؟ أي عقلٍ يقبل أن تُنقل صور الحزن عبر عدسات الهواتف، فتُوثق دموعٌ لم تجف بعد، وتُنشر ملامح الحزن وكأنها استعراض؟!
إن المبالغة في تقديم الطعام في العزاء ليست كرمًا، بل عبئًا نفسيًا وماديًا على أهل الفقيد، وكأنهم مطالبون بأن يكونوا مضيفين حتى في قمة انكسارهم. هل يحتاج المُعزَّى إلى ضيوفٍ يملؤون معدتهم أم إلى من يخفف عنه؟ هل يريد مواساةً صادقة أم تجمعًا لممارسة العادات على حساب وجعه؟
لقد تحول العزاء إلى طقس اجتماعي زائف، يتسابق فيه البعض لإثبات حضورهم، لا من أجل المواساة، بل من أجل ألا يُقال إنهم لم يأتوا. يتبادلون الأحاديث الجانبية، يناقشون أمور الدنيا، وأحيانًا يضحكون وكأن المكان لم يكن قبل ساعاتٍ مسرحًا لرحيل إنسان.
أليس الأولى أن يكون العزاء مساحةً للصمت، للتأمل، لمواساةٍ لا تحتاج إلى مظاهر؟ أليس الأجدر أن يكون الحضور فيه خفيفًا على القلوب المثقلة، لا عبئًا يُضاف إلى ثقل الفقد؟
المواساة ليست صورة، وليست وليمة، وليست فرض حضور. المواساة كلمة صادقة، يدٌ توضع على الكتف بحنان، ووجودٌ يُشعر أهل الفقيد أنهم ليسوا وحدهم. ما سوى ذلك، هو استعراض لا يليق بقدسية الموت.