الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله تعالى “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ” ﴿الأنفال 65﴾ يَغْلِبُوا: يَغْلِبُ فعل، وا ضمير، يا أيها النبي حُثَّ المؤمنين بك على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون عند لقاء العدو يغلبوا مائتين منهم، فإن يكن منكم مائة مجاهدة صابرة يغلبوا ألفًا من الكفار، لأنهم قوم لا عِلْم ولا فهم عندهم لما أعدَّ الله للمجاهدين في سبيله، فهم يقاتلون من أجل العلو في الأرض والفساد فيها.
جاء في معاني القرآن الكريم: غلب الغلبة القهر يقال: غلبته غلبا وغلبة وغلبا (انظر: الأفعال 2/32، والبصائر 4/142)، فأنا غالب. قال تعالى: “آلم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون” (الروم 13)، “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة” (البقرة 249)، “يغلبوا مائتين” (الانفال 65)، “يغلبوا ألفا” (الأنفال 65)، “لأغلبن أنا ورسلي” (المجادلة 21)، “لا غالب لكم اليوم” (الانفال 48)، “إن كنا نحن الغالبين” (الاعراف 113)، “إنا لنحن الغالبون” (الشعراء 44)، “فغلبوا هنالك” (الأعراف 119)، “أفهم الغالبون” (الأنبياء 44)، “ستغلبون وتحشرون” (آل عمران 12)، “ثم يغلبون” (الانفال 36)، وغلب عليه كذا أي: استولى. “غلبت علينا شقوتنا” (المؤمنون 106)، قيل: وأصل غلبت أن تناول وتصيب غلب رقبته، والأغلب: الغليظ الرقبة، يقال: رجل أغلب، وامرأة غلباء، وهضبة غلباء، كقولك: هضبة عنقاء ورقباء، أي: عظيمة العنق والرقبة، والجمع: غلب، قال: “وحدائق غلبا” (عبس 30).
عن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى: “إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ” (الانفال 65) أي من الذين كفروا كما قيد به الألف بعدا، وكذلك قوله “وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ” (الانفال 65) أي مائة صابرة كما قيد بها “عِشْرُونَ” قبلا. وقوله “بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ” (الانفال 65) الباء للسببية أو الإله والجملة تعليلية متعلقة بقوله “يَغْلِبُوا” أي عشرون صابرون منكم يغلبون مائتين من الذين كفروا، ومائة صابرة منكم يغلبون ألفا من الذين كفروا كل ذلك بسبب أن الكفار قوم لا يفقهون. وفقدان الفقه في الكفار وبالمقابلة ثبوته في المؤمنين هو الذي أوجب أن يعدل الواحد من العشرين من المؤمنين أكثر من العشرة من المائتين من الذين كفروا حتى يغلب العشرون من هؤلاء المائتين من أولئك على ما بني عليه الحكم في الآية فإن المؤمنين إنما يقدمون فيما يقدمون عن إيمان بالله وهو القوة التي لا يعادله ولا يقاومه أي قوة أخرى لابتنائه على الفقه الصحيح الذي يوصفهم بكل سجية نفسانية فاضلة كالشجاعة والشهامة والجرأة والاستقامة والوقار والطمأنينة والثقة بالله واليقين بأنه على إحدى الحسنيين إن قتل ففي الجنة وإن قتل ففي الجنة وإن الموت بالمعنى الذي يراه الكفار وهو الفناء لا مصداق له.
جاء عن مركز الاشعاع الاسلامي للدراسات والبحوث الاسلامية في مقالة للشيخ محمد توفيق المقداد بعنوان القلة والكثرة في القرآن الكريم: على المستوى المالي: الاستقواء والطغيان: وهذه المفسدة كثيراً ما تحققت قديماً وهي حاصلة حالياً لأن الكثرة في المال عندما تتجرد عن الإيمان بالله عزوجل تصبح وسيلة للاستقواء والطغيان والاستعباد، كما تصبح وسيلة لإشعال الحروب والتسلط والاستكبار كنتيجة لغرور المال وأصحاب الثروة. الإبتعاد عن الخط الإلهي: وذلك لأن هذا المال عندما يكثر في يد إنسان ما ويتمكن به من تأمين كل ما يريد من نعيم واحتياجات متنوعة في الحياة الدنيا، فقد يشعر مثلاً بأنه غني عن الإيمان والارتباط بالقدرة الإلهية أو أنه يستخف بأمر مثل هذا الاعتقاد ولا يقيم له وزناً في حياته، بل ينطلق مع ماله ليحقق به شهواته ونزواته وكل رغباته بأي طريق كان. وهذه بعض المفاسد التي تترتب على كل مستوى من مستويات الكثرة التي ذكرنا، ولكن هناك سبب رئيسي يجمع بين كل تلك المفاسد هو”عدم الإيمان بالله سبحانه وتعالى أوعدم الالتفات إلى دخالة هذا السبب في تنظيم الكثرة وتوازنها على مستوى الحركة في الحياة الدنيا، ومن هنا تنتج كل تلك المفاسد التي ذكرناها ولا ندعي انحصارها بما قلنا، وهذا يعني أن نظرة الإسلام إلى الكثرة هي نظرة عدم الإحترام وعدم التقديس. وأما القلة فإن الموارد المستقرأة في القرآن الكريم منها على المستوى الإيماني: قال الله تعالى: “إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ (الانفال 65). وبالتدقيق في هذه المصاديق لمعنى القلة نجد المدح والتقدير الإلهي على كل المستويات المذكورة، وهذا عائد إلى سبب أساس أيضاً هو أن الإيمان بالله عز وجل كان المصدر الأساس لكل أولئك الذين امتدحهم الله ووعدهم بالرحمة والمغفرة والنصر والغلبة والهيمنة على كل الأمور. من كل ما سبق، نصل إلى النتيجة التي نتوخاها وهي أن الكثرة بما هي كثرة ليست هي المقياس للحقيقة في المجالات الإيمانية وليست هي سبب الغلبة في المجالات العسكرية وليست هي الوسيلة لإعطاء الإنسان قيمته المعنوية أو منزلته الاجتماعية وليست الكثرة في المال هي الطريق الموصل لتحقيق الأهداف الإلهية في الكثير من الحالات وإن كان كل ذلك لا يمنع من أن تكون الكثرة في بعض الأحيان على تلك المستويات محققة للأهداف الإلهية إذا توافرت فيها الشروط الموضوعية وفق النظرية الإسلامية الإلهية كما يعبر ذلك سبحانه عمن يملكون الكثرة من المال وينفقونه في سبيل الله تحصيناً للمجتمع ورفعاً للمستوى الاجتماعي للفقراء لتحقيق مجتمع العدل والكفاية الاجتماعيين. ونفهم في المقابل أن القلة وقعت مورد المدح الإلهي خاصة في المستوى الإيماني والجهادي لأنها التعبير الصادق عن رفض الانجرار وراء الأكثرية التي توهمت أن كثرتها تجعلها محقة فيما عليه هي من الاعتقاد أو أنها طريق النصر. والقلة في هذين المستويين بالخصوص وهما اللذان تبيّن عبر التاريخ بأنهما رافقا الأنبياء والأولياء وكانوا المشاعل المضيئة التي انتصرت على كل الانحراف والحصار الذي كانت تمارسه الأكثرية وتحملت بسبب إيمانها كل أنواع البلاء وتحملت مسؤولية الجهاد المقدس في سبيل حماية إيمانها وارتباطها بالله فخلدها الله عز وجل كنماذج أمام البشرية لتهتدي بها حتى لا تنحرف مثل الأكثرية الضالة عبر العصور، فالقلة هي التي تريد الإرتباط بالله والدفاع عن أنتمائها إليه مهما كانت العراقيل والصعاب التي تقف بوجهها.
عن الدكتور مسعود ناجي ادريس في الصفحة الاسلامية لوكالة انباء براثا عن مقالته ثقافة المقاومة وآثارها في آيات القرآن الكريم: في الآية 65 من سورة الأنفال قال الله تعالى بعد أن طلب من نبيه الكريم صلى الله عليه و آله و سلم أن يشجع المؤمنين على محاربة الأعداء: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ” (الأنفال 65) قال العلامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية: (النقطة المهمة هي أن المؤمنين في كل عمل يقومون به يرجع سبب هذا العمل إلى الإيمان بالله، والإيمان بالله قوة لا تساويها قوة أخرى ولا تستطيع مقاومتها مثل هذا الشخص واثق ومتأكد أنه مهما حدث أن قُتل أو قَتل فالنصر معه، لأن كلا المصيرين يأجر عليه من الله، ولا يرى في نفسه مثالا للموت أو الفناء مثلما يرى الكفار.) (تفسیر المیزان، ج9، الآیة 9 سوره حشر).