
الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز من قائل “وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” ﴿النساء 100﴾ قوله تعالى: ” وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً ” قال الراغب: الرغام (بفتح الراء) التراب الرقيق، ورغم أنف فلان رغما وقع في الرغام، وأرغمه غيره، ويعبر بذلك عن السخط كقول الشاعر: إذا رغمت تلك الأنوف لم أرضها * ولم أطلب العتبي ولكن أزيدها. فمقابلته بالارضاء مما ينبه على دلالته على الإسخاط، وعلى هذا قيل: أرغم الله أنفه، وارغمه أسخطه، وراغمة ساخطة، وتجاهدا على أن يرغم أحدهما الآخر ثم يستعار المراغمة للمنازعة قال الله تعالى: “يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً” أي مذهبا يذهب إليه إذا رأى منكرا يلزمه أن يغضب منه كقولك: غضبت إلى فلان من كذا ورغمت إليه (انتهى). فالمعنى: “وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ”، أي طلبا لمرضاته في التلبس بالدين علما وعملا يجد في الأرض مواضع كثيرة كلما منعه مانع في بعضها من إقامة دين الله استراح إلى بعض آخر بالهجرة إليه لإرغام المانع وإسخاطه أو لمنازعته المانع ومساخطته، ويجد سعة في الأرض. وقد قال تعالى في سابق الآيات: “أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً”، ولازم التفريع عليه أن يقال: ومن يهاجر يجد في الأرض سعة إلا أنه لما زيد قوله “مُراغَماً كَثِيراً ” وهو من لوازم سعة الأرض لمن يريد سلوك سبيل الله قيدت المهاجرة أيضا بكونها في سبيل الله لينطبق على الغرض من الكلام، وهو موعظة المؤمنين القاطنين في دار الشرك وتهييجهم وتشجيعهم على المهاجرة وتطييب نفوسهم. قوله تعالى: “وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ” (إلخ) المهاجرة إلى الله ورسوله كناية عن المهاجرة إلى أرض الإسلام التي يتمكن فيها من العلم بكتاب الله وسنة رسوله، والعمل به. وإدراك الموت استعارة بالكناية عن وقوعه أو مفاجاته فإن الإدراك هو سعي اللاحق بالسير إلى السابق ثم وصوله إليه، وكذا وقوع الأجر على الله استعارة بالكناية عن لزوم الأجر والثواب له تعالى وأخذه ذلك في عهدته، فهناك أجر جميل وثواب جزيل سيوافي به العبد لا محالة، والله سبحانه يوافيه بألوهيته التي لا يعزها شيء ولا يعجزها شيء ولا يمتنع عليها ما أرادته، ولا تخلف الميعاد. وختم الكلام بقوله “وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً” تأكيدا للوعد الجميل بلزوم توفيه الأجر والثواب.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز من قائل “وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” ﴿النساء 100﴾ الهجرة حكم إسلامي بنّاء: تشرح الآية الأخيرة بشكل صريح وحاسم أهمية الهجرة في قسمين: في القسم الأوّل: تشير هذه الآية إلى نعم وبركات الهجرة في الحياة الدنيا، فتقول إن الذي يهاجر في سبيل الله إلى أي نقطة من نقاط هذه الأرض الواسعة، سيجد الكثير من النقاط الآمنة الواسعة ليستقر فيها، ويعمل هناك بالحقّ ويرغم أنف المعارضين “وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً “. ويجب الالتفات إلى أن عبارة (مراغم) مشتقة من المصدر (رغام) على وزن (كلام) والذي يعني التراب، والإرغام معناه التمريغ في التراب والإذلال و(مراغم) صيغة لاسم المفعول واسم مكان أيضا. وقد وردت في الآية هذه بمعنى اسم مكان كذلك، أي أنّها المكان الذي يمكن فيه تحقيق الحق وتطبيقه والعمل به، كما يمكن فيه إدانة المعارضين للحق وتمريغ أنفهم بالتراب. بعد ذلك تشير الآية في القسم الثاني منها إلى الجانب المعنوي الأخروي للهجرة: “وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً”، وعلى هذا الأساس فإن المهاجرين في كل الأحوال سينالهم نصر كبير، سواء وصلوا إلى المكان الذي يستهدفونه ليتمتعوا فيه بحرية العمل بواجباتهم، أو لم يصلوا إليه فيفقدوا حياتهم في هذا الطريق، وفي هذا المجال وعلى الرغم من بداهة حقيقة تلقي الصالحين أجرهم من الله سبحانه وتعالى، إلّا أنّ الآية موضوع البحث قد صرحت بهذا الأمر بقولها: “فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ” وهذا يوضح مدى عظمة وأهمية الثواب والأجر الذي يناله المهاجرون.
قال الله تعالى “وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا” (النساء 100) عن صفحة الالوكة الشرعية: وقد اختلف فيمن كان هذا المهاجر الذي نزلت فيه تلك الآية: أهو ضمرة بن جندب، أو جندب بن ضمرة، أو ضمرة بن العيص، أو العيص بن ضمرة بن زنباع، أو حبيب بن ضمرة، وذكر أبو عمر أنه خالد بن حزام بن خويلد، ابن أخي خديجة، وأنه هاجر إلى أرض الحبشة، فنهشته حية في الطريق قبل أن يبلغ أرض الحبشة، فنزلت فيه الآية، والله أعلم. وقد قسم العلماء الذهاب في الأرض إلى قسمين: هربًا وطلبًا، فالأول ينقسم إلى ستة أقسام: الهجرة وهي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، والخروج من أرض البدعة، والخروج من أرض غلب عليها الحرام، والفرار من الأذية في البدن، وخوف المرض في البلاد الوخمة، والخروج منها إلى أرض النزهة، والسادس خوف الأذية في المال. أما قسم الطلب، فينقسم إلى قسمين: طلب دين وطلب دنيا، فأما طلب الدين فيتعدد بتعدُّد أنواعه إلى تسعة أقسام: سفر العبرة، وسفر الحج، وسفر الجهاد، وله أحكامه، وسفر المعاش، وسفر التجارة والكسب الزائد عن القوت، وطلب العلم، وقصد البقاع، والثغور للرباط بها، وتكثير سوادها للذب عنها، وأخيرًا زيارة الإخوان في الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زار رجل أخًا له في قرية، فأرصد الله له ملكًا على مدرجته، فقال: أين تريد؟ فقال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك من نعمة تربها عليه؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)، رواه مسلم وغيره، ومن الجدير بالذكر أن للعلماء آراءً مختلفة حول ما سبق ذكره.
ان الهجرة في اقامة الحق والعدل على ارض الله الواسعة بعيدا عن البلد الذي لا يقدر المهاجر البقاء به كونه يتعرض الى ضغوطات تمنعه عن اداء واجباته ومنها الدينية تصبح واجبة وعندها عند وفاتهم يلاقون رب رحيم قال الله تبارك وتعالى “وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّـهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” (الحج 58)، و”وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” (النساء 100)، و”الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّـهِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُون” (التوبة 20). اما اذا مات الانسان في وطنه خانعا لحكامه الظالمين فان نار جهنم مصيره في الآخرة. قال الله تعالى “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” (النساء 97) ونزلت الآية في المسلمين الذين تخلفوا في الهجرة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الى المدينة. فكانت عاقبتهم سيئة في الدنيا حيث احرقت قريش ممتلكاتهم وخسروا الاخرة لعدم الهجرة. ومن الهجرات الناجحة قبل هجرة المدينة هجرة المسلمين الى الحبشة لوجود ملك عادل غير ظالم.
جاء في موقع موضوع في مقالة ما معنى الهجرة للكاتب محمد مروان: الهجرة تعني الانتقال من مكان إلى آخر بشكل مؤقت أو دائم في الإقامة، سواء تمت الهجرة من قبل شخص واحد أو من قبل مجموعة من الناس. وقد حدثت هجرات طوال تاريخ البشرية، بدأت بتحركات أول مجموعات بشرية من أصولها في شرق أفريقيا إلى مواقعها الحالية المختلفة في العالم، وقد تكون الهجرة كالتالي: الهجرة بين القارات، أو الهجرة بين البلدان داخل قارة معينة، أو الهجرة الإقليمية (داخل البلد نفسه)، وأهم أشكال الهجرة هي الهجرة من الريف إلى المدن بحثاً عن فرص حياة أفضل، والبحث عن العمل، وتؤثر الهجرة البشرية على الأنماط والخصائص السكانية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البلد الجديد.