سفينة نوح (ح 6) (ذرية من حملنا مع نوح)‎

فاضل حسن شريف

جاء في مؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر عن حدث في مثل هذا اليوم (1 رجب): في هذا اليوم وهو اليوم الأول من رجب ركب نوح السفينة، وأركب فيها من كلٍ زوجين اثنين ـ وقيل: إنهم ركبوا السفينة بتاريخ 10 / 7، وبقي فيها خمسين يوماً، ونزل منها بتاريخ 21 / 8. وفي روايات بقي فيها ستة أشهر. وجاء في موقع الحبيب عمر بن سالم بن محمد عن شهر رجب: فإنَّ ما يعتري العقولَ والمداركَ من الانبهار بشيءٍ من المصنوعات والصنائع وحدوثِ الأجهزة والتطوُّر فيها، وما يتعلق بذلك من الشئون الأُخر قد يقيم حاجباً وحاجزاً عن نفوذ إدراكِ تلك العظمة والتحقُّق بتلك المحبة إلى الذوق والوجدان وواقع التعامل مع الأحداث والأكوان وما تُقابَل به في مختلف الأحوال، لذا وجب أن نتفقَّد ونحن أمام ذكرى حملِ الله للنبي نوح، وحملِنا معه في السفينة قال تعالى “إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ” (الحاقة 11).

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تبارك وتعالى “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا” ﴿الإسراء 3﴾ “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ” أي: أولاد من حملنا مع نوح في السفينة فأنجيناه من الطوفان وقد ذكرنا وجوه ذلك في الإعراب وعلى هذا يدور المعنى “إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا” معناه: أن نوحا كان عبدا لله كثير الشكر وكان إذا لبس ثوبا أوأكل طعاما أوشرب ماء حمد الله وشكر له وقال: الحمد لله وقيل: إنه كان يقول في ابتداء الأكل والشرب بسم الله وفي انتهائه الحمد لله وروي عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام: أن نوحا كان إذا أصبح وأمسى قال اللهم إني أشهدك أن ما أصبح أو أمسى بي من نعمة في دين أودنيا فمنك وحدك لا شريك لك لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضى وهذا كان شكره.

وعن تفسير الميسر: قوله تبارك وتعالى “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا” ﴿الإسراء 3﴾ نوح اسم علم، ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ: يا ذرية ويا سلالة من نجينا مع نوح تشبهوا بأبيكم. يا سلالة الذين أنجيناهم وحَمَلْناهم مع نوح في السفينة لا تشركوا بالله في عبادته، وكونوا شاكرين لنعمه، مقتدين بنوح عليه السلام، إنه كان عبدًا شكورًا لله بقلبه ولسانه وجوارحه. و قوله عز وعلا “وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ” ﴿هود 42﴾ موج اسم، وهي تجري بهم في موج يعلو ويرتفع حتى يصير كالجبال في علوها، ونادى نوح ابنه وكان في مكانٍ عَزَل فيه نفسه عن المؤمنين فقال له: يا بني اركب معنا في السفينة، ولا تكن مع الكافرين بالله فتغرق. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تبارك وتعالى “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا” ﴿الإسراء 3﴾ يا “ذرية من حملنا مع نوح” في السفينة “إنه كان عبدا شكورا” كثير الشكر لنا حامدا في جميع أحواله.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تبارك وتعالى “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا” ﴿الإسراء 3﴾ ومن أجل أن تحرِّك الآية التالية عواطف بني إِسرائيل وتحفّزهم لشكر النعم الإِلهية عليهم، خصوصاً نعمة نزول الكتاب السماوي، فإِنّها تضع لهم نموذجاً للعبد الشكور فتقول: “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ” ولا تنسوا: “إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا”. والآية تخاطب بني إِسرائيل بأنّهم أولاد مَن كانَ مع نوح، وعليهم أن يقتدوا ببرنامج أسلافهم وآبائهم في الشكر لأنعم اللّه. (شكور) صيغة مبالغة بمعنى (كثير الشكر)، وأمّا كون بني إِسرائيل ذرية مَن كانَ مع نوح، فإِنّ ذلك قد يعود إِلى أنَّ مَن في الأرض جميعاً، بعد طوفان نوح، ومنهم بنو إِسرائيل، هم كُلّهم مِن سلالة الأبناء الثلاثة لنوح، أي (سام) و(حام) و(يافث) كما ورد في كتب التاريخ، وممّا لا شك فيه أنَّ كل أنبياء اللّه شكورون، ولكنَّ الأحاديث تعطي ميزة خاصّة لنوح الذي كان دائم الشكر على كل نعمة ففي كل شربة ماء، أو وجبة غذاء، أو وصول نعمة أُخرى له فإنّه يذكر اللّه فوراً ويشكره على نعمائه. وفي حديث عن الإِمام الباقر والصادق عليهما السلام نقرأ قولهما إِنَّ نوحاً كان يقرأ هذا الدعاء في كل صباح ومساء، (اللّهم إِنّي أشهدك أنَّ ما أصبح أو أمس بي مِن نعمة في دين أو دنيا فمنك، وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها عليّ حتى ترضى، وبعد الرضا). ثمّ أضاف الإِمام: (هكذا كان شكر نوح).

جاء في معاني القرآن الكريم: موج الموج في البحر: ما يعلو من غوارب الماء. قال تعالى: “في موج كالجبال” (هود 42)، ﴿يغشاه موج من فوقه موج﴾ (النور 40) وماج كذا يموج، وتموج تموجا: اضطرب اضطراب الموج. قال تعالى: “وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض” (الكهف 99).  تفسير الميسر: قال الله تعالى عن الموج “وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ” ﴿لقمان 32﴾ موج اسم، غَشِيهم موْجٌ: علاهم و غطّاهم. وإذا ركب المشركون السفن وعَلَتْهم الأمواج مِن حولهم كالسحب والجبال، أصابهم الخوف والذعر من الغرق ففزعوا إلى الله، وأخلصوا دعاءهم له، فلما نجاهم إلى البر فمنهم متوسط لم يقم بشكر الله على وجه الكمال، ومنهم كافر بنعمة الله جاحد لها، وما يكفر بآياتنا وحججنا الدالة على كمال قدرتنا ووحدانيتنا إلا كل غدَّار ناقض للعهد، جحود لنعم الله عليه.

قال الله تبارك وتعالى عن يجتبي ومشتقاتها “أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا” ﴿مريم 58﴾، و”ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ” ﴿طه 122﴾، و”هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ” ﴿الحج 78﴾، و”يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ” ﴿سبإ 13﴾، و”شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ” ﴿الشورى 13﴾، و”فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ” ﴿القلم 50﴾.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *