Dr Fadhil Sharif

فاضل حسن شريف

جاء في الالوكة الشرعية عن علامات الوقف ومصطلحات الضبط بالمصحف الشريف للشيخ اسماعيل الشرقاوي: (مـ): تفيد لزوم الوقف ولزوم البدء بما بعدها وهو ما يسمى بالوقف اللازم، كما في قوله تعالى: “إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ (مـ) وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ” (الأنعام 36). (لا): تفيد النهي عن الوقف في موضعها، والنهي عن البدء بما بعدها، كما في قوله  تعالى: “وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (لا: النهي عن الوقف) وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (الحديد 8)، “لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (لا: النهي عن الوقف) وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ (ج: جواز الوقف) وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ” (الحديد 29).

ليس كلّ ما يتعسفه (التعسّف في الكلام: أخذه على غير هداية ولا دراية وتكلّف منه حمله على معنىً لا تكون دلالته عليه ظاهرة) بعض المعرِّبين، أو يتكلّفه بعض القرّاء، أو يتأولّه بعض أهل الأهواء، ممّا يقتضي وقفاً أو ابتداءً ينبغي أن يتعمد الوقف عليه، بل ينبغي تحرّي المعنى الأتمّ والوقف الأوجه وذلك نحو الوقف على قوله تعالى: “وَارْحَمْنَا أَنتَ” (البقرة 286) والابتداء بـ “مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” على معنى النداء، ونحو الوقف على قوله تعالى: “يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكَْ” (لقمان/13) ثم الابتداء “بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” على معنى القسم ونحو الوقف على “حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ” (البقرة 158) والابتداء “عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا”، وهذا خلاف أسباب النزول، ونحو “فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً” (الروم 47) والابتداء بـ “عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ”، ونحو الوقف على “وَهُوَ اللهُ” (الأنعام 3) والابتداء “فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأََرْضِ” وأشد قبحاً من ذلك في نفس الآية الوقف على “فِي السَّمَاوَاتِ” والابتداء “وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ…” ونحو الوقف على “تمشي” في قوله تعالى: “فَجَاءَتْهُ إحداهما تَمْشِي” (القصص 24)، ثم الابتداء “عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ” وأمثلة أخرى. هذه الوقوف التي يرتكبها المتعسفون بعضها تنافي أسباب النزول والأحاديث الشريفة الواردة فيها ومخالفة لقواعد اللغة العربية وأساليب القرآن ومعانيه السامية، وفي بعضها إيهام وإفساد في المعنى لا مجال هنا للتفصيل فيها، فعلى القارئ الذي يحرص كل الحرص على أن يعرض القرآن الكريم في أبهى حلله وأبهج مظاهره أن يتجنب هذه الوقوف وأشباهها، لما فيها من التصنّع والتكلّف، والتمحّل والتعسّف، والتحريف للكلم عن مواضعه كل ذلك يُذهب برونق القراءة وروعة التلاوة وجلال الأداء.

قال الله عز من قائل في سورة الممتحنة في المواضع التي تنهي عن الوقف ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ (لا: النهي عن الوقف) أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي (ج: جواز الوقف) تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ (ج: جواز الوقف) وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ” (الممتحنة 1)، “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ (لا: النهي عن الوقف) فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ (قلى: الوقف اولى) إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (الممتحنة 12).

جاء في موقع اسلام ويب عن دلالة وضع علامة (لا) في المصاحف: السؤال: علامة “لا” في القرآن، تعني عدم الوقف، ولا الابتداء (أحكام التجويد). السؤال: عند الوقوف عند الاضطرار. هل يجوز الوصل: أي الرجوع لبعض الكلمات، ليكتمل المعنى، أو البدء منها؟ مثال: الآية: (20) المزمل، والآية: (31) المدثر؟ الإجابــة: إن علامات الوقف الموضوعة في المصاحف، إنما هي علامات اجتهادية، ولا يجب الالتزام بها وجوبًا شرعيًّا، ما لم يتعمد القارئ وقفًا يفسد المعنى، أو بداية تفسده، وأيضا فإن عبارة: “لا” التي أشرت إليها، قد تجعل في بعض المصاحف علامة على الوقف الممنوع، وفي بعض المصاحف علامة للوقف الحسن. ففي معجم علوم القرآن: علامات الوقف: هي رموز وإشارات اصطلاحية اجتهادية، وضعها العلماء فوق كلمات القرآن الكريم للدلالة على أماكن الوقف الجائزة والممنوعة. وسنقتصر على العلامات المشتهرة المعمول بها الآن في المصاحف المتداولة، وهي ما وضعه محمد بن علي بن خلف الحسيني وغيره. م: علامة الوقف اللازم، وهو الذي قد يوهم خلاف المراد إذا وصل بما بعده. مثال: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ (الأنعام 36). لا: علامة الوقف الممنوع، وهو المتعلق بما بعده تعلقا يمنع من الوقف عليه، ومن الابتداء بما بعده، لأنه لا يفهم المراد منه، أو أنه يوهم خلاف المراد. مثال: “الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ” (النحل 32). وجاء في كتاب معلم التجويد، لمؤلفه: د. خالد بن عبد الرحمن بن علي الجريسي: معنى الوقف الحسن، أي أنه يحسُن الوقف عليه من جهة أنه تامّ المعنى فقط، إلا أنه متعلّق بما بعده لفظاً ومعنى. ومثاله: (المُزّمل 20) “عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءوا”. كما تلحظ فقد وضع علامة (لا) في أثناء الآية، وهي تعني أن الوقف هنا جائز حسنٌ، لجهة إفادة الكلام معنىً صحيحاً، إلا أنه تعلّق بما بعده لفظاً ومعنىً، فلا تبدأ بما بعده حتى تعيد الكلمة الموقوف عليها، بل قد يلزم إعادة كلمات قبلها، وذلك ليتمَّ اتساق المعنى المراد. والوقف على الكلمتينِ في الآيتينِ المذكورتين في السؤال من قبيل الوقف الحسن (في اصطلاح البعض) لأجل تمام المعنى، لكنه متعلق بما بعده، وفي هذه الحالة يحسن إعادة الكلمة الموقوف عليها، أو كلمات قبلها إذا ترتب على ذلك تمام المعنى، فالوقف هنا على غير رأس آية. يقول الشيخ عبد الفتاح المرصفي في كتابه: هداية القاري إلى تجويد كلام الباري: الكلام على الوقف الحسن: وهو الوقف على كلام تم معناه، وتعلق بما بعده لفظاً ومعنى مع الفائدة، كأن يكون اللفظ الموقوف عليه موصوفاً، وما بعده صفة له، أو معطوفاً وما بعده معطوفاً عليه، أو مستثنى منه وما بعده مستثنى، أو بدلا وما بعده مبدل منه وما إلى ذلك. ويوجد في رؤوس الآي وفي أثنائها، كالوقف الكافي. وسمي حسناً، لحسن الوقف عليه، لأنه أفهم معنى يحسن السكوت عليه. وحكمه أنه يحسن الوقف عليه. وأما الابتداء بما بعده، ففيه تفصيل، لأنه قد يكون في رؤوس الآي، وقد يكون في غيرها. فإن كان في غير رؤوس الآي، فحكمه أنه يحسن الوقف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده، لتعلقه به لفظاً ومعنى كالوقف على لفظ “الله” من قوله تعالى: “الحمد للَّهِ” (الفاتحة 2) فإنه كلام تام يحسن الوقف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده. لأن ما بعده وهو قوله تعالى: “رَبِّ العالمين” ـ (الفاتحة 2)، صفة للفظ الجلالة والصفة والموصوف كالشيء الواحد لا يفرق بينهما. والابتداء حينئذ يكون غير حسن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *